تشهد مدينة القامشلي في شمال شرقي سوريا، توتّراً أمنياً كبيراً على خلفيّة الاشتباكات المستمرّة بين ميليشيات “الدفاع الوطني” التابعة لنظام الأسد، وقوات “الأسايش” التابعة للإدارة الذاتية “الكردية”، فيما تتواصل الجهود الروسية الرامية إلى إعادة الهدوء إلى المدينة، من دون أن تنجح إلى الآن، إذ تسري في الأوساط الكردية اتهامات للنظام بمحاولة افتعال مشكلة جديدة، تفضي إلى هدنة بوساطة روسية، يتم من خلالها السماح لنظام “بشار الأسد” بإجراء الانتخابات في المناطق الخارجة عن سيطرته في شمال شرقي سوريا وتحديدا محافظة الحسكة وريفها.
وتشهد أحياء مدينة القامشلي منذ مساء الثلاثاء اشتباكات متقطعة تجددت أمس الخميس، غداة أخرى مماثلة، كانت اندلعت بين الطرفين، وتسببت خلال ساعاتها الأولى، بمقتل عدة عناصر بينهم مسؤول أمن الحواجز العامل في “الأسايش”، “خالد حجي”، إثر هجوم شنّه عناصر من “الدفاع الوطني”، على حاجز عسكري بالقرب من دوار الوحدة، القريب من حي طيّ، ذي الغالبية العربية من السكّان الموالين للنظام.
على إثر ذلك، استقدمت قوات “الأسايش” تعزيزات إلى المنطقة عقب الهجوم، ما أدى إلى اتساع نطاق الاشتباكات بين الطرفين إلى حي حكو، وبعض الأحياء الأخرى القريبة من مطار القامشلي الخاضع لسيطرة القوات الروسية.
وحسبما أكدت مصادر محلية، فإن 8 أشخاص على الأقل من عناصر “الدفاع الوطني” قتلوا وأصيب أكثر من 20 منهم بعضهم بحال حرجة، بعد اقتحام قوى “الأسايش” لحي طي، وسيطرتها على الحاجز الرئيسي لـ”الدفاع الوطني” فيه، مشيرة إلى أن الطرفين استخدما أسلحة متوسطة في الصراع.
توتر للوصول لهدنة جديدة
في معرض حديثه على الاشتباكات، يرى المحلل السياسي “هوزان خليفة”، أن رقعة المعارك ستتسع أكثر خلال الأسبوعين المقبلين لتشمل مناطق جديدة خارج مدينة القامشلي، مشيرا الى أن النظام افتعل هذه المشكلة لخلق توتر في المنطقة بغية الوصول بعد ذلك لهدنة تمكنه من إجراء الانتخابات في المناطق الخارجة عن سيطرته في محافظة الحسكة.
وحول فشل الوساطة الروسية بفك الاشتباك، يؤكد “خليفة” أن الجانب الروسي قادر على حلّ هذا الخلاف الدموي لو أراد، لأنه من يدعم النظام وميليشياته في المحافظة، لكنه يحاول منح قوات النظام بعض الوقت لخلط الأوراق في المحافظة، بغية الوصول الى ترتيب جديد يلبي تطلعاته المؤقتة، ويشدد “خليفة” على أن من مصلحة الروس أيضا إجراء الانتخابات في القامشلي والحسكة و جميع المدن والبلدات في الشمال السوري.
وكان المركز الإعلامي لقوى “الأسايش” التابعة للإدارة الذاتية، قد حمل ميليشيات “الدفاع الوطني”، مسؤولية التطورات الأخيرة، مشيراً في بيان إلى أن “الدفاع الوطني يسعى لضرب حالة الاستقرار والأمن في مدينة القامشلي”، موضحاً أن أحد عناصر “الدفاع الوطني” أطلق النار على حاجز لـ”الاسايش” عند دوار الوحدة والمحاذي لحي طي في القامشلي، ما أدى إلى مقتل أحد عناصره.
أما عضو الهيئة الرئاسية في حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، “صالح مسلم”، فقد اتهم كلّاً من روسيا والنظام، بالتلاعب والعمل على ضرب الاستقرار في محافظة الحسكة، وبثّ الفوضى وترهيب الأهالي، حيث قال في تصريحات صحافية، “لقد بات الأمر معروفاً” ستفتعلان المشاكل، ثم تتدخل روسيا، هذا الأمر يتم بشكل متعمد، وهو تصرف لا أخلاقي”.
يشار الى أن الجانبين دخلا في نزاع مسلح في شهر كانون الثاني\ يناير الماضي في مدينتي القامشلي والحسكة، ولم يتوقف إلا بعد تدخل الجانب الروسي الذي يتخذ من مطار القامشلي قاعدة لقواته.
وتسيطر القوى الكردية على نسبة كبيرة من محافظة الحسكة باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة وبعض القرى، إضافة إلى مطار القامشلي، وفوجين عسكريين هما “الفوج 123″ قرب الحسكة، و”الفوج 154” قرب مدينة القامشلي.
كما تسيطر قوات النظام على مناطق عدة على الشريط الحدودي مع تركيا، وذلك على إثر اتفاق تركي ـ روسي أبرم أواخر عام 2019، بعد العملية العسكرية التركية في منطقة شرقي نهر الفرات.
لا انتخابات دون الاعتراف بالإدارة الذاتية
تؤكد مصادر في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أنها لن تسمح بوضع صناديق الانتخابات الرئاسية في المناطق التي تسيطر عليها، مشيرة الى أن أحزاب “الإدارة الذاتية” ترى أن هذه الانتخابات مغامرة من جانب الروس والنظام والإيرانيين لفرض الأمر الواقع، وتفتقر إلى دعم المجتمع الدولي ودعم الشعب السوري الذي لا يرى في هذه الانتخابات منقذاً للوضع.
الصحفي والكاتب المختص في الشأن السوري “خالد جكو” يقول إن هناك إشارات عن تواصل دمشق مع الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، كي تكون تلك المناطق مشمولة بالانتخابات الرئاسية المزمعة نهاية الشهر القادم، بحيث يتم وضع الصناديق في مراكز انتخابية في تلك المناطق، مؤكدا أن الكرد يواجهون ضغوطات مزدوجة بين ضغوطات روسية، للموافقة على وضع صناديق الاقتراع الرئاسية السورية داخل مناطقهم، وضغوطات أميركية مقابلة رافضة للطلب الروسي”.
وحسب “جكو” فإن الادارة الذاتية جاهزة للتفاوض والاتفاق مع دمشق، بخصوص شمول المناطق الشمالية والشرقية بالعملية الانتخابية، لكنها تريد من العاصمة السورية في المقابل الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية.
من جانب آخر يتوقع المحلل السياسي، “عدنان الخلف” أن تتخذ الإدارة الذاتية من الانتخابات الحالية موقفاً مشابهاً لما حدث مع الانتخابات الماضية، بحيث تمنع وصول صناديق الاقتراع إلى المناطق التي تسيطر عليها، لكنها في الوقت ذاته لن تعارض وصول الراغبين بالمشاركة إلى مربعات النظام الأمنية في مدينتي الحسكة والقامشلي شمال شرقي سورية.
يشار إلى أن القوات الكردية تسيطر على معظم محافظتي الحسكة والرقة ومناطق في ريف حلب الشمالي ودير الزور، وفي حال عدم سماح “الإدارة الذاتية” بإجراء انتخابات الرئاسة في مناطقها، ستنضم إلى مناطق شمال غرب سورية التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية.
ويتوزع حوالي خمسة ملايين آخرين بين مناطق سيطرة المعارضة في كل من إدلب وشمال حلب، ومناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” الكردية شمال شرق سورية، ما يعني أن “الأسد” لن يكون قادراً على وضع صناديق الاقتراع في مساحات واسعة من البلاد، في حال رفضت القوى الكردية ذلك.