بينما يعاني لبنان، من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية، واضطرابات تتعاظم منذ استقالة حكومة الحريري، حذر رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع” خلال الساعات الماضية، من اندلاع احتجاجات اجتماعية في حال حدث نقص السلع بالمتاجر والمطاحن والأدوية ومحطات البنزين في لبنان.
واعتبر “جعجع” أن زعماء لبنان يعيشون على كوكب آخر، لافتا إلى أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو تشكيل حكومة مستقلة عن الأحزاب كما يطالب المحتجون، كما أشار المسؤول اللبناني إلى عدم ظهور أي نتيجة لمحادثات تشكيل حكومة جديدة، قائلا “إن السياسيين يتصرفون كما لو أن شيئاً لم يتغير منذ أن عمت الاحتجاجات”.
أزمة وقود
قالت مصادر محلية أن كميات الوقود الموجودة في خزانات الشركات المستوردة للمشتقات النفطية، بدأت بالنفاذ، وقد لا تكفى إلا للعشرة أيام المقبلة، كما أن الشركات لن تتمكن من استيراد كميات جديدة بسبب رفض المصارف فتح اعتمادات بالدولار، وفق الآلية المتفق عليها مع مصرف لبنان.
وقد أعلنت بعض المحطات في الضاحية وبيروت إقفال أبوابها، ورفعت خراطيم التعبئة، أما المحطات المتبقية فقد حددت سقف التعبئة إلى حد 15 لترا للشخص الواحد.
كارثة صحية
بالتوازي مع الأحداث السياسية الساخنة التي يعيشها لبنان، دقت نقابة المستشفيات ناقوس الخطر فيما هو متوقع بشأن القطاع الصحي المتدهور في البلاد، وأعلن نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان، “سليمان هارون”، أمس أن المنشآت الطبية ستتوقف الأسبوع المقبل عن استقبال المرضى، معتبرا أن البلاد “مقبلة على كارثة صحية” بسبب نقص السيولة المادية، وذلك في مؤتمر صحفي، الجمعة، نقلت وقائعه الوكالة الوطنية للإعلام، وهي الوكالة الرسمية للبنان.
وقال هارون في تصريحات صحافية “في شهر أغسطس الماضي حذرنا أننا سنصل إلى مرحلة لن تتمكن فيها المستشفيات من استقبال المرضى، بعدما عرضنا ما تواجهه من صعوبات لا سيما في علاقتها مع المتعاملين معها من أطباء وموظفين وتجار المعدات والمستلزمات الطبية والأدوية ومستورديها، بسبب نقص السيولة”.
أضاف نقيب المستشفيات أن “المخزون الحالي في البلاد يكفي لمدة لا تتجاوز الشهر واحد، علما أن عملية الاستيراد من الخارج تتطلب بين شهرين و3 أشهر. نحن مقبلون على كارثة صحية كبيرة إذا لم يتم تدارك الوضع فورا. وقد نجد المرضى يموتون في المستشفيات بسبب النقص مثلا في الفلاتر المستخدمة لغسل الكلي، أو الرسورات لتوسيع شرايين القلب، أو أدوية التخدير”.
وناشد” هارون” المسؤولين على مختلف المستويات، العمل فورا على السداد الفوري للمستحقات المتوجبة للمستشفيات والأطباء في ذمة وزارة الصحة والأجهزة الأمنية والعسكرية، حتى نهاية عام 2018 كخطوة أولى، كما طالب البنوك بتسهيل تحويل الأموال بالدولار الأميركي لمستوردي المستلزمات والأدوات الطبية وتجارها، لتوفير حاجة المستشفيات من هذه المستلزمات.
خروج المشافي عن الخدمة
حذر “هارون” من أن “المستشفيات أمام الحائط المسدود الذي وصلت إليه، ستقوم بتحرك تحذيري ليوم واحد، الجمعة المقبل (15 نوفمبر)، بالتوقف عن استقبال المرضى باستثناء الحالات الطارئة، وإنني على يقين أن المستشفيات وخصوصا في هذه الظروف الصعبة ستولي اهتماما خاصا بالمرضى المحتاجين الذين لا يتمتعون بأي تغطية صحية، وتوفر لهم العناية اللازمة في كل الأحوال”.
وشدد” هارون” على أن “هذا الموقف لا علاقة له بالأزمة السياسية الحالية التي تتخبط بها البلاد، إنما هو خطوة من ضمن خطة للتحرك، كنا قد وضعناها منذ أشهر، وبدأت بزيارات شملت كتلا نيابية ومسؤولين من مختلف التوجهات السياسية لم تصل للأسف إلى الحلول المطلوبة.
اقتصاد متعب
ورغم مرور أقل من شهر على الاحتجاجات، إلا ان الأزمة تراوح مكانها، مع تمسك أطراف المعادلة بمواقفها، وسط مخاوف من تدحرج الأوضاع نحو المزيد من التعقيد، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
وتجزم مصادر متطابقة بأن الاقتصاد اللبناني مثقل بواحد من أعلى معدلات الدين في العالم، كما أن معدل النمو منخفض منذ سنوات، يقترب حاليا من الصفر، وهو ما أشارت اليه وكالة «رويترز» في تقرير عن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان حالياً، تحت عنوان “مخاوف متزايدة من نقص السلع” وأوضحت الوكالة أنّ سياسة بعض المورّدين تغيرت، فباتت تكتب فواتيرها بالدولار بدلاً من الليرة، ما يعني أنّه يتعيّن على أصحاب المصالح الدفع بالدولار أو بالعملة المحلية لكن بزيادة تسعة في المئة وفقا للسعر غير الرسمي للصرف المحدد في ذلك اليوم” لافتة الى استنزف ركود الاقتصاد المحلي والتباطؤ في ضخ تدفقات نقدية من اللبنانيين المقيمين في الخارج احتياطيات مصرف لبنان المركزي من العملات الصعبة في السنوات الأخيرة.
وقال المصرف المركزي هذا الشهر إنه “سيعطي أولوية لتوفير الدولار لدفع مقابل واردات الوقود والأدوية والقمح بعد أن شكا المستوردون من أنهم لا يستطيعون الحصول على الدولار”.
استمرار الحراك
وكان “الحريري” قدم، استقالته لرئيس الجمهورية ميشال عون، في وقت سابق، بعد احتجاجات حاشدة استمرت نحو أسبوعين في مختلف أنحاء البلاد، إلا أن ذلك لم يضعف المظاهرات، وعن الأسباب التي تجعل الشارع اللبناني متمسكا بمواصلة التظاهر، قالت الباحثة السياسية،” رندى يسير”، لسكاي نيوز “من غير المقبول التوقف عن الاحتجاج بمجرد تحقيق مطلب واحد فقط، وهو استقالة الحكومة”.
لافتة الى أن الحراك ما زال مستمرا بكل المطالب التي ظهرت منذ اليوم الأول، معتبرة ان استقالة الحكومة هو مطلب بسيط مقارنة مع المطالب الأخرى، إذ يحاول اللبنانيون توجيه رسالة واضحة إلى أن الحراك لن يقف عند استقالة الحريري وحكومته.. المطلب الحقيقي يتجلى في إسقاط السلطة بالكامل”.
فمنذ اليوم الأول، بحسب الباحثة السياسية، تم تحديد المطالب وكانت التحركات عفوية.. لكن الآن هناك في الجهة المقابلة محاولة لتغيير هذه الصورة الإيجابية للمطالب الحقيقية.
من جهتها، اعتبرت أستاذة العلاقات الدولية ” ليلى نيقولا”، أن الشارع اللبناني لم يفرز، إلى حدود الساعة، قيادات موحدة بمطالب واحدة، وقالت “نحن اليوم أمام مشكلة.. لا نرى في الشارع اللبناني مطالب واحدة، كما أنه لم يفرز قيادات موحدة لتقول ماذا تريد”.
موضحة أن اللبنانيين يجمعون على مطالب اجتماعية واقتصادية “محقة”، مبينة أن الشعب اللبناني يفترض من السلطة السياسة أن تسارع إلى تقديم حلول سريعة، لكن هذا لم يحصل وهو ما يفسر استمرار التظاهرات.
ردود أفعال الشارع
تعالت الأصوات تنادي بإيجاد الحل السريع قبل اشتعال الكارثة، وتهافت المغردون على مواقع التواصل الاجتماعي ينادون، بتدارك الأزمة، حيث علق الناشط “بالوما ناصر” بالقول “لمن نموت نحن من الجوع وقدام باب المستشفيات.. لانو ما معنا حق اكل ولا عنا تأمين.. مقبول هالشي؟ “
متابعا “لازم تتسكر الطرقات وبيوت كل السياسيين ويشلوا حركة البلد لحتى يحسوا فينا شوي.. بيكفي سرقة ونهب.. مصوا دمنا وأمنوا مستقبل ولادون ع حسابنا.. وولادنا طلعوا بلا مستقبل.. بيحقلنا نعمل كل شي لانو يللي شفناه منون مش قليل”.
فيما كتبت “رولا جابر” معقبة ” راهانوا إنّو نمّل نتعب نترك الساحات ونفل؛كل مرّة وجودنا يقول.. منرفض نحن نموت؛ قولولن راح نبقى”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.