وحدة الدراسات الاستراتيجية في مركز دراسات مينا
منذ انطلاق الحرب في سورية قبل نحو ثماني سنوات، يستخدم أطراف الصراع خططاً استراتيجية وتقنيات عسكرية أحدثت تأثيراً بالغاً في مسارات الحرب, من أبرزها الاستخدام المتزايد للطائرات دون طيار التي أحدثت تغييراً على مستوى مفهوم القوة، وما ترتب على ذلك من نتائج عسكرية، لا سيما ما تعرضت له الميليشيات الإيرانية على يد إسرائيل. أو تنظيم داعش على يد التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن, وكذلك في الصراع العسكري ما بين فصائل المعارضة السورية، وروسيا وما نتج عن ذلك من استهداف قاعدة حميميم الجوية بذلك النوع من الطائرات.
المحاور
- لمحة عن نشأة الطائرات بدون طيار “الدرون”
- الطائرات بدون طيار وتأثيرها العسكري في الحرب السورية
- الاستخدام الواسع للطائرات بدون طيار في سورية
- إسرائيل وإيران وتركيا وروسيا
- استخدام الطائرات دون طيار ضد قاعدة حميميم الروسية
- الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية للطائرات دون طيار في الحرب السورية
- خاتمة ومراجع
شهدت ساحة الصراع السورية تنافساً غير مسبوق بين الدول والميليشيات المسلَّحة على امتلاك الطائرات بدون طيار، بوصفها سلاحًا أثبت فاعليته خلال مراحل الصراع المتعددة، وأظهرت ميلًا متسارعًا لتطويرها ونشر المزيد منها في المنطقة، وتحسين قدراتها العسكرية لاستهداف الأصول العسكرية المتحاربة.
لمحة عن نشأة الطائرات بدون طيار”الدرون”
إن فكرة الطائرة دون طيار وصناعتها ليست جديدة، بل قديمة بدأت منذ 180 عامًا، وذلك عام 1839، عندما هاجم الجنود النمساويون مدينة البندقية ببالونات مسيرة مليئة بالمتفجرات، نجح بعضها وارتطم بعضها الآخر، وقصف خطوط النمساويين، الأمر الذي أدى إلى عدم اعتماد هذا الأسلوب على نطاق واسع. وعدت رحلة الأخوين رايت المشهورة عام 1900 خطوة مهمة في عالم تصنيع الدرون، فبعدها بـ 16 عامًا فقط، طورت بريطانيا العظمى أول طائرة مجنحة سمتها” طائرة روستون بروكتور الجوية” المعتمدة على تصميمات الفيزيائي “نيكولا تيسلا”، وعلى الرغم من أن تكنولوجيا هذه الطائرة بدائية، فإنها تعدُّ محاكية لطائرة الدرون الحاليّة، وذلك لأنها عملت بواسطة التحكم اللاسلكي. وفي عام 1917، حاولت بريطانيا استخدام هذه الطائرة المحملة بقنبلة في الحرب العالمية في ساحة المعركة الجوية، بهدف ضرب منطاد “زيبلين” الألماني (منطاد ألماني كان يستخدم في الحرب العالمية الأولى بصفته قناصاً وأداة استطلاع) رغم أن مخترعها اعتقد أنه يمكن استخدامها ضد أهداف أرضية. وأدى فشل الجيش البريطاني في تحقيق هدفه من الطائرة، إلى إلغاء هذا المشروع، وعدَّ الطائرات الجوية المسيرة لديها إمكانات عسكرية محدودة، وهذا ما لم يعتقده الجيش الأمريكي، ففي عام 1918 أنشئ بديل أمريكي أُطلق عليه اسم “طائرة هيويت سبيري الأوتوماتيكية” في تجربة أثبتت نجاحها وطوِّرت فيما بعد.
شهدت الطائرات دون طيار تطورًا ملحوظًا خلال فترة الحرب العالمية الثانية (شهدت عددًا من التطورات التكنولوجية) وذاع صيتها فترة الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، باستخدامها للتجسس، لكن التفاصيل ما زالت سرية، والتقارير المسربة غالبًا ما تكون متناقضة”1″. ويطلق عليها أيضاً اسم “درونز”، اشتقاقاً من اللغة الإنجليزية” drones” وهو اسم ذكر النحل؛ حيث صنعت الولايات المتحدة 15000طائرة دون طيار صغيرة للتدريب على التصدي للطائرات خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945، في مصنع جنوب كاليفورنيا ميِّز الكثير منها بأشرطة سوداء وضعت على طول ذيل كل منها، بما يجعلها تشبه ذكر النحل”2″. وفي هذه اللمحة التاريخية نجد أن أول التجارب العملية لهذه الطائرة كانت في إنجلترا سنة 1917، وقد طوِّرت هذه الطائرة من دون طيار سنة 1924. وكان أول استخدام لها عملياً في حرب فيتنام، ومن ثم استخدمت في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. ولكن لم تحقق النتيجة المطلوبة فيها لضعف الإمكانات في ذلك الوقت ووجود حائط الصواريخ المصري، لتكون أول مشاركة فعالة لها في معركة سهل البقاع بين سورية وإسرائيل ونتج عنها إسقاط 28 طائرة سورية دون خسارة أي طائرة إسرائيلية.”3″
الطائرات بدون طيار وأثرها العسكري في الحرب السورية
تعد الطائرات بدون طيار السلاح الأكثر تقدماً بين الأسلحة التي يتحكم بها عن بعد, تستخدمها أطراف الصراع لتنفيذ خطط الاغتيالات التي تبررها الولايات المتحدة بما يسمى “الحرب على الإرهاب” رغم مخالفتها للأعراف العسكرية وللقانون الدولي, وما يثير القلق امتلاك دول الصراع السوري لهذه الطائرات “الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا وإيران وتركيا” على نطاق واسع.
يطلق السوريون على الطائرة دون طيار”اسم “الزنانة” لما تسببه الالآت من أزيز متواصل أثناء الطيران, يجري التحكم بها عن بعد بواسطة الطيار الأرضي, وبعضها يكون التحكم ذاتيًا عن طريق البرمجة أو ما يسمى “الطيار الآلي”, الذي يقودها من الإقلاع ولغاية الهبوط. وتظهر في السماء السورية بأشكال مختلفة غالبيتها ذات أجنحة ثابتة (Fixed Wings). أسقط العديد منها بالدفاعات الجوية, أو ذاتيًا نتيجة خلل فني بالطائرة. تحمل بعضها معدات عسكرية كالصواريخ والقذائف وبعضها الآخر أجهزة الاستطلاع والإنذار المبكر وكاميرات التصوير عالية الدقة. واشتركت ولمَّا تزل في المعارك الدائرة بين أطراف الصراع السوري, وفق عدة طرق: كتوفير الدعم الجوي في الهجوم أو الدفاع, والبحث عن أي أنشطة عسكرية مشبوهة لتهاجمها, وعلاوة على ذلك تقوم بالقتل المستهدف للمسلحين المشتبه بهم “4”.
الاستخدام الواسع للطائرات بدون طيار في سورية
بعد أكثر من ثماني سنوات من الحرب، أصبحت السماء السورية مشبعة بطائرات من عدة جيوش وميليشيات وجماعات مسلحة، كل منها يسعى إلى تحقيق أهدافه الخاصة، وذلك باستخدام سورية كساحة لاختبار الأسلحة. وبالأخص الطائرات دون طيار, فالولايات المتحدة ومعها الميليشيات الكردية استخدمت الطائرات بدون طيار ضد تنظيم “داعش” قبل أن ينهار بشكل كبير في الربيع الماضي. وفي الوقت نفسه، شنت إسرائيل هجمات واسعة بهذه الطائرات ضد الميليشيات الإيرانية ولا تزال, فيما لم تفارق الطائرات الروسية أجواء المناطق المحررة التي تستهدف فصائل المعارضة والبنى التحتية, وبالمقابل شنت فصائل المعارضة على نحو متتابع عدة هجمات بواسطة هذه الطائرات على قاعدة حميميم الجوية التي تحتلها روسيا, أما تركيا فقد استخدمتها في معركة عفرين ضد وحدات الحماية الكردية, فيما استخدمت إيران وميليشياتها المسلحة هذه الطائرات على نطاق واسع ضد فصائل المعارضة, وكذلك ضد إسرائيل بشكل محدود.
وفي سياق التنافس الدولي والإقليمي وكذلك المحلي, على استخدام الطائرات دون طيار في الصراع على سورية، يمكن رصد ذلك على النحو التالي:
إسرائيل:
على صعيد الحرب الدائرة في سورية منذ عام 2011م، فإن إسرائيل تستخدم الطائرات دون طيار كأداة قتال هجومية رديفة لسلاح الطيران المأهول والصواريخ بعيدة المدى, وقد ركزت بشدة على إبعاد حزب الله عن مجالها الجوي, ومنع نقل الأسلحة عبر الحدود السورية العراقية إلى الأذرع العسكرية الإيرانية في كل من سورية ولبنان, وقد “عرضت الشركة الإسرائيلية “بلوبورد” الطائرة بدون طيار “مايكرو درون تكتيك ميكروب” القادرة على التحليق لمدة ساعتين ضمن نطاق 10 كم وهي مدة مناسبة للقيام بمهام المراقبة والاستطلاع وخصوصًا في المناطق الحدودية، كما تستخدم لمهام البحث والإنقاذ. وفي المجال الأمني، يمكن استخدام هذه الطائرة المسيّرة عن بعد، لتأمين القوافل العسكرية. وقد طورت الشركة الإسرائيلية أيضًا طائرة مسيّرة أخرى هي “سبايلايت” المناسبة للمهام القتالية والتجسس والرصد والاستطلاع، ويمكن لها التحليق لمدة تصل إلى أربع ساعات متواصلة ضمن نطاق80 كم. وقد أجرت هذه الطائرة أكثر من 10 آلاف طلعة جوية منذ دخولها الخدمة في 2006.” وفي المعرض الدولي للدفاع والأمن بباريس، كشفت شركة “إسرائيل لصناعات الطيران” عن طائرتها بدون طيار “الانتحارية” وعرضت فيديو لواحدة من التجارب الناجحة لهذا السلاح الجوي الفتاك الذي يطلق عليه “بابتيسي روتم 1200” وهي “درون” صغيرة الحجم يمكن لها الإقلاع بشكل عمودي كباقي الطائرات المسيّرة التي تستخدم من قبل الهواة. وهدفها الأساسي هو رصد الأهداف المعادية ثم الانقضاض عليها بشكل مباشر لتفجيرها، حيث إنها محملة بقنبلتين وتزن 5,8 كلغ. كما صنعت الشركة الإسرائيلية طائرة درون “انتحارية” أخرى هي “هاروب” التي تنفجر مباشرة في الأهداف المعادية، وهي قادرة على القيام بمهامها في المناطق العمرانية ضمن نطاق 10 كم”5″.
وتعد قاعدة بالماخيم مركزًا لإدارة هجمات هذه الطائرات ضد الميليشيات الإيرانية في سورية ولبنان، تقع جنوب تل أبيب وإلى الشمال الشرقي من أشدود، يشار إليها في بعض الأحيان باسم “يافني” وهي المنطقة القريبة من مركز سوريك للأبحاث النووية، وتعدُّ هذه القاعدة المركز الأساسي لطائرات الهيلوكوبتر المقاتلة، كما تضم مساحات واسعة تستخدم لتدريبات المدفعية. وتستخدم القاعدة أيضا كمنصة لإطلاق الأقمار الاصطناعية التجسسية مثل أوفيق 1 الذي أطلق إلى الفضاء في التاسع عشر من ستبمبر/ أيلول 1988″6″، كما تدار هذه الطائرات من مهبط قريب من مستوطنة كريات شمونة شمال إسرائيل.
إيران
تفيد التقارير المختلفة أن الميليشيات الإيرانية تستخدم بشكل متنامٍ الطائرات بدون طيار لمهاجمة فصائل المعارضة المسلحة السورية, كونها إحدى دول الشرق الأوسط التي تشهد تطورًا كبيرًا في مجال صناعة الطائرات دون طيار؛ إذ أعلنت، خلال العقد الأول من القرن الحالي، عن إنتاج طائرة دون طيار لأغراض استطلاعية, وفي العام 2013م تمكنت من تطوير طائرة استطلاع دون طيار أطلقت عليها “فطرس”، بطول 7 أمتار، ومدى طيران يصل إلى 2000 كم”7” وبحسب الصحفي مهدي يختياري من وكالة أنباء “فارس” الرسمية، هذا يعود الى تمكن إيران من”زيادة قدراتها والاستفادة من أحدث التقنيات بعد أن استولت على طائرات مسيرة أمريكية وأخرى اسرائيلية””8″.
وباتت الطائرات دون طيار تشكل ملاذًا لإيران؛ فقد أصبحت تملك أسطولاً جوياً من نوع آخر بعيداً عن تعقيدات تقنيات الطيران المأهول الحديث, وذكر تقرير لمنظمة صناعات الطيران الإيرانية، بأن طهران “هي القوة الخامسة عالمياً في صناعة الطائرات المسيرة” وأهم الطائرات المسيرة، التي لا زالت قيد التطوير:”كرار”، “مهاجر”، “فطرس”، “الصاعقة”. وقال مسؤولون إيرانيون: إن الطائرات المسيرة يمكنها البقاء في الجو حتى 48 ساعة، ويمكن التحكم بها من بعيد وقصف أهداف تبعد حتى 1000 كم عن حدود إيران”9″. وكشفت إيران علنًا عن طائرة جديدة بدون طيار، وهي جزء من ترسانتها المتنامية من الطائرات والذخائر المنتجة محليًا. حيث شهدت طفرة في الآونة الأخيرة لجهة إظهار التكنولوجيا العسكرية الجديدة. وعرضت راداراً جديداً في 10 أغسطس ونظام دفاع صاروخي جديد في 22 أغسطس. و تسمى الطائرة بدون طيار الجديدة كيان ومن المفترض أن تكون قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة ضد “أهداف بعيدة””10”. كما عرضت إيران طائرة بدون طيار أخرى تدعى “مبين” في 27 أغسطس. يمكن أن تطير إلى ارتفاع يصل إلى 45000 قدم لمدة 45 دقيقة، ولها رأس حربي يبلغ 120 كجم. كما أظهرت طهران “قنابل ذكية” جديدة في السادس من آب (أغسطس)، وفقًا للتقارير، أُطلق عليها اسم ياسين وبلابان وسلسلة جديدة من “القنابل البصرية” في القائم، ويمكن استخدامها على الطائرات بدون طيار ولديها معدات “متطورة وموجهة بدقة””11”. في يناير/كانون الثاني الجاري، عرضت إيران أيضًا طائرة بدون طيار أخرى تدعى “سايجه-2” التي تبدو كطائرة استطلاع متوسطة المدى على غرار الطائرة الأميركية RQ-170. بالإضافة إلى تلك الأنواع المذكورة أعلاه، تمتلك طهران أيضًا “كامان-12″ التي يُفترض أنها تطير لمدة عشر ساعات، ولديها حمولة 100 كجم”12”. يمكن لـ “لشاهد 129” إطلاق القنابل والصواريخ. هناك أيضا صاروخ “أخجار” الذي صنعته إيران لتجهيز طائراتها بلا طيار. يبلغ مدى الصاروخ 1.7 متر مدى 30 كم “13”.
من الملاحظ أن إعلان الطائرات بدون طيار الإيرانية صدر باللغة الإنجليزية – عبر وكالات إعلامية فارسية مثل ISNA وPressTV لترويج هذه المعلومات في الأوساط الغربية”14″ لإظهار إيران كقوة عسكرية تملك تقنيات دقيقة من الأسلحة المتطورة. لكن لم يتضح ما إذا كانت جميعها تعمل جيدًا. كما يأتي هذا الاستعراض الإيراني من باب تهديد إسرائيل أو غيرها من البلدان. وقال علي رضا صباحي قائد الدفاع الجوي في الجيش الإيراني العميد جنرال. – فردان قادر على ضرب أهداف “بعيدة عن حدود إيران””15”. كذلك فإن إيران تقوم بنشر هذه الأسلحة للتباهي، ولإرسال رسالة إلى واشنطن وحلفائها؛ أنه على الرغم من العقوبات الأمريكية، فإن البلاد تخزن بسرعة أنظمة الأسلحة المتقدمة.
وفي أبريل 2018، استهدفت قاعدة التيفور الجوية مرة أخرى وأنظمة الطائرات المسيرة الهجومية الإيرانية في البلاد بغارة جوية يفترض أن إسرائيل نفذتها – ما أدى الى تصعيد التوترات بين إسرائيل وإيران”16″.
تركيا
تعدّ تركيا واحدة من ست دول في العالم لديها القدرة على إنتاج طائرات مسيّرة مسلحة ومزودة بقنابل ذكية وأنظمة إلكترونية متطورة. وفي مطلع هذا العام اختبرت شركة توساش التركية طائرة جديدة بدون طيار تحمل اسم “العنقاء-أقسونغور”. ذات قدرات عالية، كنقل حمولة بوزن يتجاوز الـ700 كيلو غرام. وقد حلقت الطائرة لأول مرة في الأجواء لمدة 4 ساعات و20 دقيقة، بتقنية الإقلاع والهبوط التلقائي. وسيتم استخدام الطائرة المحلية الجديدة في مهام مختلفة، مثل الاستطلاع والمراقبة والهجوم”17″ كما تستعد تركيا لتسليم قطر 6 طائرات بدون طيار من طراز “بيرقدار TB2″، ضمن صفقة وُقّعت بين الجانبين عام 2018 “18” وقد استخدم الجيش التركي طائرات دون طيار في إطار عملية غصن الزيتون 20 يناير/كانون الثاني 2018م ضد المقاتلين الأكراد في منطقة عفرين”19″ قبل هزيمتهم والسيطرة التركية مع بعض فصائل المعارضة المسلحة على تلك المنطقة.
روسيا
اهتمت روسيا بشكل كبير بالدور الهام الذي لعبته الطائرات بدون طيار في الصراع السوري. كما أن القدرات التقنية المحلية في روسيا آخذة في التحسن، مع وجود شائعات بأن الجيش الروسي يختبر نموذجًا جديدًا لطائرة بدون طيار قادرة على الهجوم تدعى “أوريون”. وهي من إنتاج مجموعة “كرونشتادت” الصناعية الروسية، وقد صنعت لتنفيذ الدوريات الجوية واستطلاع الأهداف البرية من أجل تحديد وتعديل نيران المدفعية وتقييم نتائج إطلاق النار والاستطلاع الطوبوغرافي للمنطقة. ويبلغ طول الجناح في الطائرة 16 مترا وطول الهيكل 8 أمتار. وتتمكن من التحليق على ارتفاع 7.5 كم. وتصل سرعتها إلى 200 كم/الساعة. ويبلغ الحد الأقصى لمدة الرحلة 24 ساعة. ويشكل الوزن الفعلي للطائرة 1200 كغ ووزن الحمولة 300 كغ.”20″. ومن أبرز الأمثلة على تأثير الطائرات دون طيار، في الاستراتيجيات العسكرية، ما ذكرته، وزارة الدفاع الروسية أنه “في بداية تدخلها العسكري في سورية، كان هناك 400 طلعة جوية بدون طيار شهرياً. وبحلول أواخر عام 2017، بلغت أكثر من 1000 طلعة جوية شهريًا” وفقًا لما ذكره سام بينديت، الخبير في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار الروسية في مركز أبحاث CNA ومقره فرجينيا. كما أن وجود طائرات روسية بدون طيار مرخص لها من إسرائيل في ساحة المعركة يعطي مثالاَ لتعقيدات علاقة إسرائيل وروسيا في سورية، وتمتد أيضا إلى العلاقات الدبلوماسية بين الحكومتين”21″.
استخدام الطائرات دون طيار ضد قاعدة حميميم الروسية
منذ التدخل الروسي في الحرب السورية لمساندة نظام الأسد في سبتمبر/أيلول عام 2015م، تزايد عدد هجمات الطائرات بدون طيار على قاعدة حميميم الروسية الواقعة في ريف اللاذقية إذ تمكنت فصائل المعارضة السورية المسلحة من إدخال الطائرات الصغيرة دون طيار، في منظومة تسليحهم؛ لأغراض الهجوم, والاستطلاع، والمراقبة، والمسح، فقد تعرضت القاعدة الجوية الروسية في حميميم لهجوم في 31 ديسمبر 2017 ما أدى إلى مقتل جنديين من الروس, وتدمير أربع طائرات من طراز Su-24 واثنتين من طرازSu-35S وطائرة من طراز An-72. وشكل هذا الهجوم أكبر خسارة في عتاد الجيش الروسي منذ بداية تدخله في الحرب السورية”22″. وفي 6 يناير/كانون الثاني 2018، شنت طائرات بدون طيار هجوماً جديداً على قاعدة حميميم”23″, ويتضح من هذه الحوادث أن الطائرات بلا طيار تشكل تهديدًا مباشرًا للقوات الروسية داخل سورية. منذ ليلة رأس السنة 2018م ولغاية 4/9/2019، فقد أكدت التقارير أن أكثر من خمسين طائرة هاجمت قاعدة حميميم خلال 18 شهراً. ولكن الغريب في مثل هذا الهجوم الجريء على هدف رفيع المستوى، لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن أي من هذه الضربات. بالنظر إلى أعداد الطائرات بدون طيار المشاركة في هذه الغارات والمكانة البارزة للقاعدة العسكرية المستهدفة، “24”. وادعت وزارة الدفاع الروسية أن هذه الطائرات بدون طيار مدعومة دولياً، غير أن مواد صناعتها وما تحتويه من الأغطية البلاستيكية والشرائط والتصميم البسيط يكذب الرواية الروسية. وقال الباحث والصحفي المتخصص في دراسة الحركات المتطرفة والإرهابية في الشرق الأوسط أنطون مارداسوف، في تقرير نشره موقع “نيوز ري” الروسي، إن روسيا استخدمت هذه التهديدات مبرراً لشن عملية عسكرية في إدلب. ويبدو أن إيران تريد إثارة حملة عسكرية في المحافظة بمساعدة القوات الموالية لها”25″.
ويوضح الجدول التالي نماذج لأبرز استهدافات قاعدة حميميم الجوية بالطائرات دون طيار”26″:
عدد الطائرات المهاجمة | الموقع العسكري المستهدف | التاريخ | النتائج |
13 | قاعدة حميميم | 31/12/2017 | تدمير أربع طائرات من طراز سوخوي-24، ومقاتلتين من طراز سوخوي-35 إس، وطائرة نقل من الطراز أنتونوف-72، بالاضافة إلى انفجار مستودع ذخيرة، ومقتل جنديين وإصابة أكثر من 10 جنود على الأقل. |
7طائرات | قاعدة حميميم | 11/3/2018 | محيط القاعدة |
5 طائرات | قاعدة حميميم | 25/4/2018 | محيط القاعدة |
طائرة واحدة | قاعدة حميميم | 22/5/2018 | محيط القاعدة |
7طائرات | قاعدة حميميم | 1/7/2018 | محيط القاعدة |
طائرة واحدة | قاعدة حميميم | 29/7/2018 | محيط القاعدة |
طائرة واحدة | قاعدة حميميم | 12/8/2018 | محيط القاعدة |
6طائرات | قاعدة حميميم | 26/6/2019 | محيط القاعدة |
طائرتان | قاعدة حميميم | 22/7/2019 | محيط القاعدة |
طائرتان | قاعدة حميميم | 20/5/2019 | محيط القاعدة |
7طائرات | قاعدة حميميم | 4/9/2019 | محيط القاعدة |
وبصرف النظر عما أحدثته تلك الطائرات دون طيار, الموضح في الجدول أعلاه، يمكن استنتاج تأثيرات أخرى، تحاول أطراف الصراع تحقيقها، على النحو التالي:
- على افتراض أن الهجمات وهمية أو حقيقية, فإن روسيا استخدمت هذه التهديدات مراراً لشن عدوانها العسكري على المدنيين في المناطق الخارجة عن نفوذ الأسد.
- دخول الطائرات دون طيار كسلاح لدى المعارضة المسلحة يعدُّ منعطفاً مهماً له تأثيره في الحرب الجارية.
الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية للطائرات دون طيار في الحرب السورية
ظهر الدور الفاعل لهذه الطائرات في الحرب السورية حينما أخذت بعداً إقليمياّ إثر استخدام أطراف الصراع الإقليمي والدولي لها على نطاق واسع على الأرض السورية, حيث استخدمها الجيش الإسرائيلي في استهداف الميليشيات الإيرانية وتعدّ قاعدة التيفور الجوية بالقرب من مدينة تدمر السورية, قاعدة انطلاق الطائرات دون طيار الإيرانية, وفي العاشر من شهر فبراير 2018م، أسقطت إسرائيل طائرة مسيرة إيرانية أطلقت من قاعدة جوية سورية. ردت عليها إسرائيل بغارات جوية ضد عدة أهداف إيرانية في سورية، منها قاعدة التيفور حيث يوجد مشغِّل الطائرات المسيرة الإيرانية”27″.
في أواخر عام 2015، بثت قناة SimaNews الإيرانية فيديو “يزعم أنه صوِّر في طائرة مقاتلة إيرانية بدون طيار يجري اختبارها في سورية”، وفقًا لتقرير أعده برنامج مراقبي فرانس 24. قامت مجلة جينس ديفنس ويكلي المتخصصة في الأسلحة ومقرها لندن بتحليل اللقطات وخلصت إلى أنها تُظهر طائرة من طراز Shah-129 تُطلق صواريخ أرض/أرض من نوع سادي-1، بما في ذلك ضربة واحدة خارج حلب في أكتوبر 2015. كشفت إيران عن طائرة “الشاهد 129″ في سبتمبر 2012 ودخلت حيز الإنتاج الضخم بعد ذلك بعام واحد. تشير جينس إلى أن الطائرة بدون طيار شوهدت في سورية في عام 2014 بعد ظهور صور توضحها في عمليات حول دمشق”28”.
في ضوء ما سبق، يمكن إبراز الأبعاد الاستراتيجية، والعسكرية للطائرات بدون طيار في الصراع السوري وبحسب السياق التالي:
- توفير تشغيل الطائرات المأهولة فمثلاً سعر الطائرة المأهولة كــ” أف 4 فانتوم الثانية” ستة ملايين دولار سنة 1962، وسعر الطائرة أف 15 إيغل 25 مليون دولار سنة 1974. يمكن شراء ألف طائرة بدون طيار بتكلفة الطائرة أف15 إيغل.
- تقنين استهلاك الوقود، فالوقود الذي تستخدمه الطائرة أف 4 فانتوم الثانية يكفي الطائرة دون طيار لـ 200 رحلة للمسافة نفسها وللمهمة ذاتها.
- انخفاض تكلفة تدريب الطيار، فتكلفة تدريب قائد الطائرة العادية مثل تورنيدو تبلغ ما يزيد على أربعة ملايين و651 ألف دولار، وبالنسبة لتدريب طيار طائرة بدون طيار فهي أقل، ويحتاج إلى ثلاثة أشهر فقط ليصبح قائداً محترفاً. علاوة على تصفير الخسائر البشرية، فقد يتعرض طواقم الطائرات الحربية المأهولة للقتل أو الأسر، فضلًا عن الخسائر الناجمة عن سقوط الطائرة ذاتها.
- الحصول على عدد كاف من هذه الطائرات لتسييرها في آن واحد، فإنها قد تكون أكثر كفاءة من البشر في جوانب عديدة، إذ قد تشكل قوة جماعية فتاكة في ساحة المعركة. كما أن سرب الطائرات من دون طيار لا يضم قائداً للمجموعة، وهذا يعني أن ذلك السرب يتحرك من خلال نظام ذاتي التنظيم تتساوى فيه جميع العناصر.
- قدرتها على تعطيل أنظمة الدفاع الجوي للعدو من خلال استخدامها كوسيلة للخداع، أو التشويش على الإشارات الإلكترونية، أو تحديد مواضع أجهزة الرادار لتدميرها, أو مراقبة التجمعات البشرية من خلال تتابع وصول الصور، وتسجيلات الفيديو المباشرة، إلى مراكز التحليل واتخاذ القرار.
خاتمة
بات خطر الطائرات بدون طيّار يدفع كل أطراف الصراع في الحرب السورية للتركيز على هذه التكنولوجيا الحديثة لاستخدامها في العمليات العسكرية, لإحداث تغييرات في موازين القوى نتيجة كلفتها المادية البسيطة, وما تحدثه من أثر فعال في الصراع وهذا ما أدركته “إسرائيل” قبل وقت طويل, فاستخدمت هذا النوع من الطائرات على نطاق واسع في استهداف القواعد العسكرية الإيرانية وكذلك في تعقب قادة ميليشيات حزب الله اللبناني التي اغتالت العديد منهم, وفي سياق هذه الحرب استغلت الولايات المتحدة هذا السلاح المتطور لاستخدامه ضد تنظيم داعش في سورية, وكذلك روسيا التي لا تغيب طائراتها المسيرة عن سماء المناطق السورية المحررة, وكذلك استثمرت فصائل المعارضة ما تقدمه هذه الطائرات من ميزات عسكرية بديلة عن الطائرات المأهولة التي تفتقدها لاستهداف القواعد العسكرية الروسية وبالأخص قاعدة حميميم الجوية فقد أربكت الروس رغم محدودية تأثيرها.
مراجع
- تطور صناعة الدرون.. وكيف تصدّرت تركيا هذا القطاع عالميًا. http://www.noonpost.com/content/27974
- الحربي، محمد صالح.،”الدرون: سلاح «الجيل الثالث» في الحروب”، صحيفة الشرق الأوسط، (15 مايو/أيار 2019). https://aawsat.com/home/article/1722891
- بنجامن، ميديا، “حرب الطائرات بدون طيار: القتل بالتحكم عن بعد”، ترجمة أيهم الصباغ، (منتدى العلاقات العربية والدولية)، الدوحة، 2013، ص21.
- لقاء الكاتب مع الضابط المنشق العقيد خالد أبو ماهر حول مهام الطائرات بدون طيار في الصراع السوري.
- حروب خاسرة ضد “الدرونز”.. وإسرائيل تصنع طائرة صغيرة انتحارية. https://www.france24.com/ar/20180809
- المواقع العسكرية الإسرائيلية. https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/62342bef-1ac0-48c0-a462-5899ec3e4da3
- “الطائرات المسيرة..سلاح الحروب المرعبة” https://human-voice.co/searchs-and-studies/48284/
- إيران تصنع طائرات مسيرة بتقنيات أمريكية، وإسرائيلية تم الاستيلاء عليها. http://ar.timesofisrael.com
- إيران اختبرت طائرات بدون طيار وطائرات مسيرة مسلحة في مناورات ’إلى بيت المقدس’ غير المسبوقة http://ar.timesofisrael.com
- إيران تكشف عن طائرة مسيّرة قتالية ذات “دقة عالية جدا”. https://www.france24.com/ar/20190901
- هل يمكن لطائرة بدون طيار إيرانية جديدة أن تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل؟ https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/can-new-drone-iran-pose-real-threat-israel-77896
- إيران تكشف عن طائرة جديدة بدون طيار كجزء من تزايد ترسانة أسلحتها. https://www.meforum.org/59306/iran-unveils-another-new-drone-as-part-of-growing
- شئنا أم أبينا، إيران قوة بدون طيار https://warisboring.com/like-it-or-not-iran-is-a-drone-power/
- إيران تكشف عن طائرة جديدة بدون طيار كجزء من ترسانة متزايدة https://www.jpost.com/Middle-East/Iran-unveils-another-new-drone-600310
- إيران تكشف عن طائرات تتبع بدون طيار عالية السرعة. https://www.presstv.com/DetailFr/2019/09/01/605011/Iran-drone-Kian-tracking-strike
- إيران تصنع طائرات مسيرة بتقنيات أمريكية وإسرائيلية تم الاستيلاء عليها. http://ar.timesofisrael.com
- “العنقاء- أقسونغور” طائرة بدون طيار جديدة تختبرها تركيا. https://www.trtarabi.com/now/العنقاء-أقسونغور-طائرة-بدون-طيار-جديدة-تختبرها-تركيا-17072
- تركيا تستعد لتسليم قطر طائرات بيرقدار TB2 بدون طيار https://www.al-sharq.com/article/08/02/2019/تركيا-تستعد-لتسليم-قطر-طائرات-بيرقدار-tb2-بدون-طيار
- طائرة من دون طيار تركية تستهدف مقاتلين أكراد وألغام تقتل مدنيين في عفرين. https://arabic.euronews.com/2018/03/09/-turkish-army-d-targeted-with-drone-kurdish-fighters-in-afrin
- ظهور أول صور للطائرة الروسية المسيرة البعيدة المدى “أوريون”. https://arabic.sputniknews.com/military/201803261031068202-طائرة-مسيرة-روسيا-بعيدة-المدى-أوريون/
- كيف أصبحت الطائرات الإسرائيلية بدون طيار عيون روسيا في السماء للدفاع عن بشار الأسد؟ https://theintercept.com/2019/07/16/syria-war-israel-russia-drones/
- طائرات بدون طيار تهاجم قاعدة روسيا الجوية في سورية. https://www.bellingcat.com/news/mena/2018/01/12/the_poor_mans_airforce/
- حرب سورية: روسيا تحبط هجوم الطائرات بدون طيار على قاعدة حميميم الجوية. https://www.bbc.com/news/world-europe-42595184
- (22) طائرات بدون طيار تهاجم قاعدة روسيا الجوية في سورية. https://www.bellingcat.com/news/mena/2018/01/12/the_poor_mans_airforce/
- هل تورطت جهات موالية للأسد في استهداف قاعدة حميميم الروسية؟ https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/7/3/سورية-روسيا-إيران-جهات-موالية-للأسد-قاعدة-حميميم-الروسية
- المرجع: تجميع الباحث
- إيران تصنع طائرات مسيرة بتقنيات أمريكية وإسرائيلية تم الإستيلاء عليها. http://ar.timesofisrael.com
- إيران تعترف بإجراء ضربات بطائرات بدون طيار في سورية. https://www.businessinsider.com/iran-drone-strikes-syria-2016-9
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.