سببت الحملة التركية الأخيرة في الشمال السوري وما حملته من ضغوط على الروس ونظام الأسد، خلط أوراق مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في مقاربتها حول المشهد السوري، لا سيما وأن ورقة اللاجئين التي ابتزت فيها أنقرة الدول الغربية بالإضافة لمطالبها المتكررة من حلف الناتو – وهي العضو الرسمي فيه – وبالإضافة لتلميحات واشنطن المتناقضة حول دعم أنقرة بالسلاح ومضاد الطيران.. سببت تغيرًا فعليًّا في قواعد الصراع المعقد منذ شهور في الشمال السوري والذي دفع ثمنه الأكبر المدنيون السوريون.
الأسد.. خطاب الخائف
أكد رئيس النظام السوري بشار الأسد، في حديثه لقناة “روسيا-24” اليوم الأربعاء، أن بلاده لم ترتكب أي أعمال عدائية ضد تركيا، وأن الخلافات الحالية غير منطقية.. خطاب حمل دلالات مبطنة ورسائل معلنة بعد المتغيرات الجيو-سياسية التي حملتها معارك الشمال.
وفي محاولة مخاطبة الشعب التركي بعيدًا عن حكومة الرئيس أردوغان وتأييدًا لبعض التيارات المعارضة للتصعيد الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، قال الأسد ردًا على سؤال “هل هذه هي رسالتكم إلى الشعب التركي بأنه لا يوجد أي عداوة معه؟ هل فهمتكم بشكل صحيح؟”، أجاب الأسد “طبعا.. كنا نقول عنه شعبا شقيقا.. والآن أنا أسأل الشعب التركي، ماهي قضيتكم مع سورية؟ وما القضية التي يستحق أن يموت من أجلها مواطن تركي؟ ما العمل العدائي الصغير أو الكبير الذي قامت به سوريا تجاه تركيا خلال الحرب أو قبل الحرب؟ غير موجود على الإطلاق”.
في محاولة تدعيم وجهة نظر تقارب الشعبين، أضاف رئيس النظام السوري: “هناك تزاوج، هناك عائلات مشتركة، هناك علاقة مصالح يومية بين سورية وتركيا، هناك في تركيا مجموعات أصلها عربي سوري، وهناك مجموعات في سورية أصلها تركي”.
وصرّح بشار الأسد بأن “هذا التداخل موجود عبر التاريخ لذلك من غير المنطقي أن يكون هناك خلاف بيننا وبينهم” كرسالة تدعو لتخفيف مظاهر الخلاف في تغير قوي في سياسة النظام السوري الخارجية مع أنقرة بشكل يعيد للأذهان تصعيد عام 1998 الذي انتهى بوساطة عربية وإقليمية بتوقيع اتفاق أضنة الذي سمح فيه الأسد الأب لتركيا التدخل بعمق 5 كم في الأراضي السورية إزاء أي تهديدات للأمن القومي التركي قد تفرضها جماعات كردية مسلحة في إشارة لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًّا لدى أنقرة والغرب والذي دعمه الأسد لسنوات طويلة.
اتهامات لأمريكا
يبقى الدعم الأمريكي المنتظر بيضة الميزان في المواجهة التركية-الروسية في سورية، إن قدمت واشنطن المدد العسكري وفق مطالب أنقرة فسيعني ذلك تغيرًا جذريًا في حسابات الروس وإصرارهم على استمرار الاجتياح البري الذي تقوم به مليشيات الأسد والقوات المدعومة روسيًّا.
قال الأسد إن “الولايات المتحدة هي التي دفعت تركيا إلى التصعيد في إدلب”، ومن ثَم “بعد تحرير إدلب من الإرهابيين سنحرر شرق سورية” وفقا لمزاعمه.
حساسية التوقيت
جاء حوار الأسد المتلفز مع قناة روسية، وبموافقة روسية مبدئية -لا شك فيها- بعد تحكم موسكو بأغلب مفاصل نظام الأسد – قبل قمة منتظرة في اليومين القادمين بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تعقد في موسكو لمناقشة تطورات الوضع في الشمال السوري وتحاول إصلاح ما فسد من علاقات موسكو بأنقرة بعد صدامات راح ضحيتها جنود أتراك.
رسائل الأسد أتت بعد تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحدث فيها عن خسائر فادحة مُني بها النظام السوري منذ بدء عملية درع الربيع في إدلب، أكد فيها أردوغان، أن الجيش التركي سيواصل الرد بكل قوة على اعتداءات الأسد ولن تذهب دماء شهدائه هدرا.
خطاب الخائف الموافق على الصلح مع أنقرة، الذي حملته كلمات الأسد، قد يحمل مبادرة روسية ضمنية لإصلاح ذات البين مع تركيا مقابل تخليها عن المعارضة السورية عبر ضمان مصالحها الأمنية واستحضار الماضي وربطه بأي خسائر محتملة في صدام قد لا يحتمله الشارع التركي الغاضب من خسارة أبنائه في معركة يعتبرها الأسد لا تمس تركيا ولا شعبها بشيء.
مخرجات وصفقات محتملة
قادت تصريحات الأسد لردود فعل ساخرة بعد حديثه عن عدم وجود سبب منطقي للخلاف مع تركيا رغم ارتكابه مذابح كثيرة بحق شعبه وتسببه في هجرة الملايين منهم إلى تركيا، علاوة على استهداف قواته الجنود الأتراك في إدلب.
في ذات السياق، أشارت تسريبات إلى أنه سيجري الاتفاق بين موسكو وأنقرة على منطقة عازلة جديدة في إدلب.. تقاطعات تبدو بين سطور كلمات الأسد يؤكدها مخرجات قمة قادمة يسابق فيها الطرفان -الروسي والتركي- لتعزيز أوراق كل منهما على طاولة المفاوضات، الأمر الذي يفسر مثلًا استماتة الروس في استعادة سراقب، ويوضح لا مبالاة تركيا في فتح حدودها أمام ألوف اللاجئين على أبواب أوروبا لجلب الدعم الغربي إلى تركيا في مواجهتها المنتظرة مع الروس إذا ما فشلت الحلول السلمية.
تصريحات قادة الاتحاد الأوروبي توحي بإدراكهم صعوبة وخطورة الموقف لدرجة مطالبة وموافقة المستشارة الألمانية بإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري.. يضاف لذلك التعليق الأمريكي عن استعداد واشنطن لدعم أنقرة بالمضادات الجوية والذخائر في معارك الشمال، فأعلنت أمس الثلاثاء دعمها لتركيا في شمال سورية، وأعربت عن استعدادها لتزويدها بالسلاح، الأمر الذي يمكن أن يغير قواعد اللعبة في المنطقة، ويعيد التقارب التركي– الأميركي، ويتيح للولايات المتحدة التدخل وإعادة التوصل لتفاهم مشترك بين هذه القوى.. وفق آراء بعض المختصين في صراع تداخلت أطرافه وتعقدت مشاهده، لتبقى الساعات القادمة هي المجيبة بوضوح عن الحيرة المرافقة لذلك التعقيد.