تزامناً مع بدء المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن “هانس غروندبرغ”، لمهامه بشكل فعلي، وطرحه لخطة عمله في اليمن خلال الأشهر القادمة، تتصاعد الأصوات غير المتفائلة بإمكانية تحقيق تقدم سياسي في البلاد أو طرح حل خلال الفترة المقبلة، لاسيما في ظل عدم توقف العمليات العسكرية في البلاد واستمرار هجوم الميليشيات على العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش اليمني، وفي مقدمتها مأرب.
يشار إلى أن “غروندبرغ” كان قد أعلن خلال زيارته للعاصمة السعودية الرياض، الجمعة، أنه سيعمل على طرح تسوية سياسية شاملة تحاكي تطلعات اليمنيين رجالا ونساء، والسعي إلى التوصل لحل يتلائم مع تلك التسوية، على حد وصفه.
لا جديد وتجربة تكرر بذات الظروف
خطة المبعوث الأممي وطرحها لسياق عام لحل الأزمة اليمنية بالحوار، تمثل بحسب ما يقوله الباحث في الشؤون اليمنية، “معتز اليماني” تكراراً لنفس التجربة التي خاضها المبعوث السابق، بذات العوامل والظروف مع انتظار نتائج مختلفة، لافتاً إلى أن ذات الاستراتيجية كان يتبعها سلفه “جريفيث” منذ سنوات، ولم تقود إلى أي نتائج إيجابية، بل على العكس تفاقمت الأزمات في اليمن وبقي صوت المدافع هو المسيطر.
ويوضح “اليماني”: “المجتمع الدولي وتحديداً الأمم المتحدة تتعامل مع ميليشيات الحوثي على أنها حركة ذات مشروع سياسي يمكن الجلوس معها، وهنا يكمن الخطأ، فهم أصحاب مشروع آيديولوجي مرتبط بالمشروع الإيراني، وبالتالي فإنه من الناحية العملية لا يوجد ما يتم النقاش حوله معهم”، لافتاً إلى أن الحوثيين حتى وإن قرروا الدخول في مفاوضات فإن قرارهم لن يكون ملكهم وإنما ملك الداعم الإيراني.
كما يعتبر “اليماني” أن حالة التفاوض مع الحوثيين بشكل سياسي تكون ممكنة في حالة واحدة فقط، هي أن يخلع الحوثيون رداء المشروع الإيراني ويدخلوا ضمن عملية مشروع وطني شاملة، مشدداً على أن تلك الفرضية مستحيلة الحدوث في ظل الهيمنة الإيرانية بالدرجة الأولى واقتناع الحوثيين بسياسة ما يعرف بـ “تصدير الثورة الإيرانية”.
في ذات السياق، يشير “اليماني” إلى ضرورة أن يعيد المبعوث الأممي الحالي قراءة التاريخ الحديث لليمن والمراحل التي مر بها سلفه، وخاصة تفاصيل اتفاق الحديدة الموقع قبل ما يزيد عن 5 سنوات، دون أن يطبق أياً من بنوده، بالإضافة إلى رفض الميليشيات المستمر لوقف إطلاق النار أو الوصول إلى هدنة مؤقتة.
يذكر أن “غروندبيرغ” كان قد عقد في العاصمة السعودية، الرياض، اجتماعات مع كل من الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي”، ونائبه، “علي محسن”، ورئيس مجلس النواب، “سلطان البركاني” ورئيس مجلس الوزراء، “معين عبد الملك”، ووزير الخارجية “أحمد بن مبارك”.
قضية غير وطنية ولا يمكن فصلها عن المحيط
يبدأ الباحث في شؤون الشرق الأوسط والخليج العربي، “ناصر بدارين” تعليقه على تصريحات المبعوث الأممي الجديد، من نقطة عزم الأخير الانخراط في مناقشات جادة ومستمرة لحل أزمة اليمن، معتبراً أن تلك العبارة تشير إلى أن “غروندبيرغ” سيحاول إعادة صناعة عجلة الحل اليمني من جديد وليس الاستمرار من حيث توقف سلفه، ما يعني ضياع جهود أكثر من 4 سنوات ماضية.
كما يلفت “بدارين” إلى أهمية أن يدرك المبعوث الجديد أن قضية اليمن ليست قضية وطنية بحتة وخلافات سياسة أو توترات مسلحة، بقدر ما هي قضية إقليمية بفعل التدخل الإيراني، مشدداً على أنه من الخطأ الكبير العمل على قضية اليمن ضمن الحدود اليمنية فقط.
في ذات السياق، يضيف “بدارين”: “المشكلة بقضية الحوارات الجادة التي يدعو إليها المسؤول الأممي، تكمن في أنها تعكس وجود شيء من عدم الدراية الكاملة في الملف اليمني وتطوراته، فعلى مدى أكثر من 7 سنوات لم يجد هذا المصطلح طريقه إلى كافة محاولات الحوار في اليمن”، لافتاً إلى أن المهم أو المطلوب حالياً من المبعوث الجديد أن يوضح للأطراف اليمنية والشعب اليمني الآلية التي سيتبعها للوصول إلى الحوار الجاد والمناقشات الفعلية.
إلى جانب ذلك، يعتبر “بدارين” أن المنظومة الدولية تتحمل مسؤولية كبيرة في استمرار الحرب اليمنية، من خلال تجنبها للتوصيف الدقيق للحالة هناك، وإضاعة الوقت من خلال الدعوات ومحاولات تقريب وجهات نظر متباينة بين الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية، لافتاً إلى أن المجتمع الدولي كان عليه أن يتعامل مع الملف اليمني بذات طريقة تعامله مع الملف النووي الإيراني، خاصةً وأن إيران هي الطرف المركزي في القضتين.
يذكر أن ميليشيات الحوثي كانت تضع سلسلة شروط لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مع الحكومة اليمنية، في مقدمتها فك الحظر المفروض على مطار صنعاء الدولي، الذي تسيطر عليه، وهو ما كانت ترفضه الحكومة اليمنية خشية استغلاله لتهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين.
ويرى “بدارين” أن الأمم المتحدة من الناحية العملية لم تقدم على مدار سنوات إلى تصريحات ودعوات بعيداً عن وضع خطة تعامل حقيقية لتنفيذ تلك ما تحتويه تلك التصريحات والدعوات.
يذكر أن بيان صادر عن “غروندبرغ”، دعا الجمعة، إلى الالتزام الجاد من قبل جميع الأطراف بالانخراط بحسن نية، معتبراً أن ذلك هو خطوة أولى ضرورية لإحراز تقدم في الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة من أجل السلام.
وسائل ضغط غائبة ومعاناة مستمرة
يريد المحلل السياسي، “علاء الدين الهلالي”، الابتعاد عن النظرة المتشائمة حيال ما يمكن أن تقدمه البعثة الأممية الجديدة في اليمن، لافتاً في الوقت ذاته إن تصريحات رئيسها لا تشير إلى وجود اختلاف في النهج عن سابقتها، خاصة وأن تصريحات “غروندبرغ” لم تعرض أي وسائل للضغط على الأطراف التي قد تعطل حركة الحل السياسي أو المفوضات، وإنما اكتفت بتصريحات عامة.
وينوه “الهلالي” إلى أن ما يغيب عن قادة دفة الهود الدولية في اليمن، هو أن الحوثيين حركة مسلحة وليست سياسية ولم يسبق لها خوض العمل السياسي، وبالتالي فإن سحبها للتفاوض يحتاج إلى تعامل أكثر صلابة والتهديد بإجراءات عقابية تطال كيانهم، معتبراً أن الحوثيين لن يذهبوا إلى التفاوض والحل السياسي إلى باستخدام القوة ضدهم وإحساسهم بأنهم قريبون من الانهيار.
كما يشدد “الهلالي” أن تعامل الحوثيين يقوم على مبدأ من أمن العقاب أساء التصرف، في إشارة إلى عدم اتخاذ المجتمع الدولي أي خطوات تصعيدية ضد الميليشيات رغم كل الانتهاكات الحاصلة، متسائلاً: “من الناحية العملية ما الفرق بين الحوثيين وميليشيات حزب الله مثلاً، أو حتى الحوثيين وحركة طالبان أو الحوثيين وتنظيم داعش، كلها منظمات مسلحة ذات عقيدة تكفيرية تؤمن بالعنف”.
أما عن النقطة الأكثر إثارة للجدل في رأي “الهلالي” فتتمثل في ضرورة أن يطرح ملف اليمن على طاولة المفاوضات الخاصة بالملف النووي، مع ضرورة إشراك دول المنطقة أو على أقل تقدير المملكة العربية السعودية في تلك المحادثات، كونها الدولة الأكبر إقليميا وتقود تحالفاً لدعم الشرعية في اليمن، معتبراً أن كافة التحركات في صنعاء لن تحمل أي جدوى وأن حل المشكلة اليمنية عبر التفاوض يكون ممكناً من طهران.