الملخص التنفيذي:
في هذه الورقة نقف بالتحليل والدراسة حول تواجد وتأثير “الجماعة الإسلامية” الإخوانية في لبنان، وما هي الدلالات التي تحملها مشاركتها في العمليات العسكرية ضد إسرائيل من لبنان؟ وهل سيؤدي ذلك إلى زيادة نفوذ الجماعة في لبنان على المدى الطويل؟
هذا كله نناقشه من خلال المحاور التالية:
المحاور:
- المدخل
- تاريخ تأسيس وتواجد الإخوان المسلمين السياسي والدعوي في لبنان
- تعزيز الوجود السياسي من خلال العمل العسكري والتحالف مع “حماس” و”حزب الله”
- تحالف الجماعة الإسلامية مع حزب الله في لبنان!
- ما مكانة الجماعة الإسلامية بين أبناء الطائفة السنية بلبنان؟
- النتيجة والخلاصة
المدخل
وجدت جماعة الإخوان المسلمين في لبنان فرصة سانحة لتطوير نشاطها وتعزيز وجودها، بعد عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” يوم 7 أكتوبر 2023. وتتمثل جماعة الإخوان المسلمين في لبنان بما يطلق عليه “الجماعة الإسلامية” التي أسسها فيصل مولوي وفتحي يكن عام 1956، وتقول الجماعة أن هدفها هو “حماية القيم والفرد في المجتمع الإسلامي”. وكذلك بعد الحرب بين حزب الله وإسرائيل في لبنان.
الجماعة كانت تركز لسنوات على العمل الدعوي والأعمال الخيرية بالإضافة إلى المشاركة في الحياة السياسية، إلا أنها عادت مجدداً للعمل العسكري، بعدما أعلن الجناح العسكري للجماعة (قوات الفجر) عن استهداف الجيش الإسرائيلي بضربات صاروخية، وتوعد بالرد على أي عدوان يطال جنوب لبنان.
ولقد قاوم معظم السنّة اللبنانيين لوقت طويل دعوات الإخوان المسلمين إلى الجهاد، ولكن يبدو أن الجماعة تراهن على أن هذه المشاعر يمكن أن تتغير بسرعة بسبب الضغوط الناجمة عن حرب غزة، والأزمة الاقتصادية، والفراغ السياسي المحلي إضافة لما يحدث في الحرب بين حزب الله وإسرائيل اليوم.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، جددت فروع “الإخوان المسلمين” السنّية في مختلف أنحاء شرقنا البائس دعواتها إلى الجهاد، وأعاد بعضها تنشيط خلاياها العسكرية. وفي لبنان، نسقت (قوات الفجر) هجماتها مع حزب الله. ورداً على ذلك، قتلت القوات الإسرائيلية عدد من مقاتلي الجماعة، بمن فيهم القائد البارز (شرحبيل علي السيد) خلال غارة بالقرب من مجدل عنجر.
تاريخ تأسيس وتواجد الإخوان المسلمين السياسي والدعوي في لبنان
تأسست الجماعة الإسلامية في لبنان خلال خمسينيات القرن الماضي في طرابلس، وتعدُّ الجماعة الإسلامية الفرع اللبناني من جماعة الإخوان المسلمين، إذ تأسست عام 1964 على يدي “فيصل مولوي” و”فتحي يكن” الشاب الطرابلسي من أصول تركية، والذي تأثر بمصطفى السباعي، مؤسس جماعة الإخوان في سوريا، وسيد قطب أحد رموزها في مصر.
تلا إعلان الجماعة إصدار مجلة الشهاب الإسلامية عام 1964، ثم تأسيس جامعة الجنان الإسلامية على يد “فتحي يكن” وزوجته “منى حداد” عام 1988. وكان لفيصل مولوي دور كبير في تأسيس الجماعة، واختير “إبراهيم المصري” أميناً عاماً لها في وقت لاحق.
ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، شكلت الجماعة تنظيم “المجاهدين في سبيل الله” للدفاع عن المناطق السنية في طرابلس الشمال وبيروت وصيدا.
ثم حققت الجماعة انتصارات سياسية عام 1992 بفوز ممثلها “فتحي يكن” عن قضاء طرابلس بالنيابة وشاركه الفوز عضوان عن قضاء الضنية وبيروت. وبدأت بعد ذلك بالتراجع، حيث حصدت مقعداً واحداً عن عكار عام 1996، لينتهي دورها النيابي عام 2000 في ظل التواجد السوري في لبنان، ومن ثم شاركت مجدداً في الانتخابات عام 2009، وحصلت على مقعد واحد فقط.
أما “قوات الفجر” الإخوانية فقد تشكلت من بعض الشباب المنتمين إلى الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمون/ لبنان) بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، في المناطق الجنوبية من صيدا إلى قرى العرقوب الحدودية، وبعد حملة اعتقالات طالت الجماعة الإسلامية من قبَل القوات الإسرائيلية، كما طالت القيادات والعناصر التابعة للجماعة في صيدا، انتقلت مجموعات من الجماعة إلى طرابلس وبيروت، واستأجرت لهم بيوتاً، وبعضهم كان يتحرك لشن هجمات على طريق صيدا/ بيروت، وكان التنسيق مع “حزب الله”، الذي كان في أولى بداياته المتواضعة.
وعقب تحرير صيدا في 16 فبراير/شباط 1985 حافظت “الجماعة الإسلامية” على قوة “رمزية” لها في عداد قوات “حزب الله” بالجنوب اللبناي؛ تعمل وفق قرار قيادته، ثم اختفت منذ عام 2006، وظهرت مؤخراً عقب أحداث غزة الأخيرة، لتعلن عن عملياتها العسكرية في الجنوب اللبناني، لتلعب دوراً بديلاً عن “حزب الله”، في اتفاق بين الطرفين، وفى يوم 21 أكتوبر/ت1 2023، قالت في بيان لها: إنها وجّهت ضربات صاروخية جديدة ومركّزة، استهدفت مواقع إسرائيلية في الجنوب، وحققت فيها إصابات مباشرة.
ولطالما عكست مواقف وتحركات الجماعة الإسلامية، تلك التي تبنتها فروعها الإقليمية الأخرى. على سبيل المثال، خلال الثورة السورية في عام 2011، كان لدى الجماعة خلاف جدي مع “حزب الله” حول دعم الأخير لنظام الأسد، الأمر الذي عكس دعم “الإخوان المسلمين” للمعارضة السنّية في سوريا.
ولكن في الآونة الأخيرة، تحوّلت “الجماعة الإسلامية” نحو تحالف سياسي قوي مع “حزب الله” و”حماس” في نزعة ظهرت قبل فترة طويلة من خلال إعادة تفعيل “قوات الفجر” خلال الحرب الحالية في غزة. وبدأ ذلك في العام 2022 عندما قاد “محمد طقوش” معسكر “الجماعة الإسلامية” المؤيد لـ “حماس” إلى الفوز في انتخاباتها الداخلية، ثم سعى إلى إقامة تحالف رسمي مع محور “حزب الله” و”حماس”.
وفي العام نفسه، أفادت بعض التقارير أن “الجماعة الإسلامية” فازت بـ 22,978 صوتاً في الانتخابات النيابية اللبنانية، مقارنة بـ 11,442 صوتاً في عام 2018. وتعزى تلك الزيادة بشكل رئيسي إلى غياب القيادة السياسية داخل الطائفة السنّية، واستمرت شعبية الجماعة في النمو مؤخراً بعد عملية طوفان الأقصى.
ويقول مصدر مطلع، إن “الجماعة الإسلامية تمتلك قدرات عسكرية متقدمة إلى حد ما، لكنها بالتأكيد لا تصل إلى مستوى التكنولوجيا العسكرية في أيدي حزب الله”. ومن الواضح أن قوات الفجر تمتلك صواريخ “كورنيت” وهي فعالة في المعركة، لكن من غير الممكن التأكد من المصدر الذي تأتي منه هذه الصواريخ، على الرغم من أن حزب الله يمتلك كميات كبيرة منها.
تعزيز الوجود السياسي من خلال العمل العسكري والتحالف مع “حماس” و”حزب الله”
يقدر عدد مقاتلي قوات الفجر بـ 500 مقاتل، ما يجعل منها قوة عسكرية صغيرة نسبياً وغير مؤثرة من الناحية العسكرية، لكن وجودها ودلالتها السياسية تبدو أكبر من ذلك، نتيجة الفوائد السياسية التي تقدمها هذه الحركة لحزب الله وحركة حماس، حيث سعى حزب الله بشكل دائم إلى توسيع نطاق وجوده في المناطق السنية، حيث رفض اللبنانيون سياساته لسنوات، بخاصة بعد مشاركته في دعم النظام السوري.
وحاول حزب الله منذ فترة طويلة اختراق المنطقة السنية الشمالية من خلال دعوة شخصيات سنية معممة للظهور في مهرجاناته ودعم خطابه وتوجهاته. ولاحظ المقال أن حضور حزب الله الخجول في الشمال تغير عندما عانى لبنان من أزمة اقتصادية وتدهورت الظروف المعيشية، مما سمح لحزب الله باستغلال الوضع ودخول عكار وطرابلس والمنية، وعرض الإغاثة الاقتصادية.
وبعد انسحاب سعد الحريري من الحياة السياسية، وجد حزب الله فرصته للتقرب من الشخصيات والمؤسسات السنية.
ومن ثم جاءت الحرب في غزة، وعززت مكانة الحزب في منطقة سنية تتعاطف مع أي طرف يدعم القضية الفلسطينية. وعلى نحو مماثل اغتنمت الجماعة الإسلامية الفرصة؛ وتماهت مع موقف حزب الله ونهجه. واستبدلت الجماعة السنية سياسة تيار المستقبل بخطاب حماسي؛ قد ينجح في اجتذاب الجيل الشاب. حيث تفيد تقارير أنه على الرغم من أن الشباب السني لم يسمعوا عموماً عن “قوات الفجر” التابعة للجماعة قبل السابع من أكتوبر، ومع ذلك تفيد التقارير، بأن عدداً كبيراً منهم يحاول حالياً الانضمام إلى صفوف الجماعة بهدف محاربة إسرائيل.
ويبدو أن مصالح الإخوان وحزب الله قد التقت من خلال مشاركة فصيل الفجر في العمليات العسكرية، فحزب الله يحتاج إلى فصيل سني لتبديد فكرة أنه يقود البلاد إلى القتال بمفرده نيابة عن كل اللبنانيين. وفي هذه الأثناء وجدت الجماعة السُنية متمثلةً بالجماعة الإسلامية فرصة لاستعادة شعبيتها في المناطق التي برز فيها حضورها البرلماني والشعبي في الماضي، كما أن التعاون مع إيران يكسب الإخوان وحلفاءها قوة في المناورة، من خلال توفير الدعم، و تخفيف الضغط السياسي والتمويلي عن جماعة الإخوان حال فقد الشريك العربي، وتطبيق ما يسمى وحدة الساحات كمحور مفاهيمي للاتحاد بين جماعات الإسلام السياسي.
تحالف الجماعة الإسلامية مع حزب الله في لبنان!
من جهة أخرى فإن اكتساب حركة حماس للمزيد من التأثير على الجماعة الإسلامية في لبنان، من شأنه أن يساعد حزب الله بشكل أكبر على التغلغل داخل المجتمع السنّي في البلاد، لا سيما منذ أن كشفت انتخابات عام 2022 عن ضعف حليفهم المسيحي “جبران باسيل” الأمر الذي يدفعه للعمل من أجل الحصول على المزيد من الحلفاء مستغلاً حالة الضعف السني وابتعاد الزعماء السنة التقليديين عن الحياة السياسية. وتقول تقارير بأن فصيل الفجر يتلقى مخصصات مالية من “حماس”.
وفيما يتعلق بعلاقات مجموعته مع حزب الله، قال “طقوش” إنها مرت بفترات صعود وهبوط. وقال إنهم كانت لديهم خلافات بشأن الصراعات في سوريا واليمن لكنهم وضعوها جانباً “لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من أراضينا اللبنانية”. وقال طقوش: “علاقاتنا مع حزب الله جيدة ومتنامية وتتعزز مع مرورنا بالحرب”. وأضاف طقوش أن جميع الأسلحة التي يستخدمونها من الرصاص إلى الصواريخ، هي من ترسانتهم الخاصة. وقال “لم نتلق حتى رصاصة واحدة من أي جهة”.
لدى الجماعة الإسلامية في لبنان علاقات مع قطر، وكذلك مع تركيا ومؤسساتها الحزبية والإغاثية، كما أن هنالك حضوراً نشطاً لقيادات الإخوان المسلمين في هذين البلدين، وبحسب الأمين العام السابق للجماعة “عزام الأيوبي”، فإن “المسلمين السنة في لبنان يتطلعون إلى أي قوة يمكن أن تدعمهم من أجل التوازن الداخلي، انطلاقاً من بحثهم عن وسيلة لاستعادة التوازن المفقود في لبنان”.
وفي هذا السياق، أكد المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانيّة في لبنان لطقوش أن طهران تقف مع كل حركات التحرير والمقاومة “من أجل تحقيق العدالة وتحرير فلسطين”. كما أشاد سفير إيران في بيروت “مجتبى أماني” في وقت سابق بالعلاقات بين إيران والجماعة، ومع ذلك يحاول آخرون التقليل من أهمية أي روابط جوهرية بين الجماعة الإسلامية وحزب الله. ويعتقد “مهند الحاج علي” الباحث في مركز كارنيغي أن الجماعة ليست تابعة لحزب الله على الرغم من أن مصادر صحفية نقلت عن أحد قادة الجماعة الإسلامية قوله إن الطرفين “في نفس الخندق على مستوى الملف الفلسطيني”.
إن هذا الارتباط أصبح لا جدال فيه ببطء. وكما صرح المسؤول السياسي في الجماعة الإسلامية “علي أبو ياسين”: “إن كل القوى العاملة في جنوب لبنان تنسق مع بعضها بعضاً”.
إن العلاقة بين الجماعة الإسلامية وحزب الله ليست خالية من التعقيدات، وخاصة فيما يتصل بالصراع السوري المستمر منذ عقد من الزمان. وينبع هذا التوتر من العلاقات المتوترة بين حماس والرئيس السوري بشار الأسد منذ عام 2011، والتي أثرت بدورها على العلاقات بين الجماعة الإسلامية وحزب الله. ومع ذلك، فإن انتخاب طقوش أمينا عاما للجماعة في عام 2022، كان بمثابة فترة من التحسن في العلاقات على الرغم من التحديات المستمرة في التوفيق بين الخلافات بشأن سوريا. ونُقل عنه في ذلك الوقت قوله: “نحن وحزب الله متشابهان”.
ويقول أحد قيادي الجماعة، بأن عودة الجماعة الإسلامية إلى جبهة المقاومة هي عودة عضوية، حيث أصبحت مواجهة إسرائيل أولوية تنظيمية بعد الهجوم العسكري الوحشي لدولة الاحتلال على غزة. وإن الجماعة الإسلامية تنفذ هذا الهدف “من خلال التنسيق الكامل مع حركة حماس، ودعم كافة القوى المسلحة، وضمان بقاء الساحة اللبنانية ساحة مواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي”.
كما اعترف أحد قادة الجماعة الإسلامية بأن قوات الفجر تقود “عمليات مشتركة مع حماس”. وصرح نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة “بسام حمود” “نحن وحماس وجهان لعملة واحدة في مواجهة العدو الصهيوني”. ويقول “عماد الحوت” النائب الوحيد للجماعة الإسلامية في البرلمان اللبناني، إن حجم قوات الفجر محدد “وفقاً لما هو ضروري لها للرد على العدوان، وهي ممولة بقدراتها الخاصة”. وبالنسبة للحوت، “فما دام هناك عدوان، فإن الجماعة ستستمر في إطلاق الصواريخ على إسرائيل”.
ولقد شهدت الفترة الأخيرة أيضاً محاولة من الجماعة الإسلامي للاندماج مع حماس، فعلى سبيل المثال بعد مقتل القيادي البارز في “حماس” “صالح العاروري” في يناير/ك2 الماضي في غارة إسرائيلية في بيروت، ادّعى بيان التعزية الصادر عن الجماعة أن “الدم اللبناني والفلسطيني امتزجا ليكملا معاً مسيرة التحرير”. وأصدرت الجماعة الإسلامية مذكرة “استشهاد” “شرحبيل علي السيد” في 18 مايو/أيار، مشيرة إلى أنه كان قائداً لكل من “قوات الفجر” و”كتائب عز الدين القسام” التابعة لـ “حماس”.
ما مكانة الجماعة الإسلامية بين أبناء الطائفة السنية؟
على الرغم من أن الجماعة الإسلامية تفتقر حالياً إلى التمثيل النيابي، حيث لديها نائب واحد في البرلمان فقط، إلا أنها تتمتع بنفوذ لا بأس به داخل المجتمع السني اللبناني، وهي تفتخر بشبكة من المؤيدين تمتد عبر مناطق مختلفة، بما في ذلك بيروت والبقاع وصيدا وطرابلس والعرقوب، وتزعم بعض المصادر أن الجماعة تحتل المرتبة الثانية بعد تيار المستقبل، الذي يتزعمه سعد الحريري.
وبدأت بعض أطياف المجتمع السني في لبنان، تبدي قلقها من انخراط الجماعة في العمل العسكري بالتنسيق مع حزب الله وحماس، وهو ما يعني انجرار علني للتطرف والإرهاب، على اعتبار أن حزب الله وحركة حماس قد تم تصنيفهما في العديد من الدول العربية والغربية على أنهما تنظيمان إرهابيان. كما أن هذا يعني بروز تيارات سنية تبدي تعاونها مع إيران رغم مشروعها المهمش لبقية المكونات اللبنانية، في تراجع الدعم العربي وخاصة السعودي للمكون السني في لبنان، وفي شهر فبراير/شباط 2024، قال سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل: “إذا شعرت أن السنة في لبنان يتجهون نحو التطرف، فسوف أتدخل”.
لكنّ كثيرين فهموا هذا على أنه ضوء أخضر من دول الخليج لرئيس الوزراء السابق الذي انسحب من السياسة في عام 2022 للعودة إلى دوره القيادي في السياسة اللبنانية إذا بدأت حركات سنية أخرى، بما في ذلك الجماعة الإسلامية، تكتسب الكثير من الدعم من الجمهور السني في البلاد.
لقد عارض قادة الطائفة السنّية وممثّلوها، ومن ضمنهم تيار المستقبل، وعددٌ من السياسيين، ودار الفتوى، أي الهيئة الرسمية المُشرفة على الشؤون الدينية للسنّة في لبنان، حزبَ الله وحلفاءه لحوالي عقدَين من الزمن، بدءًا من جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، التي اتّهم الكثيرُ من السنّة النظامَ السوري وحزبَ الله بارتكابها. وترسّخت هذه المعارضة مع انقسام لبنان إلى معسكرَي قوى 8 آذار و14 آذار؛ ثم وقوع أحداث 7 مايو/أيار 2008 حين سيطر حزب الله لفترة وجيزة على أحياء سنّية عدّة في بيروت؛ وتدخّل حزب الله في سوريا ضدّ انتفاضة شعبية دعمتها غالبية السنّة اللبنانيين. لذلك، يشكّل توجّه الجماعة الإسلامية مؤخرًا نحو الاصطفاف مع حزب الله خروجًا عن ركنٍ أساسي من الهوية السياسية السنّية المعاصرة.
ولطالما عارض رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة الذي كان مقرّبًا جدًّا من الراحل رفيق الحريري جرّ لبنان، وتحديدًا السنّة، إلى الصراع الدائر في غزة. كذلك، ناشد “رضوان السيد” وهو مفكر إسلامي يحظى بالاحترام مفتيَ الجمهورية ودار الفتوى بالتدخّل لضبط المشايخ الذين يناصرون حماس وحزب الله. لهذه الأسباب، كانت الجماعة بدايةً حذرة من استعداء شرائح من الطائفة السنّية. فعندما أعلنت انخراطها في الجبهة الجنوبية ضدّ إسرائيل، صرحت أن عملياتها لا تتمّ بالتنسيق مع أي مجموعة، في إشارة واضحة إلى حزب الله.
النتيجة والخلاصة:
- بدا جليّا أن الجماعة الإسلامية نجحت في استقطاب مواطنين سنة وعددًا من الشخصيات البارزة في دار الفتوى. فدعم القضية الفلسطينية ركيزة أساسية من ركائز الفكر القومي العربي والسياسات الإسلامية، وقد حظي هذان التوجّهان تاريخيًا بالشعبية في أوساط السنّة اللبنانيين.
- قبل عدة سنوات، انسحبت الرياض من الساحة السياسية اللبنانية؛ وقلصت دعمها المالي بشكل كبير، وذلك جزئياً بسبب تغير أولويات المملكة، وأيضاً نتيجة تصاعد نفوذ “حزب الله” في الداخل. ورغم هذا التغيير فإن الوقت الحالي يشكل لحظة مهمة لواشنطن لإقناع السعوديين بإعادة الانخراط في الملف اللبناني فالمسألة لم تعد مجرد مشكلة لبنانية، بل إن انتشار التطرف السني في لبنان سيغذي حتماً التطرف في المنطقة بأسرها، مما يجعل القضية مرتبطة مباشرة بالأمن القومي السعودي.
- على الصعيدين الديني والأيديولوجي، لا يزال جزء كبير من المجتمع السني في لبنان يميل نحو الاعتدال النسبي الذي تمثله السعودية، مقارنةً بالأفكار المتطرفة التي تتبناها جهات أخرى. ومع ذلك، فإن غياب الرياض عن المشهد في السنوات الأخيرة أتاح الفرصة للجماعة الإسلامية وغيرها من المتطرفين للتوسع.
المصادر:
- موقع (memri) في 9 مايو 2024
- وكالة (الاسوشيتد برس) في 26 مارس 2024
- موقع (washington institute) في 18 يونيو 2024
- موقع (aljazeera) في 11 مايو 2024
- موقع (العربية) في 20 مايو 2024