إسلاميين بمختلف تنظيماتهم وأطيافهم بسبب ما تحمله من رمزية في موروثهم الديني والتاريخي والعاطفي والايديولوجي، فهي المكان الذي حملت يوماً اسم الأندلس وخسرها المسلمون في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، وتُعد اليوم التيمة الأساسية التي يوظفها الإسلاميون كرمز لماض مفقود يجب أن يعاد بعثه.
وبينما جعل تنظيم “داعش” مسألة “تحرير الأندلس” جزءاً من خطابه الدعائي والتحريضي فور إعلان ما سُمي بالخلافة على أجزاء من سوريا والعراق عام 2014، كانت قضية الأندلس حاضرة قبل ذلك في أدبيات تنظيم القاعدة، سواء في كتب عبد الله عزام (1) أو تسجيلات الظواهري وبن لادن سابقاً، حيث سعى التنظيم إلى محاولة الربط بين قضية سبتة ومليلية المغربيتين الواقعتين تحت الاحتلال الإسباني وبين الأندلس، على أساس أن تحرير المدينتين سيكون جسراً نحو تحرير الأخيرة.
أما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين- وهي محور التقرير التالي- فقد كانت اسبانيا في مقدمة الدول التي تمكنت الجماعة من اختراقها، كجزء من سياسات التوسع الذي حققته في ستينيات القرن الفائت ضمن الدول الأوربية، بعد أن ترسخت لديها فكرة “عولمة الدعوة”، وأيضاً تحت وطأة الملاحقة والتضييق الذي طالها في مصر وسوريا وغيرها من دول المنشأ.
بدايات التواجد
بدأ أعضاء الجماعة بالتوافد إلى اسبانيا في ستينيات القرن الماضي، وشكل الإخوان السوريون الفارين من ملاحقة السلطات آنذاك اللبنة الأولى لهذا التواجد الذي تعزّز تدريجياً مع وصول مئات الطلاب من الشرق الأوسط وشمال افريقيا للدراسة في اسبانيا، مستفيدين من الانفتاح التعليمي والثقافي في البلاد وانخفاض تكلفة المعيشة مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.
سرعان ما استغلّ روّاد الجماعة في اسبانيا البيئة التشريعية التي باتت أكثر مرونة مع إصدار قانون الجمعيات عام 1964 الذي سمح للجمعيات الدينية غير الكاثوليكية، بشيء من التنظيم لأول مرة. ومن ثمّ قانون حرية الأديان في 1967، حيث أسسوا جمعيةً طلابيةً إسلاميةً في «غرناطة» سنة 1966م، بعد أن اقترح عليهم ذلك الداعية الهندي المتطرف «أبو الحسن الندوي»، عند زيارته اسبانيا سنة 1965، وسجلوها رسميًّا سنة 1971بوزارة العدل الاسبانية، تحت اسم «الجمعية الإسلامية في اسبانيا» (Asociación Musulmana en España AME). وفي 22/4/1974، عدل نظام الجمعية لتمكينها من بناء المساجد والمراكز الإسلامية عبر اسبانيا، ثم فتحت الجمعية فروعًا متعددةً في مدن اسبانيا المختلفة، منها العاصمة مدريد، لتتحول الرابطة إلى المصفوفة الأولية التي ستنشأ منها مشاريع مختلفة للإخوان المسلمين في إسبانيا.
تشير الأسماء المؤسّسة للجمعية الإسلامية في اسبانيا إلى طغيان الإخوان السوريين على المشهد في ذلك الوقت، حيث ضم فريق المؤسسين أفرادًا تربطهم علاقات وثيقة بجناح عصام العطار وآخرين بـ الطليعة المقاتلة” مثل رياي تاتاري، الذي تولى رئاسة المجلس الإسلامي الإسباني لفترة طويلة حتى وفاته بكورونا في ابريل 2020، وصلاح الدين نكدلي، الذي أصبح فيما بعد مديرًا للمركز الإسلامي في مدينة آخن في ألمانيا، وكان قبل مغادرته إسبانية أوائل عام 1984 رئيساً للجمعية الإسلامية.
لاحقاً، انعكست الخلافات ضمن البيت الداخلي لجماعة الإخوان السورية في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الفائت على أقرانهم في اسبانيا، ففي عام 1978، قررت مجموعة من أعضاء الرابطة الإسلامية، الانفصال عن الجمعية لتأسيس المركز الإسلامي في إسبانيا (CIE) Centro Islámico en España، وقد لعب هؤلاء، وأهمهم الداعية والطبيب السوري بهيج ملا حويش (1947-2015)، دوراً رئيسيًا في تنظيم الاجتماعات في مختلف البلدان الأوروبية التي أدت في مؤتمر مدريد عام 1984 وما تلاه، إلى إنشاء جمعية الطلاب المسلمين في أوروبا، التي تعد نواة “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا FIOE” (“مجلس مسلمي أوروبا” حالياً)؛ المنظمة المظلية للإخوان بالقارة العجوز.
الواقع الراهن
خلال العقدين الماضيين، توسعت المنظمات الأولية التي أنشأها الإخوان على مر السنين، من حيث التأثير والجغرافيا، فأسست الجماعة وجودها في غرناطة، ومدريد وكتالونيا وفالنسيا. في الوقت الحاضر، تشمل المنظمات الإخوانية الأكثر نشاطًا في الأوساط الإسبانية، العضو الإسباني الرسمي الوحيد في “مجلس مسلمي أوروبا”، وهي “الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش في إسبانيا” (LIDCOE)التي تأسست عام 2004 في فالنسيا، ويتفرع عنها المركز الثقافي الإسلامي في فالنسيا (CCIV)، كما تتعاون مع المركز الإسلامي الثقافي في برشلونة (CCIC) الذي أنشأ عام 2000.
وبينما تركز هذه المراكز على تنظيم المحاضرات واللقاءات العامة، وترجمة وتوزيع الكتب الإسلامية باللغة الإسبانية، وإعطاء دروس دينية ولغوية أسبوعية، وتنظيم رحلات جماعية ومخيمات سنوية، وإحياء الشعائر الدينية، تعتقد الباحثة “ماريا لوزانو أليا” أنه وفي حين أن أيديولوجيتهم ليست متطرفة في حد ذاتها، فإن المنتسبون إليها يشكلون أرضاً خصبة مثالية لتسهيل التطرف وعرقلة اندماج المسلمين في المجتمع الإسباني. ويعيش في إسبانيا ما يقرب من 2.1 مليون مسلم، بينهم 880 ألف مواطن إسباني أغلبهم من المهاجرين الذين تم توطينهم.
الداعية المصري الشهير عمر عبدالكافي في ضيافة المركز الثقافي في برشلونة يوم 23 اكتوبر 2022- المصدر صفحة المركز في فيسبوك Centre Cultural Islàmic Català (facebook.com)
ووفقًا لمعلومات قادمة من المخابرات الإسبانية، تحصل منظمتا الإخوان المسلمين الإسبانيتان “الرابطة الإسلامية للتعايش والحوار” و”المجلس الثقافي الإسلامي” على تمويل كبير من قطر. إذ تحتل إسبانيا (بتمويل 11 مشروعًا) المرتبة الثالثة، بعد فرنسا (47) وإيطاليا (22)، فيمل يتعلق بالمشاريع الممولة في إطار برنامج “غيث” التمويلي التابع لمؤسسة قطر الخيرية. وحتى عام 2015، أفادت التقارير أن قطر الخيرية وجّهت ما يقرب من 17،000،000 يورو إلى مشاريع مختلفة في اسبانيا.
تفاصيل التحويلات التي أجرتها قطر الخيرية إلى LICDOE خلال عام 2012. إجمالي 6،957،450 ريال قطري (1.6 مليون يورو تقريبًا)
ومن ضمن المنظمات المرتبطة بالتنظيم الدولي للإخوان في اسبانيا، منظمة “الإغاثة الإسلامية حول العالم” البريطانية التي أنشأت فرعاً نشطاً في برشلونة. وجمعية “نداء مسلم” (Muslim Appeal)التي تنشط في فالنسيا.
ووفق مراقبين، فإن الإخوان عملت على مدار ٦٠ عام على تشكيل شبكة مترامية، تهدف إلى ممارسة نفوذ واسع على الجالية المسلمة، ونشر الأفكار المتطرفة بين أعضائها، ما كان له أكبر الأثر في مشاركة عدد من أعضائها في عمليات إرهابية، ويكفي للدلالة على ذلك أنّ نقطة الانطلاق لبعض المشاركين في الهجمات التي وقعت في الدار البيضاء في عام 2003 وفي مدريد عام 2004، كانت شبكة “أبو الدحداح”، التي أسسها الأصولي السوري عماد الدين بركات جركس المعروف بأبو الدحداح، كما أنّ “برفسور الجهاديين” مصطفى ست مريم نصار (أبو مصعب السوري)، طوّر نظرياته الجهادية في اسبانيا، بعد أن تربى في كنف “الطليعة المقاتلة” في سوريا.
هوامش ومراجع:
(1) يقول عبدالله عزام في كتابه “التربية الجهادية والبناء” أن العمل الجهادي لن يقف عند أفغانستان، التي ليست سوى منصة إقلاع للجهاديين، بل سيتواصل “حتى نحرر بخارى وسمرقند وطشقند وقفقاسيا وشيشنة وداغستاز ونحرر الأندلس، حتى نحرر كل بقعة كان عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله”.
Catalonia the next target of the Muslim Brotherhood | Ahmed Abou Douh | AW (thearabweekly.com)
www.dokumentationsstelle.at/wp-content/uploads/2021/10/Report_EU_Strukturen_final.pdf
صور رمزية للإرهاب الجهادي في إسبانيا – معهد إلكانو الملكي (realinstitutoelcano.org)
الإخوان المسلمون في إسبانيا – عين أوروبية على التطرف (eeradicalization.com)
https://www.ida2at.com/abu-musab-al-suri-professor-of-jihadists/
كم يبلغ عدد المسلمين اليوم في إسبانيا؟ وأين يتوزعون؟ إليك التفاصيل | إسبانيا بالعربي (espanaenarabe.com)
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.