تتعرض عدد من دول أوروبا الوسطى والشرقية، وتحديداً رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا، لمحاولات من قبل الإخوان المسلمون لاختراق مجتمعاتهم على الرغم من الافتقار الأولي للجماعة إلى القاعدة التقليدية الناطقة بالعربية. حيث يشكّل تزايد تدفق اللاجئين والمهاجرين من سوريا والعراق، وتصاعد التوجه الديني للمنظمات القومية التركية النشطة في المنطقة، فرصةً سانحة لجماعة الإخوان لإيجاد موطئ قدم في هذه الدول، في ظل الهزائم التي منيت بها في شمال إفريقيا، وما تواجهه من إجراءات غير مسبوقة في معاقلها “التقليدية” بأوروبا، كألمانيا وفرنسا.
نسلط الضوء في هذه الدراسة على تحركات الإخوان في رومانيا، الدولة الأوروبية الواقعة في إقليم البلقان، وهي وإن كانت تحركات “خجولة” حتى اللحظة، إلّا أن وضعها تحت المجهر قد يساهم في رسم صورة واضحة المعالم عن نفوذ الجماعة في أوروبا والعالم أجمع، وهو الأمر الذي يحاول مركز أبحاث ودراسات مينا دائماً تقديمه للقارئ.
مسلمو رومانيا..
يوجد في رومانيا أكثر من 100 ألف مسلم من إجمالي السكان البالغ عددهم 22.5 مليون نسمة غالبيتهم العظمى نحو (87 في المئة) من المسيحيين الارثوذكسية.
وينقسم مسلمو رومانيا إلى ثلاث فئات، الأولى: المسلمون المحليُون من أصول غير رومانية، وهؤلاء يتحدرون من أصول تتارية وتركية وغجرية والبانية، ووفدوا الى البلاد مع الفتح العثماني لها، والثاني هم المُسلمون الجُدد من اهل البلاد الاصليين، واعتنق غالبيتُهم الاسلام خلال العقدين الماضيين بعد سقوط النظام الشُيوعي في رومانيا في العام 1989م، واخيرا القسم الثالث: من المسلمين الوافدين من دول عربية واسلامية، وغالبيتهم وفدوا من تركيا وسوريا، وإيران، وافغانستان، وباكستان.
ويتواجد معظم المسلمون الرومان في منطقة على ساحل البحر الأسود تدعى “دوبروجيا” أو ما يعرف حالياً بمحافظة “كونستانسا” جنوب شرق رومانيا، والتي كانت جزءاً من الدولة العثمانية لما يقرب خمسة قرون. بينما يُقيم الباقون في مدن مختلفة تقع على طول نهر الدانوب، وخاصة مدينة تولسيا، إضافة إلى العاصمة بوخاريست التي تستقبل الطلاب والوافدين العرب.
ويمارس المسلمون اليوم شعائرهم الدينية بحرية كاملة في رومانيا، كما أنّ المخاوف التي كانت سائدة سابقاً بشأن اندثار الآثار الإسلامية بدأت تتلاشى بعد أن سجلت بوخارست، التي تتبنى النظام العلماني، ارتفاعا ملحوظا في احترام الحريات الدينية.
في المقابل، هناك اندماج شبه تام للمسلمين المحليين في المجتمع، خاصة وأن المجتمع التركي التتاري تاريخياً لا يُعرف بأنه مجتمع ديني عقائدي، بل كان ممارسا للإسلام العُرفي التقليدي، وهو الإسلام السني العثماني التركي، دون تأثيرات عربية. هذا الذكر مهم لأن الممارسة الدينية للمسلمين الأصليين لم تؤكد أو تدعم أي تفسير متطرف للإسلام، وفقاً للكاتبة “فاطمة يلماز”.
تواجد الإخوان..
لا يوجد حضور صريح لجماعة الإخوان المسلمين في رومانيا، إلا أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين بعض المؤسسات الدعوية والتعليمية وبين الجماعة. وكما هو الحال في بقية الدول الأوروبية، ينفي مدراء وكوادر هذه المؤسسات علاقتهم بالجماعة، حرصاً على سريّة الدعوة وتجنباً للمساءلة، كما يرى مراقبون.
أبرز المؤسسات المعروفة بالقرب من جماعة الإخوان المسلمين هي “الرابطة الإسلامية والثقافية في رومانيا” التي تأسست في 30 مارس 1990 تحت مسمى “جمعية الطلاب المسلمين في رومانيا” وبمبادرة من بعض الطلبة والوافدين العرب.
تتولى الرابطة إقامة النشاطات الثقافية والإنسانية والاجتماعية وترميم المساجد المهدمة والقديمة، كما تنظّم حملات تبرع واعانة للأسر المسلمة، وتعمل على “النهوض بأبناء الجالية سواء بين الرومان والمقيمين الأجانب واظهار الصورة الصحيحة للمسلم خلقيا واجتماعيا “بحسب ما تدعيه.
ويقع المقر الرئيسي للرابطة في بوخارست ولها مكاتب في المدن الجامعية الرئيسية في جميع أنحاء البلاد (كلوج، كرايوفا، كونستانتا، ياش، تيميشوارا) حيث تتولى الترويج للدين الإسلامي بين الطلبة من غير المسلمين بأسلوب تدريجي بدءاً من الدورات المجانية لتعليم اللغتين العربية والتركية.
ويقود الرابطة الإسلامية والثقافية في رومانيا حاليًا د. أبو العلا ناجي الغيثي، وهو يمني درس الطب البشري وتخصص في رومانيا، التي يقيم فيها منذ حوالي ثلاثين عاماً، وهو يشغل أيضاً منصب رئيس مؤسسة طيبة الخيرية.
ساهم الغيثي في دعم جماعة الأخوان المسلمين إبان سقوط حكمهم في مصر، حيث كان يشرف شخصياً على تنظيم المسيرات المناهضة للرئيس السيسي. كما تشير بعض المعلومات إلى أنه اضطلع بدور كبير في “حرف بوصلة” المعارضة السورية الموجودة في رومانيا، سواء من خلال إقصاء المعارضين العلمانيين عن المشهد، أو عبر تنظيم حملات التبرع لـ “المجاهدين” في سوريا ودعمهم إعلامياً ومادياً، وصولاً إلى إصدار الفتاوى التحريضية ضد السوريين المخالفين لأفكاره والتي تحض على مقاطعتهم ووقف التعاملات التجارية معهم.
ورغم أفول نجم الغيثي خلال السنوات الماضية، لاتزال منابر الإخوان الإعلامية تستضيفه وتروّج للرابطة التي يرأسها على اعتبارها “مؤسسة عريقة تدير شؤون الجالية المسلمة في رومانيا”.
ومن ضمن أهم الشخصيات التي تعمل لصالح الجماعة في رومانيا، يبرز اسم د. فريز عبد المجيد اللقطة (أبو إسلام)، وهو طبيب أطفال من مواليد غزة يدير “مؤسسة الوقف الأوروبي في رومانيا”، إصافة إلى “مدرسة القدس” في بوخارست، وتصفه الناشطة السورية المقيمة في رومانيا، د.حنان نورا الحايك، في مقال بموقع “القناة الإعلامية للبنت السورية في رومانيا” بـ”الزعيم الفعلي لجماعة الإخوان المسلمين في رومانيا”، نظراً لدوره الكبير في دعم الجماعة وتبنّي رؤية حركة حماس حيال القضية الفلسطينية.
ووفق المعلومات المتاحة، ساهم “اللقطة” في تقوية تيارات معينة محسوبة على المعارضة السورية في رومانيا ومنحها نوعاً من الشرعية من خلال عقود مبرمة مع “مدرسة القدس” تتعلق بالتعاون في مجال التعليم ورعاية شؤون أطفال اللاجئين السوريين، كما كان له دور فعال ومؤثر في تحييد وإقصاء بعض المعارضين السوريين المختلفين معه في التوجه.
كما تتضمن قائمة المنظمات الموالية لتنظيم الإخوان في رومانيا، منظمة “الأخوات المسلمات” التي يديرها المدعو “جمال الدين ” وهو شيخ روماني من أصول تتارية، شارك بفعالية في تنظيم المهرجانات والمسيرات المناهضة لنظام السيسي في مصر.
مايسترو الإخوان في رومانيا؟
اللافت هنا أنّ رومانيا تستضيف نجل الراحل يوسف القرضاوي، مفتي الإخوان كما يصفه متابعون للحركات الإسلامية، أسامة القرضاوي بصفته “سفيراً فوق العادة” لدولة قطر في رومانيا منذ أكتوبر العام 2021، الأمر الذي اعتبره مراقبون تمهيداً لمحاولة تمكين الإخوان في دول البلقان “الهشة” أمنياً والمضطربة اقتصادياً.
ومرتبة “سفير فوق العادة” هي أعلى درجة دبلوماسية في مراتب السفراء، وتمنح لشخص مكلف بمهام خاصة لبلده لدى بلدان أخرى أو منظمات دولية، وتعطيه إمكانيات استثنائية لأداء مهامه، وتخوله إبرام اتفاقيات باسم الدولة أو الهيئة التي يمثلها.
وتؤكد تقارير إعلامية مصرية أنه سبق لابن القرضاوي أن شغل منصب نائب السفير القطري بالقاهرة فترة حكم الإخوان في مصر “من دون التنازل عن جنسيته المصرية، إذ يحمل رقما قوميا، واستخرج بطاقة شخصية عام 2010 بصفته مواطنا مصريا حاصلا على بكالوريوس دراسات إدارة أعمال، في الوقت الذي لم يستخرج جواز سفر مصري حتى يبعد الأنظار عنه خلال سفرياته”.
وتولى أسامة يوسف القرضاوي أيضا رئاسة إدارة معالجة الأزمات بوزارة الخارجية القطرية، ضمن تطور “يعكس تغلغل الإخوان في دوائر الحكومة القطرية”.
ويشير مراقبون إلى أن أسامة يعد همزة الوصل بين التنظيم الدولي للإخوان في الخارج، والجماعة داخل مصر، حيث يقوم بنقل التعليمات والمعلومات للإخوان، مستغلاً الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها، وتمنع أية ملاحقات أمنية له.
وتربط القرضاوي (الإبن) علاقة وثيقة بقيادات الإخوان في رومانيا وأوروبا الشرقية عامة، رغم غيابه عن الإعلام منذ توليه منصبه.
مستقبل الإسلام السياسي في رومانيا
وتختلف تكتيكات جماعة الإخوان في التغلغل ضمن المجتمعات المضيفة تبعاً لعوامل خاصة بتلك الدول، كنسبة المسلمين من تعداد السكان ومدى تدينهم، وأيضاً إمكانية استغلال ظاهرة الإسلاموفوبيا التي باتت مفتاحاً في الترويج لفكر الجماعة وتوسيع قاعدتها الشعبية بحجة “الدفاع عن حقوق المسلمين”.
ويعتقد عالم اللاهوت الروماني “دانوت ماناستيريانو” أنه ربما تم وضع استراتيجية عامة للدعوة الإسلامية في أوروبا الشرقية، مضيفاً أهم لا يحاولون حتى اقتراح إسلام “بألوان محلية” أو “لاستهلاك أوروبا الشرقية” لكنهم يلتزمون بأساسيات الدين: “إنهم يميلون إلى الماضي في مواجهة تجاوزات الحداثة، ويضخمون في مدى انتشار الإسلام في البلقان في فترة ما قبل العثمانية، والتأثير الإيجابي المزعوم للهيمنة التركية على تنمية جنوب شرق أوروبا، وتأثير الثقافة العربية على التقدم العلمي”.
ويحذر مراقبون من أنّ غياب أدوار فاعلة للمُنظمات والمُؤسسات الاسلامية الأهم في العالم العربي والاسلامي، مثل مُنظمة المؤتمر الاسلامي والأزهر الشريف، في رومانيا، سيمنح جماعة الإخوان الأفضلية في البلد الواقع ضمن إقليم بات معبراً للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
مراجع:
https://dilemaveche.ro/sectiune/tema-saptamanii/bucurestiul-musulman-628753.html
رومانيا… أقلية مسلمة لكنها فاعلة – الراي (alraimedia.com)
https://www.facebook.com/jschromania.ro
JSB | Jerusalem School of Bucharest
On the Muslim Brotherhood in Romania – Persona (wordpress.com)
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.