تتزايد التكهنات حول مستقبل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الجناح المصري، المقيمين في تركيا، تزامناً مع تصاعد الرغبة التركية بتحقيق مزيد من التقارب مع القيادة المصرية، لا سيما وأن استضافة أنقرة لتلك القيادات تعد العقبة الأساسية في وجه التقارب مع مصر، والتي تتهم مجموعة كبيرة من تلك القيادات بالإرهاب.
التكهنات فجرتها عدة خطوات تركية تجاه أعضاء الجماعة، بينها مطالبتها للوسائل الإعلامية التابعة للإخوان، بتخفيض حدة التصريحات العدائية تجاه الحكومة المصرية، بالإضافة إلى تقييد الاستخبارات التركية التحويلات المالية التي تجريها قيادات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك في خطوة هي الأولى من نوعها التي تتخذها حكومة العدالة والتنمية تجاه الجماعة المدعومة من قبلها.
رهانات خاسرة ومواقف خاطئة باتجاهين
يبدأ المحلل السياسي والاستراتيجي، “عمرو عبد العاطي” تعليقه على مستقبل الجماعة المصرية، بالتنويه إلى أن التحالف بين الجماعة والحكومة التركية كان خطوة خاطئة بالاتجاهين، على الرغم من تقارب الأجندة والأيديولوجيا بينهما، مضيفاً: “جماعة الإخوان اعتقدت أنها ستتمكن عبر الدعم التركي، من خلق واقع جديد في مصر أو على الأقل إحداث تغييرات على الأرض المصرية من خلال الحيز الإعلامي والدعم السياسي وربما العسكري الذي توفره تركيا، ولكنها في الواقع ارتكبت خطأً كبيراً في ذلك، لعدة أسباب أهمها أن القوة الإقليمية لمصر تضاهي قوة تركيا، وبالتالي فإن الموقف التركي أو الدعم التركي لن يكون مؤثراً على الشأن المصري كما تأثيره في دولة صغيرة مثلاً”.
كما يشير “عبد العطي” إلى أن الخطأ الثاني، الذي ارتكتبه الجماعة هو ثقتها باستمرار الدعم التركي إلى ما لا نهاية، وعدم إداراكها إلى أن المعطيات والمصالح الدولية تتغير باستمرار بما في ذلك قواعد المصالح والسياسات الخارجية، معتبراً أن الجماعة كان عليها أن تبدي وعياً سياسياً أكبر في تعاملها مع مستجدات الوضع المصري بعد الإطاحة بحكم “محمد مرسي” وأن تدرك بأنها فشلت في إدارة البلاد بدلاً من انخراطها بمشروع إقليمي بهدف العودة إلى الحكم.
أما على الجانب الآخر من المعادلة، فيعتبر “عبد العاطي” أن تركيا أيضاً أخطأت عندما اعتقدت بأنها قادرة على تحقيق نفوذ داخل مصر من خلال الجماعة والدعم المقدم لها، مرجعاً ذلك إلى عدة أسباب، أولها تعدد القوى السياسية في مصر بين اليسار والعلمانيين والقوميين وحتى بعض التيارات الدينية التي عارضت الإخوان.
كما يبين “عبد العاطي” أن كل تلك التيارات لها قواعد شعبية عريضة على الأرض المصرية، وبالتالي فإن تركيا مهما قدمت دعم للجماعة فإنه من الصعب جداً إقامة حكم الحزب الواحد في مصر وتكرار النموذج الليبي أو التونسي في مصر، لافتاً إلى أن الحالة العامة الداخلية لتركيا وتبدلات السياسة الدولية وكثرة العداوات السياسية التي بنتها حكومة العدالة والتنمية مع جيرانها الأوروبيين وحتى العرب، دفعتها إلى الاستيقاظ ومحاولة إعادة الأمور إلى نصابها مع مصر.
يشار إلى أن وزير الخارجية المصري، “سامح شكري”، حدد في وقتٍ سابق، عدة شروط لتطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، من بينها وجود تغييرات ملموسة في المواقف السلبية للساسة الأتراك تجاه مصر، معتبراً أن التوتر الراهن بين الدولين لا يعكس العلاقة بين الشعبين المصري والتركي، كما أشار “شكري” إلى أهمية أن لا تدخل تركيا في الشؤون الداخلية، وانتهاج سياسات إقليمية تتوافق مع السياسة المصرية، كأرضية ومنطلقا للعلاقات الطبيعية بين البلدين، مشدداً على أن مصر تتبع سياسة خارجية متزنة تجاه كل الأطراف، وهي ليست في مواجهة أي طرف، مشيرا في الوقت ذاته، إلى وجود صعوبات خاصة في ظل التطورات وحالة الاستقطاب على الساحة الدولية.
فشلت المهمة وضاع الهدف
تكرار فشل الجماعة في كل من تونس وليبيا، وعجزها عن تشكيل نظام مستقر في تلك البلدان بما يخدم المشروع التركي في شمال إفريقيا، انعكس أيضاً على الموقف التركي من دعم الإخوان في مصر، وفقاً لما يراه الباحث في الشؤون الجماعات الإسلامية، “سليم خيري”، موضحاً: “تركيا اعتمدت كلياً على الإخوان المسلمين في دعم نفوذها في المنطقة العربية طيلة عقدٍ كامل، إلا ان الجماعة وبعد سنوات لم تتمكن من تقديم ما كان مأمول منها تركياً، سواء في سوريا أو مصر أو ليبيا أو تونس، لذا كان على الحكومة التركية أن تقر بحقيقة أن المهمة فشلت وضاع الهدف، وبالتالي التعامل مع ذلك الواقع بشكل أكثر وعياً من الناحية السياسية، لا سيما وأن دعم الجماعة كلف مليارات الدولارات”.
يشار إلى أن ليبيا شهدت قبل أسابيع قليلة سقوط حكومة الوفاق، المدعومة من تركية، والمقربة من جماعة الإخوان المسلمين، في حين تواجه حركة النهضة التونسية معارضة سياسية قوية، قد تطيح بزعيم الحركة “راشد الغنوشي” من منصب رئيس البرلمان.
إلى جانب ذلك، يشير “خيري” إلى أن العقد الماضي، أثبت فشل الحركات الدينية بمواقع القيادة، بعد أن اعتقدت الجماعة بأن ثورات الربيع العربي ستكون نقطة تحول لصالحها، إلا أن ما حدث كان العكس، على حد قوله، موضحاً: “منطقة الشرق الأوسط ذات خصوصية عالية على المستوى الدولي، تجعل من قيام أنظمة دينية أو ذات توجهات متشددة أمراً صعباً جداً ومرفوض ليس دولياً فقط وحتى من الناحية الشعبية، التي بدأت ترى في الحركات الدينية تجار سياسة، خاصةً مع تصاعد التيارات المطالبة بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة، والمشكلة الأكبر في تلك الجماعات أنها تنظر إلى نظام الدولة على أنه سلطة تمكنها من فرض نمط حياة معين على المجتمعات، التي انتفضت أساساً لتطبيق قواعد دولة القانون”.
وينطلق “خيري” في تحليلاته بفشل التجربة الدينية في الحكم، من تجربة الإخوان المسلمين في مصر، لافتاً إلى أن بعد مظاهرات 30 يونيو في مصر والتي أطاحت “بمرسي” لم تجد الحركة أي دعم من قبل الطبقة السياسية أو الشعبية، بل ما حصل في ذلك الوقت كان باتفاق بين الكتل السياسية بما فيها حزب النور السلفي.
المستقبل الغامض
يفتح إعلان السفير الألماني في القاهرة، “سيريل نون”، أن بلاده لن تكون مكاناً لجماعات محظورة ولا ملاذاً آمناً لها، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، جدلاً حول مصير قيادات الجماعة في حال خروجها من تركيا، بالإضافة إلى مدى إمكانية توجهها إلى الدول الأوربية، والتي اتخذ بعضها عدة قرارات حاسمة تجاه الجماعات والهيئات المدعومة من تركيا خلال الفترة الماضية.
من جهته، يقول المحلل السياسي، “جبر عكرمة”: “أبواب أوروبا لن تكون مفتوحة إطلاقاً بقيادات الجماعة، المرتبطة بتركيا، فالعديد من الدول الأوروبية، وتحديداً فرنسا وألمانيا، تنظر إلى مثل هذه الجماعة على أنها قنوات للنفوذ التركي في القارة الأوروبية وهو ما دفعها لتشيد الرقابة وإعلاق العديد من الجمعيات المرتبطة بالإخوان المسلمين وتركيا”، معتبراً أن التوجه إلى أوروبا قد يكون خياراً صعباً.
مصادر مطلعة، كانت قد كشفت قبل أسبوعين، عن عقد قيادات في جماعة الإخوان المسلمين اجتماعاتٍ لها في العاصمة البريطانية، لندن، مشيرةً إلى أن تلك الاجتماعات ركزت على مسألة التقارب التركي – المصري ومنعكساته على قيادات الجماعة المقيمة على الأراضي التركية، والاستعداد لتداعيات أي مصالحة محتملة وما قد ينجم عنها من تسليم بعض عناصر فرع الجماعة المصري، للسلطات الأمنية في القاهرة.
كما يرجح “عكرمة” أن يواجه قادة الجماعة في تركيا أحد أمرين، إما محاولة ترحيلهم إلى الولايات المتحدة، خاصةً مع وصول الديمقراطيين إلى الحكم في البلاد، والذين يعبدون تعاطفاً مع الجماعة أكثر نسبياً من الأوروبيين، أو أن تبقى الجماعة في تركيا على أن لا تمارس أي نشاط سياسي تجاه مصر ولا من أي نوع، بحيث تكون تركيا مجرد مكان إقامة لا أكثر، لافتاً إلى أن كل تلك الامور ستكون رهن توقع اتفاق إعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة.