مدخل
في يوغوسلافيا بدأت الصحوة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي، وقد ترافقت مع الصحوة الإسلامية في المنطقة العربية! وكانت من خلال ظواهر دينية تُنسب غالباً إلى فتح التبادل التعليمي لمفكرين مسلمين من دول إسلامية متعددة. كما أدى النمو المالي ليوغوسلافيا بالإضافة إلى التحويلات المالية من الخارج للاجئين البوسنيين وكذلك التبرعات من عمال بوسنيين يعملون في الخارج، الذين ساهموا في إعادة بناء وترميم بعض المساجد، في حين تم ترميم بعض المساجد والمباني الدينية الأخرى عبر الاتحاد اليوغسلافي.
لكنْ الأحداث اتخذت منعطفاً مؤسفاً مع تفكك يوغوسلافيا في التسعينيات والحرب الأهلية في البوسنة والهرسك من العام 1992 إلى العام 1995 أدى ذلك إلى حرب عرقية دامية رافقها خراب ودمار واضطراب في المجتمع البوسني، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الضحايا! إضافة إلى تدمير وخراب حوالي 1000 مبنى من المساجد والمدارس الدينية للمسلمين خلال فترة الحرب، ترافق ذلك مع عجز المعهد الدولي للصليب الأحمر ومؤسسات الدولة من تقديم الدعم لإعادة بنائها وإصلاحها. ([1])
التكوين الديمغرافي للبوسنة والهرسك
تتكون البوسنة والهرسك من عدة مجتمعات عرقية تتوزع نسبتهم على الشكل التالي: 50.1٪ مسلمو البوسنة (البوشناق) يليهم 31٪ الصرب، 15.5٪ الكروات، 3.7٪ آخرون، وقد دخل الإسلام إلى البوسنة والهرسك منذ القرن الخامس عشر ميلادي، ورسّخ نفسه في المجتمع البوسني خلال فترة ولاية الإمبراطورية العثمانية من عام 1463 إلى عام 1878. وتعتبر المرجعية والسلطة الدينية الرئيسية للمسلمين في البوسنة والهرسك هي المنظمة الإسلامية للبوسنة والهرسك (ICBiH)، ومقرها في سراييفو، التي تأسست عام 1882 عندما كانت البوسنة تحت الحكم النمساوي /المجري، وكانت جزءاً من المجتمع الإسلامي في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية حتى عام 1992. ([2])
الصحوة الإسلامية والنفوذ الأجنبي والتطرف في البوسنة والهرسك
عند وصول الصحوة الإسلامية إلى يوغسلافيا؛ تم تحديد تأثيراتها الأولى في البوسنة والهرسك، وكانت قادمة بشكل أساسي من الدول العربية عبر منظمات المعونة الإنسانية؛ حيث فتحت الحرب باب للتدخل الخارجي الإسلامي خصوصاً.
وفي العام 1992، دخل ما يسمى بالمجاهدين (الأفغان العرب) إلى البوسنة والهرسك؛ ولا يزال عدد قليل منهم موجوداً في حين انتشر الباقي كلاجئين وعمال في البلدان الأوروبية الأخرى القريبة من البوسنة والهرسك. ولكن المساعدات الإنسانية لم تقتصر على الطعام والإمدادات الأخرى، بل شملت أيضا كتباً إسلامية من الشرق الأوسط، اعتُبرت ضرورية “لإعادة أسلمة” المسلمين العلمانيين في البوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب، وازدادت التأثيرات الخارجية الإسلامية في البلاد في الارتفاع إلى حد كبير من خلال التبرعات وبناء المساجد. ([3])
في هذا الوقت استمرت دول مثل ماليزيا وإندونيسيا، والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والأردن بمتابعة أهداف سياستها الخارجية من خلال فتح وإعادة بناء المساجد في جميع أنحاء البلاد، وكانت المملكة العربية السعودية وإيران أول دولتين تساعدان البوسنة والهرسك خلال الحرب.
لم تقدم تركيا المساعدة على الفور على الرغم من اعتبارها “دولة شقيقة” للبوسنة والهرسك؟ وبمساعدة المملكة العربية السعودية جاء النفوذ الإحيائي للصحوة الإسلامية بشكل رئيسي على شكل التيارات الوهابية والسلفية، حيث قاموا بتمويل رياض الأطفال والمدارس والمساجد، ولكنهم قاموا أيضاً بنشر المؤلفات والكتب السلفية، بالإضافة إلى منح دراسية للدراسة في المملكة العربية السعودية، وبعد عام 1995 تم إنشاء رابطة الشباب الإسلامي النشط (AIO)، المكونة من أعضاء سابقين في وحدة المجاهدين العرب، وأصبح المنشور الدوري SAFF، أبرز منافذ العقيدة السلفية. ([4])
وبالمثل كان النفوذ الإيراني بارزاً جداً خلال التسعينيات، حيث جاء على شكل مساعدات إنسانية، ولكن أيضاً كانت هناك مساعدات مالية وعسكرية، بما في ذلك الأسلحة والمعلمين العسكريين وضباط المخابرات؟! وكان تأثير إيران والتشيع في فترة ما بعد الحرب كبيراً، على الرغم من أنه جاء من مجموعة صغيرة! ومنذ ذلك الحين، قلصت البوسنة والهرسك إلى حد كبير علاقاتها الوثيقة سابقاً مع إيران، لكنها ما تزال ترعى الروابط الثقافية من خلال المركز الثقافي لجمهورية إيران الإسلامية، بما في ذلك التبادلات الأكاديمية والمنشورات مثل المجلة الثقافية بيهاريستان. ([5])
التأثير التركي الإسلاموي
غالبا ما يُعتقد أن تأثير تركيا على البوسنة والهرسك مهم بسبب الروابط التاريخية عبر الإمبراطورية العثمانية؟ ويُعتقد أن حوالي ثلثي السكان المسلمين البوسنيين يتكونون من محافظين مؤيدين لتركيا! لكن يُلاحظ أن تركيا لم تكن من بين الدول الأولى التي ساعدت البوسنة خلال الحرب العرقية؟ لكن اليوم وفي ظل حزب العدالة والتنمية الحاكم، عكست السياسة الخارجية لتركيا اهتماماً أكبر بمنطقة البلقان بشكل عام، ويُعتقد أن البوسنة تتمتع باهتمام أقل من حيث المساعدة الإنمائية مقارنة بصربيا (أقل بنسبة 30٪ تقريباً). ([6])
لذا منذ العام 2002، كانت المنظمة التركية TİKA هي من أهم المنظمات التركية الحاضرة في البوسنة، وكان من المثير للاهتمام أيضا أنه في العام 2004، وقعت مديرية الشؤون الدينية التركية، المعروفة باسم ديانات، وICBiH مذكرة تفاهم أعلنت أن المنظمتين ستتعاونان بشكل وثيق في مسائل الإسلام في أساس التقاليد والخبرة المشتركة. ([7])
تشير روايات متعددة عن خلافات بين النخب السياسية في الدولتين إلى أن العلاقة بين تركيا والبوسنة ليست قوية كما يعتقد على نطاق واسع. ولقد كان لأتباع فتح الله غولن تأثير كبير على البوسنة والهرسك في المقام الأول من خلال التعليم وخاصة المدارس، وكذلك مؤسسة “حزمت” التي لا تزال موجودة، وكان لتأثير تركيا في البوسنة المرتبط بحركة غولن تأثير كبير على وجه التحديد، ولكن تسبب الخلاف بين حزب العدالة والتنمية وحركة غولن في العام 2013 في تدهور العلاقات بين الحزب السياسي البوسني الرئيسي(Strake Demokratske Akcije- SDA) وICBiH التي تأثرت بشدة بسياسة حزب العدالة والتنمية التركي، ومؤسسة حزمت، وقد أدى ذلك إلى عزل حركة غولن عن المشهد الإسلامي في البوسنة، وانقطعت العديد من العلاقات الشخصية معها، مثل مغادرة أطفال الأشخاص المنتسبين لـ ICBiH مدارس حزمت. ([8])
مع التأثيرات الخارجية المختلفة الموجودة في البوسنة والهرسك، إضافة إلى عوامل أخرى مثل عدد المقاتلين الأجانب الذين غادروا البلاد للقتال في سوريا، يُنظر إلى السكان المسلمين في البوسنة والهرسك على أنهم عرضة للراديكالية والتطرف! ففي كتاب “خلافة البلقان القادمة: تهديد الإسلام الراديكالي لأوروبا والغرب” توصف البوسنة والهرسك بأنها “مهد الإرهاب في أوروبا” ونجد إضفاء الطابع الأمني على مسلمي البوسنة حاضر داخل حدود الدول الأوروبية وخارجها، فالنخب السياسية الأوروبية من الدول المجاورة يعبرون دائماً عن قلقهم من البوسنيين وتحركاتهم داخل الاتحاد الأوروبي. ([9])
كما لوحظ زيادة السندات المالية للسكان المسلمين البوسنيين خلال المقابلات، حيث عكس الأشخاص الذين تمت مقابلتهم حالة طلب السندات المالية الدائم من قبل كل من الجماعات المعارضة في البلاد، وعالمياً بسبب عدد المقاتلين الأجانب من البوسنة؟ وقد سلط خبيران أمنيان في منظمة GLOBSEC الضوء على أنه بينما كان هناك عدد متزايد من الوهابيين والسلفيين في البوسنة والهرسك، إلا أن التهديد الذي يمثله هذا التطور كان مبالغاً فيه إلى حد كبير.
تلعب جمعية ICBiH دوراً مهماً في الحد من التأثيرات الأجنبية ومنع الراديكالية الدينية في البلاد؛ ففي العام 1993، أصدر رئيس العلماء آنذاك مصطفى سيريتش فتوى بشأن الامتثال الإلزامي للمذهب الحنفي في جميع الطقوس الدينية في البوسنة والهرسك، وكانت هذه الفتوى سبيلاً لتقليل تأثير الأطراف الخارجية من خلال ضمان بقاء ممارسة الإسلام في البلاد ضمن حدود التقاليد المعروفة تاريخياً. ومع ذلك فإن الفتوى لم يتم تعميمها والعمل بها، وتركت مساحة للجهات الفاعلة الخارجية لنشر أيديولوجيتها من خلال المطبوعات مع استمرار تقوية التأثيرات الخارجية في البوسنة خلال الحرب وبعدها.
الإخوان المسلمون في البوسنة والهرسك
على عكس صربيا ومقدونيا الشمالية، كان وجود الإخوان المسلمين في البوسنة والهرسك موضع اهتمام، لا سيما لوسائل الإعلام الشعبية وأولئك الذين يرغبون في الاستفادة منه من خلال ربط خصومهم السياسيين بالإخوان المسلمين.
تعود الروابط الأولية للأفراد والجماعات البوسنية مع جماعة الإخوان المسلمين إلى الأربعينيات من القرن الماضي مع تأسيس جماعة الشبان المسلمين (BHS: Mladi Muslimani). التي كانت منظمة من المثقفين المسلمين وقد تأسست في عام 1939، الذين غالباً ما يوصفون بأنهم مجموعة غير شرعية من النشطاء الإسلاميين، وهناك آراء لخبراء بوسنيين بأن جماعة الشبان المسلمين تأسست متأثرة بنشوء حركة الإخوان بمصر آنذاك؛ وباتت كأنها فرع لها في البوسنة والهرسك. ([10])
رفضت جماعة الشبان المسلمون قرار الحكومة اليوغوسلافية المحاكمة القضائية ضد 13 مفكراً مسلماً ينتمون لها في العام 1983 وذلك بعد أحداث سراييفو، حيث اتهموا خلالها بالانتماء لجماعة تدعو إلى الأصولية الإسلامية، وبشكل أساسي باعتداءات سراييفو؛ وتم اعتبارها نشاطاً عدائياً مستوحى من الأصولية الإسلامية المنتمية للإسلام السياسي من خلال تكوين الجمعيات لأغراض الإسلام السياسي والنشاط العدائي والدعاية العدائية”. ([11])
ومن بين الأعضاء المؤسسين المحكوم عليهم بالسجن 14 عاماً (تم العفو عنهم بعد عامين) الزعيم البوسني علي عزت بيغوفيتش الذي أصبح فيما بعد أول رئيس للبوسنة والهرسك بعد إعلان الاستقلال في عام 1992 قبل أن يصبح شخصية سياسية بارزة كزعيم للحزب السياسي SDA ثم رئيساً للدولة، وقد ارتبط الحكم الصادر ضد عزت بيغوفيتش بمقالة بعنوان “الإعلان الإسلامي” الذي كُتب في السبعينيات؛ وأعيد نشره في عام 1990 ويوصف محتوى الإعلان الإسلامي أحياناً بأنه قائم على أيديولوجية إسلامية شبيهة بتلك الأفكار العائدة لجماعة الإخوان المسلمين، وما زالت محتوياتها مثيرة للجدل حتى يومنا هذا. ([12])
استمر التواجد الأيديولوجي للإخوان المسلمين في البوسنة والهرسك مع تأسيس حزب العمل الديمقراطي، ووجود العديد من العديد الشبان المسلمين ويعتبر عزت بيغوفيتش ملهمها؛ لكن بعد وفاة علي عزت بيغوفيتش، تولى نجله بكر قيادة الحزب ومنذ ذلك الحين كان هو أيضاً منتمياً فكريًا إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وفي العام 2014، وفقا للتقارير الإخبارية والعديد منها في صحف الفضائح، رحب بكر عزت بيغوفيتش “بوفد من الإخوان المسلمين في رئاسة الجمهورية! كما تضمنت المقالات صورة لبكير عزت بيجوفيتش مستخدماً رمز رابعة، وهي إشارة معروفة من جماعة الإخوان المسلمين! ولكن لا توجد سجلات رسمية لهذا الاجتماع على موقع الرئاسة؟ استمر هذا الاجتماع في كونه موضوع نقاش إعلامي؛ وفي العام 2016، نشرت صحيفة “بوليتيكا” الصربية مقالاً بعنوان “بكر عزت بيغوفيتش تحت رقابة أجهزة المخابرات الأمريكية”.
بعد بدء محاكمة الرئيس الأسبق محمد مرسي في 2015، أصدر بكر عزت بيغوفيتش بياناً رئاسياً رسمياً دعا مصر إلى احترام حقوق الإنسان وضمان محاكمة عادلة لمرسي، وقال في بيانه إن مرسي تم انتخابه بشكل قانوني، ولكن بعد ذلك أطيح به بانقلاب عسكري، ثم حُرم من حريته وخضع لإجراءات قضائية ذات بعد سياسي كان الهدف منها تصفية المنافسين السياسيين وذوي الآراء المختلفة لنظام عبد الفتاح السيسي، وانتهت بالتصفية الجسدية”.
ورغم ذلك غالباً ما يتم الطعن في انتماء الشبان المسلمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، إذ يدعون بأن سبب تمرد هذه المجموعة كان رداً على اتفاقية تسفيتكوفيتش – ماشيك، وليس بسبب روابطهم الإسلامية الإخوانية الإيديولوجية.
تشير الأدلة إلى أن أعضاء جماعة “الشبان المسلمين” كانوا مجموعة من المثقفين، في زمن يوغوسلافيا الاشتراكية، يستكشفون علاقاتهم بالإسلام ومن خلال ذلك يتصرفون في معارضة للحكومة؛ وقد قادتهم استكشافاتهم للقاء أشخاص من دول أخرى في ظروف مماثلة، أي الذين يعيشون في أنظمة لا تسمح بمساحة للدين، مثل تركيا، وأن هذه الظروف تستخدم اليوم كمؤشر على صلاتهم بالإخوان المسلمين؛ وأظهرت عملية سراييفو عام 1983 اضطهاد هؤلاء المثقفين على أساس معارضتهم للحكومة، وليس تخطيطهم لثورة إسلامية. وفي رأي الدكتور راجكو دانيلوفيتش، محامي الدفاع عن بعض المتهمين، كان الدليل على الحكم إما ملفقاً أو مبالغاً فيه.
بالإضافة لذلك، وفقاً لروايات المعنين بالتقليل من تداعيات لقاء بكر عزت بيغوفيتش عام 2014 مع ممثلي الإخوان المسلمين المصريين واستخدامه لإشارة رابعة، كان الفعل مظهراً من مظاهر الجهل، وليس إظهاراً لدعم الإخوان المسلمين؛ لقد أتيحت الفرصة لبكر عزت بيغوفيتش في السابق للقاء بعض الأعضاء المنتسبين للإخوان المسلمين عبر والده وعلاقاته الشخصية، وبالتالي لقد كان مصدوماً بأحداث القاهرة. وقد أخطأ في التعبير عن دعمه لمن عانوا من المأساة.
وقد عقد المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث عدة جلسات عادية للتنظيم في سراييفو في عامي 2007 و2013 كان منظّر جماعة الإخوان المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي حاضراً في مؤتمر 2013، إلى جانب بكر عزت بيغوفيتش ورئيس العلماء حسين، وهناك علاقات متعددة تربط الشيخ القرضاوي بالبوسنة والهرسك وأفراد من البلاد، وكانت ICBiH على دراية بالجدل المرتبط بشخصيته، وبالتالي خلق مسافة بين المجتمع وبينه؛ فعلى سبيل المثال، رفض ICBiH إجراء مقابلة مع القرضاوي ونشرها عبر وسائل الإعلام الخاصة بهم. ([13])
وزُعم أن شخصية بارزة أخرى في البوسنة والهرسك هي رئيس العلماء السابق الدكتور مصطفى سيريتش، له صلات بجماعة الإخوان المسلمين وقيادتها؛ حيث إن سيريتش عضو في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المرتبط بالإخوان المسلمين، إلى جانب الشيخ القرضاوي وشخصيات أخرى بارزة في الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى ذلك فهو عضو في منظمة “Radical Middle Way” التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، والتي من خلالها أتيحت له الفرصة للتواصل مع العديد من العلماء المرتبطين بالإخوان المسلمين؛ كما تم تأكيد حرصه على أن يتم تضمينه في العمليات السياسية وكذلك تغير مواقفه وآرائه في محادثة مع خبراء من البوسنة والهرسك. ([14])
ويتهم بأنه يعمل لمصلحته الشخصية؛ فهو يعير خطابه بحسب الجهة التي تتحدث معه؛ ولكن أثناء تواجده في اللقاءات الأوروبية يُفضل استخدام خطاب أكثر اعتدالاً، ويكون أكثر ميلاً للدعوة ضد العنف من قبل الإسلاميين لكن خطابه في البوسنة أكثر حدة، ويُنظر إليه بين البوسنيين إلى أنه عالم في الدين الإسلامي وقدوة عظيمة لشبابها؛ إلا أن عثراته في الساحة السياسية أضرت بسمعته كثيراً.
وله محاولات عديدة كطموح سياسي؛ معتمداً على شعبيته وقدرته العلمية الإسلامية وعلاقاتها بالإسلام السياسي؛ حيث ورد أنه فكر في الترشح للمنصب نفسه في عام 2018. ولم يكن ذلك مفاجئاً للسكان لأنه كان معروفاً باستخدام مكانته الدينية وعلاقاته لأغراض سياسية! وكان يُنظر إلى ترشيحه على أنه يحتمل أن يكون خطيراً على المجتمع البوسني ونُسب إلى حاجته النهمة إلى أن يكون في مكان ما في القمة، في منصب من خلاله يمكن للمرء أن يرضي تطلعاته، ويحصنها؛ كما تشير بذلك عدة تقارير ودراسات حول شخصيته بإن علاقات سيرتش مع المنظمات والأفراد التابعين للإخوان المسلمين تنسب إلى رغبته في تحقيق أهداف شخصية بدلاً من النهوض بالإسلام السياسي! ويرجح الدراسون لشخصيته ومن يختلفون معه أن إنشاء هذه العلاقات والحفاظ عليها قد تم تعزيزها من قبل سيرتش خلال محاولة سابقة لفرض نفسه على أنه المفتي الأكبر والمرجع لمسلمي أوروبا، وبالتالي فهو يقدم نفسه كزعيم ديني وروحي لهم وبالتالي كسياسي.
الأنشطة الحالية لجماعة الإخوان المسلمين في البوسنة والهرسك – AKOS؟
وفقاً لورنزو فيدينو، يُعتقد أن عدداً قليلاً من المنظمات في أوروبا هي ناتج عن نشاط الإخوان المسلمين في القارة؛ وأحد هذه المنظمات هو اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE)، ومقرها في بروكسل وفقاً لموقعها على الويب، فإن AKOS منظمة غير حزبية وغير حكومية وغير ربحية يتم تمويلها من مساهمات المانحين ورسوم عضوية وأنشطة اقتصادية.
وعند مراجعة المخدم المسجل في الولايات المتحدة لموقع ويب تديره AKOS، www.akos.ba، كشفت أن غالبية زوار الموقع البالغ عددهم 3400 زائر يومياً بينهم (84.5٪) يأتون من البوسنة والهرسك بينما يأتي الباقون من الخارج، مما يعني بشكل غير مباشر اهتماماً أجنبياً محدوداً عبر الإنترنت” بالمنظمة، إلى جانب عائداتها، البالغة قيمتها نحو 41849 دولاراً أمريكياً، استنادا إلى عائدات الإعلانات المقدرة التي تقل قليلاً عن 1000 دولار أمريكي سنوياً.
وتركز المنظمة على تعليم الشباب، وبشكل أساسي إعادة توجيه الانتباه عن التأثيرات السلبية التي أدت إلى الانحطاط الأخلاقي، وفقدان القيم الإنسانية الحقيقية، والانغماس في المخدرات، والكحول، والزنا وغير ذلك من أشكال السلوك المدمر والخطير.
ولكن من المثير للاهتمام، في الصفحة الخاصة بهم، أن AKOS يسلط الضوء أيضاً على من لا يمكن أن يكون عضواً في المنظمة، أي الأشخاص المدانين بجرائم ضد الأمن أو حقوق الإنسان الأساسية؛ الأشخاص الذين تم تأديبهم أو طردهم من قبل جمعيات أخرى؛ والأشخاص الذين ينتهكون وحدة الجمعية.
تنتمي AKOS أيضا إلى المنظمة غير الحكومية “جمعية الثقافة والتعليم” (AKEA)، التي كانت تعمل في كوسوفو كمنظمة يشتبه في صلاتها بالإخوان المسلمين، وتم إغلاق AKEA في عام 2014 من قبل مكتب المدعي الخاص في كوسوفو باعتبارها واحدة من 64 منظمة مشبوهة، وذلك وفقاً لتقارير إخبارية من العام 2014، وقد كانت المنظمة ومقرها الرئيسي في بريشتينا، قريبة من جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتمتع أيضاً بدعم الرئيس التركي أردوغان عبر منظمة TİKA التركية.
فيما يتعلق بالإخوان المسلمين، يقدم موقع AKOS عددا كبيراً من المقالات التي تتحدث عن الإخوان المسلمين، ويمكن تقسيمها إلى أربع فئات: تاريخ وتطور الإخوان المسلمين، والتطورات في مصر، والمقابلات أو التقارير حول فكر الإخوان المسلمين، والشخصيات المنتسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الإخوان المسلمين وأثرها في البوسنة والهرسك.
وتتضمن المقالات التي تندرج تحت الفئة الأولى التي تحدد التطورات التاريخية للإخوان المسلمين سلسلة بعنوان “شهداء الحركة الإسلامية المسلمة” (BHS: Šehidi islamskog pokreta Muslimanska braća التي تعرض السير الذاتية لأشهرهم “الشهداء” ومنهم حسن البنا!؟ وتركز الفئة الثانية من المقالات على التطورات السياسية في مصر، مثل التظاهرات ووفاة مرسي؛ بينما تتألف المجموعة الثالثة من المقالات من محاضرات ومقالات رأي مترجمة لأشخاص مثل طارق رمضان والشيخ القرضاوي.
وفي عام 2015، نشرت AKOS مقابلة مع رمضان بعنوان “طارق رمضان: تعريف الهوية بالانفتاح والمرونة أمر مهم للغاية”، حيث تم تقديمه كواحد من أهم المفكرين الإسلاميين اليوم؟! وقد تم تقديمه لاحقاً باسم “ابن د. سيد رمضان، طالب وشريك مقرب لحسن البنا مؤسس أكبر حركة إسلامية حديثة وأكثرها نفوذاً.
في العام 2013 نشر AKOS بحثاً بعنوان “حركة الإخوان المسلمين؛ الأصل والعمل والتفكير في البوسنة والهرسك”، وهي مقتطفات من أطروحة الماجستير وكتاب مصطفى برليجا عن حركة الإخوان المسلمين وتأثيرها على البوسنة والهرسك والبوشناق. وفي القسم التمهيدي للكتاب يتناول طبيعة الحركة بالجمل التالية: إن إسهامها في تأكيد الإسلام والقيم الإسلامية، واستعادة الثقة بالنفس واحترام الذات لدى المسلمين كبير ولا جدال فيه مهما حدث.
وفي الأجزاء التالية يعرض البحث سرداً عن جماعة الإخوان المسلمين؛ والتأثير في البوسنة والهرسك، أولاً بالإشارة إلى “مجموعة من طلابنا، الذين كانوا يدرسون في القاهرة وقت إنشائها، كانوا على دراية بهذه الحركة، والطريقة التي عملت بها في تلك المرحلة الأولى كانت جزئياً وكيف نُقلوا هذه الأفكار أيضاً إلى هذه المناطق عند عودتهم” وهم جماعة الشبان المسلمون. وقد وصف البحث تأثير الإخوان المسلمين التربوي على المسلمين في جميع أنحاء العالم وبحثهم عن “إيجاد استجابة مناسبة وفعالة وفي نفس الوقت إسلامية للتحديات العديدة التي واجهوها”، ويخلص البحث إلى أن الأحداث في البوسنة كانت مجرد “صدى بعيد لأحداث الحقبة التاريخية التي وقعت في مصر!!! والتي أولاً أعادت إلى المصريين ثم إلى المجتمعات الإسلامية الأخرى الأمل والإيمان بقوتهم وبصورة عامة في إمكانية الاستجابة الإسلامية للتحديات الحضارية الضخمة التي واجهوها قبل كل شيء، التي ضغطت بشدة على واقع حياتهم. ([15])
كذلك انعقدت جمعية FEMSYO في العام 2018 في سراييفو وتم استضافتهما قبل AKOS وفي عام 2019 كان اثنان من أعضاء هذه المنظمة غير الحكومية مندوبين في جمعية FEMYSO، وهي منظمة أخرى تابعة لـ MB والتي حددتها Vidino وفقا للمعلومات المقدمة في البيان الصحفي لـ AKOS، كانت المنظمة عضواً في FEMSYO على مدار الخمسة عشر عاما الماضية.
على الرغم من المحاولات المتعددة، لم نتمكن من الحصول على رد رسمي بخصوص البحث في AKOS. ولكن من المهم ملاحظة أنه في حين أن اللغة المتعلقة بالإخوان المسلمين في المقالات على موقع AKOS كانت إيجابية تجاه الإخوان، إلا أنها لا تدعو بشكل مباشر إلى الانتماء إلى أيديولوجية الإخوان المسلمين؛ علاوة على ذلك تنشر بوابة AKOS أيضا مجموعة متنوعة من المقالات الأخرى إلى حد كبير مقالات عن الإسلام ونمط الحياة القائم على الدين والرفاهية. ([16])
أما فيما يتعلق بالبرمجة، فإن بوابة AKOS تسلط الضوء على أنشطة المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى دورات لرواد الأعمال الشباب، والهبات من خلال التعاون مع رجال الأعمال البوسنيين، وأنشطة أخرى مختلفة.
أثناء الحديث مع خبراء أمنيين وأعضاء من المجتمع الإسلامي، تم التأكيد باستمرار على أنه على الرغم من عضوية الاتحاد ونشر مقالات تتعلق بالإخوان المسلمين، فإن AKOS هي ببساطة منظمة غير حكومية مستوحاة من الدين يقودها شباب مسلمون من البوسنة، وفقاً للتقارير يمثل هؤلاء الشبان المسلمون في البوسنة والهرسك الذين يدافعون عن طريقة أوروبية اندماجية، كحالة ممهدة باحترام حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية والتعددية والحوار بين الأديان.
وعلى الرغم من منشورات AKOS الموجودة على موقعها على الإنترنت، أشار جميع الخبراء الذين تمت مقابلتهم إلى أنهم ليسوا على علم بوجود جماعة الإخوان المسلمين كحركة منظمة في البلاد؟ وفقا لهذه الروايات على عكس حالة التيارات السلفية في البوسنة والهرسك، لم يتم اكتشاف أي آثار لعمليات للإخوان المسلمين، بما في ذلك الأشخاص أو العلاقات المالية كانت مرتبطة بأية حركة سياسية أو حزب سياسي في سياق البوسنة والهرسك. ([17])
ختاماً
إن المتتبع للحركة الإسلامية في البوسنة منذ أيام الاتحاد اليوغسلافي حتى تفكك الاتحاد والحرب الأهلية؛ يظهر جلياً أن الإسلامويين البوسنيين لهم ميولاً واضحاً نحو أيديولوجية الإسلام السياسي؛ وإذا كان التبرير في هذا الميول يعود لأيام اضطهاد الزعيم اليوغسلافي تيتو للتوجه الإسلاموي؛ واستفادته من تجربة حكم جمال عبد الناصر في تعامله مع حركة الإخوان في مصر؛ ولكن بعد تفكك الاتحاد اليوغسلافي بات التوجه نحو أيديولوجية الإسلام السياسي واضحاً بدءاً من تحركات الزعيم البوسني علي عزت بيجوفتش وكتاباته حتى الربيع العربي؛ ورغم أن التقارير في الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين العالمين غير مؤكدة إلا أن التوجه والنشاط والرغبات الإسلاموية كلها تدل على ذلك؛ إضافة إلى العلاقات مع شخصيات إخوانية مشهورة ونشاط هذه الشخصيات وتواجدهم في الفعاليات الإسلامية التي تُقام في البوسنة.
ولكن اليوم يعود القلق والتخوف من هذا التوجه نحو أيديولوجية الإسلام السياسي الإخوانية تحديداً إلى الظاهرة الأردوغانية من خلال محاولات بعث العثمانية الجديدة؛ ونهضة تركيا وتمددها من خلال الجاليات التركية في أوروبا؛ وبات أردوغان يستخدم الجالية التركية وفروع الإسلام السياسي الإخوانية لصالح سياسته؛ وتظهر جلياً عملية الاستخدام خلال الخلافات السياسية مع بعض الحكومات الأوروبية؛ وبما أن التأثير الأردواغاني بات واضحًا في الحالات الإسلاموية إنْ في البوسنة أو غيرها؛ هذا يعزز الاحتمال بانتماء مثل هذه الجماعات إلى الإسلام السياسي بنسخته الإخوانية.
الهوامش
[1] ـ من مقابلة مع مجموعة خبراء في سراييفو BiH 13 فبراير/شباط 2021.
[2] ـ حمزة بريليفيتش، “منع التطرف الديني في البوسنة والهرسك: دور المجتمع الإسلامي في البوسنة والهرسك”، مجلة شؤون الأقليات المسلمة. العدد: 4. (2 ت1/أ كتوبر 2017)
[3] ـ راجع كتاب: “النهضة الإسلامية في البوسنة والهرسك ما بعد الاشتراكية”، لـ Karči ص. 523 ـ 525.
[4] ـ راجع كتاب: “منع التطرف الديني في البوسنة والهرسك”، لـ Preljević. ص: 184.
[5] ـ راجع كتاب: “النهضة الإسلامية في البوسنة والهرسك ما بعد الاشتراكية”، لـ Karči ص: 528.
[6] ـ راجع كتاب: “دور تركيا في البوسنة والهرسك” لـ دينو موجاديزيفيتش، ص: 26. طباعة (سانت غالن: جامعة سانت غالن، 2017)،
[7] ـ تعتبر جمعية (ICBiH) المرجعية والسلطة الدينية الرئيسية للمسلمين في البوسنة والهرسك هي الجماعة الإسلامية للبوسنة والهرسك.
[8] ـ راجع كتاب: خلافة البلقان القادمة: تهديد الإسلام الراديكالي لأوروبا والغرب، ص. 12. لـ كريستوفر ديليسو. طبعة لندن: برايجر سيكيورتي إنترناشونال، 2007.
[9] ـ صرحت الرئيسة الكرواتية السابقة كوليندا غرابار كيتاروفيتش بأن نوعية الإسلام في البوسنة والهرسك يتغير ويصبح متطرفا بشكل متزايد، الأمر الذي له تداعيات أمنية على البوسنة، ولكن أيضا على كرواتيا. كما أعرب المستشار النمساوي سيباستيان كورتس عن مشاعر إشكالية تجاه المسلمين في البوسنة، مشيراً إلى أن “الشابات والفتيات في سراييفو وبريشتينا يتقاضين رواتب لتغطية رؤوسهن”. وتُظهر مثل هذه التصريحات أن مسلمي البوسنة والهرسك وهرزغوفينيون يتم توطينهم أيضا خارج حدود البلاد. انظر: بريليفيتش، „منع التطرف الديني في البوسنة والهرسك”.
[10] ـ الصراع العرقي والتدخل الدولي: الأزمة في البوسنة والهرسك 1990-1993. لـ Steven L. Burg and Paul S. Shoup (روتليدج، 2015)، ص: 67.
[11] ـ المرجع السابق. ص: 67.
[12] ـ الإسلاموية والأمن في البوسنة والهرسك. لـ ليزلي إس ليبل (معهد الدراسات الاستراتيجية ومطبعة كلية الحرب الأمريكية، 2014) ص: 23.
[13] ـ بحسب موقع: https://vijesti.ba/kategorija/koronavirus
[14] ـ https://www.facebook.com/RadicalMiddleWay/posts/bosniaa-deeply-intimate-and-informative-conversation-with-the-former-mufti-of-bo/10157043377237440/.
[15] ـ راجع: AKOS، “Muslim Brother Movement – Origin، Action and Reflections on BiH، ” AKOS، July 15، 2013، https://akos.ba/pokret-muslimanska-braca-nastanak-
[16] ـ راجع موقع: https://akos.ba/osam-stvari-koje-morate-nauciti-svoje-sinove/
https://akos.ba/cuvaj-se-kletve-onog-kome-si-nepravdnu-ucinio-poucna-
[17] ـ BiH Interview 4، 14 October 2020، Sarajevo.