لطالما تأثرت أوضاع الجاليات المسلمة في اليونان بالمشكلات التاريخية المزمنة بين أثينا والجارة تركيا، كالتنقيب عن غاز شرق المتوسط، وتقسيم جزيرة قبرص، والحدود البحرية والجوية. ورغم تصاعد حدة التوتر مؤخراً بين عضوي حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وتهديد أردوغان في سبتمبر الماضي بإمكانية شن عمل عسكري ضد اليونان “في أي لحظة” إلا أنّ أوضاع المسلمين في البلد ذو الأغلبية المسيحية الأرثوذكسية باتت اليوم في تحسّن ملحوظ مع إبداء الحكومة اليونانية مزيداً من الانفتاح والمرونة تجاههم، تجلّت في إنشاء أول مقبرة للمسلمين في العاصمة أثينا، وقبلها بعامين افتتاح أول مسجد رسمي فيها.
الوضع العام..
كونها تقع على طريق “البلقان” المؤدي إلى دول أوروبا الغنية، بدأت اليونان مؤخرًا في جذب المهاجرين غير الشرعيين على نطاق واسع، بما في ذلك أعداد متزايدة من المهاجرين من البلدان الإسلامية، بينما تستضيف في الوقت نفسه أقلية مسلمة أصلية في المنطقة الشمالية الشرقية من تراقيا، وهي منطقة تتداخل فيها الثقافة اليونانية والتركية.
ورغم تباين الآراء والإحصاءات بشأن أعداد المسلمين في اليونان، إلا أن الأرقام الأقرب للدقة تشير إلى أن العدد يبلغ حاليًّا قرابة 650 ألف نسمة، منهم 500 ألف في العاصمة أثينا (من بينهم 50-60 ألف من أصول يونانية)، وقرابة 150 ألف في بقية المدن، يشكّلون قرابة 5.7% من سكان اليونان البالغ عددهم نحو 10 مليون ونصف.
وينحدر المسلمون في اليونان من عدة أصول: أتراك غرب منطقة “تراكيا”، وبوماك “رودوب اليونانية”، وألبان شمال غرب اليونان، وأتراك “رودوس” و”كوس” إلى جانب الغجر الرومان المسلمين. ويتوزّع هؤلاء على مختلف المناطق، أهمها العاصمة أثينا التي تحتضن أكثر من 150 ألف مسلم، أكثريتهم من العهد العثماني. كما يتواجد المسلمون (الأصليون) بكثافة في تراقيا شمال شرق اليونان، حيث تتراوح الأعداد بين 120 و150 ألف مسلم، وظلت تلك المدينة التي تبلغ مساحتها 8758 كيلومترًا مربعًا، وعدد سكانها حوالي 400 ألف نسمة، خاضعة لتركيا حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. كما تضم منطقي مقدونيا وشماريا على الحدود الألبانية اليونانية بضعة آلاف من المسلمين.
وفي الأعوام الأخيرة تشكلت أقلية أخرى مهمة تتألف أساسًا من المهاجرين الذين قدموا إلى اليونان بحثًا عن حياة أفضل وعن فرص عمل أو لجوء في هذا البلد العضو في الاتحاد الأوروبي، وبعض المهاجرين الذين يتخذون من اليونان بلد عبور إلى البلدان الأوروبية الأكثر غنى، ويعتبر المهاجرون الباكستانيون الواصلون حديثًا، أكبر جالية مسلمة في أثينا حاليا، يضاف إليهم الآلاف من السوريين والعراقيين والأفغان، والإيرانيين.
ويشتكي المسلمون من قلة عدد المساجد والمقابر والإجراءات البيروقراطية “التي تحول دون حصولهم على الجنسية”، فرغم وجود قرابة 300 زاوية ومكان مخصَّص للصلاة في شمال اليونان خاصة بالأقلية المسلمة المقيمة والحاصلة على الجنسية، تعاني مناطق المهاجرين من ندرة نسبية في عدد المساجد. وكانت أثينا العاصمة الأوروبية الوحيدة التي لا يوجد بها مسجد رسمي قبل أن يفتح مسجد “فوتانيكوس” أبوابه في نوفمبر 2020، وهي الآن العاصمة الأوروبية الوحيدة التي يوجد فيها مسجد تدفع تكاليفه وتديره الحكومة، الأمر الذي انقسم حوله المسلمون بين من يرى أنه لفتة رمزية من الدولة اليونانية، وآخرون يعتقدون أنها مثال صارخ لجهود الحكومة للسيطرة على الأقلية المسلمة في البلاد ومراقبتها.
حول ذلك يقول الصحفي اللبناني المقيم في اليونان شادي الأيوبي بأنّ منظر المسجد الخارجي لا يوحي بأنه مسجد، فلا مئذنة ولا قبة ولا أذان خارجي. ويبدو أن هذا مقصود كي لا يعطي أي انطباع أن الإسلام عاد إلى أثينا. كما حرصت السلطات -وفق الأيوبي- على أن تسجل على واجهة المبنى اسم الجمهورية اليونانية ووزارة التربية ومسجد أثينا، فبدا المكان تمامًا كأنه مصلحة رسمية يونانية.
ووفق الصحفي ذو التوجهات الإسلاموية فإنّ هدف الدولة اليونانية ليس تغطية حاجة المسلمين الدينية، بل الخروج من يافطة “العاصمة الأوروبية الوحيدة الخالية من مسجد إسلامي”. مضيفاً في مقال بمركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بأنّ المسجد “يغطي حاجة الدولة اليونانية إلى رفع صفة عدم التسامح مع المختلف دينًا، دون أن يغطي حاجة المسلمين الذين يحتاجون إلى عدد أكبر من أماكن العبادة لكثرة عددهم من ناحية ولتباعد أماكن سكنهم من ناحية أخرى”.
منظمات وكيانات..
دشن المسلمون في اليونان عدداً من الجمعيات والكيانات التي يتحركون من خلالها بما يخدم مصالحهم، ويدافعون عبرها عن حقوقهم وامتيازاتهم، من أبرزها جمعية خريجي الجامعات في تراقيا، واتحاد أتراك كسانتيا، إضافة إلى الجمعية الثقافية اليونانية-الباكستانية، وإن كانت تواجه تلك الجمعيات مشاكل قانونية بين الحين والآخر في بلد يلعب فيه الدين (المسيحي الأرثوذكسي) دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعية والسياسية.
ولا يوجد لجماعة الإخوان المسلمين في اليونان حضور رسمي كما هو الحال في بعض الدول المجاورة. ومع ذلك، فإن لمجلس مسلمي أوروبا (“اﺗﺤﺎد اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ” سابقاً) – الذي يعد المظلة الأساسية التي ترعى الجمعيات والمؤسسات الإخوانية الناشطة في أوربا – تواجدٌ في اليونان عبر “منتدى التنمية اليوناني” في أثينا، و”المركز العربي اليوناني للثقافة والحضارة” الذي افتتح بمدينة سالونيك اليونانية، أواخر العام 2005.
أمّا المنظمة الإخوانية الأكثر نشاطاً اليوم فهي “الرابطة الإسلامية اليونانية” (MAG) التي يرأسها نعيم الغندور، وهو مصري المولد يعيش في اليونان منذ أوائل السبعينيات وحصل على الجنسية اليونانية بعد زواجه من آنا ستامو، التي اعتنقت الإسلام وباتت من أكثر “الإسلامويين” نشاطاً في اليونان، حيث تشغل منصب المتحدثة الرسمية باسم (MAG) وهي أيضاً عضو المجلس الاستشاري في الرابطة. كما كانت أيضًا مديرة موقع islamfriends.gr، وموقع greeksrethink.com الذي كان يلبي احتياجات اليونانيين المتحولين إلى الإسلام في جميع أنحاء العالم. وكِلا الموقعين متوقفين عن العمل حالياً.
يتبع لـ “الرابطة الإسلامية اليونانية” موقع الكتروني هو Equal Society ، ويزعم نعيم الغندور بأنّ الرابطة هي “أكبر اتحاد إسلامي جامع في اليونان”، وهي العبارة التي تستخدمها معظم المنظمات الإخوانية لاحتكار تمثيل المسلمين أمام الحكومات الأوروبية.
حملات تحريضية..
وتستهدف المنظومة الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين اليونان بشكل مستمر على خلفية تقارب القاهرة مع أثينا، كما تتبنى المواقف التركية الرسمية حيال المسائل الإشكالية بين الطرفين مثل الحدود البرية والبحرية، بل وتتجاوز ذلك إلى تمجيد الوجود العثماني في اليونان وبطبيعة الحال العالم العربي.
وتستخدم منصات الجماعة في حملاتها التحريضية ضد اليونان خطاباً دينياً مشحوناً بلغة عاطفية فجة، تصوّر أثينا، وبطبيعة الحال قبرص اليونانية، كأعداء للدين الإسلامي. مثال ذلك ما تضمنه تقرير في الموقع الرسمي للجماعة، حمل عنوان “اليونان تاريخ من هدم المساجد والتحريض عليها”، جاء فيه أنّ “هدم المعالم الإسلامية صار هدفا في اليونان وقبرص، ومن ذلك تدمير المباني التركية الإسلامية، وخاصة المساجد، واحداً تلو الآخر”.
المراجع:
https://www.facebook.com/MuslimAssociationOfGreece/
The state-sponsored mosque dividing opinion in Greece’s Muslim community – Hyphen (hyphenonline.com)
رئيس رابطة المسلمين في اليونان: آل سعود لاعلاقة لهم بالعالم الاسلامي | وكالة أنباء التقريب (TNA) (taghribnews.com)
https://www.noonpost.com/content/43989
http://www.umayya.org/articles/umayya_articles/22991
https://gtr.ukri.org/projects?ref=AH%2FH008446%2F1
Naim Elghandour (facebook.com)
مُنتدى التنمية “Φόρουμ Ανάπτυξης” | Athens (facebook.com)
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا