كانت الإمارات العربية المتحدة وقطر عدوين منذ سنوات. تعتبر الإمارات جيرانها منافسين اقتصاديين، كما أنهم يرون في دعم قطر للإخوان المسلمين تهديداً، لأسباب مفهومة. يشكل البحث الذي أجرته بعض وسائل الإعلام الأوروبية الغربية، آخر فصول النزاع حيث يقال إن وكالة تحقيقات مقرها سويسرا قد رصدت “مشتبه بهم” نيابة عن أبو ظبي، وأبلغتهم إلى المخابرات الإماراتية وشوهت سمعتهم بمعلومات مضللة.
قبل بضعة أشهر فقط، كانت قطر هدفاً شائعاً للهجمات الإعلامية من الغرب. صدم الصحفيون فجأة أن كأس العالم لكرة القدم كانت تُقام في بلد لا يهتم كثيراً بحقوق الإنسان والتنوع وأعلام مجتمع الميم. على سبيل المثال، كتبت مجلة “دير شبيجل” الألمانية تقول “العالم يحل ضيفاً على الطغاة”. والآن ستظهر قطر بشكل مختلف تماماً، أي كضحية لحملة تشويه دولية يقال إن الصحفيين والباحثين الأوروبيين شاركوا فيها. ويقال أيضاً إن جماعة الإخوان المسلمين الإسلامية المتطرفة، التي تدعمها قطر، هدف لهذه المؤامرة. تلقت وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك Swiss RTS والمنصة الفرنسية اليسارية Mediapart وNew Yorker وder Spiegel الألمانية، وثائق داخلية سُرقت أو تم تسريبها من شركة في جنيف للعلاقات العامة Alp Services – وهي وكالة تعمل في مجال التحقيقات الخاصة والخدمات السرية.
ويقال إن الوثائق المسربة تظهر أن Alp Services حاولت استهداف عشرات المنظمات والأشخاص في محيط قطر والإخوان المسلمين والإرهابيين، ويقال إن حزمة البيانات هي 70.000 وثيقة. نشرت وسائل الإعلام تلك إن دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيسها محمد بن زايد، مولتا خدمات Alp Services بمبلغ 5.7 مليون يورو، وقد كانا وراء الكواليس.
مجلة “دير شبيغل” الألمانية، على سبيل المثال، تشير في تقريرها إلى تضرر مئات الأشخاص، في ألمانيا وسويسرا. ومع ذلك، فإنه يعطي أمثلة قليلة محددة يمكن التحقق منها. من بين أمور أخرى، ذكر رجل الأعمال “هـ نـ”، وهو ابن مصرفي مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، والذي يصف نفسه بأنه “وزير خارجية” الحركة الإسلامية. تحدثت التقارير أن “ن” قد اتهم بتمويل الإرهاب، رغم أنه، على عكس والده، غير مهتم بالعمل السياسي. تردد أيضاً اسم طارق رمضان، الذي يشعر أنه تم تشويه اسمه في تقارير Alp Services. يشتبه رمضان في أنه كان مستهدفاً من قبل الإمارات والمتواطئين معها في جنيف لأنه فقط دعم ثورات الربيع العربي. رمضان هو أحد أشهر النشطاء المرتبطين بالإخوان المسلمين. لقد تم التودد إليه من قبل قطر، وهو كما الإمارة الخليج، لم يدعم الربيع العربي سوى لأنه كان يأمل في انتصار الإخوان المسلمين. إنه ليس “الضحية” الوحيد في هذه القصة التي تثير أسئلة أكثر من الإجابات.
إن ما يسمى بإزاحة الستار عن “أسرار أبو ظبي” لا يقتصر فقط على إظهار أساليب Alp Serveces والإمارات العربية المتحدة. بدلاً من ذلك، عند قراءة مقالاتهم، يكون لدى المرء انطباع بأن مكائد قطر والإخوان المسلمين في أوروبا لا تشكل مشكلة حقيقية، ولكنها لا تعدو أن تكون اتهامات خبيثة واختراعات كاذبة.
العديد من المنظمات الإسلامية في أوروبا متأثرة بجماعة الإخوان المسلمين أو مرتبطة بها. في هذه البيئة، يتم التقليل من شأن الإرهاب الإسلامي، والتحريض ضد اليهود وإضفاء شرعية على اضطهاد النساء. استثمرت منظمة قطر الخيرية وحدها أكثر من مائة مليون يورو في المساجد والمتاحف والمؤسسات الأخرى في أوروبا التي تنشر الأفكار الأصولية للإخوان المسلمين. قدم مركز أبحاث ودراسات مينا بالفعل تقارير مكثفة عن المكائد المريبة للحركة الإسلامية. كانت مجرد تعبئة خطابية ولا تتوافق مع القواعد الصحفية الأساسية عندما تصور مجلة “دير شبيغل” الألمانية وغيرها من وسائل الإعلام منظمة الإغاثة العالمية “الإغاثة الإسلامية – Islamic Relief” على أنها “ضحية” بارزة لمخططات خارجية وتقدم الغطاء لمعاداة السامية. منظمة الإغاثة الإسلامية محظورة في إسرائيل. وقد اتُهمت المنظمة بتمويل منظمة حماس الإرهابية، المدعومة من قطر والتي تعتبر فرعاً من جماعة الإخوان المسلمين.
“دير شبيجل”، على سبيل المثال، تصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها “حركة عالمية للإسلام السياسي. هدفها إقامة دولة على أساس المبادئ الإسلامية”. هذا وصف يمكن أن يأتي من مكتب علاقات العامة. لأن العقول المدبرة للإخوان المسلمين مثل المتوفى حديثاً يوسف القرضاوي كانوا كارهين للنساء، وهوموفوبيين ومعادون للسامية احتفلوا بالهولوكوست وبأدولف هتلر. كان هدفهم وما زال إقامة دولة دينية ذات صبغة ديمقراطية زائفة.
الإغاثة الإسلامية تنفي ذلك، وكذلك تنفي أي صلة لها بجماعة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، واستجابة لطلب من الليبراليين، ذكرت الحكومة الفيدرالية الألمانية في عام 2019 أن منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية والإغاثة الإسلامية الألمانية لديها “علاقات شخصية مهمة مع جماعة الإخوان المسلمين أو المنظمات ذات الصلة بها”. في “شبيجل” هذا مذكور بشكل عابر، في “نيويوركر” لا تذكره على الإطلاق. في المقابل، تدعي المجلة أن الإغاثة الإسلامية هي منظمة إنسانية فقط ولا نشاط سياسي لها وأنه لم يتمكن أحد من إثبات خلاف ذلك.
في عام 2020، تعرضت الإغاثة الإسلامية لانتقادات دولية عندما خرجت تصريحات كراهية من كبار كوادر المؤسسة وصنفوا كارهين لليهود وأصدقاء للإرهابيين. كتب أحدهم في عام 2015 بعد أن قتل فلسطينيون ثلاثة إسرائيليين في القدس: “ضعوا جثث اليهود على قمم الجبال حتى لا يجوع أي كلب في فلسطين”. وفي منشور آخر على فيسبوك برر جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها الإسلاميون في باريس عام 2015 بالإشارة إلى جرائم الاستعمار الأوروبي. واحتفل آخر بحماس عام 2014 وشتم اليهود بأنهم أبناء القردة والخنازير. وشبه المؤسس المشارك لمنظمة الإغاثة الإسلامية العالمية ورئيس منظمة الإغاثة الإسلامية السويسرية، حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، بنيلسون مانديلا. كانت هذه التصريحات وغيرها السبب الرئيسي وراء توقف بعض الدول الأوروبية عن سداد مدفوعات الإغاثة الإسلامية اعتباراً من عام 2020.
كانت Alp Services مسؤولة في قضية الإغاثة الإسلامية. وفوق كل شيء، يبقى لغزا ما الذي سيغير نوعية المعرفة حول منظمة المساعدة غير السياسية المزعومة هذه. تماهياً مع الطابع الاعتذاري لتقرير “أسرار أبو ظبي”، تم وضع العلماء والصحفيين المعروفين الذين يتعاملون مع الإسلام السياسي عن قرب بمصاف الجواسيس ضمن حفنة الافتراءات أو حتى تعريضهم للسخرية بوصفهم “معادي الإسلام”. هذا لأنهم تبادلوا المعلومات مع Alp Services ودفعوا في بعض الأحيان مقابل البحث.
يقول العالم فيدينو، الخبير في جماعة الإخوان المسلمين، إنه لم يكن يعلم أن Alp Services كانت تتصرف نيابة عن الإمارات العربية المتحدة، وهناك وثيقة تظهر أنه قد تم تضليله من قبل Alp Services بشأن العميل الحقيقي. لو كان يعلم لما عمل معهم. خاصة أنه لا يفهم ما يغيره ذلك حول مصداقية البحث. في الواقع، قد يتساءل المرء عما إذا كان من الحكمة للعلماء والصحفيين الجادين العمل مع وكالة كانت معروفة بأساليبها المغامرة حتى قبل “أسرار أبو ظبي”. منذ أن كشف بحث فيدينو عن علاقات المنظمة بجماعة الإخوان، لم يحظى بشعبية خاصة بين جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها. لهذا السبب، بذلت محاولات عديدة للتشهير به على أنه يميني متطرف وعدو لجميع المسلمين منذ سنوات. من الواضح نجاح تلك الحملات عندما تدعي صحيفة نيويوركر، على سبيل المثال، في تقريرها المليء بالتضليل عن “أسرار أبو ظبي” أن الباحث ينشر نظريات المؤامرة حول جماعة الإخوان المسلمين وأنه ناشط مناهض للمسلمين.
كمصدر لهذا التوصيف، تستشهد المجلة بـ “Bridge Initiative” من جامعة جورجتاون – وهي مؤسسة شكلها متعاطفون جماعة الإخوان المسلمين، والتي توزع “fact sheets” افترائية حول أعداء مزعومين للإسلام. أحد المدافعين عن هذه المؤسسة الخاصة غير الجامعية هو عالم السياسة النمساوي فريد حافظ، الذي ينشر التقرير السنوي عن الإسلاموفوبيا. مؤسسة سيتا، بصفتها الراعي الرئيسي للتقرير، هي آلة علاقات عامة قريبة جداً من الرئيس التركي أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.