مع تزايد التقارب بين إيران وحركة طالبان، تتصاعد التحليلات الخاصة بأهداف إيران من ذلك التقارب، لا سيما في ظل تشديد الخناق على ميليشياتها في الشرق الأوسط وتحديداً في العراق ولبنان وسوريا.
يشار إلى أن وفداً من حركة طالبان، ضم قياديين من الصف الأول في الحركة، في مقدمتهم نائب زعيمها، “الملا بردار”، قد زار العاصمة الإيرانية طهران، في كانون الثاني الماضي، وسط أنباء تحدثت عن أن الاجتماع بين قيادات طالبان والمسؤولين الإيرانيين، تناولت ملف السلام في أفغانستان.
الفوضى لخدمة الملف النووي
التبدلات على المستوى الدولي، وتحديداً في البيت الأبيض، تدفع النظام الإيراني، وفقاً للباحث في الشؤون الإيرانية، “ميلاد هدايتي” إلى التحضير للمفاوضات المرتقبة مع الولايات المتحدة من خلال توسيع مساحات المواجهة مع واشنطن ومد النفوذ باتجاه الشرق، وفي أكثر ساحات آسيا أهمية بالنسبة لواشنطن، مشيراً إلى أن ساحة الشرق الأوسط بالنسبة لإيران باتت اقل قوة عن ما كانت عليه سابقاً، أي قبل مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، “قاسم سليماني”، مطلع العام الماضي.
كما يذهب “هيدايتي” في رؤيته لتوجه إيران نحو وسط آسيا، لخق ساحة مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة، إلى رغبة النظام الإيراني بعدم الاصطدام بإسرائيل، خاصةً وأن الأخيرة أظهرت جدية كبيرة في الحد من نفوذ إيران في المنطقة، وهو ما ظهر واضحاً من خلال الغارات العنيفة، التي شنها الطيران الإسرائيلي على القواعد الإيرانية شرق سوريا، منتصف الشهر الماضي.
يذكر أن مصادر استخباراتية إسرائيلية، كشف أن إسرائيل كانت تقف وراء الغارات المجهولة، التي استهدفت ميليشيات إيرانية في مدينة دير الزور، منتصف كانون الثاني الماضي، لافتةً إلى أن الغارات طالت منظومة صواريخ إيرانية، أرض – أرض، طويلة المدى، في حين صرح رئيس الأركان الإسرائيلي في وقتٍ سابق، أن الجيش الإسرائيلي ضرب 500 هدف إيراني في سوريا.
في السياق ذاته، يضيف “هدايتي”: “إيران تريد أن تستفيد من وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، وتريد التصعيد أكثر لامتلاك أوراق ضغط في المفاوضات حول الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة، لكن دون ان تدخل إسرائيل على الخط، ومن هنا يظهر تزايد اهتمام طهران بأفغانستان”، لافتاً إلى أن النظام الإيراني يسعى لأن يكون عامل توتر ومتحكم بمجريات الأمور على الساحة الأفغانية.
لعبة الحركات المسلحة والعقيدة
على الرغم من حركة طالبان، تتبع المذهب السني، وإيران تتخذ من المذهب الشيعي، مرجعيةً لها، إلا أن الخبير في شؤون الحركات المسلحة، “عبد الهادي الناصر”، يعتبر أن النظام الإيراني يستفيد في تعامله مع قيادة طالبان من خبرته في تسويق واستثمار الآيديولوجيات العقائدية، لا سيما بعد تجربته الطويلة مع الميليشيات العراقية، وميليشيات حزب الله، لافتاً إلى أن طالباً كبنية تتخذ من الدين مستقطباً لعناصرها، تمثل الملعب المفضل بالنسبة لإيران، خاصة وأن عناصر الحركة يطبقون تعليمات قادتهم وأمرائهم دون تردد أو اعتراض او تفكير.
ويضيف “الناصر”: “النظام الإيراني يرى حالياً في التقارب مع طالبان مصلحة استراتيجية، خاصةً وأن الولايات المتحدة تظهر اهتماماً في إرساء السلام في أفغانستان، وهو ما قد يعطي نقطة لصالح إيران في الملفات التفاوضية مع واشنطن إذا تمكنت من تعطيل عملية السلام”، مشيراً إلى أن العلاقات بين طالبان والقاعدة وإيران ليست جديدة وهو ما قد يسهل من مهمة الإيرانيين.
يذكر أن الرئيس الأمريكي، “جو بايدن”، قد اشترط أن توقف إيران عمليات تخصيب اليورانيوم، مقابل بدء إدارته بإلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق، “دونالد ترامب”، بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية، الموقعة عام 2015، في حين كشفت مصادر في الولايات المتحدة ،أن “بايدن” وإدارته، بانتظار نتائج الانتحابات الرئاسية الإيرانية، لتحديد موقفها من الاتفاق النووي الموقع في 2015، وإمكانية العودة إليه.
تزامناً، يرى مدير التطوير التحليلي في مركز السياسة العالمية لوكالة VOA الأميركية، ” كامران بخاري” أن إيران تملك المصلحة الأكبر في تعميق العلاقات مع حركة طالبان، مضيفاً: “أربع سنوات من إدارة الرئيس دونالد ترمب وضعتهم حقًا تحت ضغط كبير إنهم يأتون إلى طاولة المفاوضات مع إدارة بايدن من موقف ضعف نسبي، وهذا يعني أنهم بحاجة إلى كسب النفوذ”. وأضاف “أنه لزيادة نفوذها، تحاول إيران استغلال الوضع في أفغانستان، حيث تواجه الولايات المتحدة مشاكل وتبحث عن مخرج”.
يشار إلى أن الرئيس الإيراني، “حسن روحاني” قد أقر في وقتٍ سابق بالأضرار الاقتصاية الكبيرة، التي خلفتها العقوبات الأمريكية، التي فرضت على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، مبيناً أن الاقتصاد الإيراني خسر نحو 150 مليار دولار بسبب تلك العقوبات.
وكان وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، قد دعا إدارة الرئيس الأمريكي، “جو بايدن” للعودة بسرعة إلى الاتفاق النووي الإيراني، مشيراً إلى أنه في حال وصول إحدى الشخصيات المتشددة إلى كرسي الرئاسة في إيراني، خلال الانتخابات المقررة الصيف القادم، فإن الأمور ستكون أسوأ.