هيئة التحرير
مع انتهاء الاجتماع الثلاثي، بين “بوتين” و”أردوغان” و”روحاني”، الذي عقد عبر تقنية الفيديو لمناقشة الأوضاع في سوريا، أمس الأربعاء، يؤكد مصدر سوري خاص، لمرصد مينا بأن رياح الاجتماع لم ترق للطموحات، التي كانت إيران تسعى إليها من خلاله، مشيراً إلى أن هدف طهران كان حجز مقعد للقرار الإيراني في مستقبل سوريا، بعد انفراد موسكو بقيادة المعسكر الداعم للنظام.
وكان النفوذ الإيراني في سوريا قد تراجع بشكلٍ ملموس بعد العام 2015، على خلفية قياة روسيا للعمليات العسكرية بشكل مباشر ضد قوات المعارضة، ما همش دور الميليشيات المدعومة من إيران، التي يقدر عددها بـ 72 ألف مقاتل، بحسب إحصائيات المعارضة الإيرانية.
تبدل الأهداف بتبدل الظروف
اندلاع الثورة السورية عام 2011، مثل فرصة أمام إيران لتحويلها إلى لبنان وعراق جديدين من خلال تشكيل حكومات عميقة أساسها الميليشيات، كما يرى المصدر، لافتاً إلى أن التدخل الروسي والعقوبات الأمريكية ومقتل مهندس عملياتها في الشرق الأوسط “قاسم سليماني”، إلى جانب تصاعد الغارات الروسية وحالة الغليان الشعبي على الساحة الداخلية الإيرانية، دفعت إيران إلى تغيير آلية تفكيرها وتبديل مصالحها في سوريا من السيطرة التامة، إلى اعتبار الملف السوري ورقة تفاوضية مع المجتمع الدولي لتخفيف وتيرة العقوبات وإحراز مكاسب في ملفات أخرى.
كما يضيف المصدر: “بحسب ما يتم نتاوله في دوائر القرار الإيراني، فإن معظم القادة الإيرانيين، أدركوا استحالة تطبيق السيناريو العراقي واللبناني في سوريا، خاصةً وأنهم على يقين بأن روسيا لن تتردد بإخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا مع أول اتفاق سياسي يقر، وتحديداً إذا ما تمت السيطرة على إدلب آخر معاقل المعارضة”، مشيراً إلى أن دعوة إيران لعقد الاجتماع هي محاولة من الرئيس “روحاني” لتثبيت أي دور لإيران في التسوية السورية، يمكن أن يساعدها في إجراء عمليات تفاوض مع المجتمع الدولي حيال الملفات الأخرى.
وكان الرئيس الإيراني قد كشف بأن الاجتماع جاء بدعوة من بلاده، وأنه كان من المقرر أن يعقد في العاصمة الإيرانية طهران، إلا أن الأوضاع الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، منعت ذلك، وأجبرت المجتمعين على عقده عبر تقنية الفيديو.
سوريا ليست المحافظة 35
ميل إيران الجديد تجاه الملف السوري وطرق التعاطي معه، يربطها المصدر بفشل القادة العسكريين الإيرانيين بتشكيل جيوب وقواعد عسكرية لها في سوريا، كاشفاً عن عدة اجتماعات عقدها قادة الحرس الثوري الإيراني مع ضباط النظام خلال الأسابيع القليلة الماضية، بهدف انشاء مناطق سيطرة إيرانية، إلا أنها فشلت جميعها، بسبب المعارضة الروسية والغارات الإسرائيلية المتكررة، على حد تأكيد المصدر.
وكان الرئيس “روحاني” قد اشتكى خلال الاجتماع من تصاعد الغارات الجوية الإسرائيلية ضد ميليشيات بلاده في سوريا، والتي أدتإلى مقتل مئات من عناصر تلك الميليشيات بينهم قيادات من الصف الأول في ميليشيات حزب الله.
إلى جانب ذلك، يشير المحلل السياسي “حسام يوسف” في حديثه لمرصد مينا، إلى أن المشروع الإيراني في سوريا مر بثلاث مراحل، الأولى، مرحلة السيطرة الكاملة على القرار السوري، والتي انتهت عام 2015 بدخول الروس، أما الثانية فهي محاولة خلق نقاط سيطرة عسكرية في مناطق مهمة لإيران في جنوب سوريا وعلى الحدود مع العراق وفي محيط العاصمة دمشق، وهي المرحلة التي انتهت حالياً بفعل الظروف الدولية والعقوبات والوضع الإيراني السيء داخليا، أما المرحلة الثالثة، وهي المرحلة الحالية، التي يرى فيها النظام الإيراني، أن سوريا لن تكون أكثر من ورقة تفاوضية مع المجتمع الدولي؛ سواء في ملف العقوبات أو التفاوض على مناطق نفوذ أخرى، خاصة وأن العراق بدوره يشهد تشكيل حكومة مقاومة للنفوذ الإيراني.
كما يذهب “يوسف” إلى الحكم صراحة، بسقوط المشروع الإيراني في سوريا، وانهيار مقولة “سوريا، المحافظة الإيرانية الـ 35″، التي كان يطلقها عدد من رجال الدين الإيرانيين المتشددين طيلة الأعوام الأولى من الثورة السورية.
اجتماع رصاصة الرحمة
مصالح إيران والحل السياسي، خطان متوازيان لا يلتقيان إطلاقا، يقول المحلل “يوسف”، لافتاً إلى أن التركيز الروسي التركي خلال الاجتماع على مسألة الحل السياسي واللجنة الدستورية وإنهاء العسكرة، كشف بشكلٍ واضح أن إيران كانت فعلياً الحاضر الغائب، وأن وجودها كان أشبه بـ”كومبارسات” الدراما، الذي يستخدم فقط لإكمال المشهد دون أن يكون له أي تأثير في النتيجة النهائية، كما عكس أن الروس والأتراك في واد والإيرانيين في واد آخر، على حد قول المحلل السوري.
وكانت كلمة كل من “بوتين” و”أردوغان” قد تناولت التأكيد على دفع العملية السياسية في سوري ودعم جهود اللجنة الدستورية، في حين حاول الرئيس “روحاني” التركيز خلال الاجتماع على الوجود الأمريكي والغارات الإسرائيلية، التي طالت الميليشيات الإيران والتي قتل خلالها المئات من عناصرها.
تعارض كافة مصالح إيران مع دخول سوريا في مرحلة العملية السياسية، يؤكدها المصدر الخاص، الذي كشف أن إيران حاولت خلال الأشهر الماضية فرض حالة من التوتر العسكري من خلال أمرين، الأول هو استهداف مطار حميميم بطائرات مسيرة، والثاني منح عناصر التنظيمات المتشددة طرق للوصول إلى سوريا عبر العراق، لتنفيذ عمليات عسكرية، لافتاً إلى أن تلك المعلومات موثقة لدى القيادة الروسية، التي تنتظر عمليا إنهاء ملف إدلب للنظر في سبل إخراج الميليشيات من سوريا.
وكان ناشطون سوريون قد أكدوا خريف العام الماضي، أن سلطات أمن النظام أغلقت مجموعة منشآت في الساحل السوري التي يديرها سوريون موالون لإيران، بدفع من القوات الروسية، بعد وصول معلومات عن استخدام إيران تلك المنشآت لشن غارات عبر الطائرات المسيرة ضد قاعدة حميميم العسكرية الروسية.
كما سبق لتقارير استخباراتية دولية أن كشفت عن فتح إيران لعدة معسكرات في غرب البلاد لاستقبال وترحيل مقاتلين تنظيم داعش من أفغانستان إلى سوريا.
وشهد الأسبوعين الماضيين، إلغاء كل من وزيري الدفاع والخارجية الروسيين زيارة إلى تركيا، بالتزامن مع وصول وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف” إلى اسطنبول، ما دفع عدد من المحللين لاعتبار الخطوة الروسية مؤشراً على وجود عدم اتفاق روسي – إيراني في الملف السوري، وان الروس يحاولون الوصول إلى اتفاق مع تركيا بعيداً عن إيران.