ابتدأ المغربيون عامهم الجديد بارتفاع جديد للأسعار طال شهدت أسعار التبغ ومشتقاته نتيجة رفع الرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة نهاية شهر كانون الأول\ ديسمبر الماضي، كما سجلت أسعار الوقود خلال الأيام القليلة الماضية ارتفاعا ملحوظا، فيما سجل الاقتصاد المغربي خلال العام المنصرم، 2020 انكماشا بنسبة 7 بالمئة، أرجعت الدراسات سببه الرئيس إلى الضرر الناتج عن إغلاقات كورونا بشكل،
وتوقع البنك الدولي في تقرير له أن يشهد المغرب العربي أول ركود اقتصادي منذ تسعينات القرن الماضي، جراء تأثيرات فيروس “كورونا”، وقال البنك في تقريره، إن “وباء كوفيد-19 أدى إلى توقف مفاجئ لأكثر من عقدين من التقدم الاجتماعي والاقتصادي المستمر في المغرب، حيث يرتقب أن تشهد البلاد أول ركود اقتصادي منذ منتصف التسعينات”.
البنك أشار إلى أن “هذا الركود ناتجٌ عن مزيج من صدمات العرض والطلب والصدمات الخارجية التي سببها الوباء، لكن أيضاً نتيجة تأثير الظروف المناخية غير المواتية على الإنتاج الزراعي”.
معطيات المؤسسة المالية الدولية أفادت بأن “أزمة فيروس كورونا المستجد كان لها تأثير كبير على مناصب الشغل ودخل الأسر، مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة إلى الذروة وتفاقم مؤشرات الفقر والضعف”.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد المغربي أظهر بعض بوادر الانتعاش، إلا أن خُبراء البنك الدولي اعتبروا أن “الوضع الاقتصادي في المملكة المغربية لا يزال هشاً، حيث إن الاتجاهات الوبائية الأخيرة أسوأ مقارنةً بالموجة الأولى من العدوى”.
كما توقع البنك الدولي، ضمن تقريره الاقتصادي حول المملكة، أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 6.3 بالمئة، على أن يعود إلى مستوى ما قبل الوباء ابتداءً من سنة 2022.
وكما هو الحال في كثير من أنحاء العالم، فإن الأزمة الحالية ستُؤدي إلى زيادة كبيرة في ديون المغرب، خاصة مع انخفاض الإيرادات الضريبية وارتفاع الإنفاق العام خلال معالجة الطوارئ الصحية ودعم دخل الأسر.
أما على مستوى عجز الميزانية، فقد توقع البنك الدولي أن يرتفع إلى 7.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2020، فيما سيتجاوز الدين العمومي 76 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب توقعات خبراء البنك.
وخلص خُبراء البنك الدولي إلى أن الأزمة الحالية تتيح فرصة لإزالة القيود التي تحد من تنمية قطاع خاص أكثر حيوية، مبرزين أنه على المدى القصير، لا يزال من الضروري استخدام المساحة السياسية المتاحة لضخ السيولة والأسهم في القطاع الخاص لمنع مشاكل السيولة من التحول إلى موجة إفلاس الشركات.
كما أكد التقرير أن أمام المغرب إمكانية لتحفيز المنافسة وخلق مجال متكافئ للوافدين الجدد في أسواق السلع والخدمات مع تحسين رأس المال البشري والأطر المؤسسية، وشدد على أن السياسات الصناعية المناسبة تساعد على ترسيخ مكانة المغرب كوجهة قريبة للشركات متعددة الجنسيات، وبالتالي الاستفادة من الفرص الاستراتيجية التي يمكن أن تنشأ عالمياً في ما بعد الجائحة.
دراسة مغربية صادرة عن “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد” بينت أن “الأزمة التي تسببت فيها جائحة كوفيد-19 فريدة من نوعها، ومتشعبة ومختلفة بشكل جوهري عن الأزمات السابقة إذ غيرت نظام الإنتاج بصدمة مزدوجة على مستوى العرض والطلب”، مرجحة أن يتم تسجيل أهم الخسائر في مناطق الدار البيضاء-سطات، وطنجة-تطوان-الحسيمة، ومراكش-آسفي، في حين يحتمل أن تكون مناطق الداخلة-واد الذهب، وكلميم-واد نون، والعيون-الساقية الحمراء، أقل الجهات تضررا.
هاوية الفقر والدين العام..
الأزمة الاقتصادية التي هزت اقتصادات عموم دول العالم، ضربت الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة في المغرب وأودت بحاوالي مليون شخص إلى هاوية الفقر، وما يناهز 900 ألف شخص آخر تحت خط الفقر “خط الهشاشة”.
المغرب وخلال مواجهة الأزمة لجأ في السابع من أبريل نيسان الماضي إلى استخدام خط الوقاية والسيولة بسحب مبلغ يناهز ثلاثة مليارات دولار، للحد من الأثر الاجتماعي والاقتصادي لجائحة كوفيد- 19 والحفاظ على مستوى كاف من الاحتياطيات الرسمية لتخفيف الضغوط عن ميزان المدفوعات .
وأوضح الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي أن المغرب عقد منذ عام 2012 أربع اتفاقيات متتالية مع الصندوق تتيح له استخدام ” خط الوقاية والسيولة” الذي يعد أداة وقائية مصممة لتلبية احتياجات السيولة لدى البلدان الأعضاء ذات الأساسيات الاقتصادية السليمة، مع بعض مواطن الضعف.
هذا الخط يتيح ” الحصول على موارد من الصندوق بصفة عاجلة في حالة وقوع صدمات خارجية أو حدوث تدهور في البيئة العالمية . ” وفي ظل هذا السياق الاقتصادي الصعب.
الباحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، عبد الرزاق الهيري، رأى في حوار سابق مع وكالة أنباء المغرب العربي أن هذا اللجوء الواسع للتمويلات الخارجية، منذ اندلاع الأزمة الصحية، سيترتب عنه زيادة مهمة في المديونية العامة للخزينة، تقدر بما يناهز 76 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال العام الفائت 2020 ، والمديونية الخارجية للخزينة تقدر بأكثر من 17,5 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال العام الماضي مقابل 14 بالمئة سنة 2019 .
وأوضح أن هذه التمويلات ستمكن من تغطية عجز الميزانية، وتعزيز، نفقات الاستثمار العمومي الضرورية للنهوض بالنمو الاقتصادي، مشيرا إلى أن سداد هذا الدين الخارجي يتطلب، بدون شك، نجاعة في النفقات العمومية وخلق قيمة مضافة قوية من شأنها توفير الموارد الضرورية للوفاء بالالتزامات الخارجية للمغرب .
وفي المقابل، اعتبر الخبير الاقتصادي حميد بوسفول في حديث مع مجلة ، ” BAB ” التي تصدرها وكالة المغرب العربي للأنباء شهريا، أن الإفراط في المديونية يعوق مسار التنمية حيث تفشل البلاد في دفع الفائدة على الديون وتعجز عن تحمل المزيد منها، مذكرا بأزمة المكسيك عام 1982 التي كانت مثقلة بالديون، وباتت لا تملك القدرة الاقتصادية على إيجاد وسائل لدفع الفائدة، قبل أن تهدد بالتوقف عن سداد ديونها .
وربط بوسفول أسباب لجوء المغرب المستمر للاستدانة بالضعف البنيوي للقطاعات الإنتاجية، منها القطاع الزراعي الذي قال إنه ما يزال، وبالرغم من تفوقه، غير قابل للتكيف مع تقلبات المناخ، في وقت تعاني فيه المؤسسات العمومية الأكثر نجاعة في الاقتصاد الوطني من “عجز” في التمويل الذاتي، مؤكدا أنه عندما تزيد حاجة الحكومة من النفقات في الموازنة على مجمل إيراداتها، تلجأ إلى القروض الخارجية بغرض سد هذه الفجوة أو “العجز أزمة بنيوية وحلقة مفرغة. وإن كانت الاستدانة شر لابد منه فلابد بحسب بوسفول من ضرورة ” إجراء هيكلة شاملة لقطاعي التعليم والصحة ” .
تفاؤل رغم المؤشرات السلبية
ورغم هذه المؤشرات، فإن المغرب يقبل على السنة الجديدة 2021 بتفاؤل كبير في تحقيق نمو بنسبة 4.7 بالمئة، حسب أرقام البنك المركزي، وذلك استنادا إلى عوامل عديدة على رأسها ظهور لقاحات ضد كوفيد-19، وتسجيل موسم زراعي جيد بفضل الظروف المناخية المواتية، كما أن الازمة التي أضرت بقطاعات اقتصادية هي نفسها أيضا ساهمت في ازدهار قطاعات أخرى أبرزها التجارة الإلكترونية التي ساهمت بدورها في تحريك مجالات اقتصادية أخرى.
وسجل الأداء بواسطة البطاقات المصرفية عبر الإنترنيت، خلال النصف الأول من سنة 2020، حوالي 6 ملايين عملية أداء عن طريق بطاقات بنكية مغربية وأجنبية، على مواقع تجارية تابعة لمركز النقديات المغربي، بقيمة بلغت 2.9 مليار درهم. كما أعادت صناعة وتصدير الكمامات خلال ذروة انتشار فيروس كورنا، المصانع المغربية إلى عجلة الدوران، حيث انكبت على إنتاج الملايين من الكمامات، تجاوز بفضلها المغرب اكتفائه الذاتي، ليتحول إلى بلد مصدر لهذا المنتوج.
الطيب أعيس، الخبير الاقتصادي والمالي، قال في تصريحات نقلتها “سكاي نيوز” إن الأزمة أظهرت أن خطط المغرب الاستباقية قادرة على مواجهة أزمات كبيرة، على مختلف الأصعدة، كما أن الصناعة المحلية أثبتت أنها قادرة على المنافسة الدولية والتميز، مضيفا أنه في الوقت الذي اشتدت فيه المخاوف من تضرر المملكة من أثار الجائحة، فقد استطاعت توفير احتياطي مهم من العملة الصعبة، قارب 36 مليار دولار، مما مكنه من التسديد المسبق لجزء من السحب الذي تم إجراؤه قبل بضعة أشهر على خط الوقاية والسيولة لدى صندوق النقد الدولي.
اجراءات المواجهة
وزارة الاقتصاد والمالية، التي أوكل إليها رصد وتتبع الانعكاسات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لفيروس كورونا على الاقتصاد الوطني، ومواكبة النشاطات الأكثر عرضة للصدمات الناجمة عن هذه الأزمة، اتخذت تدابير لصالح من توقفوا مؤقتا عن العمل، وقد منحت اللجنة تعويضا شهريا للعاملين، وتعليق أداء المساهمات الاجتماعية.
التحويلات المالية للمغتربين المغاربة كما يرى استاذ الاقتصاد ويضيف الياوحي، ستشكل عاملا مساعدا في في مواجهة الأزمة، وفي هذا السياق يقول إن الجائحة أثرت بشكل سلبي على قطاعات تشكل محركا أساسيا لنمو الاقتصاد الوطني، وعلى رأسها قطاع السياحة، كما أدت الأزمة إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إضافة إلى تحويلات المغاربة بالخارج من العملة الصعبة، التي تساهم بشكل كبير في الناتج الداخلي الخام.
وأشار الياوحي، إلى أن تعميم اللقاح ضد فيروس كورونا، على المغاربة والدول الشريكة للمغرب سيساعد على تجاوز هذه الأزمة، وعودة تحويلات المغاربة في الخارج، وانتعاش السياحة، متوقعا أن يكون الموسم الزراعي جيدا السنة المقبلة، نظرا للتساقطات المطرية المهمة التي شهدتها المملكة مؤخرا.
ومن المنتظر أن تشكل سنة 2021، وفق الخبير الاقتصادي، انطلاقة جديدة في درب التنمية والتطور الذي يعرفه المغرب، لا سيما الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية.
وأشار الياوحي إلى أن هناك شركات عملاقة مختصة في مجال تصنيع السيارات وأجزاء الطائرات، وضعت ثقتها بشكل كبير في قدرات المغرب التنافسية، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على الصادرات وعلى الميزان التجاري عام 2021، خصوصا بعد الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل واميركا على تنشيط الاستثمارات.