يستمر نظام الأسد في إصدار مراسيم رئاسية ضاربا عرض الحائط بالقانون السوري الساري، لغاية إنقاذ ما تبقى من اقتصاده المتهالك، الذي أنهكته العقوبات الخارجية بسبب الحرب التي يشنها على شعبه منذ عشر سنوات.
قبل أيام، وفي مقطع فيديو مصور كشف رئيس فرع الإعفاء والبدل في قوات النظام السوري، العميد “إلياس بيطار”، عن خطوة ستجريها حكومة نظامه بخصوص من تجاوزوا سن 42 عاماً وهم متخلفين عن الخدمة الإلزامية، مشيراً إلى أن هذه الشريحة من السوريين لن تعفى من أداء ما يعرف في سوريا بـ “خدمة العلم”.
وأكد “بيطار” إلى أن “حكومة النظام ستصادر أملاك المتخلفين عن الخدمة الإلزامية بعد تجاوزهم 42 عامًا إن لم يدفعوا البدل النقدي”، لافتاً إلى أن “المصادرة لن تقتصر على المتخلف عن الخدمة فقط، وإنما أملاك أهله وذويه وأي أحد يخصه”.
كما بين “بيطار” في الفيديو المتداول، أن هذه الفئة من الذكور في سوريا عليها ان تدفع مبلغ بدل نقدي يصل إلى 8 آلاف دولار أمريكي للشخص الواحد، لتلافي خطر الحجز على الأموال والممتلكات.
كذلك نوه رئيس فرع الإعفاء والبدل إلى أن كل من تجاوز الثمانية عشر عاما سيدفع على كل سنة تأخير 200 دولار، إضافة إلى أن كل مغترب حتى ولو حصل على جنسية البلد المغترب إليه، ملزم بدفع البدل النقدي.
وكان النظام قد أصدر قانونا سابقا يمنع التداول وحتى الحديث بالدولار، ليعود بعدها بنكه المركزي ويحدد قيمة دفع البدل وحتى الداخلي منه بالدولار، وبسعر صرف السوق السوداء وليس تسعيرة البنك المركزي ذاته.
استهداف معارضي الخارج..
الخطوة الجديدة أثارت جدلا واسعا في الشارع السوري إذ اعتبرها عدد كبير من الناشطين والمعلقين أنها سرقة موصوفة لما تبقي من أرزاق للسوريين، ولا سيما في ظل ارتفاع نسب الفقر إلى نحو 87 بالمئة، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
وأكد مصادر خاصة بـ”مينا” أن “القرار يستهدف بشكل خاص اللاجئين خارج البلاد، على اعتبار أن النظام لا يستطيع إجبارهم على أداء خدمة العلم من خلال الاعتقالات أو الحواجز كما هو الحال للسوريين في الداخل”، موضحة أن “قرارات النظام لم يسبقه إليها أي حكومة أو ديكتاتور من قبل”.
القوانين الجديدة طالت بشكل خاص الشباب السوريين الذين خرجوا من البلاد بعد العام 2011، وتخلف معظمهم عن تأدية الخدمة الإلزامية رفضاً منهم في المشاركة بقتل السوريين، اذ لم يلتزموا بدفع البدل المقدر بـ8 آلاف دولار، أملاً في أن يتجاوزا السن القانونية للتكليف وهي سن الـ42 عاماً.
دور إيران..
هيئة القانونيين السوريين “حقوقيين وباحثين في القانون”، اعتبرت تصريحات ضابط فرع البدل والإعفاء تشكل قرارات وتصريحات، لا تمت للدساتير والقوانين بأدنى صلة”.
وشددت الهيئة، في بيان لها، على أنّ “كل ذلك من أجل استكمال جريمة التغيير الديمغرافي، وبيع عقارات السوريين بالمزادات وشرائها بثمن بخس من قبل رجال أعمال إيرانيين” مشيرة إلى أنّه “وفقاً لكلام بيطار، من الممكن أنّ تصبح أملاك جار المكلف أو خطيبته أو أهل خطيبته أو أخواله أو أعمامه، خالته أو عماته تحت الحجز التنفيذي”.
بدورها، قالت مصادر خاصة بـ”مينا” إن “خطوة إلزام دفع البدل للسوريين الذين يحملون جنسيات أخرى، تحت طائلة حجز أملاكه وأملاك أهله سواء كانوا في سوريا أو خارجها، وهو بمثابة اقتلاع أهل سوريا من وطنهم”.
وكشفت تقارير إعلامية وحقوقية مؤخرا عن شراء مستثمرين إيرانيين لأملاك السوريين المهجرين، عبر سماسرة تابعين لهم من المناطق الخالية او التي تركها أهلها هربا من حرب النظام عليهم، وخصوصا في دمشق وريفها وشرق وشمال شرق سوريا، وخصوصا في محافظة دير الزور على الحدود العراقية السورية.
تجاوز فاضح..
تعليقا على القانون الجديد، ذكر قانونيون وحقوقيون سوريون أن هذا القرار يعد مخالفة صريحة لدستور البلاد، مؤكدين أن كلام “بيطار” لم يرد في القانون السوري ولا يجوز دستورياً أن تقع العقوبة على عائلة المتخلف أو أقربائه، وأن ما ورد في المادة الـ51 من الدستور السوري ينص على شخصية العقوبة لا غير.
ويعود القانون المثير للجدل إلى العام 2017 أي قبل 4 سنوات من العام الحالي، إلا أن البعض يعتبر أن التصريح الأخير لمسؤول النظام وسيلة سلب جديدة أضافها الأسد على ما سبقها من قوانين تستهدف أموال السوريين بالعملة الصعبة (الدولار).
بالعودة إلى نص القانون المذكور يتضح أنه لم يشر إلى الحجز على أملاك عائلة المتخلف عن تأدية الخدمة الإلزامية ولا أي أحد يخصه، وأن كلام المسؤول ينافي حتى نص القانون.
وينص القانون رقم 35 لعام 2017 الذي جاء معدل لأحكام خدمة العلم رقم 30 لعام 2007، على ان تتضمن العقوبة والغرامة المترتبة على المكلف في حال عدم الدفع خلال المهلة المحددة وهي ثلاثة أشهر بعد بلوغه 42 عاماً، أن يترتب على المكلف دفع غرامة مقدارها 200 دولار أميركي أو ما يعادلها بالليرة السورية عن كل سنة تأخير تبدأ من اليوم التالي لانتهاء المهلة المحددة للدفع على ألا يتجاوز مجموع غرامات التأخير مبلغ ألفي دولار أميركي أو ما يعادلها بالليرة السورية حسب سعر الصرف الصادر عن مصرف سوريا المركزي بتاريخ الدفع ويعتبر أي تأخير بالدفع في جزء من السنة سنة كاملة.
كما يحال إلى الهيئة العامة للضرائب والرسوم ليتم إلقاء الحجز التنفيذي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمكلف وتحصيل المبلغ والغرامة وفق قانون جباية الأموال العامة، ويحال إلى القضاء المكلف الممتنع عن الدفع ويعفى من العقوبة إذا بادر إلى تسديد قيمة البدل.
السوق السوداء في المركزي..
بعد فضيحة الـ 100 دولار الذي فرضها نظام الأسد على السوريين القادمين من الخارج قبل أشهر، مقابل تصريفها بالعملة السورية في الداخل ووفقاً لسعر الصرف الذي يحدده هو، في تجاوز كامل للقانون السوري الذي يرفض منع أي مواطن من دخول بلده، عاد الحديث عن شرعية دفع البدل النقدي بالدولار، وهو ما يخالف القانون السائد في البلاد حيث نص المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2014 على منع التعامل بغير الليرة السورية، إلا أن النظام يخرق القانون الذي وضعه بنفسه حين سعّر البدل النقدي للخدمة الإلزامية بالدولار الأميركي.
وفي بداية ديسمبر الماضي، أثار مصرف سوريا المركزي الجدل، بعد نشره أسعار تعديلات مرسوم دفع بدل الخدمة الإلزامية، ومنها الخدمة الثابتة سواء بالليرة السورية أو بالقطع الأجنبي.
وحدد المصرف سعر صرف الدولار الواحد حينها بـ 2550 ليرة، وهو ما يقارب سعر السوق غير المعترف فيه رسميا، الذي تصدره نشرات المصرف اليومية ومثبت منذ شهور عند 1256 ليرة سورية.
نشرة المصرف على موقعه في الفيسبوك، أثارت الكثير من التساؤلات في الشارع السوري، ورافقها انتقادات لاذعة للمصرف، تمحورت حول التناقض في سعر صرف الحوالات بالسعر الرسمي، والبدل الذي يدفع بسعر السوق السوداء.
وتهكم الكثيرون حينها على المصرف الذي “يتعامل بغير الليرة السورية”، باعتباره يخالف القانون المحدث خلال العام الماضي، والذي يمنع ويعاقب تداول الدولار وحتى التكلم به في البلاد.
يذكر أن رئيس النظام السوري “بشار الأسد” أصدر مرسوما في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يسمح بتأدية الخدمة العسكرية “خدمات ثابتة” مقابل بدل نقدي للمكلفين بالخدمة الإلزامية داخل البلاد وخارجها، وقضى كذلك بتعديل بعض مواد قانون خدمة العلم، لتشمل أحكام ومبالغ البدل النقدي، سعيا وراء أموال السوريين لدعم الاقتصاد.
وأقر “الأسد” ولأول مرة، السماح بدفع بدل عن الخدمة الإلزامية للسوريين المطلوبين على سبيل الاحتياط في بلدهم، وتصل قيمته إلى 3 آلاف دولار.
يشار إلى أن النظام في سوريا بات يعاني من نقص شديد في قواته بسبب العدد الكبير من القتلى الذين خسرهم طيلة سنوات الحرب، ومن جهة أخرى يبحث النظام عن أي وارد يخفف عنه مهمة تأمين العملة الصعبة التي باتت تشكل له ضربة موجعة بسبب العقوبات الأميركية أو ما يعرف “قانون قيصر”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا©