بعد نحو ثلاثين شهرا على بدء الحراك الشعبي المناهض للنظام في الجزائر، وعلى الرغم من وعود الرئيس “عبد المجيد تبون”، لما أسماه “جزائر جديدة”، فإن المجلس الشعبي الوطني المنبثق عن الانتخابات البرلمانية التي جرت الأسبوع الماضي، لا يختلف كثيرا عن برلمانات عهد الرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة”، حسبما يرى مراقبون، معتبرين أن الانتخابات التي قاطعها أكثر من ثلاثة أرباع الجزائريين، كرست فوز الأحزاب الحاكمة منذ عقود وعجزت عن التجديد الذي وعد به النظام، معتبرين ذلك مجرد “هروب إلى الأمام”.
وفيما يرى المراقبون أن الانتخابات البرلمانية، كانت آخر محاولة من قبل نظام الرئيس “تبون”، للحصول على الشرعية التي يفتقر إليها بشدة، يتوقع آخرون أنها لن تكون كافية لحل المأزق السياسي العميق في البلاد، مرجحين أن تزيد من عمق الأزمة.
النتائج المؤقتة أظهرت، فوز حزب جبهة التحرير الوطني، أكبر كتلة نيابية في البرلمان المنتهية ولايته، في انتخابات تميزت بامتناع تاريخي عن التصويت، فيما سجلت الجبهة تراجعا حادا، إلا ان الحزب الواحد سابقا استفاد من قاعدته الشعبية القديمة.
وحلت جبهة التحرير الوطني، الحزب المرتبط بالرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة”، في المركز الأول أمام مجموعة متباينة من المستقلين والإسلاميين والتجمع الوطني الديمقراطي حليف السلطة منذ زمن مع 105 مقاعد من أصل 407 تلاها المستقلون مع 78 مقعدا، أما الحزب الإسلامي الرئيسي في البلاد، حركة مجتمع السلم، الذي كان قد أعلن سابقا تصدره الانتخابات، فحلّ ثالثا مع 64 مقعدا على ما أوضح الثلاثاء رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات “محمد شرفي” خلال مؤتمر صحافي.
يشار إلى أن هذه الانتخابات تعد ثالث عملية انتخابية تُجرى منذ بداية الحراك في 22 شباط/ فبراير 2019، الذي أدى إلى تنحي الرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة”، حيث سبقتها الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، التي فاز بها الرئيس “تبون”، واستفتاء 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 على تعديل الدستور.
نسبة المشاركة الأدنى تاريخيا
يرى المحلل السياسي “نجيم السامي”، أن النسبة العالية للامتناع عن التصويت هي الفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية، وأنها لن تؤدي إلا إلى دفع الجزائر إلى طريق سياسي مسدود مع مجلس نيابي منقسم، معتبرا ذلك الفشل الثالث على التوالي للرئيس تبون بعد الانتخابات الرئاسية في كانون الأول/ديسمبر 2019 والاستفتاء الدستوري في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، متحدثًا عن “تشكيك في خارطة طريق الحكم سجينة الشكليات الانتخابية لإعادة بناء قاعدته السياسية”.
ويشير “السامي” إلى “وضع الرئيس هش” بحسب تعبيره، معتبرا أن فشل الانتخابات سيزيد من اعتماده على المؤسسة العسكرية ويقلص من هامش المناورة لديه، ويضيف أن “مدة حياته السياسية يمليها الجيش أكثر من أي وقت مضى”.
بحسب الأرقام الرسمية وغير النهائية، التي أعلنتها السلطة الوطنية للانتخابات يوم الثلاثاء الماضي، فقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي شهدتها الجزائر، السبت، 23,03 في المئة في رقم هو الأدنى تاريخيا.
ومن أصل 24 مليون شخص يحق لهم الاقتراع، أشارت السلطة إلى أن 5,6 ملايين شخص أدلوا بأصواتهم، علما بأن أكثر من مليونا من هذه الأصوات اعتبرت لاغية. وعلى سبيل المقارنة، فقد بلغت نسبة المشاركة 35,70 في المئة خلال الانتخابات التشريعيّة عام 2017، و42,90 في المئة عام 2012.
وكان هناك ترقّب لنسبة المشاركة، بعدما شهد الاستحقاقان الانتخابيّان السابقان (الاقتراع الرئاسي عام 2019 والاستفتاء الدستوري عام 2020)، نسبة امتناع غير مسبوقة عن التصويت بلغت 60% و76% على التوالي.
تجاهل لمطالب الشارع
يرى مراقبون أن إصرار السلطة، على تطبيق “خارطة طريقها” الانتخابية التي وضعتها، دون التفات إلى مطالب الشارع، التي مثلها الحراك الجزائري الأخير، تمثل تجاهلا لقطاع كبير من الجزائرييين، الذين قاطعوا الانتخابات، والذين لم يروا فيها وسيلة لتحقيق مطالب الحراك، من “إقامة دولة القانون والقضاء المستقل والانتقال الديمقراطي للسلطة”.
ويشير الصحفي “أمين بوجدية” إلى أنه في الوقت الذي تعتبر فيه السلطة أن هذه الانتخابات تمثل محطة مهمة، ضمن خارطتها الانتخابية، وأنها ستسهم في ترسيخ الديمقراطية في البلاد، فإن مقاطعيها يعتبرون أنها ليست سوى مطية للسلطة، من أجل تثبيت الوضع القائم، والحفاظ على “النظام الاستبدادي” ومصالح القائمين عليه، عبر إضفاء صبغة شرعية وقانونية، دون الالتفاف إلى نسبة المشاركة في الانتخابات والتي من المفترض أن تشكل بوصلة السير باتجاه الاستقرار السياسي في البلاد.
تصريحات الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون”، التي أدلى بها بعد إدلائه بصوته، عكست عدم اهتمامه بمدى مشاركة الجزائريين بتلك الانتخابات، إذ قال للصحافيين: “سبق أن قلت إنه بالنسبة لي، فإن نسبة المشاركة لا تهم، ما يهمني أن من يصوت عليهم الشعب لديهم الشرعية الكافية لأخذ زمام السلطة التشريعية”.
ويضيف “بوجدية” أن النظام الجزائري يسعى للالتفاف على مطالب حراك الشعب في دولة مدنية وتحقيق تنمية شاملة، ومن أجل استدامة نظام يحكمه حفنة من جنرالات الدم والسلاح، على حد وصفه، مؤكدا أن الأجيال الحالية في الجزائر ترفض استمرار هذا النظام الذي يرفع شعارات حركة التحرر الوطني بالمقابل يرفض السماح للجزائريين بتقرير مصيرهم، متوقعا أن تشهد المرحلة المقبلة تصاعدا لتظاهرات الحراك رغم عمليات القمع التي تنفذها السلطات.
يشار إلى أن جماعات حقوقية، كانت أكدت أنها رصدت تصاعدا في أعمال القمع للمعارضين، قبل بدء الانتخابات، في ظل مقاطعة قطاع كبير من الطبقة السياسية لها، خاصة تلك التي شاركت بقوة في حراك شباط/ فبراير الماضي، إذ منعت السلطات المسيرات، وكثفت من الاعتقالات ضد المعارضين السياسيين، والناشطين في الحراك والصحافيين المستقلين والمحامين.
سياق الانتخابات غيب حضور المرأة
أظهرت النتائج الأولية لفرز الأصوات، تراجعا لافت لحضور المرأة التي منيت في هذه الانتخابات بخسارة غير مسبوقة، حسبما تشير المحامية “ميسا كلوظ”، التي تعزوا ذلك إلى القانون الجديد الذي انتزع أحقية المرأة في ثلث مقاعد البرلمان، وهو ما كان معمولاً به في نظام الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة”، مشيرة إلى أن النتائج غير النهائية لعملية الاقتراع، تكشف أن عدد المقاعد النسوية لن يتجاوز 20 مقعداً من أصل 407 مقاعد، أغلبها موزعة بين حزب جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم، رغم ترشح نحو6 آلاف امرأة ضمن لوائح الأحزاب السياسية والمستقلين.
يشار إلى أن الانتخابات جرت بموجب قانون الانتخاب الجديد الذي صدر في 10 آذار/ مارس 2021، والذي تضمنت مواده بعض الوعود التي كانت السلطة قطعتها على نفسها، مثل تمكين الشباب والنساء من المشاركة السياسية، ومحاربة “المال الفاسد” الذي طالما شوّه العملية الانتخابية.
وتنص المادة 191 على أن القوائم المتقدمة للانتخابات يتعيّن عليها “مراعاة مبدأ المناصفة بين النساء والرجال، وأن تخصص، على الأقل، نصف الترشيحات للمترشحين الذين تقل أعمارهم عن أربعين سنة، وأن يكون لثلث مرشحي القائمة، على الأقل، مستوى تعليمي جامعي”.
إضافة إلى ذلك، تنص المادة 191 على أن يتم الانتخاب “بطريقة الاقتراع النسبي على القائمة المفتوحة، وبتصويت تفضيلي دون مزج”؛ ما يعني أن حظوظ المترشحين يفترض أن تكون متساوية، لأن نظام القائمة المفتوحة يمنح الناخب حرية ترتيب مرشحي القائمة الواحدة، على عكس نظام القائمة المغلقة الذي يفرض على الناخب الترتيب الذي يحدده الحزب في القائمة.