ينتظر الكويتيون يوم السبت المقبل، انطلاق انتخابات مجلس الأمة الكويتي بعد انتهاء فترة مجلس 2016 في ظل أهمية خاصة يحملها البرلمان المنتظر، مع الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد مع انتشار وباء كورونا..
انتخابات فارقة
تحمل الانتخابات القادمة أهمية خاصة بحسب المراقبين.. فهي أول انتخابات تتم في عهد أمير الكويت الحالي، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي تولى مقاليد الحكم، في 29 سبتمبر أيلول الماضي.
في حين تعيش البلاد أزمة اقتصادية ذات شقين، ترتبط كحال أغلب اقتصادات العالم، بتداعيات الكورونا.. والشق الخاص المتعلق بالاقتصادات الريعية المرتبطة ببيت النفط الذي تراجعت أسواقها في الفترات الماضية..
ونظرًا لأهمية المجلس بالنسبة للشعب الكويتي، ينتظر الكويتيون أن يكون هناك توافق وتعاون بين تركيبة البرلمان الذي سينتج عن الانتخابات المقبلة وحكومة البلاد لتجاوز صعوبات المرحلة الراهنة.
إجراءات في ظل الأزمة
سجلت الكويت مؤخرًا نحو 143 ألف إصابة بوباء كورونا، في حين وصلت حالات الوفاة بينهم 881 وفاة.
ولم يقتصر تأثير جائحة كورونا على تعطيل أوجه الحياة العامة الاقتصادية والاجتماعية.. بل تركت تأثيرها على مختلف مراحل الانتخابات والاستعدادات الجارية لها خلال الأسابيع الماضية من عمليات ترشح ودعاية.. بل إن عملية الاقتراع المنتظرة ستجري ضمن اشتراطات صحية خاصة بعد تخصيص لجان خاصة لتصويت المصابين بكورونا.
وفي ظل المخاوف من تفشي فيروس كورونا اتخذت الحملات الانتخابية في الكويت شكلا جديدا.
فخلافًا للمعتاد.. كإقامة المرشحين الولائم التي تجمع الناخبين كما كانت العادة، اقتصرت الحملات الحالية في هذه الدورة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بعد أن حظرت السلطات التجمعات خوفًا من تفشي فيروس كورونا.
تغير في الأدوات
لعب موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” دورًا بارزًا في دعاية المرشحين لخوض السباق البرلماني، يقوم فيه المرشح بتسجيل برامجه الانتخابية في مقاطع فيديو قصيرة وبثها على الموقع، بدلًا من الندوات وزيارات الدواوين التي كانت قبل الجائحة.
في حين لجأ مرشحون آخرون إلى وسائل الإعلام كـ الصحف الورقية والإلكترونية وقنوات تلفزيونية محلية للترويج لبرامجهم الانتخابية.. في ظل ما فرضته الجائحة على الدعاية الانتخابية، وتأثيرها المرتقب على عملية الاقتراع المرتقبة السبت المقبل..
أرقام وبيانات
فتحت الكويت باب الترشيح لانتخاب أعضاء مجلس الأمة اعتبارا من 26 أكتوبر الماضي، واستمر لمدة 10 أيام.
وعقب إغلاق باب الترشيح يوم 4 نوفمبر الماضي تم الإعلان عن تقدم 395 مرشحاً ومرشحة، بينهم 33 مرشحة، ولكن في وقت لاحق انسحب عدد من المرشحين وتم شطب آخرين.
ولم تعلن وزارة الداخلية القائمة النهائية لأسماء المرشحين في انتظار انتهاء درجات التقاضي كافة الخاصة ببعض المرشحين الذين تم شطبهم.
وستجري الانتخابات البرلمانية، في 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، لاختيار 50 نائبا موزعين على 5 دوائر انتخابية بالبلاد.
ويبلغ عدد من يحق له التصويت في الانتخابات نحو 567 ألف ناخب وناخبة.
صراعات وتيارات
تتعدد التيارات السياسية التي تحكم المشهد الكويتي الذي يمنع دستورها تشكيل الأحزاب بشكل رسمي، لكن تسيطر بدلًا عنها تيارات سياسية متعددة الانتماء والأهداف والارتباطات..
ويشارك في الانتخابات عدد من التيارات السياسية، على رأسها التحالف الإسلامي، الذي كان يمثله نائبان في مجلس 2016.. ويتصدر مرشحيه “عدنان عبد الصمد” عن الدائرة الأولى و”خليل أبل” عن الدائرة الثالثة، و”هاني شمس” عن الدائرة الخامسة.
أما التجمع الإسلامي السلفي، فيشارك في الانتخابات بثلاثة مرشحين، هم “فهد المسعود” عن الدائرة الثانية و”حمد العبيد” عن الدائرة الثالثة و”حمود الحمدان” عن الدائرة الخامسة بحسب تقارير إعلامية.
“حدس” الحركة الدستورية الإسلامية، الذراع الكويتية لجماعة (الإخوان).. دخلت الانتخابات بخمسة مرشحين: أسامة الشاهين “الدائرة الأولى”، وحمد المطر “الدائرة الثانية”، وعبد العزيز الصقعبي “الدائرة الثالثة”، وعبد الله فهاد “الدائرة الرابعة”، وعبد الله الدلماني “الدائرة الخامسة”.
كما يحاول تجمع ثوابت الأمة (سلفي التوجه) الدخول من خلال “محمد هايف” عن الدائرة الرابعة، و”أسامة المناور” في الدائرة الثالثة.
تراجع للإسلام السياسي
شهد مجلس 2016، استغلال الإسلاميين للمرحلة والسيطرة على عدد في مقاعد المجلس يتجاوز عددهم الفعلي ووزنهم المجتمعي..
وفي ظل المعطيات الحالية، بينت شخصيات سياسية كويتية – بحسب تصريحات سابقة لجريدة “السياسة” الكويتية – أن الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” تمر في الفترة الحالية بأسوأ أيامها.. بسبب استشراء الخلافات والتجاذبات بين أعضائها، في ظل خلافات قيادات الحركة الذين يوصفون بـ “الصقور” من جهة، مع شباب الحركة من جهة أخرى.. الذين يرون أن القيادات أساءت إلى الحركة، وتسببت في انصراف الكويتيين عنها، مع عدد كبير من الانحرافات.
وعلى ذلك، توقعت تلك الأوساط أن تحظى الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، بخسارة مدوية في انتخابات مجلس الأمة الكويتي…
واهتزت سمعة الحركة – بحسب المصادر – مع الأزمة التي حدثت مؤخرًا والتي عُرفت بـ “تسريبات خيمة القذافي”.. حيث انتشرت تسريبات بثت ونشرت قبل شهور عن لقاءات لبعض قيادات الحركة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذاف.. حيث أساءت لـ “حدس” بشكل بالغ، خصوصًا أنها اشتملت على ما اعتبر، شبهات “تآمر على أمن واستقرار عدد من الدول الشقيقة للكويت”.
قضية التمثيل النسائي
تبلغ أصوات النساء نحو 52 % من إجمالي عدد الناخبين في البلاد البالغ عددهم -بحسب آخر إحصاء- نحو 574 ألف ناخب وناخبة في عموم الكويت
وتدخل المرأة الكويتية انتخابات البرلمان الحالية بهدف تحسين وضعها بعد سنوات الإحباط لحقت النجاح الكبير الذي تحقق في انتخابات 2009.. حيث دخلت البرلمان الماضي نائبة واحدة فقط.
الانتخابات الحالية شهدت تقديم 33 سيدة أوراق ترشحهن، ضمن الـ 395 مرشحًا المتنافسين على 50 مقعدا برلمانيا في الدوائر الخمس.
تتوزع المرشحات بواقع 11 مرشحة في الدائرة الأولى، و6 في الدائرة الثانية، و 11 في الثالثة، و 5 مرشحات في الدائرة الخامسة، أما الدائرة الرابعة “ذات الحالة الفريدة” فلم تشهد أي وجود نسائي.
أولويات منتظرة
تعتبر النقاط التي فشل فيها المجلس السابق هي أولويات المجلس القادم بحسب المراقبين، وبانتظار معرفة نتيجة الانتخابات تبقى خطوط عريضة يتوجب على المجلس اللاحق انجازها، في حين يعتبر تلافي بعض إشكاليات المجلس القديم مرتبط بالناخبين أنفسهم (رفع نسبة مشاركة المرأة – اختيار مرشحين أكفياء مناسبين دون تحيز قبلي أو طائفي – تنويع التوازن السياسي في المجلس)
في رأي البعض، يجب أن تكون القضايا المجتمعية على رأس أولوية البرلمان القادم:
قروض المتقاعدين من مؤسسة التأمينات الاجتماعية، إدخال تعديلات على سلم رواتب موظفي الدولة غير المتوافقة مع حالة الغلاء المعيشي.. يضاف لها دعم المواطنين العاملين في القطاع الخاص.
إلى ذلك، تحمل أزمة مجتمعية كويتية بعدًا خاصًا (فشلت المجالس السابقة في تحقيق أي اختراق في أزمتها) وهي قضية “البدون” الذين باتت أزمتهم من أهم القضايا التي تشغل الساحة السياسية مع ترقب وجود حل عادل وشامل لهذه القضية. (وهي قضية متداخلة مع قضية المرأة في الكويت بين حقوقها السياسية وتوريث الجنسية لأولادها خصوصًا لو كانت متزوجة من رجل بصفة “بدون”)
الحكومة الكويتية تستعد
ضمن خطط وتصريحات الحكومة على وضع كل الإجراءات والاشتراطات الصحية خلال عملية الاقتراع، أحاط نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الكويتي أنس الصالح، رئيس اللجنة المكلفة بالإعداد والتجهيز والتنظيم لانتخابات مجلس الأمة للفصل التشريعي السادس عشر، الحكومة علمًا، خلال اجتماعها الإثنين الماضي، بأنه تم اتخاذ كل الاستعدادات والتجهيزات النهائية على الوجه الأكمل وبالتنسيق مع كل من: وزارة الصحة، ووزارة العدل، ووزارة التربية لتمكين الناخبين من التصويت في الانتخابات المقبلة بسهولة ويسر، وذلك وفقا للإجراءات الاحترازية والوقائية لتجنب انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد.. بحسب ما أكدته أكثر من وسيلة إعلامية.
في حين ذكرت، وسائل إعلام كويتية أن مجلس الوزراء اعتمد في جلسة الإثنين الماضي.. تخصيص ٥ مدارس (مدرسة في كل دائرة) لتصويت المصابين بكورونا.
نفس المصادر ذكرت أن وزارة الصحة ستجهز قواطع (جدران فصل) بين المصوتين والقضاة إضافة إلى توفير جميع أدوات الوقاية من معقمات وقفازات وكمامات ولبس للقضاة واللجان لمنع انتقال أي عدوى.
أزمة متجددة
واجهت البرلمان السابق أزمات عديدة لم يستطع تداركها، لتؤجل لهذا البرلمان.. من بينها أزمات تتعلق بآلية اختيار المجلس والنواب أنفسهم.. في ظل قانون تقسيم الدوائر وعدد المرشحين الذين يحق لكل مواطن أن ينتخبهم في أزمة عرفت بقضية “الصوت الواحد”.
وبحسب النظام الانتخابي الكويتي، يحق لكل ناخب أن يدلي بصوت واحد فقط في دائرته الانتخابية التي يخرج منها 10 أعضاء.. مما يعني أن نسبة انتخابه لأعضاء البرلمان تكون في حدها الأدنى، وهو ما ينافي “أسس العملية الديمقراطية”، برأي معارضي القانون.. أما المحكمة الدستورية فاعتبرت أن الصوت الواحد يعتبر حلًا للتحيز والطائفية والقبلية التي تعاني منها البلاد.
ترجع قضية قانون الصوت الواحد إلى عام 2012، وقتها قرر أمير البلاد الراحل، الشيخ صباح الأحمد الصباح، حلّ مجلس الأمة المنتخب آنذاك، والذي سيطرت عليه المعارضة التي عرفت باسم “كتلة الأغلبية”، والتي حاولت تمرير عدد من القوانين التي لم يوافق عليها أمير البلاد.
ثم قرر أمير الكويت- بعد الحل – إصدار مرسوم ضرورة لتعديل الأصوات الانتخابية، وفقاً للمادة 71 من الدستور الكويتي والتي تخول له إصدار قوانين ضرورية من دون الرجوع للبرلمان.
ليجري تخفيض عدد الأصوات الممنوحة لكل مواطن من 4 أصوات إلى صوت واحد، مع إبقاء الدوائر الانتخابية على حالها، وذلك لإنهاء سيطرة الكتل السياسية المعارضة وعلى رأسها الكتل الإسلامية على البرلمان.
قرار أدى إلى إعلان المعارضة أكبر مقاطعة للعملية الانتخابية في تاريخ البلاد، فقاطعت انتخابات عام 2012 الثانية، وانتخابات عام 2013، قبل أن تقرر العودة بشكل جزئي في عام 2016، بعد أن فرضت الحكومة الصوت الواحد بحكم الأمر الواقع.
حاليًا.. على رأس قائمة برامج واقتراحات مرشحي مجلس الأمة الكويتي، يتصدر مشروع قانون إنهاء الصوت الواحد في الانتخابات البرلمانية المنتظرة في الخامس من ديسمبر كانون الأول الحالي..
في ظل توافق ملفت بين المؤيدين للحكومة التي جاءت بهذا القانون في عام 2012 والمعارضون لها، على فشله وضرورة تغييره بأي طريقة ممكنة.
فردية واقصاء
بات قانون “الصوت الواحد” المتهم الرئيس من قبل المرشحين وقادة المعارضة.. أنه تسبب بزيادة فردية العمل السياسي في البلاد، في ظل تزايد حالات شراء الأصوات، بالإضافة للتصويت بحسب الانتماءات الطائفية والعرقية في البلاد.. بشكل تسبب بوصول أعضاء موالين للحكومة بشكل كامل.. ما أفقد البرلمان الكويتي صلاحياته السياسية وقدرته على مراقبة الحكومة وتشريع القوانين المهمة.
في تصريحات إعلامية.. يقول الأكاديمي والناشط السياسي الكويتي علي السند، إنّ “الحكومة الكويتية فرضت قانون الصوت الواحد من خلال مرسوم الضرورة في عام 2012 (بدون عرضه على مجلس الأمة الذي جرى حله آنذاك).. وكان من أجل إقصاء المعارضة، وحرمانها من تشكيل أغلبية رقابية وتشريعية في البرلمان، بشكل يرفع قابلية التحكم في العملية الانتخابية لجعل مخرجاتها ملائمة للحكومة، الساعية للهيمنة على قواعد اللعبة السياسية، بشكل يضمن بقاءها كأقوى لاعب في الساحة السياسية”.
وعن عثرات الصوت الواحد، اعتبر “السند” أن القانون المذكور “قام بتجريف الحياة السياسية في الكويت، فلم يعد للقوى المختلفة هامش للعمل السياسي، إذ يكرس الصوت الواحد البعد القبلي والفئوي والطائفي، كما يعزز العمل الفردي في البرلمان، ويقضي على فرص تكوين تحالفات سياسية لمواجهة تفرد السلطة في الساحة”.
فئات مؤيدة
رغم ارتفاع نسبة المعارضة لقانون الصوت الواحد.. خصوصًا من الكتل السياسية التي أضعفت تحركاتها السياسية، لكن يؤيده بعض النواب المستقلين، الذين عادةً ما ينحدرون من قبائل صغيرة في الكويت، بعد أن أعطى قانون الصوت الواحد الفرصة لهذه القبائل للوصول إلى البرلمان للمرة الأولى في تاريخها.
حيث قاد الصوت الواحد إلى تجزئة الأصوات الانتخابية التي تملكها القبائل الكبيرة في الكويت.. فشتت أصواتها وتسبب بخسارة أغلب مقاعدها، أما القبائل الصغيرة، فرتبت نفسها جيدًا لضمان وجودها في البرلمان.
الحكومة تعترض
أكد مصدر حكومي رفيع المستوى لوسائل إعلامية.. أنّ تعديل النظام الانتخابي وقانون الصوت الواحد “ليس خيارًا مطروحًا على طاولة الحكومة أو القيادة السياسية في البلاد”.
ذات المصدر اعتبر أنّ “هذا القانون كان بمثابة نعمة من الله على الحكومة، لأنه قصم ظهر الكتل السياسية وسلبها قوتها، فلماذا تعيد الحكومة سلاح الكتل السياسية”.
ليوضح أنّ “النواب القادمين لن يجتهدوا كثيراً في الضغط في هذا الإطار، لأنهم وصلوا عبر قانون الصوت الواحد، وكل ما يثار الآن دعاية انتخابية”.
وبحسب مؤيدي القانون، فإن الصوت الواحد حُصِّن من المحكمة الدستورية، ومنع تبادل الأصوات، ومنح الأقليات فرصة للوصول إلى البرلمان، وعزز الاستقرار، وأعطى فرصة للمستقلين للوصول إلى المجلس.
حقوق النشر والطباعة ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا©