مع إعلان مفوضية الانتخابات الليبية مساء الأحد، عن شروط الترشح لانتخابات الرئاسة، تشهد البلاد تصاعداً في حدة الجدل حول هوية المرشحين المحتملين لخوض الانتخابات القادمة، والتي من المقرر أن تجرى في 24 كانون الأول المقبل، لا سيما في ظل استمرار الخلافات داخل مؤسسات الدولة الليبية.
وتتضمن الشروط التي تم الكشف عنها، أن يكون المرشح للرئاسة قد توقف عن مزاولة عمله الرسمي قبل موعد إجراء الانتخابات بـ 90 يوماً على الأقل.
شفافية وتضليل ومهمة صعبة
من جهته يشدد رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية، “عماد السائح” على أن المفوضية ستعمل على استقبال طلبات الترشح لانتخاب رئيس الدولة اعتباراً من الاثنين وحتى 22 تشرين الثاني الحالي، ومجلس النواب إلى 7 كانون الأول القادم، لافتاً إلى أن المفوضية تبذل كل ما في وسعها لتنفيذ انتخابات حرة ونزيهة.
كما يشتكي “السائح” مما وصفه بـ “حملة التضليل والتزييف في محاولة النيل” من سمعة ومن ثقة الليبيين في المفوضية، داعياً كافة الأطراف الفاعلة إلى تحمل مسؤولياتها، سواء الناخبون أو المترشحون والعاملون بالمفوضية.
تعليقاً على تصريحات “السائح”، يصف المحلل السياسي “كريم الأعتر” مهمة المفوضية العليا بأنها صعبة للغاية، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد والتي يصعب من خلالها ضمان وجود الرقابة المطلوبة على العملية الانتخابية وعدم وجود تدخلات من جهات نافذة في البلاد خاصةً من طرف الميليشيات المسلحة، إلى جانب ضمان عدم لعب المال السياسي دوراً في الانتخابات لا سيما الرئاسية منها، لافتاً إلى أن هذه الظروف تحتاج إلى جهود استثنائية لتأمين عملية الانتخاب.
كما يحذر “الأعتر” من أن اشتداد المنافسة بين مجموعة من الشخصيات المتباينة في الموقف السياسي، قد يجر البلاد إلى مناوشات وحالات توتر بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، كما هو الحال في العراق، على حد قوله، داعياً جميع الأطراف إل ضرورة تقبل نتيجة الانتخابات والعمل مع السلطة التي ستفرزها.
في السياق ذاته، يعتبر “الأعتر” أن إعلان 24 حزباً ليبياً توقيعهم على ميثاق شرف لمنع التدخلات الأجنبية والامتثال لنتائج الانتخابات في العاصمة طرابلس، بأنه بادرة أيجابية لابد من تعميمها في البلاد، لا سيما وأن الأحزاب الموقعة على الميثاق، أكدت أنها لن تعترف بأي جسم سياسي آخر في ليبيا عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات.
يشار إلى أن الميثاق المذكور ينص على ضرورة العمل على إيجاد دستور دائم للدولة، ومنع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية، ورفض أي دعم أو تمويل خارجي، ورفض وجود أي جناح عسكري لأي حزب سياسي، ودعم المصالحة وإجراء الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر والقبول بنتائجها.
الخلافات السياسية وأزمة ما قبل الانتخابات
على الرغم من حالة الاتفاق أو شبه الإجماع السياسي بين الأقطاب الليبية على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، إلا أن المحلل السياسي، “جوهر الدغيسي” يعبر عن قلقه من أن الخلافات السياسية الحاصلة داخل أجهزة الدولة الليبية قد تؤثر بشكلٍ كبير على العملية الانتخابية، لا سيما في ظل الأزمات التي تمر بها كل من الحكومة والبرلمان والمجلس الرئاسي وتباين وجهات النظر بداخل كل منها.
يشار إلى أن ليبيا تشهد حالياً ازمة كبيرة بين المجلس الرئاسي والحكومة على خلفية الصراع على صلاحيات إدارة ملف التعيينات على رأس البعثات الديبلوماسية والسياسة الخارجية للبلاد، وهي الأزمة التي امتدت إلى البرلمان، حيث أعلن 80 عضو في البرلمان الليبي، دعمهم للمجلس الرئاسي في صراعه مع الحكومة التي يقودها “عبد الحميد الدبيبة”، منتقدين ما وصفوه بـ”اختراق الحكومة لخارطة الطريق وإصدارها قرارات وتعيينات ليس من تخصصها”.
إلى جانب ذلك، يلفت “الدغيسي” إلى أن وجود هذه الخلافات والصراعات قبل فترة قصيرة جداً من الانتخابات لن يؤثر فقط على العملية الانتخابية وإنما على العملية السياسي برمتها بعد الانتخابات، خاصة وإن كان المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية هو أحد المرشحين المحسوبين على طرف من الأطراف المتنازعة.
كما يعتبر “الدغيسي” أن معظم التركيز سيكون باتجاه الانتخابات الرئاسية أكثر من الانتخابات النيابية، على اعتبار أن عملية التنافس في ليبيا هي تنافس شخصي قائم على أشخاص بحد ذاتهم وليس على أساس التكتلات الحزبية، مشيراً إلى أن الحياة السياسية في ليبيا لم تنضج يالشكل الكافي حتى تشهد البلاد تنافساً حزيباً.
القبائل تقول كلمتها..
من بين أبرز التطورات التي شهدتها ليبيا قبيل الإعلان عن فتح باب الترشح للانتخابات الليبية، يبرز بيان المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة، الذي نفى توجه القبائل لتزكية أو ترشيح أي شخصية للانتخابات الرئاسية أو النيابية، لافتاً إلى أن بعض صفحات التواصل الإجتماعي تناقلت أخبارا مغلوطة عما دار بالمؤتمر الاجتماعي الأول 2021، حول دعم بعض المرشحين.
كما شدد البيان على أن المجلس إلى خلال مؤتمره المذكور لم يتناول على جدول أعماله تزكية أو ترشيح أي شخصية للانتخابات الرئاسية أو النيابية، وأن برنامج عمل المؤتمر يقتصر على تناول الشأن الوطني والاستحقاقات السياسية، داعياً كافة وسائل الإعلام إلى تحري الدقة في تناقل الأخبار، على حد وصفه.
في ذات السياق، يرى الباحث في شؤون شمال إفريقيا، “عامر الحاراثي” أن عدم توجه القبائل لدعم مرشح بعينه في الانتخابات سيزيد من فرصة بروز وجوه جديدة على الساحة الليبية وإفراز مناخ سياسي جديد في البلاد التي تعاني من حرب متواصلة منذ سنوات، لافتاً إلى ضرورة أن تكون عملية التصويت بعيدة تماماً عن أي تأثيرات عرقية أو مواقف قبلية، وأن يختار الناخبون مرشحهم وفقاً لبرنامجه الانتخابي وسياسته تجاه قضايا البلاد.
كما يشدد “الحاراثي” على ضرورة أن يشعر الرئيس القادم ونظام الحكم برمته بما في ذلك البرلمان، أنهم وصلوا إلى السلطة كممثلين عن الشعب بكافة أطيافه وليس ممثلين لطرف دون آخر، محذراً من أن دخول التعصبات القبلية والمناطقية قد تدفع بالبلاد باتجاه حكم إقصائي قائم على أساس الولاءات لا الكفاءات.