يقترب موعد الرابع والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر، الذي يفترض أن تنتظم فيه انتخابات برلمانية ورئاسية في ليبيا، لكن خبراء يقولون إن أغلب المؤشرات تدفع إلى عدم الإفراط في التفاؤل، فالعراقيل موجودة أمام الحدث المنتظر، وتحركها نوايا التأجيل إلى أجل غير محدد لحسابات عدة منها ما يتعلق بالخوف من النتائج التي قد لا تكون على مقاس تيار الإسلام السياسي.
وبينما تتواصل الضغوط الدولية من أجل تنظيم الانتخابات في موعدها المحدد، تختلف المواقف في الداخل بين موافقين بشدة على الموعد، وقابلين بشروط، ورافضين بشدة، ومعرقلين للجهود الأممية بشكل معلن أو خفي، وصولا إلى مهددين بعودة الحرب والانقسام في حال تنظيم الاستحقاق وفوز من لا يستجيب لميولاتهم السياسية والأيديولوجية وارتباطاتهم القبلية أو الجهوية والمناطقية، ما دفع مراقبين لطرح أسئلة حول ما إذا كانت الانتخابات حل أم مشكلة جديدة، وسط تشكيك بقدرة الضغوط الدولية على إجراء الانتخابات.
ضغط دولي غير كاف
في إحاطته الدورية أمام مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، اعتبر المبعوث الأممي “يان كوبيتش”، أن إجراء الانتخابات في ليبيا، حتى في وضع أقل من المثالي، ومع كل السلبيات والتحديات والمخاطر، أمر مرغوب فيه أكثر بكثير من عدم إجراء انتخابات، والذي لن يؤدي إلا إلى تعزيز الانقسام وعدم الاستقرار والنزاع، مشيرا إلى أن هذا هو رأي غالبية الليبيين، على الرغم من كل تخوفاتهم الحقيقية ومخاوفهم فضلا عن بعض الاختلافات حول الطريق إلى الأمام.
ورأى “كوبيتش” أن “الانتخابات الآن ليست مجرد التزام أخلاقي أو سياسي، بل هي ضرورة سياسية وأمنية تضمن استمرار التطورات الإيجابية التي تحققت في ليبيا منذ أكتوبر 2020، مشيرا إلى أن ليبيا ستتجاوز حالة الأزمات المستمرة المثبطة والنزاع والانتقال الدائم نحو استكمال العملية السياسية وولوج مرحلة البناء المشترك للأمن المستدام والاستقرار والوحدة والتنمية”.
كما شدد على أن “إجهاض الانتخابات سيمثل للكثيرين إشارة بأن العنف هو السبيل الوحيد للوصول إلى السلطة في البلاد. وذلك أمر لا يمكن السماح به.
تصريحات “كوبيتش”، تزامنت مع بيان خماسي أوروبي أمريكي، شدد على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها، حيث شددت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في طرابلس الأحد، على ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في ليبيا في موعدها المقرر، معتبرة أن “مثل هذه الانتخابات على النحو المحدد في خارطة الطريق لمنتدى الحوار السياسي الليبي هي خطوة أساسية في تحقيق المزيد من الاستقرار وتوحيد ليبيا”.
لم يعد خافيا أن هناك ضغوطا دولية واضحة من أجل تنظيم الانتخابات في موعدها، ولاسيما من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الجوار والأمم المتحدة، وهو ما تم إبلاغه رسميا للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري، حسبما يقول المحلل السياسي “عثمان الغندري”، الذي يرى أن الضغط الدولي غير كاف لتنظيم الانتخابات في موعدها في بلد تتقاذفه مصالح الأشخاص قبل المصلحة الوطنية العليا، وتعبث به الحسابات الحزبية والعقائدية والمناطقية ولاسيما في غرب البلاد الخاضع لهيمنة الإخوان وأمراء الحرب والزعامات الجهوية الطامحة للحكم بمنطق التفوق الوهمي والتوازنات الديموغرافية والنصر الميداني سواء في أحداث 2011 أو في الحروب الأهلية اللاحقة.
كما يشير “الغندري”، إلى أن إخوان ليبيا الذين ترتعد فرائصهم خوفا من الاتجاه نحو انتخابات يكونون الخاسر الأكبر فيها، تجعلهم يسعون بكل قوة إلى العمل على عرقلة موعد 24 ديسمبر، لكنهم يواجهون بالمقابل نذر العزل والتجاهل التام أو تعريض قياداتهم إلى العقوبات الأممية، ولاسيما أن بعض الأطراف التي كانت محسوبة عليهم وقريبة منهم أو متحالفة معهم، تنصلت من أي ارتباط بهم، وباتت تنادي بتنظيم الانتخابات في موعدها، ومن هؤلاء “محمد صوان” الأمين العام المستقيل من حزب العدالة، و”فتحي باشاغا” وزير الداخلية السابق.
وبالرغم من ذلك، يشدد “الغندري” على أنه بات واضحا أن الضغوط الدولية غير كافية لتنظيم الانتخابات في موعدها، ولاسيما في ظل استمرار الإخوان في ممارسة ازدواجية الخطاب دون أي ردع حقيقي من المجتمع الدولي، واستقوائهم بالقوات التركية والمرتزقة، مع استفادة واضحة من نية الاستمرار في الحكم التي تدغدغ وجدان رئيس الحكومة “عبد الحميد الدبيبة” والدائرين في فلكه.
قانون انتخاب “أحادي” يثير الجدل
منذ إعلان رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” مصادقته على قانون للانتخابات الرئاسية، تسود خلافات في الأوساط السياسية بحجة أن القانون لم يعرض للتصويت في جلسة رسمية.
القانون المكون من 77 مادة ونشر في 9 أيلول/سبتمبر يحمل رقم 1 لسنة 2021 وتوقيع رئيس مجلس النواب، سبب انقساما بين النواب، ولاقى رفضا من المجلس الأعلى للدولة، فيما ظل موقف ملتقى الحوار السياسي ضبابيا، واعتبر المجلس الأعلى للدولة، أن إصدار القانون إجراء “أحادي”، وبأن صالح يهدف إلى عرقلة الانتخابات المقبلة بتعمده إصدار “قانون معيب”.
ويرى الباحث السياسي والمختص بالشأن الليبي، “عمر منتصر”، أن إصدار قانون الانتخابات الرئاسية بهذا الشكل “المعيب” و”الغامض” يعتبر بمثابة دفع لليبيين إلى “الصدام” مجددا، مشيرا إلى أن “البرلمان لا يملك وحده حق المصادقة أو إصدار قانون انتخاب الرئيس، خاصة وأن التوتر والخلاف بين مختلف الأطراف لم ينته بعد، والتوافق ضروري حول أي قانون ليتماشى والحالة الحرجة القائمة”.
كما اعتبر “منتصر” أن “فرض رئيس مجلس النواب القانون تعسفيا ودون تصويت، يضع الجميع أمام الأمر الواقع، خاصة مع فشل منتدى الحوار السياسي في اقتراح أساس دستوري قبل الأول من تموز/يوليو كما كان متوقعا، لذلك تدخل صالح في مواجهة هذا الخلل الناجم جزئيا عن لامبالاة المبعوث الأممي- وقام بخطوته”.
وعن فرص نجاح القانون بهذه الطريقة، أجاب الباحث أنه “رغم أن هذه الخطوة ستواجه تحديات قانونية وديموقراطية، إلا أن صالح يدرك جيدا أنه يملأ فراغا، كونه يعلم أن عددا من الأطراف الليبية والدول الأجنبية والأمم المتحدة نفسها، ستميل بشدة إلى تبني قانونه”.
وتابع أن “بعض الدول المنحازة لـ “صالح” مثل فرنسا، رحبت بقانون صالح باعتباره سليما تماما، فيما ترددت المملكة المتحدة والولايات المتحدة بالنظر إلى الطبيعة الإشكالية جدا للمناورة، مؤكدا ان ذلك سيعزز الانقسام الداخلي حول القانون ما قد يعرقل إجراء الانتخابات ويثير الخلافات مجددا.
كما يشدد “منتصر” على ضرورة أن “لا تكون الانتخابات أولوية على حساب الاستقرار، لأن ذلك سيخلق مشاكل أمنية لا تحمد عقباها، لأننا لا نريد لليبيا أن تدخل في حرب أهلية أو مشاكل سياسية أخرى”.
وتعيش ليبيا حالة من المخاوف الأمنية في ظل صراع الميليشيات، فيما لا يزال الوضع الأمني بالغ الهشاشة في البلاد الغنية بالنفط والتي تشهد نزاعا بين فصائل مسلّحة وانتشار مرتزقة أجانب، على الرغم من التقدم الذي أحرز على الصعيد السياسي.