بعد ساعات من دعوات للتيار الصدري وتحذراته من ما وصفه هجوم بعثي – داعشي، يتداول ناشطون عراقيون مقاطع فيديو تظهر مئات العناصر المسلحة التابعة لما يعرف بـ “ميليشيات السلام”، خلال انتشارهم في كل من العاصمة بغداد ومدينة النجف.
ويشير الناشطون ومصادر محلية عراقية، إلى ان الانتشار الليلي أقرب إلى الاستعراض العسكري، وهو ما تظهره أيضا مقاطع الفيديو المتداولة، حيث يظهر في تلك المقاطع عناصر بسيارات دفع رباعي حاملين أسحتهم ومزودين بأسلحة ثقيلة وصواريخ، مرددين شعارات مناصرة لزعيم التيار الصدري، “مقتدى الصدر.
رسالة لمستلم بين السطور
في تناوله لانتشار الميليشيات في شوارع بغداد والنجف، يعتبر الخبير في شؤون الحركات المسلحة والميليشيات، “صلاح الباجه جي” أن المسألة بعيدة تماماً عن ما هو معلن حول هجوم داعش مفترض، وأن ذلك الانتشار يحمل رسالة لمستلم آخر غير التنظيم الإرهابي، مشيرا إلى أن المستلم هو واحد من اثنين إذا لم يكونا الاثنين معا، وهما الرئيس الأمريكي الجديد، “جو بايدن” ورئيس الحكومة العراقية، “مصطفى الكاظمي”.
وبحسب ما يراه “الباجه جي”، فإن أي تهديد من قبل تنظيم داعش، ومهما كان حجمه لا يستدعي كل ذلك الاستعداد، خاصةً وأن توقيت الانتشار بحد ذاته، مثير للجدل، موضحاً: “لا اعتقد أنه من المصادفة أن تنتشر تلك الميليشيات بهذا الشكل في وقت تستعد فيه البلاد لإجراء انتخابات نيابية حساسة في الصيف المقبل، كما أنها لا يمكن أن تكون مصادفة أن تأتي تزامناً مع تصاعد الجدل حول الاتفاق النووي الخاص بإيران”.
يشار إلى أن الساعات الـ 48 الماضية، شهدت تصريحات وتصريحات مضادة بين واشنطن وطهران، حول الاتفاق النووي، ففي حين أصرت الولايات المتحدة على إيقاف كافة أنشطة التخصيب في إيران كشرطٍ للعودة إلى المفاوضات والاتفاق، أبدت إيران تمسكها برفع الولايات المتحدة للعقوبات المفروضة على إيران، قبل 21 شباط الجاري، وإلا ستقوم يطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أما عن مضمون الرسالة، فيقول “الباجه جي”: “إيران تريد أن تقول لواشنطن أنها لا تزال تمتلك في العراق ساحات للقتال والمناورة في تهديد ضمن لتكرار حوادث الاعتداءات على المصالح الأمريكية في العراق، مستفيدةً من الليونة النسبية التي تظهرها الإدارة الحالية مقارنةً بسابقتها”، معتبراً أن ظهور الصواريخ في الفيديوهات والاستعراض يشير إلى تلك الخلاصة.
على الجانب المحلي، يلفت “الباجه جي” أن التيار الصدري يريد استعارض مدى قوته وقدرته على الحشد العسكري خلال مدة بسيطة، لفرض نفسه في المعادلة السياسية بقوة السلاح، كحال قرينه في لبنان، ميشليا حزب الله، هذا أولا، وثانياً لبث الرعب في صفوف معارضيه سواء من الناشطين أو الناس العاديين، على حد قوله، مشدداً على أن الصدر لا يملك أي خلفيات أو حنكة سياسية تمكنه من البقاء داخل الساحة العراقية دون السلاح.
دول الجوار ورسالة تهديد واضحة
دول الجوار ووفقاً لما يقوله المحلل السياسي، “عبد الله الغانم”، مشمولة أيضاً ليس فقط باستعراض ميليشيات السلام، وإنما في أي تحرك تقوم به الميليشيات العراقية، لافتاً إلى أن إيران تسعى لخلط أوراق اللعبة السياسية والإقليمية من جديد، مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة.
وفي سياق تحليله، يرجح “الغانم” أن تشتد وتيرة تلك الاستعراضات قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة، بهدف اشغال الرأي العام ودول المنطقة والقوى الدولية بتلك التحركات سحب الأنظار عن ما سيحدث في الانتخابات القادمة، والتي من المتوقع أن تفرز قيادة متشددة جديدة في قصر الرئاسة، كحال البرلمان وانتخابات شباط الماضي، وهو ما كان واضحاً من خلال تصريحات وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، التي حذر فيها المجتمع الدولي من إمكانية وصول رئيس إيراني جديد من غلاة المتشددين، على حد وصفه.
يذكر أن قياديين عسكريين في الحرس الثوري الإيراني، بينهم قائد لواء خاتم الأنبياء، سبق لهم أن هدوا دول المنطقة بهجمات تشنها الميليشيات العراقية وميليشيات الحوثي في اليمن وحزب الله وميليشيات تابعة لنظام “بشار الأسد” في سوريا.
نظرة “الغانم” إلى ما وراء تحرك الميليشيات العراقية، تتفق تسبياً مع ما يقوله الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “محمد الكاظمي”، والذي يرى فعلاُ أن إيران تسعى لفرض نفسها بقوة ميليشياتها في الشرق الأوسط، مشدداً إلى أن المنطقة ستشهد تغييرات جذرية خلال فترة حكم “بايدن”، خلافاً لما كان الوضع عليه في لو أن الرئيس الأمريكي السابق، “دونالد ترامب” كان قد حصل على ولاية ثانية.
ويضيف “الكاظمي”: “يبدو ان إيران قرأت ذلك التغير سريعاً وبدأت تسعى لطرح أوراقها والضغط فيها، وتحديداً في العراق، ولكن أشك في قدرتها على تحقيق ذلك الهدف، لا سيما وأن الموقف الأسرائيلي لا يزال متشدداً حيال قضايا إيرن وصواريخها وملفها النووي، واعتقد أن إسرائيل ستمتلك قدرة التحرك منفردة ضد إيران بعيداً عن الولايات المتحدة، فيما لو تطورت الأمور أكثر من ذلك”، مشيراً إلى أن ملفات المصالحة العربية وموقف المملكة العربية السعودية الأكثر تشدد حيال الملف الإيراني سيحد من قدرة إيران في تحقيق هدفها ذلك.