“على أبواب تل أبيب” وصفت صحيفة إيرانية ناطقة بالعربية، مقتل العالم النووي “محسن فخري زاده” قرب طهران ومن أطلق عليه لقب “أبو القنبلة النووية” نهاية الشهر الفائت، متذكرة في الوقت نفسه مقتل قائد فيلق القدس السابق “قاسم سليماني”، الذي قضى بضربة جوية أميركية في العراق قرب مطار بغداد في يناير/ كانون الثاني بداية العام الحالي، مطالبة بإكمال مسيرتهما والرد على اغتيالهما.
وجهت إيران اتهاما مباشرا عبر مسؤوليها إلى إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب السعودية، بالضلوع في عملية اغتيال العالم النووي، بعد تسريبات عن اجتماع سري لهم في السعودية قبل مقتل النووي بأيام، متوعدة برد قاس، رجح تكهنات وطروحات عدة.
وفي معرض الحديث عن الرد الإيراني، تحدث البعض عن إشعال واستكمال الحقد الإيراني الدفين في الساحة العربية عبر الميليشيات الإيرانية في العراق، والحوثيين في اليمن، فيما تحدث البعض الآخر عن استخدام حزب الله الذراع الأقدم لطهران في المنطقة العربية والأقرب ضمن قواعد الاشتباك مع إسرائيل، وهو الذي أبدى استعداده جهرا للرد الإيراني.
إنقاذ ماء الوجه..
بعد مقتل ” سليماني” دار حديث في السياق ذاته عن رد توعدت به إيران في المكان والزمان المناسبين، لم يبرز منه إلا هجوم أفراد على السفارة الاميركية في العراق وإحراقها واستهداف قاعدة عسكرية أميركية، خالية من الجنود، طالها انتقادات حتى من الداخل الإيراني المستاء أساسا على سياساتها.
اليوم يرى الكثير من المحللين أن هيبة إيران والمكانة، اللتين حرصت على إظهارهما في العقدين الأخيرين في المنطقة أصبحت على المحك مع مقتل “زاده”، ما سيحتم على إيران ردا يحفظ ماء الوجه، وهي التي تُضرب مصالحها ويقتل قياداتها، بشكل مستمر بضربات إسرائيلية معلن غالبها في سوريا.
لماذا حزب الله؟
استبعدت أغلب التحليلات ردا عسكريا إيرانيا مباشرا عبر قواتها النظامية، في الداخل الإسرائيلي، خوفا من قيام الأخير بضرب مواقع المفاعلات النووية في إيران، والبقاء في محاولات خلط أوراق الاتفاق النووي مع حكومة أميركية جديدة شغلها الشاغل ملف إيران النووي، واستغلالا للوقت لمتابعة لأبحاث النووية، مرجحة التحليلات استخدام حزب الله “اللبناني جنسية والإيراني عقيدة ومنشأً”.
تاريخ المصنع وفكرة “المقاومة”..
الحزب الذي نشأ إيرانيا في سياق المقاومة العسكرية للاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، بنى عقيدته السياسية على أساس مقاومة الاحتلال، واكتسب شهرته المبكرة في العالم العربي، بعد قيامه بنسف مقر القوات الأميركية والفرنسية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1983، أسفرت عن مقتل قرابة 300 جندي أميركي وفرنسي حينها.
إنشاء الحزب كان استكمالا للثورة الإيرانية 1979، التي قادها “آية الله الخميني”، إذ أن الدستور الإيراني ينص على مبدأ التبشير بالمذهب الجعفري الإثنا عشري والإيمان بالإمامة وفقا لوجهة نظر “الخميني” وولاية الفقيه، كوسيلة للتغلغل في كل انحاء العالم، وهو ما جاء صراحة في بيان صادر عن قيادة حزب الله في فبراير/ شباط 1985، بأن “الحزب “ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه و”آية الله الموسوي الخميني”، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”.
وفي إطار السعي الفارسي للحفاظ على نفوذه السياسي والمذهبي في البلاد العربية تدعم إيران الحزب بشتى الوسائل لضمان استمراريته كأداة لها.
وسوق الحزب نفسه على أنه مقاوم للاحتلال الإسرائيلي على مدى عقود، ورافض للتطبيع السلمي الذي تدعو له بعض الأنظمة العربية، مما أكسبه شرعية وشعبية في الشارع اللبناني والشارع العربي، حتى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، ليظهر تناقضه بانخراط الحزب في السياسة الداخلية اللبنانية والعبث بها، ويصبح رهينا للقرار الإيراني، بزج اللبنانيين في حروب لا تمت لفكرة المقاومة والممانعة بصلة، بعد عودتهم جثث من سوريا، إثر مشاركتهم في قمع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد.
الهيكل التنظيمي..
منذ نشأته حرص حزب الله على مراعاة السرية في أغلب نشاطاته واستخدم أسماء حركية لشخصياته القيادية العسكرية على نحو يحركه وقود مذهبي ثأري، ويخفي هيكله التنظيمي، إلا أن مراقبين رصدوا في هيكليته: الهيئة القيادية، المجلسين السياسي والعسكري، مجلس التخطيط، كتلة النواب، الهيئات الاستشارية والتنفيذية، ويتخذ داخل تلك الهيئات بأغلبية الأصوات، ويعتبر مجلس شورى الحزب أعلى هيئة تنظيمية حيث ً تسند إليهم مسؤولية متابعة أنشطة الحزب الأخرى الاقتصادية والاجتماعية و يتكون من 21 عضوا، بيد أن المجلس الجهادي يشكل العمود الفقري للحزب، ويتألف من رئيس المجلس التنفيذي والمسؤول العسكري والمسؤول الأمني وممثل عن الولي الفقيه، ويعنى بمتابعة الأعمال العسكرية والأمنية والتجهيز العسكري والتدريب.
وكل هذا البناء الهيكلي صاحب القرار الأول والأخير فيه هو ممثل الولي الفقيه عضو المجلس الجهادي، وهو ضابط استخبارات، إيراني الجنسية، يتقن اللغة العربية بلكنة لبنانية، يتخذ قراره من دائرة الاستخبارات الإيرانية المرتبطة بالولي الفقيه، وما على الحزب وأمينه العام إلا التقيد بالأوامر الصادرة من طهران عبر توصيات ممثله في الحزب، وهو الذي أطاح بالشيخ “صبحي الطفيلي” من رئاسة الأمانة العامة للحزب، واقترح “تأبيد” “حسن نصر الله” في منصبه كونه الأكثر التزاما بتنفيذ الأجندات الإيرانية، ولسرية المجلس أنشأت المخابرات الأميركية والإسرائيلية مكاتب خاصة لتعقب ورصد حركات حزب الله.
تخوف لبناني..
يتخوف مسؤولون لبنانيون من إقحام بلادهم في رد طهران على اغتيال عالمها النووي وهو ما أعرب عنه وزير الخارجية اللبناني “شربل وهبة” في منتدى المتوسط الافتراضي أوائل الشهر الحالي، برفضهم لما يشاع أن الرد الإيراني على اغتيال “محسن فخري زاده”، سيمر عبر حزب الله اللبناني، مؤكدًا أنه لا يمكن للبنان أن تدافع عن طهران.
فهل يكون الرد الإيراني عن طريق حزب الله “الإيرا – لبناني”، في ظل واقع لبناني سيء يسيطر عليه ويعيق تقدمه حزب الله، الذي ينزف بشريا في سوريا، وينزف اقتصاديا بعقوبات دولية؟