يزداد الحديث عن فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية السورية القادمة، والتي تعتبر محسومة سلفاً لصالح رأس النظام الحالي، حول سياسة “الأسد” في إدارة ملف الأزمة السورية، لا سيما في ظل الأوضاع المتفجرة في المنطقة عموماً.
أسس السياسة المستقبلية لنظام “الأسد” عقب الانتخابات، وكما يراها المحلل السياسي، “عبد الغني شيخ عيسى”، ستقوم على محاولات إعادة تعويم النظام على الساحة الإقليمية بالدرجة الأولى، خاصة من ناحيتي استعادة كرسي سوريا في الجامعة العربية والدفع باتجاه إعادة فتح السفارات العربية في دمشق، لافتاً إلى ان السياسة الداخلية وحلحلة الأزمة الإنسانية المتفجرة في الداخل السوري لن تكون ضمن أولويات النظام وإنما قد يسعى إلى المزيد من تفجيرها لاستغلال العامل الإنساني.
يشار إلى أن وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، قد أكد عقب اجتماعه “بالأسد” قبل أيام، أن سوريا منفتحة على تعاون عربي مشترك وإعادة بناء العلاقات العربية.
في غزة وبيروت.. استذكار صدام والحرب الأهلية
تشابه الظروف بين سوريا والعراق من الناحية الإنسانية إبان الحصار الدولي، قد تدفع “بشار الأسد”، وفقاً لـ “شيخ عيسى”، إلى محاولة العودة للعزف على وتر العروبة والمقاومة لإسرائيل، لاستعادة التعاطف العربي معه في الشارع، وإعادة إحياء ذات الصورة، التي اكتسبها “صدام حسين” بعد العام 1991، لافتاً إلى أن النظام قد يستغل عدة أمور لتحقيق ذلك، من بينها الأحداث الجارية في فلسطين حالياً، وإبراز واجهة إعلامية تظهر دعمه للحركات الفلسطينية، وتحديداً حماس.
يشار إلى أن إسرائيل أعلنت قبل ساعات، عن استهداف مواقع تابعة لها بالقرب من الحدود السورية، بصواريخ انطلقت من الأراضي السورية.
كما يشير “شيخ عيسى” إلى أن أزمات المنطقة في العراق وفلسطين ولبنان، بدورها ستكون عوامل ضغط أيضاً يحاول النظام السوري من خلالها اكتساب أوراق تفاوضية عل المستوى السياسي للضغط على الحكومات العربية الرافضة لإعادة تعويم نظامه في المنظومة العربية، موضحاً: “الأسد بعد الاستناد على الروس بشكل شبه كلي، وتجاوز الانتخابات القادمة، قد يعود للعب في الساحة اللبنانية، من خلال طرح نفسه كمقاوم للنفوذ الإيراني في لبنان، وإعادة فرض سيطرته على جاره مجدداً مع تحجيم الدور الإيراني، عبر التضييق على حزب الله، كما أنه قد يسعى إلى المزيد من تفجير الأوضاع على الساحة اللبنانية ووصولها إلى منطقة الحرب الأهلية، لاستغلال ذلك في طرح نفسه كوسيط لحل تلك الأزمة، من خلال استغلال عدوم وجود أي حدود برية للبنان إلا مع سوريا”.
ويلفت “شيخ عيسى”، إلى أن النظام السوري مستعد حالياً للانقلاب على حلفائه التقليديين وتحديداً إيران وحزب الله إذا لمس أن تلك الخطوة قد تساعده في البقاء في السلطة، خاصة وأن الاعتماد على النفوذ الروسي يغنيه عن الخضوع لإيران، مشيراً إلى ان تاريخ النظام السوري مليء بأحداث التخلي عن الحلفاء.
قنصلية حلب ومشاريع التشييع
تعليقاً على إمكانية انقلاب الأسد على حليفه الإيراني، يلفت الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “حسام يوسف” إلى أن ذلك السيناريو غير مستبعد، على الرغم من حالة الاتساع في النفوذ الإيراني في سوريا خلال الفترة الحالية، مضيفاً: “منح النظام لإيران المزيد من النفوذ على الأرض السورية وتحديداً من ناحية التشيع، لاستغلال حالة القلق العامة على المستوى الإقليمي والدولي من النفوذ الإيراني، وبالتالي فإنه سيطرح فكرة التخلي عن إيران مقابل إعادته إلى المحافل الدولية”.
يذكر أن السلطات الإيرانية أعلنت قبل أيام عن افتتاح قنصلية لها في مدينة حلب، شمال سوريا، وسط اتهامات لإيران بتحويل بعثاتها الدبلوماسية لنشر التشيع في البلاد.
كما يؤكد “يوسف” أن تقييم العلاقة بين إيران والنظام السوري يجب أن يمر من نقطة مفصلية أهمها أن طبيعة النظام الإيراني الدينية المتشددة لا تناسب الحاضنة العلوية للنظام، والتي تميل إلى التحرر المبالغ فيه والأقرب إلى طبيعة الحياة الروسية، مؤكداً أن النظام يدرك تماماً تلك الحقيقة ولن يغفلها.
إلى جانب ذلك، يلفت “يوسف” إلى أن النظام السوري يعلم أن رهانه على تعويم نفسه في المجتمع الدولي والعربي يمكن أن يتم عن طريق روسيا وليس إيران المعزولة، معتبراً أن بقاء “الأسد” ضمن المعسكر الإيراني حتى الآن لا يمكن وصفه بانه تحالف راسخ، خاصةً وأن استمرار العلاقة مع طهران تعني إستحالة أن يعود النظام إلى الاعتراف الدولي مجدداً.
يذكر أن النفوذ الإيراني في سوريا قد تراجع منذ العام 2015، تزامناً مع دخول القوات الروسية المباشر على خط الحرب في سوريا، وإقامة قاعدة حميميم، التي باتت تتولى الجزء الأهم من سير العمليات العسكرية في سوريا.
خلافاً لما يعرض في التقارير الإعلامية، يذكر “يوسف” أن النظام السوري والحاضنة العلوية تنظر بشيء من القلق حيال الأطماع الإيرانية في سوريا والمساعي لنشر التشدد الديني هناك لصالح نفوذها، خاصةً مع التصريحات التي أطلقها رجال دين إيرانيين تزامناً مع اندلاع الثورة السورية، والتي اعتبروا فيها أن سوريا أصبحت محافظة إيرانية.
لا جديد في الداخل.. المعاناة مستمرة
على المستوى الداخلي، يلفت المحلل السياسي، “عمران ترك” إلى ان حلحلة الأزمة المعيشية والاقتصادية في سوريا ستسمر لسنوات قادة ولن يتخذ النظام السوري أي إجراءات لحلها، وإنما لاستثمارها لفك الحصار الاقتصادي المفروض عليه، مشدداً على أن الفترة ما بعد الانتخابات ستشهد عودة انهيار الليرة السورية مجدداً من خلال سياسات النظام المالية، لترسيخ المعاناة وخلق ضغط على المجتمع الدولي تحت وطأة ارتفاع معدلات الجوع والمجاعة.
يشار إلى أن برامج الأمم المتحدة قد حذر في وقت سابق من العام الجاري، من إمكانية انتشار المجاعة في سوريا مع ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 83 بالمئة من الشعب السوري وارتفاع نسبة الغلاء في الأسعار إلى أكثر من 23 ضعفاً عن ما كانت عليه عام 2010.