بعد أن شكلت على مدار 17 عاماً، نواة النفوذ الإيراني، يبدو أن الميليشيات ذاتها ستكون المطرقة التي تكسر يد طهران في العراق، لا سيما مع تصاعد الخلافات بين قادتها، والتي باتت تمهد لحالة من الانشقاقات الكبيرة، بحسب ما أكده مصدر أمني عراقي، لمرصد مينا، مشدداً أن حالة الصراع بين الميليشيات على أشدها.
يذكر أن العراق يضم عشرات الميليشيات المسلحة، إلا أن أهمها، ميليشيات جيش المهدي وميليشيات حزب الله العراقي وميليشيات فيلق بدر وميليشيات النجباء وميليشيا عصائب أهل الحق، والتي شكلت بدورها الدولة العميقة، التي تصاعد دورها بعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2010.
حشد العتبات وصراعات الزعامات
على الرغم من أن الخلافات وعدم وحدة الموقف بين زعماء الميليشيات ليس جديداً، إلا أنه تفجر بشكل أكبر وأكثر علانية خلال الفترة الأخيرة، وفقاً لما يؤكده المصدر الأمني، مشيراً إلى وجود أربع ميليشيات مسلحة هددت بالانشقاق عن الحشد الشعبي مؤخراً، ضمن ما عرف بـ “حشد العتبات”.
كما يوضح المصدر أن حشد العتبات، مؤلف من 4 ميليشيات هي ميليشيات علي والعباس وعلي الأكبر وأنصار المرجعية، لافتاً إلى أنها جميعاً تابعة للمرجع الشيعي “علي السيستاني”، وأن المشكلة برزت بشكل أكبر بينها وبين الحشد، بعد رفضها لسياسات قادة الحشد.
يشار إلى أن ميليشيات الحشد الشعبي، تشكلت عام 2014، من أفراد مدنيين، بموجب فتوى من “السيستاني”، الذي أفتى بضرورة التحاقهم بالميليشيات لمواجهة تنظيم داعش، الذي كان قد سيطر عليها على ثلث مساحة العراق.
في السياق ذاته، يؤكد المصدر الأمني على أن الخلافات بين ميليشيات العتبات وبقية ميليشيات الحشد الشعبي وصل إلى مرحلة التخوين والانخراط بمشاريع أجنبية، لافتاً إلى ان بقاء الوضع على ما هو عليه يعني إمكانية تحول الصراع إلى مواجهات مسلحة
تعليقاً على ما تشهده الساحة العراقية، يشير الباحث في شؤون الميليشيات والحركات الإسلامية، “سجاد بحر العلوم” إلى أن حالة الصراع بين الميليشيات تتجاوز خلافات قادتها إلى مستويات أعلى، موضحاً أنها مرتبطة بصراع أكبر على الزعامة بين “علي سيستاني” والمرشد الأعلى في إيران، “علي خامنئي”.
ويضيف “بحر العلوم”: “الحالة التي تعيشها ميليشيات إيران والنظام الإيراني عموماً حركت الرغبة لدى السيستاني لخلف مرجعيته الخاصة ونقل مركز الثقل الشيعي من قم إلى النجف وكربلاء، ما يمكنه من التحول إلى مرجع شيعي عالمي منافسة الولي الفقيه والخروج من عباءته”، موضحاً أن “سيستاني” يمتلك العديد من المقومات، التي تجعله سدخل تلك المنافسة، لا سيما وأنه قفز منذ البداية من المركب الإيراني مع اندلاع الاحتجاجات في العراق، في تشرين الأول 2019.
يشار إلى أن العراق لا يزال يشهد انتفاضة كبيرة في العديد من المدن الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، الرافضة للميليشيات وللوجود الإيراني، والمطالبة برفع الوصاية الإيرانية عن القرار العراقي.
قراءة دقيقة للمشهد الدولي والمحلي وزعامة من نوع خاص
حالة الصمت النسبي، وعدم التدخل في قمع المظاهرات، التي اتبعها “سيستاني”، تكشف بحسب المحلل السياسي “فرج السامرائي”، عن قراءة دقيقة للمشهد والتوجهات الدولية والمحلية، لافتاً إلى أن المرجع “سيستاني”، أدرك مع وصول “مصطفى كاظمي” إلى الحكم في العراق، بأن مرحلة جديدة بدأت تتأسس في العراق، وأن النفوذ الإيراني بدأ بالتراجع.
ويعتبر “الكاظمي” من أشد أعداء الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، لا سيما وأن بعضها يتهمه بالضلوع في مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، “قاسم سليماني” ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، “أبو مهدي المهندس”، مطلع العام الجاري.
كما يوضح “السامرائي” أن “سيستاني” بدأ باستغلال كافة الظروف لصناعة زعامته الخاصة، من خلال الظهور بشكل لا يملك فيه أي أطماع سياسية، وربط خلافاته مع بقية ميليشيات الحشد الشعبي، برفض التدخل في السياسية والارتباط بالخارج، وهو ما يشكل لب مطالب المتظاهرين.
ولم يستبعد “السامرائي” أن تنجح جهد “سيستاني” في سحب جزء من البساط الشيعي العراقي من تحت الولي الفقيه، موضحاً أن مبعث ذلك يأتي من نقطتين، الأولى حالة التأني والتروي التي يتبعها المرجع الشيعي في تحركاته ومحاولة الغناء خارج سرب الميليشيات المدعومة من إيران، أما الثانية فهي الوضع الإيراني الداخلي وصحة المرشد ومسألة التوريث وصراعات السلطة، في الوقت الذي يبدو فيه تيار “سيستاني” أكثر استقراراً وأقل توتراً.
إن سألوك عن الميليشيات فقل “مات سليماني”
الصراعات ومحاولات الخروج عن العباءة الإيرانية ووصول “الكاظمي” واستمرار المظاهرات، كلها عوامل يرى فيها الباحث في الشؤون الإيرانية، “ملا رسولي”، مؤشرات على حجم الضربة، التي تلقاها النظام الإيراني بمقتل “سليماني” و”المهندس”، خاصةً من ناحية ضبط قادة الميليشيات العراقية.
ويلفت “رسولي” إلى أن ضعف “إسماعيل قاني”، خليفة “سليماني”، فتح المجال أمام حالة عدم انضباط وتفكك لدى قيادات الميليشيات، ما انعكس سلباً على لانفوذ الإيراني وقوة طهران في القرار العراقي، معتبراً أن موت “سليماني” كان أول المسامير في نعش المصالح الإيرانية في العراق.
اختيار “سليماني” للتصفية من قبل الولايات المتحدة، وكما يحلله “رسولي” لم يكن مجرد رسالة للنظام الإيراني، بأن لا أحد لديه حصانة من اللاغتيال، وإنما عكس إرادة أمريكية بضرب قلب النفوذ الإيراني في المنطقة، مضيفاً: “يبدو أن إدارة ترامب كانت دقيقة في اختياراتها ومسرح تنفيذ الاغتيال”.
أما عن “سيستاني”، فيشير “رسولي” إلى أنه يبحث عن زعامة في منطقة خارج إيران، وأنه حالياً يلقى قبولاً شعبياً بدرجة أكبر من المرجعيات المرتبطة في إيران، مشدداً على أن مشروع “سيستاني” لا يقتصر على الحدود العراقية، وإنما هو مشروع منافس تماماً على الزعامة الشيعية مع الولي الفقيه.