مع مرور الأيام الأولى من ولاية الرئيس الإيراني الجديد، “إبراهيم رئيسي”، بدأت التكهنات بالأولويات التي سيمنحها الرئيس المنبوذ “دولياً”، بحسب وصف بعض المحللين، أهمية ضمن عمله خلال السنوات الأربع المقبلة، خاصة مع ما تعانيه إيران من مشكلات داخلية وخارجية.
يشار إلى أن “رئيسي” أدى قبل أيامٍ قليلة، اليمين الدستورية رئيساً جديداً للبلاد، خلفاً للإصلاحي، “حسن روحاني”، وذلك في حفل تنصيب حضرته شخصيات ووفود مقربة ومدعومة من إيران بينها حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني وميليشيات الحوثي وحركة الوفاق البحرينية.
ليست بالسياسة ولا بالاقتصاد.. أولى مهام رئيسي وأهمها
يقول الخبير في الشأن الإيراني، “حسام يوسف” إن مهمة “رئيسي” الأساسية ستتمثل بجمع ما فرقته إدارة “روحاني”، في إشارة إلى حالة التشرذم، التي أصابت الميليشيات الموالية لإيران خلال العامين الماضيين، خاصةً بالنسبة للميليشيات العراقية وميليشيات الحوثي في اليمن، والتي طفت صراعاتها الداخلية إلى السطح خلال الفترة الماضية، على حد قوله.
ويلفت “يوسف” إلى أن تلك المهمة ترتبط بقدرة “رئيسي” على إيجاد “سليماني” جديد يتمكن من إعادة ضبط ملف الميليشيات والنفوذ الإيراني في المنطقة، على اعتبار أن تلك الشرذمة والصراعات تأثرت بشكل كبير بعد قتل قائد فيلق القدس، الذي كان يتولى إدارة تلك الميليشيات، بالإضافة إلى ضعف خلفه، “إسماعيل قأاني”.
كما يضيف “يوسف”: “حالة التصعيد العسكري التي تزامنت مع الساعات الأولى من حكم رئيسي، من خلال استهداف السفن في الخليج العربي، وتحرك حزب الله ضد إسرائيل، تكشف عن إيلاء رئيسي للملف العسكري وتصدير الأزمات مرتبة متقدمة في سياسته، وهذا يتطلب إعادة تنظيم جديدة وضبط كامل لحركة الميليشيات”، لافتاً إلى أن شخصية “رئيسي” صدامية ولا تؤمن بالحوار مع المجتمع الدولي.
في ذات السياق، يعتبر “يوسف” أن الحكومة الإيرانية الجديدة وبتوجيهات من المرشد ستعمل على استغلال سحب القوات الأمريكية من العراق، لإعادة ترتيب نفوذها وترسيخه داخل العراق، مشيراً إلى أن تلك الخطوة قد تتطلب أيضاً إعادة تنظيم الميليشيات العراقية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
أزمات غير موجودة
الحديث عن إمكانية لجوء الحكومة الإيرانية الجديدة إلى حلحلة الأزمات الداخلية وتهدئة الظروف في الداخل الإيراني كأولوية، يرى فيه المحلل السياسي، “عمرو عبد الدايم” أمراً غير وارد في ظل الفكر، الذي يملكه “رئيسي” المتورط بمئات أحكام الإعدام خلال فترة وجوده في السلك القضائي، لافتاً إلى أن النظام الإيراني لا يرى أي أزمة على الصعيد الداخلي إطلاقاً.
ويشير “عبد الدايم” إلى “وجود نحو 23 مليون عاطل عن العمل خلال 2020، ووصول الدولار إلى 24 ألف تومان ووجود نحو 50 بالمئة من الشعب الإيراني تحت خط الفقر، يمكن أن يمثل مشكلة لحكومة ديمقراطية تخشى الانتخابات، وليس لنظام شمولي ديكتاتوري كما حال النظام الإيراني”، لافتا إلى أنه حتى مع اندلاع الاحتجاجات أياً كان حجمها أو اتساعها، فإن المسألة لا تشكل أزمة للنظام الإيراني، في ظل وجود ما يسمى بـ “الباسيج” وهي القوة الأمنية الضاربة وشديدة الولاء للنظام.
الشيء الوحيد، الذي يمكن أن يمثل أزمة للنظام على الساحة الداخلية، بحسب ما يراه “عبد الدايم”، هو فقدان السيطرة على الأجهزة الأمنية والعسكرية، لافتاً إلى أن ذلك الأمر مستبعد تماماً في ظل الإعداد العقائدي وغسيل الدماغ، الذي يتعرض له منتسبي تلك الأجهزة قبل خوضهم في وظائفهم.
وعلى العكس، يشير “عبد الدايم” إلى أن حالة الفقر والجهل والبؤس تمثل مصلحة للنظام الإيراني، كونها تفقد الشعب لقوته وتشغله بقوت يومه المشبع بالخوف من القبضة الأمنية، مؤكداً على أن النظام الإيراني مصمم بشكل يصعب إسقاطه بمظاهرات سلمية أو احتجاجات، وإنما هو بحاجة تدخل عسكري وعمل مسلح حتى يفقد السلطة، وهو ما يدعم فرضية أن يمنح “رئيسي” أولويته إلى الملفات الخارجية والنفوذ في الإقليم والملف النووي والصاروخي، وعدم التوجه إلى الداخل، الذي يعتبره ساحة آمنة، على حد قول “عبد الدايم”.
رئيس استثنائي يسعى لتكرار التاريخ
تشدد الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، “فاطمة خليل” على ضرورة التعامل مع “رئيسي” بشكل استثنائي ومختلف عن سابقيه، لا سيما وأن طموحاته على المستوى الشخصي، تتجاوز بدرجة كبيرة، ملف العقوبات الاقتصادية والملف النووي، لافتةً إلى أن “رئيسي” مرشح بقوة لخلافة “خامنئي” في منصب الولي الفقيه.
وتقول “خليل”: “رئيسي يسعى لتكرار تجربة خامنئي، الذي كان يشغل منصب رئيس الجمهورية قبل أن يتولى منصب المرشد الأعلى، على إثر وفاة الخميني، وهذا يفرض عليه التعامل مع الملفات وترتيب الأولويات بشكل مختلف”، مشيرةً إلى أن “رئيسي” يعتبر الأن الساحة الداخلية الإيرانية مهيأة لتوليه هذا المنصب، كونه يمثل طبقة رجال الدين من جهة ويحظى بتأييد داخل المؤسسة العسكرية من جهة أخرى.
في ذات السياق، تبين “خليل” أن الرئيس الجديد ينظر بتخوف إلى الموقف الدولي حيال توليه منصب المرشد، الذي يعتبر المسير الفعلي للنظام، مشيرةً إلى أن عملية اغتيال “سليماني” من حيث شكلها وحجمها، أظهرت مدى استعداد الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات تصعيدية ضد النظام الإيراني.
كما ترفض “خليل” ربط خطر الاغتيالات ضد شخصيات إيرانية كبيرة بالرئيس الأمريكي السابق، “دونالد ترامب”، مؤكدةً أن مثل تلك القرارات يتخذها الرئيس بدرجتها النهائية ولكنها في الأساس مبنية على توصيات استخباراتية وآراء سياسية ودبلوماسية.
كل ما ذكر سابقا، يدفع “خليل” للتأكيد على أن “رئيسي” سيعمل على امتلاك أوراق ضغط في الإقليم وتحديداً في العراق ومياه الخليج ولبنان وسوريا وقطاع غزة، لتحويلها لأوراق ضغط ليس فقط في الملف النووي، وإنما أيضاً للضغط باتجاه عدم اتخاذ المجتمع الدولي أي خطوات تصعيدية ضد توليه منصب المستشار، الذي يسعى إليه، معتبرةً أن كل ذلك سيمر عبر المزيد من التصعيد العسكري في المنطقة.
يشار إلى أن “رئيسي” قد شدد خلال خطاب التصنيب على أن سياسته ستكون امتدادا لتعاليم مؤسس الجمهورية الإسلامية، “خميني”. كمان ما تم اعتماده من نهج في المنطقة وخاصة في سوريا وغزة لن يتغير وسيبقى على حاله.