يعتبر إعلان المعهد الوطني التونسي للإحصاء، والذي تضمن بيانات عن ارتفاع نسبة البطالة في البلاد مع نهاية العام الماضي، واحداً من أبرز المؤشرات على المشكلات التي يعني منها الاقتصاد والمواطن التونسيين على حد سواء، لا سيما وأن النسبة وصلت إلى 17.4 بالمئة من التونسيين في سن العمل.
كما يبين الإعلان تسارع وتيرة ارتفاع معدلات البطالة في تونس، حيث يشير إلى أن عدد العاطلين عن العمل خلال الربع الأخير من العام الماضي، إلى 725.1 ألف شخص، مقابل 676.6 ألف تم تسجيلهم في الربع الثالث من العام ذاته، لافتاً إلى أن نسبة البطالة لدى الذكور بلفت 14.4 بالمئة مقابل 24.9 في المئة لدى الإناث.
يشار إلى أن تونس شهدت خلال الأسابيع القليلة الماضية، خروج سلسلة من المظاهرات والاحتجاجات في عدد من مدن البلاد، احتجاجاً على سوء الاوضاع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتردي الحالة العامة وارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب، وذلك تزامناً مع إحياء الذكرى العاشرة لسقوط نظام الرئيس الراحل، “زين العابدين بن علي”.
أزمات السياسة في موازين الاقتصاد
على الرغم من مرور عقد كامل على سقوط النظام السابق، إلا أن تونس لم تتمكن من النهوض اقتصادياً، كما يقول المحلل الاقتصادي، “فادي شيبوب”، معتبراً أن الملف الاقتصادي والمعيشي كان أول ضحايا استمرار الأزمات السياسية، خاصةً وأن الصراعات السياسية الأخيرة في تونس، التي وصفها بالأشد، كانت سبباً مهماً بترسيخ أزمات الاقتصاد المحلي واقتصاد المواطن.
في السياق ذاته، يشير “شيبوب” إلى أن ملفات الفساد، التي ارتبطت بالاتفاقيات التجارية الداخلية منها او الخارجية أفقدت الدولة التونسية كميات كبيرة من الأموال، لافتاً إلى أن تلك الأموال كان من الممكن ان تساهم على الأقل في الحد من انزلاق الحالة المعيشية إلى ما هي عليه الآن.
يذكر أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، “نور الدين الطبوبي”، قد اتهم حركة النهضة ببيع الاقتصاد التونس لحليفتها حكومة العدالة والتنمية التركية.
إلى جانب ذلك، يشدد “شيبوب” على أن تفاقم الأزمات السياسية سيحد من آفاق الاستثمار في تونس، خاصة رؤوس الاموال الأجنبية التي قد تساهم في وقف عجلة البطالة، التي تجبر الشباب التونسي على الهجرة غير الشرعية ومخاطرة الرحيل عبر البحر، معتبراً أنه لا يمكن إصلاح الحالة الاقتصادية إلا من خلال إصلاحات سياسية تنهي حالة النزاع المسيطر على المشهد التونسي.
يذكر أن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كشف أن معدل المهاجرين التونسيين الذين وصلوا إلى السواحل الإيطالية خلال الصيف الماضي، وصل إلى نحو 100 مهاجر يوميا.
آثر كورونا يظهر والحكومات السابقة تحت المجهر
من جهته، يرى وزير التشغيل التونسي السابق، “فوزي بن عبدالرحمن” أن تفاقم نسبة البطالة ترتبط بتعطّل محركات التشغيل المدفوعة بالأزمة الصحية تبعا لتفشي جائحة كورونا، مضيفاً: “ضعف الدولة والاقتصاد المأزوم وصعوبات كبيرة لدى المؤسسات، أدى إلى ضعف معدلات التوظيف في الوظائف الحكومية، إلى جانب أن النمو الاقتصادي لا يحفز على التشغيل، وتعطل المبادرات الخاصة لعدم وجود مناخ إجرائي قانوني ومصرفي”، بحسب ما نقلته جريدة العرب.
يشار إلى ان السلطات التونسية قد اتخذت خلال العام الماضي، سلسلة من الإجراءات المشددة لمواجهة انتشار وباء كورونا المستجد كوفيد 19، لا سيما مع بداية ظهور الوباء في المنطقة في شهر آذار الماضي.
كما يبين “عبد الرحمن” أن أزمة كورونا ساهمت على الاقل في ارتفاع معدلات البطالة في تونس بنسبة 2 في المئة، ورفعتها من 15 إلى أكثر من 17 بالمئة، أي بنسبة 10 آلاف عاطل جديد عن العمل، على حد قوله.
من جهته يرفض المحلل الاقتصادي، “لسعيد مبروك” تحميل وباء كورونا مسؤولية الأزمة الاقتصادية والبطالة، معتبراً أن كورونا ظهر خلال أقل من عام، في حين أن أزمة البطالة وفقدان الوظائف والوضع المعيشي الصعب، ممتد منذ 10 سنوات، في إشارةٍ إلى تحميل الحكومات السابقة مسؤولية ما تشهده البلاد.
ويدعو “مبروك” إلى ضرورة تحميل المسؤولية للحكومات المتعاقبة منذ إسقاط النظام السابق وحتى اليوم، معتبراً أنها أهملت إى حد كبير احتياجات المواطن واقتصاده واحتياجاته المعيشية وانخرطت في لشأن السياسي وتجاذبات السياسة، مشدداً على أنه في حال استمرار الامور على ما عليه من أزمات سياسية فإن الاقتصاد سيستمر في الانهيار إلى حين قيام الثورة الثانية.
في السياق ذاته، يلفت “مبروك” إلى أن المطلوب من الحكومات القادمة أن تهتم أكثر بملفات الثروة التونسية خاصة الصناعات الكيماوية والفوسفات ورفع الكفاءة الانتاجية ودعم ملفات الزراعة والاستثمار، مشيراً إلى أن تلك الوسيلة الوحيدة، التي يمكن من خلالها إعادة النهوض للاقتصاد التونسي مجدداً.