يقول الكثيرون أن البلقان تبدأ من فيينا، إذ يمكن سماع لغات البلقان في كل مكان فيها. يشكل المهاجرون من رومانيا، بعد الألمان، أكبر مجموعة من الرعايا الأجانب في النمسا، ويتبعهم مهاجرو صربيا، ثم الأتراك، فالبوسنيون. أما الكرواتيون والبلغاريون والمقدونيون فهم أيضاً يشكلون مجتمعات كبيرة في المجتمع. تم تسجيل حوالي نصف مليون مهاجر يحملون جنسية إحدى دول البلقان في النمسا، وهنالك ما يقرب ربع إجمالي السكان من خلفية مهاجرة، والمجموعة الأكبر تأتي من جنوب شرق أوروبا، وبالتالي هذه نسبة عالية من المسلمين.
إن غالبية السكان في كوسوفو وألبانيا والبوسنة مسلمون منذ عدة سنوات، ويعتبر ذلك نتيجة متأخرة للحكم العثماني، أما في مقدونيا وبلغاريا، فتوجد أقليات مسلمة قوية، وكذلك في الجبل الأسود وصربيا.
كان منفذ الهجوم الذي وقع في الثاني من نوفمبر، من مواليد فيينا وينتمي والداه إلى أقلية جاءت إلى النمسا من مقدونيا الشمالية.
يشكل الألبان حوالي ربع سكان مقدونيا الشمالية، ومعظمهم من المسلمين.
يُعتبر الإسلام الممارس في البلقان ليبرالياً إلى حدّ ما، ومع ذلك، لم يعد من الممكن الإدلاء بهذا الرأي من دون تحفظ، بسبب وجود أقلية من الشباب في البلقان اتجهت نحو التطرف. ويمكن ملاحظة الاتجاه نحو التطرف منذ أكثر من عقد من الزمان، وهذا له تداعيات على النمسا أيضاً، فمجتمعات البلقان التي تعيش هناك مازالت على تواصل وثيق مع بلدانهم الأصلية. يقضي الكثير من الناس عطلاتهم الصيفية في الوطن مع عائلاتهم، كما يتم إحياء حفلات الزفاف بالطرق التقليدية المتبعة في البلدان الأصلية، حتى لو لم يكن العروسان مولودين هناك.
في المقابل، لدى المسلمين المتطرفين في البلقان صلات وثيقة بالحركات الإسلامية في سوريا وأجزاء أخرى من العالم، ومن المعروف أن العديد من الشباب المسلمين سافروا من البلقان إلى سوريا كجهاديين، ولقي الكثير منهم حتفهم هناك، بينما يشكل العائدون تحديات كبيرة لدول المنطقة.
وقد يكون تطرف الجاني في فيينا قد تطور في النمسا دونما أي صلة بمقدونيا الشمالية. من المعروف أن النمسا لديها مشكلة مع تهديدات الإرهاب، وينص تقرير حماية الدستور لعام 2018 على ما يلي: “بالنسبة للنمسا، لا يزال التهديد الأكبر يأتي من التطرف الإسلامي والإرهاب”.
في وقت مبكر من عام 2017، أحصت السلطات أكثر من 300 شخص انتقلوا إلى سوريا أو العراق كجهاديين، وقدر عدد التهديدات من الإسلاميين المتبقين في النمسا بنحو ألف. في هذه البيئة الخطرة، غالباً ما يكون المسلمون من البلقان الشيشان هم محور التركيز. في عام 2018، حُكم على مرساد أميروفيتش، الداعية الإسلامي من الأقلية المسلمة في صربيا الذي يحض على الكراهية، وقد جاء إلى النمسا عبر البوسنة، بالسجن لمدة عشرين عاماً، حيث أثبتت المحكمة أنه حرض شباباً في النمسا من أجل الانضمام إلى صفوف “الدولة الإسلامية” (داعش).
وقبل أربع سنوات، أثارت قضية فتاتين من فيينا من أصول بوسنية، أشارت إليها وسائل الإعلام الشعبية المحلية باسم “عرائس الجهاد” ضجة، حيث سافرت القاصران إلى سوريا عبر تركيا، وبحسب وسائل إعلام نمساوية، فقد كتبتا في رسائل وداع: “نحن ذاهبون إلى سوريا، نحن نحارب من أجل الإسلام، نراكم في الجنة.”
أما في عام 2015، أفادت السلطات الأمنية أن واحد من كل إرهابيين سافرا سوريا من النمسا أصله من الجالية الشيشانية التي تعيش في البلاد، وبحسب وزارة الداخلية في فيينا في ذلك الوقت كان 170 شخصاً قد انضموا بالفعل إلى الجهاد في سوريا.
ووفقاً للسلطات، في عام 2016 كان هناك حوالي 100 متطرف، بينما كان عدد سكان البلاد بالكاد مليوني نسمة، ثلثهم من المسلمين. وبسحب الشرطة المقدونية، يبدأ التطرف غالباً من المساجد غير النظامية أو الإنترنت، وتشكو السلطات الأمنية المقدونية منذ سنوات من نقص الموظفين والموارد اللازمة لمراقبة الوسط الإسلامي بشكل منهجي، وخاصة العائدين من بؤر الإرهاب.
فيما يتعلق بالهجوم الإرهابي في النمسا، قال المستشار النمساوي سيباستيان كورتس إن الأمر لا يتعلق بالصراع بين المسيحيين والمسلمين أو النمساويين والمهاجرين، بل يتعلق بـ “معركة بين العديد من الأشخاص الذين يؤمنون بالسلام والقلة الذين يريدون الحرب”. ومع ذلك، فإن هذا البيان لا يعفي الدولة النمساوية من مسؤوليتها في مراقبة التطرف في أوساط المهاجرين المسلمين عن كثب. وكان الصحفي النمساوي فلوريان كلينك الذي كان من أوائل الذين تواجدوا في مسرح الجريمة، قد أطلق بعض التساؤلات الملحة على تويتر: “كيف تمكن إسلامي معروف لديه سجل إجرامي أن يتصل بداعش؟ أين وكيف يمكنه الحصول على الأسلحة؟ “