عاد اسم مدينة البوكمال السورية من جديد إلى واجهة الأحداث، بعد أن ارتبط خلال الفترة الماضية بسلسلة غارات جوية شنتها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على القواعد الإيرانية فيها، لا سيما بعد مقتل قائد فيلق القدس الثوري الإيراني، العميد “قاسم سليماني”.
ارتباط البوكمال بعملية مقتل “سليماني”، جاء من كونها مثلت ملعباً للعمليات الانتقامية التي شنتها الولايات المتحدة ضد الميليشيات الإيرانية في المدينة، رداً على عمليات استهداف قواعدها العسكرية في العراق، والتي كان آخرها ليل أمس – الأربعاء، بعد أن استهدفت جهات “مجهولة” حتى الآن؛ قاعدة “التاجي” العراقية بـ 15 صاروخ، أسفرت عن مقتل جنديين وبريطاني.
وعلى الرغم من عدم تبني أي جهة للعملية، إلا أن الساعات القليلة، التي تبعت الهجوم شهدت هجوم جوي يعتقد أنه أمريكي على قاعدة الإمام علي، التي تتمركز فيها مجموعات ميليشيوية إيرانية، ما يشير إلى تحميل واشنطن مسؤولية الاعتداء على قاعدة التاجي، للحرس الثوري الإيراني والميليشيات المدعومة منه في العراق.
يبقى هنا السؤال المطروح، حول أسباب تركيز الطيران الأمريكي على مدينة البوكمال بشكل خاص، على الرغم من انتشار الميليشيات في الكثير من المناطق السورية الأخرى، وهو الأمر الذي فسره مسؤولون أمنيون ومحللون إسرائيليون، على أنه يمثل رغبة أمريكية بقطع خطوط الإمداد الممتدة من طهران إلى جنوب لبنان، عبر العراق وسوريا، والتي تمثل فيها مدينة البوكمال عقدة وصل أساسية، تعتمد عليها إيران في مد جسر التواصل بين ميليشياتها المنتشرة في الشرق الأوسط.
كما أشار المحللون الإسرائيليون، عقب مقتل “سليماني”، إلى أن العمليات الأمريكية يبدو أنها بدأت تستهدف الانتشار الإيراني في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً، لا سيما وأن “سليماني” كان المسؤول الأبرز عن ملف الميليشيات الإيرانية خارج الحدود الجغرافية، وخاصةً في سوريا، التي تولى الإشراف عليها بشكل شخصي ومباشر.
إلى جانب ذلك، تكمن أهمية مدينة البوكمال من الناحية الاستراتيجية، كونها تعتبر المنفذ الحدودي الأكثر قرباً إلى دمشق، على طريق إمداد استراتيجي، تستخدمه إيران لارسال التعزيزات إلى سوريا بانتظام، من العراق إلى لدعم قوات النظام السوري.
ويكشف ارتفاع عدد القتلى في الغارات الجوية، التي يعتقد أنها أمريكية على البوكمال، إلى 26 قتيلاً، عن توجه أمريكي جدي للرد بقوة على العدوان الذي طال قاعدة التاجي، في العراق، ما دفع مراقبين لاعتباره رسالةً من الإدارة الأمريكية للنظام الإيراني، تفيد بأن ردة فعل الجيش الأمريكي ستختلف تماماً عن ردة فعله السابقة على استهداف قاعدة عين الأسد في كانون الثاني الماضي، خاصة مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”، التي توعد خلالها بمحاسبة المسؤولين عن استهداف قاعدة التاجي العسكرية.
وكتب “بومبيو” على صفحته في تويتر: “لن يتم التسامح بشأن الهجوم القاتل الذي استهدف قاعدة التاجي”، مؤكداً أنه اتفق مع نظيره البريطاني “دومينيك راب” على ضرورة معاقبة الجهات التي تقف خلف الهجوم.
من جهتها، أعربت مؤسسة رئاسة الجمهورية العراقية، عن إدانتها للهجوم على قاعدة التاجي العسكرية، والذي وصفته بأنه اعتداء إرهابي، لا سيما وأنه استهدف قوات التحالف الدولي التي تعمل في العراق في نطاق محاربة الإرهاب بدعوة من الحكومة العراقية.
كما اعتبر بيان رئاسة الجمهورية أن الاعتداء يستهدف العراق وأمنه، مطالباً بإجراء تحقيقات كاملة للوقوف على خلفياته وتعقب العناصر المسؤولة عنه، داعياً كافة الأطراف إلى التهدئة ومنح الفرصة للحكومة العراقية للقيام بواجباتها الأمنية والسيادية.