تعددت الأنباء والتقارير التي تؤكد تكثيف القوات الأمريكية لتحركاتها العسكرية في العراق.. بين طلعات جوية وتحريك قوات ومعدات وتنقل بين المعسكرات في خطوة تحمل أبعادًا متداخلة في البلد الذي تحول إلى ساحة مواجهة شاملة بين النفوذين الأمريكي والإيراني ومكانًا لتصفية الحسابات تعددت مراحله وتداخلت أدواته والمؤشرات التي تعكس ذلك.
اليومين الماضيين شهدا أكبر تكثيف للتحركات العسكرية الأمريكية في العراق مع ازدياد الطلعات الجوية التي تشهدها سماء العراق اليوم الأربعاء المتوافق مع انتهاء مهلة ما أسمته الفصائل الشيعية الموالية لطهران للقوات الأجنبية بالخروج من البلاد.. لتفتح التحركات والطلعات الجوية الباب على مصراعيه حول احتمالين رئيسيين لا ثالث لهما.. إما أن واشنطن قرر المواجهة وعدم الاستجابة للضغوط ويدعم ذلك عديد من المؤشرات والتي بمقتضاها تكون إعادة الانتشار هي الحل الأنجع فتبعث الطلعات الجوية برسائل خاصة في هذا الخصوص؛ أو أن واشنطن ماضية في قرار سحب قواتها ما يعني أن الطلعات الجوية والتحركات العسكرية تصب في اتجاه تأمين ذلك الإنسحاب.. بعد أن أخلت القوات الأجنبية عددًا من القواعد في البلاد.
قاعدة جديدة.. المواجهة
في تقرير أمني نشرته صحيفة “أتلايار” الإسبانية قبل إسبوع وترجمه موقع عربي21، نجد فيه أنباء تخطيط الجيش الأمريكي لبناء قاعدة عسكرية جديدة غرب العراق، بهدف حماية المصالح الأمريكية من أي هجوم. بالإضافة لحماية قاعدة عين الأسد في الأراضي العراقية من التعرض لهجمات جديدة محتملة من إيران أو ميليشياتها العراقية، خاصة قوات الحشد الشعبي.
التقرير أكد – حسب أحد المصادر الأمنية – أنه سيجري نشر أنظمة دفاع مضادة للطائرات من طراز باتريوت الرائدة في الدفاع الأمريكي، بمجرد بناء هذه القاعدة التي ستكون شمال حي البغدادي في مدينة هيت في منطقة أم سميج في محافظة الأنبار، بالقرب من الحدود مع سوريا.
وأوضحت الصحيفة في تقريرها أن بعض المصادر اعتبرت أن “تحديد موقع لنشر نظام صواريخ باتريوت يعد سابقة هي الأولى من نوعها في العراق. وتدل هذه الإجراءات على نية القوات الأمريكية البقاء في قواعدها الغربية في العراق لفترة طويلة”. وقد تزامنت هذه التقارير مع التحركات الأخيرة للقوات الأمريكية في البلاد
بين الإخلاء وإعادة الانتشار
قامت قوات التحالف بعدة عمليات إخلاء من قواعدها في العراق خلال الفترة الماضية، والتي بررها مسؤولون أمريكيون بأنها تأتي على خلفية انتشار وباء “كورونا” في العراق والعالم الأمر الذي يمكن توصيفه بأنه ذريعة ومحرك لمثل تلك التحركات، أما السبب الضمني الأهم – في العراق تحديدًا – لإعادة نشر القوات في أقل عدد من القواعد؛ تأمين حمايتها من هجمات “محتملة” من القوات الحليفة لإيران.
في الـ 19 من مارس / آذار نقلت قوات التحالف المسؤولية عن قاعدة عسكرية أقامتها بمنطقة القائم على الحدود مع سوريا عام 2018، إلى القوات الأمنية العراقية، وهي القاعدة الأولى بين عدة قواعد تتحدث وسائل إعلام عن نية واشنطن تسليمها للقوات العراقية، لتقليل وجودها العسكري بالعراق.
تمتلك واشنطن تواجدًا عسكريًا في نحو 14 قاعدة جوية ومعسكرًا بمناطق مختلفة من شمال وغرب بغداد، وفي إقليم شمال العراق، من أهمها التاجي (30 كم شمال بغداد) وبلد (80 كم شمال بغداد)، والنصر قرب مطار بغداد الدولي، والتقدم وعين الأسد في الأنبار (غرب)، والقيارة بمحافظة صلاح الدين (شمال)، والقصور الرئاسية بمركز مدينة الموصل (شمال)، وقاعدة حرير في أربيل (شمال).
أما عديد الجنود الأمريكيين فلا يمكن إحصاؤه بدقة بعد مغادرة المئات منهم بسبب وباء “كورونا”، لكن يتواجد نحو 8000 جندي أجنبي، بينهم 5200 أمريكي، وفق أرقام رسمية، في الوقت الذي تقول مصادر (غير رسمية) إن العدد الحقيقي يتجاوز 16000 جندي.
من المقرر أن تُسلم تلك القوات مواقعها في القصور الرئاسية بالموصل، في الـ من 4 أبريل / نيسان المقبل، بعد أن سلمت رسميًا قاعدة القيارة الجوية (60 كم جنوب الموصل)، في 26 مارس/آذار، وقاعدة “K1” بمحافظة كركوك (شمال)، في 29 مارس/آذار.. وفقًا لمسؤولين عراقيين،
كما وسيغادر المئات من المدربين “مؤقتًا” لحمايتهم من “كورونا”، حسب المتحدث باسم التحالف الدولي، مايلز كارينز.
أما المتبقي من قوات التحالف والقوات الأمريكية.. يتوقع أن تنتقل من القواعد والمعسكرات التي أخلتها إلى قواعد رئيسية أكثر أمنًا بمحافظتي صلاح الدين والأنبار.
إيران.. الغاضب المهدد
اعتبر عباس موسوي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن تحركات الجيش الأمريكي في العراق، تختلف مع المطالب الرسمية المعلنة للحكومة العراقية كما وتتعارض مع موقف البرلمان والشعب العراقي – وفقًا لموسوي – ليلمح أن ذلك يمكن أن يجر المنطقة إلى التوتر ويسوقها إلى ظروف كارثية. في نبرة حملة تحديًا واضحًا مخلوطًا بتخوف ضمني من مجمل التغيرات الأخيرة
واليوم الأربعاء وفي معرض تعليقه على التحركات العسكرية الأمريكية في العراق قال موسوي: “في الوقت الذي يؤكد فيه الأمين العام للأمم المتحدة والمجتمع الدولي على وقف الإجراءات المستفزة والمثيرة للحروب في ظل انتشار فيروس كورونا، تأتي هذه التحركات الأمريكية خلافا للموقف الرسمي للحكومة العراقية ولبرلمان وشعب العراق، الأمر الذي يثير التوتر ويقود المنطقة لحالة من عدم الاستقرار ويخلق ظروفا كارثية”.
ليطالب مسؤول الخارجية الإيرانية، القوات الأمريكية باحترام إرادة الحكومة العراقية والشعب العراقي الداعية إلى انسحاب هذه القوات من البلاد والامتناع عن تأجيج التوتر في المنطقة.
الخطط الإيرانية والمشهد الحالي
الرأي المضاد يعتبر أن إعادة انتشار قوات التحالف الدولي في ثلاث قواعد رئيسية بالعراق من شأنه أن يعطي مساحة أكبر للقوات الحليفة لإيران لشن هجمات أكثر عنفًا على تلك القواعد، حيث تتبنى القيادات الإيرانية في الحرس الثوري تكتيكًا يقود إلى إيقاع المزيد من الخسائر في أرواح الجنود الأمريكيين، لإرغام الإدارة الأمريكية على سحب قواتها.
وبينما تحاول إيران استخدام القوات الحليفة لها لإجبار القوات الأمريكية على الانسحاب من العراق، تتمسك الولايات المتحدة بعدم الانسحاب، واتخاذ العراق منطلقًا للعمل على تحجيم النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.
بدورها الميليشيات العراقية الحليفة لإيران تخشى من أنشطة “مشبوهة” من جانب الولايات المتحدة تُعتبر مقدمة لعملية عسكرية تستهدفها، حيث تستغل واشنطن انشغال تلك القوات بمواجهة تفشي “كورونا”، وفق ما ذكره بيان لكتائب “حزب الله” العراق.
ويمكن أن يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من العراق عسكريًا وسياسيًا إلى توسيع نفوذ إيران وقدرات القوات الحليفة لها في العراق والمنطقة، مع احتمالات مرجحة لتوسيع هجماتها المباشرة أو عبر القوات الحليفة لها، الحشد الشعبي العراقي وجماعة الحوثي اليمنية، على البنية التحتية للطاقة في السعودية ودول أخرى، ما يصب باتجاه زيادة حدة التوترات في المنطقة، وينعكس سلبًا على الاقتصاد العالمي، وهو ما تحاول الولايات المتحدة منعه بوسائل شتى.
وهناك ثمّة خشية من أن اللجوء إلى خيارات نزع أسلحة القوات الحليفة لإيران “قسرًا” واستصدار قرارات حكومية بحل تشكيلاتها، قد يدفعها إلى فرض سيطرتها على العاصمة ومحافظات عراقية أخرى، في تكرارٍ لتجربة سيطرة جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، على العاصمة اليمنية صنعاء، خريف 2014، وبالتالي دخول البلاد في نزاع مسلح داخلي جديد.