رضاب نهار لموقع اندبندنت عربية
يشكل الإخوان المسلمون في فرنسا خطراً ليس على بنية المجتمع وحدها، وإنما على نظام الحكم أيضاً. إنهم يتسللون إلى جميع القطاعات والمؤسسات الطلابية والتعليمية، والطبية، والسياسية والتنفيذية وغيرها، بهدف تقسيم المجتمع الفرنسي كخطوة يقومون بها بالتوازي مع خطوات أخرى تسعى إلى تفكيك المجتمعات الأوروبية بأكملها.
هذا ما يتحدث عنه ويؤكده الصحافي المخرج الفرنسي من أصل جزائري محمد سيفاوي في كتابه الأخير “التقية” الصادر باللغة الفرنسية عن دار L`observatoire في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، يوضح بالاستناد إلى عدد من المعطيات والأدلة، أن التنظيم الإخواني يتلاعب بالدولة الفرنسية من خلال اختراقه للانتخابات البلدية وفق خطط محكمة.
نتيجة تحقيق طويل استغرق عدة سنوات، ومراقبة لتطور الإسلام السياسي في المجتمع الفرنسي، يحاول سيفاوي في صفحات كتابه، أن يجيب عن عدة أسئلة جوهرية طرحها بنفسه، من هم هؤلاء الإسلاميون؟ ومن أين أتت أيديولوجيتهم بما تحمله من ضرر وخطورة مدمرة للأمم والشعوب؟ وكيف استطاعوا أن يتحكموا بمفاصل الحكم في المجتمع الفرنسي، وأن يتلاعبوا بعقول بعض أبنائه؟ وأخيراً كيف نستطيع مواجهة المد الإخواني داخل الدولة والمجتمع في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية؟
إستراتيجية اللعبة المزدوجة
في مقدمته يبين سيفاوي أن مفردة “التقية” باللغة العربية التي استخدمها عنواناً لكتابه الفرنسي، تعني حرفياً “الحذر” أو “الخوف من إظهار ما في داخل الإنسان من معتقد وغيره للآخرين من أجل حماية النفس”. إنه يشير بها إلى لعبة الإخوان في تجنيد الأتباع، وضرب نواة المجتمع الفرنسي. ففي البداية يعرّفون أنفسهم ضمن الشرائح المجتمعية بأنهم مسلمون وسطيون، ينتهجون الدين المعتدل ويسعون إلى التعايش مع بقية الأديان بسلام ويحترمون اختلاف الآراء والأفكار. وما أن يصلوا إلى العقول ويتمكنوا من نفوس أصحابها، تبدأ مرحلة إظهار نواياهم الحقيقية من أجل تحقيق الأهداف الكبرى.
في كل مرحلة، يقومون بإغواء الأشخاص المستهدفين، ثم إيعاظهم وتبشيرهم إلى أن ينضموا إليهم. وهم يتخذون من الفرد نواة مشروعهم، إذ يجب تلقين كل فرد وتجنيده، وهذا يتطلب إنشاء عديد من الجمعيات بما فيها الرياضية والثقافية، من أجل الوصول إلى كل الشرائح الاجتماعية، الرجال والنساء بكافة فئاتهم، رجال أعمال، وطلاب، وعاطلين من العمل، وموظفين بسيطين، ورياضيين وغير ذلك.
إذاً، يجب أن يبدأ كل شيء من الفرد قبل أن يُعرض على المجتمع بأسره. ويُقصد هنا، ليس الفرد الرجل فقط، على الرغم من أنه الأساس في المجتمع الأبوي الإسلامي، إنما الفرد المرأة أيضاً. وللوصول إلى الفرد الأنثوي، كان من الضروري إنشاء “نسوية” إسلامية لمزيد من التلاعب بوسائل الإعلام، الأمر الذي يظهر المرأة المسلمة والمحجبة تحديداً، قادرة على الاندماج والتفاعل في المجتمعات الغربية. مع العلم أنهم ينفقون كثيراً من المال على عدد من المؤثّرين الذين يستخدمونهم لإقناع الناس بأفكارهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
يستحضر سيفاوي عند النقطة السابقة، واحدة من أهم وصفات مؤسس التنظيم الإخواني ومرشده الأول حسن البنا، أو ما أسماها بـ”إستراتيجية التسلل للإخوان المسلمين”، حيث وجّه البنا أنهم يريدون فرداً مسلماً وأسرة مسلمة في إيمانها وأخلاقها ومشاعرها وعملها وسلوكها. لذا هم يولون نفس الأهمية للأسرة كما للفرد، ويركزون على تنشئة الطفولة مثلما يركزون على تنشئة الأطفال.
ويقتبس من قول البنا التالي، “نريد إذاً شعباً مسلماً (…) لذلك سنعمل على مد دعوتنا إلى كل البيوت، لإسماع صوتنا في كل مكان، لتسهيل فهم فكرنا ليخترق كل القرى، كل الخيام وكل البلدات. والمراكز والمدن الكبرى والعواصم. نحن لا ندخر جهداً في هذا الأمر، ولا نترك وراءنا أي وسيلة إلا ونجعلها تحت تصرفنا”.
“الإسلاموفوبيا” إنجاز إخواني بامتياز!
منذ أن ولد تنظيم الإخوان في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، تم السعي إلى تفعيل شبكة عنكبوتية تعتمد على الدعوة والوعظ الديني، وبإمكانها أن تطال المجتمعات الأخرى. وفي الفترة ما بين خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين هاجر أبناء البنا إلى أوروبا وتحديداً إلى سويسرا، أخذت خيوط الشبكة تنتشر وتمتد داخل المجتمعات الأوروبية.
طيلة عقود، هاجم الإخوان قيم الجمهورية في فرنسا. وعملوا وما زالوا يعملون بصبر وثبات للتأثير على القرارات السياسية. يضعون أنفسهم كمحاربين أشداء للسلطات العامة، وكممثلين حصريين للمجتمع الإسلامي، سعياً وراء توحيده تحت رايتهم وقواعدهم وحدهم. لقد استغلوا الديمقراطية الفرنسية لفرض أيديولوجيتهم الشمولية والتغلغل في مفاصل الحكم. كما عززوا مصطلح “الإسلاموفوبيا” كثيراً بهدف تغذية الكراهية واللعب على حقوق الأقليات واضطهاد الآخر، رغبةً منهم بتفكيك المجتمع الفرنسي.
استثمر الإخوان في فرنسا الجمعيات المناهضة للعنصرية واخترقوا المجالس البلدية، ووصلوا إلى المسؤولين المنتخبين والأكاديميين والصحافيين باتباع إستراتيجية اللعبة المزدوجة التي تتصف بالكذب. بالإضافة إلى أنهم طوروا اقتصادات قوية بنشرهم لسوق الحلال الذي يلاقي رواجاً من كل المسلمين في فرنسا.
ويقول، “جماعة الإخوان المسلمين معادية للإطار الديمقراطي. إنهم يقاومون روح وجسد الديمقراطية، حتى لو كان بإمكانهم أحياناً استغلال العمليات الانتخابية كأداة، عندما يأملون جني بعض الفوائد منها. وعلى الرغم من أن ممثليها يدعون عكس ذلك، فإن الحقائق موجودة تظهر أن أيديولوجيتهم تمثل عدواً معلناً للقيم العالمية”.
ويبين “التقية” أن الإخوان المسلمين لا يسعون للاستيلاء على هرم السلطة الفرنسي، فهذا أمر لا يتجاوز إمكاناتهم فحسب، بل إنه مستحيل ولا يمكن تحقيقه وهم يعرفون ذلك. إنهم وببساطة (حسب رأيه) وكما هو الواقع، يتغلغلون في الجاليات العربية والمسلمة في فرنسا، وينشرون أفكارهم بين أبنائها ليشكلوا قاعدتهم الخاصة. حتى أنهم قد سيطروا على مقاعد في بلديات فرنسية عدة، وتحديداً في منطقة Ile de france المحيطة بالعاصمة باريس، الأمر الذي يمكنهم من التلاعب بقرارات الحكم عن بعد.
الجهل الإعلامي نصير الإخوان في المجتمع الفرنسي
في إطار استعراض سياسات الإخوان المسلمين، وفهم خططهم، يؤكد سيفاوي على ضرورة الاعتراف بذكائهم الشديد، الذي يسمى دهاءً في مثل هذه الحالات. لقد جعلوا أنفسهم ممثلين في الواجهات السياسية والإعلامية الفرنسية من قبل أشخاص متعلمين ومتدربين سياسياً وفكرياً وأيديولوجياً، لا تنقصهم الثقافة ولا القدرة على الإقناع والتلاعب.
ويحذر سيفاوي من أنهم يجندون المختصين منهم في وسائل الإعلام وفي الحياة الثقافية ومجالس الإدارات المحلية، من أجل الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة. لذا تجدهم يستثمرون في المجال الإنساني والاجتماعي للتمويه أولاً، ولتحقيق أهدافهم ثانياً. ويتم تدريب هؤلاء الممثلين ليكونوا أكثر قدرة ووعياً من الصحافة التي تواجههم بالأسئلة والحوارات حول واقع الإسلام في أوروبا.
تمكن الإخوان المسلمون من أن يصبحوا مألوفين في المشهد الإعلامي الفرنسي. لقد نجحت بعض شخصياتهم بإقامة علاقات صداقة قوية مع بعض الصحافيين، الذين وجدوا في الإخوان مثالاً جيداً للإسلام وربما مصلحاً ومعتدلاً، حيث شذبوا لحاهم وارتدوا ملابس عصرية وأنيقة تختلف عن تلك النمطية التي يعرف بها المتشددون من المسلمين.
وهنا يقول سيفاوي، “كصحافي يجب أن تكون قادراً على تصحيح مقولاتهم، أو تناقض ادعاءاتهم عندما يطرحون حقائق خاطئة”. مبيناً أن أكثر ما لعب دوراً في تبييض صورة الإخوان المسلمين إعلامياً، هو جهل معظم الصحافيين بواقع الحركة الإسلامية، وبتاريخ التنظيم الإخواني وبقضايا الشرق الأوسط والتحديات التي تواجه المجتمعات المغاربية في فرنسا.
رأي أخير..
هي ربما مفارقة غريبة أن الإخوان، وبينما ما يزالون ينجحون في التأثير والانتشار في الدول الأوروبية والغربية، يخسرون شعبيتهم وسطوتهم في العالمين العربي والإسلامي، وتحديداً بعد تكشف سياساتهم خلال ما يسمى بالربيع العربي. الأمر الذي ينبغي العمل عليه في فرنسا وكل أوروبا، ثقافياً وإعلامياً وفكرياً.
وكخلاصة أخيرة، يرى سيفاوي في خاتمة كتابه، أن الفرنسيين، مهما اختلفوا في الرأي في ما بينهم، يجب ألا يساوموا أبداً على الإطار الجمهوري. إن روح الجمهورية غير قابلة أبداً للتفاوض. الديمقراطية، ثم العلمانية وأخيراً المساواة هي أساسات المجتمع الفرنسي التي تستطيع أن تدحض الفكر الإخواني.
كيف يردّ الأخوان على الاتهامات؟
هجوم سيفاوي على الإخوان المسلمين في فرنسا، ليس جديداً، فأصابع الاتهامات المباشرة أو المبطنة نحو سياسات الجماعة وغيرها من الجماعات الإسلامية المتهمة بالتطرف، كثيرة داخل المجتمع الفرنسي. كان آخرها تصريح الرئيس إيمانويل ماكرون يوم الجمعة 2 أكتوبر (تشرين الأول) عندما تحدّث عن خطة لمواجهة “الانعزالية الإسلامية” على الأراضي الفرنسية، كإشارة منه لبعض الممارسات التي تحول دون اندماج مسلمي فرنسا داخل المجتمع الفرنسي بهدف خلق نظام موازٍ وإنكار قيم الجمهورية.
وقد انتقد إبراهيم منير الذي يشغل منصب المرشد الأعلى المؤقت للأخوان المسلمين والمتحدث باسم التنظيم في أوروبا، هذه التصريحات في رسالة وجهها للرئيس ماكرون، حدث وأن تناقلتها وسائل الإعلام في فرنسا بعد أن تمت ترجمتها إلى اللغة الفرنسية.
في رسالته، دعا منير إلى تصحيح وجهة النظر الخاطئة عن الإسلام والجماعة، مطالباً ماكرون باحترام مشاعر أكثر من ملياري مسلم عند الحديث عن دينهم. وأشار إلى أن فكر جماعة الإخوان المسلمين النابع من دينها، استطاع أن يواجه ما أسماه بـ “تجاوزات” بعض الأنظمة التي تتعمد جعلهم يتخلون عنه بطرق غير قانونية وغير إنسانية بهدف التشويه.
وأكّد أن أفراد جماعة الأخوان المسلمين والمؤمنون بفكرها يلتزمون بالمواطنة وحقوقها في أي دولة يتواجدون على أرضها، كما أنهم يحترمون قوانينها باعتبارها أساساً للعيش.
وقال: “من واجبات هذا الفكر ليس فقط هذا الالتزام وإنما أيضاً الحفاظ على أمن هذه الدولة باعتبار أن من يحمل هذا الفكر أصبح واحداً من شعبها”.