مع اقتراب الذكرى العاشرة لثورتها، وحديث المجتمع الدولي عن حل سياسي لإعادة إعمار سوريا، يبدو مستحيلا مع تعنت نظام الأسد، توالت التقارير الدولية كاشفة عن أرقام مرعبة عن تكلفة العشر العجاف وما سيليها، من ثمن وصف بالباهظ جدا.
تقرير حمل عنوان “ثمن باهظ جدا سيدُفع” أعدته منظمة الرؤية العالمية، العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية، وشركة فرونتير إيكونوميكس، كشف عن فداحة الخسائر البشرية والاقتصادية للصراع السوري.
وفق التقرير فقد حصدت الحرب أرواح قرابة 600 ألف سوري، علما أن من بين هؤلاء القتلى، عشرات الآلاف من الأطفال، كما تسبب القتال في نزوح ولجوء نحو 12 مليون شخص داخل وخارج سوريا، وهو رقم يعادل نصف سكان البلاد.
وعمّقت العديد من العوامل والقرارات الدولية من معاناة السوريين في الداخل مثل “قانون قيصر”، الذي ينص على تجميد مساعدات إعادة الإعمار وحظر تصدير أي سلع إلى سوريا أو الاستثمار فيها، هذا إلى جانب الصفقات التي تشمل منتجات النفط والغاز.
يشار أن الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترامب” كان قد وقع على قانون قيصر في يناير 2020، وأصبح نافذا في يونيو من العام نفسه.
تكلفة مستحيلة..
قدر تقرير منظمة الرؤية الكلفة الاقتصادية للصراع بنحو تريليون و200 مليار دولار، وهو ما يعادل ميزانية دول الاتحاد الأوروبي بأكمله لمدة عشر سنوات.
وحتى بفرض توقف الحرب الآن في سوريا، فإن كلفة التداعيات الاقتصادية التراكمية لها سوف تصل إلى تريليون و400 مليار دولار حتى العام 2035، وإذا أضيفت التأثيرات السلبية على صحة الأطفال وانقطاعهم عن التعليم، سوف ترتفع هذه الكلفة إلى مليار و700 مليار دولار.
هذه الخسائر الضخمة، لم تقابلها مساعدات إنسانية كافية، فإجمالي المساعدات خلال أعوام الثورة العشرة بلغت 19 مليار و400 مليون دولار فقط، وهو يعادل 1.6 بالمئة فقط من إجمالي الخسائر.
يذكر أن تقديرات نشرتها الأمم المتحدة في تقرير صدر في سبتمبر 2020 كشفت أن إجمالي الخسائر المالية للاقتصاد السوري بعد ثماني سنوات فقط من الحرب وصلت إلى 442 مليار دولار.
كارثة الأطفال..
إلى جانب الخسائر في الأرواح، فقد حرم ملايين الأطفال وفق تقرير منظمة الرؤية العالمية من التعليم والسكن الأمن والرعاية الصحية، ومن أسرهم.
وانخفض متوسط أعمار الأطفال السوريين بمقدار 13 سنة عن معدلات الأعمار المعتادة، كما تراجع معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية بمقدار 21 بالمئة، وبالمدارس الثانوية بمقدار 28 في المئة.
هذا ما اكدته منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” اليوم الخميس في تقرير لها، معلنة حاجتها لمبلغ 1.4 مليار دولار كي تتمكن من مساعدة الأطفال داخل سوريا وفي دول الجوار في عام 2021، لافتةً إلى أن 90 بالمئة من الأطفال السوريين بحاجة حاليا إلى مساعدات إنسانية، داعيةً المجتمع الدولي لمساعدتها على تامين حاجاتها المالية.
تقرير الوكالة الأممية “يونيسف” كشف أن الحرب أسفرت عن حوالي 12 ألف طفل بين قتيل وجريح، مشيرة إلى ان حياة ومستقبل جيل من الأطفال معلق، فيما لا يزال وضع العديد من الأطفال والعائلات محفوفا بالمخاطر.
وقالت “هنرييتا فور” المديرة التنفيذية لليونيسف “لا يمكن أن تمر هذه الذكرى كمجرد معلم قاتم آخر يمر مرور الكرام على نظر العالم، بينما يستمر كفاح الأطفال والعائلات في سوريا”، مضيفة “لا يمكن للاحتياجات الإنسانية أن تنتظر. ينبغي على المجتمع الدولي أن يبذل قصارى جهده لإحلال السلام في سوريا وحشد الدعم للأطفال”.
وفق تقرير اليونسيف، تسببت الحرب في معاناة أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخمس سنوات في سوريا من التقزُّم نتيجة سوء التغذية المزمن.
وأضافت الوكالة أن حوالي 2.45 مليون طفل في سوريا و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة، 40 في المئة منهم من الفتيات.
خسائر فادحة للشباب..
اللجنة الدولية للصليب الأحمر من جهتها قالت إن شباب سوريا تكبدوا خسائر شخصية فادحة ولا يزال يقع على عاتقهم مهمة إعادة إعمار بلد أكثر من 70 بالمئة من بنيته التحتية مدمر.
وسلط مسح جديد للجنة، شمل 1400 سوري يعيشون في سوريا ولبنان وألمانيا، الضوء على الثمن الذي دفعه شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما خلال الحرب التي حصدت أرواح مئات الآلاف وشردت الملايين وألحقت الدمار والخراب بالمدارس والمستشفيات.
” فابريزيو كاربوني”، المدير الإقليمي للشرق الأوسط باللجنة، قال لوسائل إعلام إن “إحدى النتائج الصادمة لهذا المسح أننا اكتشفنا أن 50 في المئة من السوريين فقدوا إما أصدقاء أو أحد أفراد عائلاتهم… واحد من بين كل ستة سوريين فقد أحد والديه أو تعرض أحدهما لإصابة”، وأضاف في مقابلة أجريت معه بمقر اللجنة أن “إعادة بناء البلد ستقع على عاتقهم وهذا أمر غير عادل تماما”.
مسح الصليب الأحمر أظهر أن ما يقرب من نصف الشباب السوري فقدوا دخلهم بسبب الصراع وقال نحو ثمانية من كل عشرة إنهم يواجهون صعوبات من أجل توفير الطعام والضروريات الأخرى.
المرأة في مهب الريح..
في السنوات العشر الماضية، تظهر المرأة السورية في وضع لا تحسد عليه بين فقدان العائل وفلذات الأكباد من موت وهجرة، ومعاناة تمثلت بالنزوح واللجوء، إضافة إلى استغلال وانقطاع مبكر عن التعليم، بسبب الحرب الذي شنها نظام الأسد على شعبه.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر قالت “تعرضت النساء على وجه الخصوص لضربة اقتصادية شديدة حيث أفاد نحو 30 في المئة في سوريا بعدم وجود دخل على الإطلاق لإعانة أسرهن”.
ووفق إحصائيات الأمم المتحدة واجهت 82 في المائة من النساء تحديات من حيث النقل ووجود مرافق للأطفال، وواجهت 55 بالمئة مشكلات متعلقة بانعدام الأمن بينما واجهت 43 بالمئة تحديات متعلقة بظروف العمل، والالتزامات العائلية بنسبة 39 في المائة، والعادات الاجتماعية والثقافية بنسبة 30 في المائة.
وكان صندوق الأمم المتحدة للسكان حذر في وقت سابق هذا العام، من تدهور أوضاع النساء والفتيات المحاصرات في سوريا، خاصة شمال غرب البلاد، حيث تسببت الأعمال العدائية في نزوح جماعي ومعاناة بشرية وأضرار بالمرافق المدنية.
الصندوق قال في تقرير له مؤخرا “النساء والفتيات يتحملن وطأة هذه الأزمة، ويكافحن من أجل البقاء ورعاية الأطفال المصابين بصدمات، حيث يقدر عدد النازحين بنحو 960.000 شخص 80 بالمئة منهم من النساء والأطفال”.
الجدير بالذكر ان منظمات حقوقية قالت إنه ومنذ عشر سنوات على الثورة السورية استشهدت قرابة 14 ألف سيدة فوق سن الثامنة عشر، غالبيتهم قتلوا على يد نظام الأسد، إضافة إلى توثيق أكثر من 150 ألف امرأة حصيلة حالات الاحتجاز التَّعسفي والتعذيب.