نفذ الجيش الجزائري، خلال هذا الشهر عدة عمليات عسكرية واسعة واستباقية لازالت متواصلة ضد معاقل فلول تنظيم القاعدة الإرهابي شرقي البلاد، وتمكن من تصفية العديد من الإرهابيين بمرتفعات البلاد.
وحسب خبراء أمنيون فان العمليات العسكرية الأخيرة تعتبر ضربة قاصمة لما يعرف بـ”تنظيم القاعدة ببلاد المغرب” الإرهابي الذي بدأ نشاطه من الجزائر سنة 2006، بعد مبايعة “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الإرهابية لتنظيم القاعدة الأم.
مثلث الموت
ويواصل الجيش الجزائري حربه ضد الإرهاب الذي ينشط على أراضي الجزائر، منذ تسعينات القرن الماضي. حيث تنشط الجماعات الإرهابية وتتوزع في عدة مناطق. وتتحصن بالاساس في المناطق الجزائرية الجبلية على غرار جيجل وسكيكدة وتبسة وباتنة وام البواقي. اما الجماعات الأخطر، فموجودة في محافظات تيزيوزو وبو مرداس والبويرة. وفي وسط البلاد، شكلت المجموعات الإرهابية ما سمي منذ تسعينيات القرن الماضي بـ”العشرية السوداء” بـ”ثاني مثلث الموت” المحيط بالعاصمة، والذي يشمل ولايات المدية والبليدة وعين الدفلى، حيث ارتكبت أبشع مجازر الإرهابيين ضد المدنيين العزل. كما امتد نشاط الجماعات الإرهابية مع بداية الألفية الجديدة إلى جنوب الجزائر، خصوصاً عبر الحدود مع دولتي النيجر ومالي، قبل أن يعود للتمدد باتجاه الحدود الليبية. وتفيد تقارير متعددة بتورط إرهابيين من جنسية جزائرية منتمين لتنظيم “القاعدة ببلاد المغرب” في عمليات خطف لأجانب في الجزائر ومنطقة الساحل، مقابل حصولهم على فديات بمبالغ ضخمة من بعض الدول الغربية
وتتهم السلطات الجزائرية، جهات اجنبية بالوقوف وراء تمويل تلك الجماعات الإرهابية ماليا وعسكريا للانتشار في البلاد واحداث الفوضى وتنفيذ مخططات اغتيال وتخريب.
وفي العقد الأخير وخصوصاً بعد الاعتداء الإرهابي على منشأة “تيغنتورين” الغازية بمنطقة “عين أميناس” جنوب البلاد الذي تبناه تنظيم القاعدة، كثف الجيش الجزائري عملياته العسكرية ضد معاقل فلول التنظيمات الإرهابية وفق استراتيجية أمنية جديدة مبنية على العمليات الاستباقية، أسفرت عن القضاء على عشرات الإرهابيين. وتمكنت الجزائر من إلحاق خسائر فادحة في صفوف المجموعات الإرهابية المتوزعة على عدة مناطق.
ولداعش نصيب من الحرب
أما فيما يتعلق بتنظيم داعش الإرهابي، فقد برز للمرة الأولى بالجزائر في سبتمبر 2014، اثر قيام جماعة إرهابية أطلقت على نفسها “جند الخلافة” بخطف وذبح المواطن الفرنسي “إيرفي غورديل” بمرتفعات ولاية تيزيوزو، بعد أيام من مبايعتها داعش.
وبدأ نشاط “جند الخلافة” بـ15 إرهابياً قادهم الإرهابي “عبد المالك قوري” المكني بـ”خالد أبو سليمان”، واختار معقل تنظيم القاعدة للإعلان عن أول عملية إرهابية لداعش بالجزائر، وكان ذلك بما يوصف أمنياً بـ”مثلث الموت” التي يضم ملتقى 3 محافظات وهي “تيزيوزو وبومرداس والبويرة”.
وكان الإرهابي “قوري” أحد عناصر “الجبهة الإرهابية للإنقاذ” قبل أن يتم توقيفه وسجنه 5 سنوات نهاية التسعينيات، قبل أن يلتحق بالإرهابيين من جديد ويؤسس “كتيبة الهدى” ثم “كتائب الوسط” بمحافظة بومرادس القريبة من العاصمة، ثم التحق بـ”الجماعة السلفية للدعوة والقتال” “مستشاراً” لزعيمها الإرهابي عبد المالك درودكال.
وفي مارس 2015 تمكنت “وحدة الصيادين” التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب بالجزائر والمختصة في “اصطياد أمراء الجماعات الإرهابية” من القضاء على زعيم “جند الخلافة” الإرهابي عبد المالك قوري مع اثنين من أتباعه. فيما تمكن الجيش الجزائري من توقيف بقية عناصر التنظيم الإرهابي، والذين اعترفوا بقيامهم بعمليات إرهابية استهدفت قوات عسكرية في موريتانيا والنيجر ومالي قبل دخولهم إلى الجزائر.
وتلقى عناصر “جند الخلافة” وفق اعترافات الإرهابيين الموقوفين، تدريبهم في شمال مالي على يد الإرهابي مختار بلمختار المكنى “بلعور” والذي قتل في غارة جوية أمريكية في الجنوب الليبي عام 2015.
منع تسلل الإرهابيين وتمرير الأسلحة
ورغم الجهود الأمنية المبذولة، الا النشاط والتهديد الإرهابي، تزايد خلال الفترة الاخيرة على حدود الجزائر مع ليبيا ومالي والنيجر وتونس، مما جعل السلطات الجزائرية، تكثف من عملياتها الأمنية وترفع مستوى التأهب إلى الدرجة القصوى.
وقد أشارت قيادة أركان الجيش إلى سعيها لـفرض تأمين شامل لكافة حدود البلاد، ومنع تسلل الإرهابيين وتمرير الأسلحة وكل ما له علاقة بالنشاط الإرهابي
وحسب العديد من الخبراء في الجماعات الإسلامية والامنيين، فإن بقايا الجماعات الإرهابية النشطة في الجزائر تمثل بعضها امتداداً للجماعة السلفية للدعوة والقتال وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب. ومع تحييد نشاط الإرهابيين المنتمين لتنظيم القاعدة، لم تتمكن بقية التنظيمات الإرهابية من استقطاب عناصر جديدة في صفوفها داخل الجزائر، وزادت ضربات الجيش من الحد من إضعاف نشاطها المسلح.
وتظهر بيانات وزارة الدفاع أن معظم الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم أو سلموا أنفسهم في الفترة الاخيرة التحقوا بالجماعات الإرهابية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي أو أوائل الألفية الحالية.
وتفيد المعطيات المتوفرة ان متوسط عمر هؤلاء الإرهابيين في حدود 39 سنة، وهو ما يدل على عدم قدرتهم على تجنيد عناصر جديدة في صفوفهم.
وتجدر الإشارة الى ان الجيش الجزائري تمكن في الفترة الأخيرة من توقيف العشرات من العناصر الإرهابية في عدة مناطق بالبلاد، كما ضبط كميات مختلفة من الأسلحة والذخيرة.
وأكدت “الدفاع الجزائرية” أن العمليات العسكرية المتواصلة تهدف لمكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة المنظمة. وأشارت، مشيرة إلى أن نتائجها النوعية “عكست مدى الاحترافية العالية واليقظة المستمرة والاستعداد الدائم للقوات المسلحة عبر كامل التراب الوطني”.