رغم نجاح الحراك الشعبي الجزائري في اسقاط الرئيس الجزائري السابق ” عبد العزيز بوتفليقة ” إلا أن الأسئلة الوجودية ما تزال تحاصر مطالب المحتجين الذين دعوا سابقًا لرحيل النظام الجزائري الحاكم بكل رموزه منذ الاستقلال، رحيلًا كاملًا لا يبقي أحد من أفراد السلطة أو قياداتها، للمطالبة بجزائر مستقلة ديمقراطية وجولة جديدة تحقق مطالب المحتجين وآمال الجماهير.
وتوقف نشاط أو نجاح الحراك عند نقطة اقصاء الرئيس ” بوتفليقة ” بعد أن فُرضت إرادة الجيش وقائده السابق ” القايد صالح ” بإجراء انتخابات رئاسية تقود المرحلة الانتقالية، على عكس مطالب الحراك المنادي برحيل فوري لكل أركان السلطة تعقبها بشكل فوري مرحلة انتقالية توضع فيها أسس النظام القادم.
ومع مرور عام كامل على خروج الجماهير المنتفضة ضد رغبة الرئيس السابق ” عبد العزيز بوتفليقة ” بالترشح لولاية خامسة رغم عجزه الكامل وانحدار وضعه الصحي لأسوء مراحله، يبدو الحراك الشعبي أمام أسئلة وجودية حاضرة بقوة حول استمراريته وبقاءه، تقابل عروض السلطة السياسية الحالية بتعديل الدستور واجراء مصالحة وطنية والسير بخطط مدروسة نحو الانتقال بالجزائر لمرحلة جديدة وفق ما يروج له الرئيس الحالي ” عبد المجيد تبون ” الذي رفضته أوساط شعبية بعيد انتخابه باعتبار وصوله للرئاسة تدويرًا للنظام وانتاجًا لرموزه كون ” التبون ” من ممثلي عهد بوتفليقة السابق ووصل لرئاسة الوزراء في تلك المراحل.
أسئلة مصيرية
ويدخل الحراك الشعبي غير المنظم، عامه الثاني مع تساؤلات عديدة سوف يضطر إلى الإجابة عنها وبسرعة. بعد أن انطلق بعبارتين أساسيتين: “سلمية” و” ليرحلوا جميعا “، تخفي وراءها الكثير من التساؤلات والاختلافات.
وترى المؤرخة المتخصصة في منطقة المغرب العربي مديرة الأبحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية بفرنسا، كريمة ديريش وفق ما نقلته “يورو نيوز” عنها، أن الحركة التي يقودها الشباب، “كل شيء فيها يتم بعفوية وبالاكتشاف والتجربة، وكذلك في ظل الاختلافات”، مضيفة “لا بدّ من تعلم الإصغاء إلى الآخر، والتفاوض من أجل التوافق، لم نصل بعد إلى ذلك”.
وتتابع ديريش، “لم نصل بعد إلى الانتقال السياسي، ما زلنا في مرحلة التفكير فيه”، “نحن نشهد شيئا غريبا للغاية: فبينما لا تزال التعبئة موجودة … نرى وجود صعوبة حقيقية في الانتقال إلى شيء آخر” غير التظاهرات الأسبوعية.
وحول بعض الأسئلة المصيرية، هل يجب على الحراك التفاوض مع رئيس قال إنه “يمد يده له؟”. هل يجب أن ينتظم ويقوم بتعيين ممثلين عنه؟ هل يجب عليه التفكير في طرق العمل الأخرى؟، تردّ الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، داليا غانم بالتأكيد أن “هناك قرارات مهمة على الحراك ان يتخذها”.
وتضيف أن نشطاء الحراك متفقون فقط على الشعارين الأساسيين، ولكن “ليس على أساليب العمل، ولا على تحويل الحراك إلى مؤسسة، ليسوا متفقين أيضا على القيادة والقضايا التي يتعين معالجتها”.
وتقول داليا غانم “كل حركة اجتماعية هي بحكم طبيعتها ضحية لعامل الزمن ولا يمكن أن تستمر إلى الأبد”، وتتساءل “كيف تقنع الناس بالاستمرار في النزول إلى الشوارع كل يوم جمعة؟ علينا أن نفكر في: ماذا بعد؟”.
في المقابل، الجزائريون الذين عانوا لسنوات من العنف الدموي، يترددون في اتخاذ أشكال أخرى من العمل السياسي، مثل الإضراب العام أو العصيان المدني. وتقول ديريش إن الجزائريين “يفكرون مرتين قبل قرار المواجهة”.
تسلسل زمني
مرّ الحراك الجزائري خلال عام كامل بمحطات ومفاصل مهمة وصلت بالبلاد للمشهد الحالي، بدءً من رفض الجماهير لبوتفليقة لتدخل الجيش وعزل الرئيس بعد مؤامرة استهدفت رئيس الأركان وصولًا للانتخابات وحكم عبد المجيد التبون.
“لا للعهدة ولا للتجديد”
في 22 شباط/ فبراير 2019، تظاهر الآلاف في مدن جزائرية عدة وفي العاصمة رافعين شعارات “لا ولاية خامسة” و”لا بوتفليقة ولا سعيد” (في إشارة لشقيق الرئيس الذي كان ينظر إليه على أنّه خليفته المحتمل) بعد أن أعلن الرئيس ترشحه في العاشر من شباط/فبراير لولاية رئاسية خامسة رغم تدهور صحته إلى حد كبير نتيجة إصابته بجلطة دماغية.
في العاشر من آذار/مارس، صرح رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح أن الجيش “يشارك” الشعب “القيم والمبادئ نفسها “. وفي 11 آذار/مارس، أعلن بوتفليقة عدوله عن الترشح لولاية خامسة وتأجيل الانتخابات الرئاسية لأجل غير مسمى.
استقالة الرئيس
في 15 آذار/مارس، خرجت حشود ضخمة في وسط العاصمة منددة بتمديد ولاية بوتفليقة من خلال تأجيل الانتخابات. وشملت المظاهرات أربعين ولاية من أصل 48. وأشار دبلوماسيون إلى خروج “ملايين” الجزائريين إلى الشارع.
في نهاية آذار/مارس، طلب قائد اركان الجيش الفريق احمد قايد صالح إعلان الرئيس عاجزاً عن ممارسة السلطة أو أن يستقيل. وفي الثاني من نيسان/أبريل، أعلن بوتفليقة (82 عاما)، استقالته.
في الخامس من نيسان/أبريل، نزل الجزائريون إلى الشوارع بأعداد كبيرة، معربين عن عزمهم التخلص من “كل” رموز النظام. وفي التاسع من نيسان/أبريل، تم تعيين رئيس مجلس الأمة “عبد القادر بن صالح” رئيسا بالوكالة، فيما قاطعت المعارضة جلسة البرلمان. وفي منتصف نيسان/أبريل، استقال رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز المقرّب من بوتفليقة من منصبه.
الجيش يتدخل
في العشرين من أيار/مايو، رفض قايد صالح، رئيس الأركان، مطلبين رئيسيين للمحتجين هما إرجاء الانتخابات الرئاسية التي حددت في الرابع من تموز/يوليو، ورحيل رموز “النظام السياسي”. وألغى المجلس الدستوري في الثاني من حزيران/يونيو الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من تموز/يوليو على خلفية عدم وجود مرشحين.
وفي منتصف أيلول/سبتمبر، اعتمد البرلمان بشكل طارئ قانوناً لتشكيل سلطة انتخابية “مستقلة”، وآخر لمراجعة القانون الانتخابي، وأعلن عبد القادر بن صالح أن الانتخابات الرئاسية ستعقد في 12 كانون الأول/ديسمبر، متماشيا مع “مقترح” قائد أركان الجيش.
في 18 أيلول/سبتمبر، شددت قيادة الجيش لهجتها وقالت إنها ستمنع المحتجين من ولايات أخرى من المشاركة في مظاهرات العاصمة.
إدانة مسؤولين سابقين
في 25 أيلول/سبتمبر، قضت محكمة عسكرية بالسجن 15 عاما على سعيد بوتفليقة ورئيسين سابقين للمخابرات ومسؤول سياسي، بتهمة “التآمر ضد سلطة الدولة”.
وافتتحت مطلع كانون الأول/ديسمبر أول محاكمة بتهم الفساد ضد رئيسي وزراء سابقين، ومسؤولين سياسيين آخرين وآخرين أيضاً في قطاع تصنيع السيارات.
وقضت المحكمة في العاشر من كانون الأول/ديسمبر بالسجن 15 سنة لرئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى و12 سنة لسلفه عبد المالك سلال بعد إدانتهما بالفساد.
قمع وتنديد دولي
منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، نددت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بـ “التصعيد في قمع المحتجين”. في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، ندد البرلمان الأوروبي بـ “التوقيف التعسفي وغير القانوني” و”بالتخويف والاعتداءات” بحق صحافيين ونقابيين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومتظاهرين.
من جهتها نددت السلطات الجزائرية بما وصفته بـ “الازدراء” تجاه المؤسسات الجزائرية.
في السادس من كانون الأول/ديسمبر، يوم الجمعة الأخير قبل الانتخابات الرئاسية، خرجت حشود ضخمة في العاصمة. وتجدّدت المسيرات الثلاثاء ثم الأربعاء عشية الانتخابات، وعملت القوى الأمنية على تفريقها ما تسبب بوقوع جرحى.
عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر
في 12 كانون الأول/ديسمبر جرت الانتخابات الرئاسية في أجواء متوترة، وتجمع عشرات آلاف المتظاهرين في الجزائر للتنديد بها. وسجلت أدنى نسبة مشاركة في انتخابات تعددية في تاريخ الجزائر.
وفي 13 كانون الأول/ديسمبر أعلن فوز عبد المجيد تبون رئيس الوزراء السابق في عهد بوتفليقة في الدورة الأولى من الاقتراع مع 58.15 بالمئة من الأصوات.
موت رئيس الأركان
توفي رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، صباح الإثنين 24 ديسمبر/ كانون الأول في مرحلة حساسة جداً منذ بدء الاحتجاجات في شباط/فبراير الماضي، وفاة رئيس الأركان كانت نتيجة “سكتة قلبية ألمت به في بيته عن عمر ناهز 80 سنة”.
وأحدث الموت المفاجئ لقائد أركان الجيش الجزائري صدمة في شارع الجزائري. وتم تعيين قائد القوات البرية، اللواء سعيد شنقريحة، بدله، ليصبح قائد أركان الجيش الجزائري الجديد.
ومؤخرًا قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إعلان تاريخ 22 شباط/فبراير الذي يصادف الذكرى الأولى لبدء الحراك “يوما وطنيا” تقام فيه الاحتفالات الرسمية، بحسب ما أعلنت الرئاسة الجزائرية عبر التلفزيون الحكومي.