تنذر الخلافات المتفاقمة في المشهد الجزائري، وخاصة تلك السائدة بين قيادة الجيش المتمسكة بقرارات فرض انتخابات رئاسية على الشعب الذي نجح في تحييد الرئيس “بوتفليقة”، والذي يرفض في ذات الوقت، مجريات العملية الانتخابية التي يتزعمها الجيش، والتي يعتبرها الجزائريون مصادرة علنية للسلطة في البلاد، وكذلك تجاهلاً لمطالبهم بانتخابات حرة نزيهة، لا هيمنة للجيش فيها ولا لأي أطراف أخرى.
وفي هذا الإطار، كتبت صحيفة لوموند الفرنسية، السبت، في افتتاحية حول الجزائر أن الشارع الجزائري يرفض مصادرة السلطة من قبل المؤسسة العسكرية، وسط صمت الاتحاد الأوروبي.
وأضافت الصحيفة: إنه ومنذ تسعة أشهر ينتهج العالم سياسة صمت مطبق حيال الحراك الشعبي المستمر في الجزائر، والذي شكل من حيث حجمه وطبيعته حالة غير مسبوقة في الجزائر، ومحيطها المغاربي.
لم يهدأ الحراك الجزائري للأسبوع 41 على التوالي، للمطالبة بتغيير النظام السياسي، والذي استطاع الحفاظ على السلمية وجمع كافة أطياف الشعب رغم عدم وجود قيادة للحراك، وفقا للصحيفة.
هذا واستطاع الحراك منذ انطلاقته في ـ22 من فبراير الماضي، تحقيق عدة نقاط مهمة، أبرزها: تنحية الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة” وفرض إلغاء اقتراع ـ04 من يوليو الماضي، لكن في ـ08 من أغسطس الماضي، اعتبر قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح أن المطالب الأساسية للمتظاهرين تمت الاستجابة لها، وقرر فرض نفسه كرجل قوي ممسك بالأمور خلفا لبوتفليقة.
كما اتهم قائد الجيش الجزائري “أحمد قايد صالح” في أوقات سابقة، أطرافاً وصفها بـ “الشرذمة والحاقدة”، بالتخطيط لضرب الاستقرار في البلاد، والاستجداء بالخارج، مؤكداً أن بلاده ستبقى سيدة نفسها ولن تخضع لأي مساومات خارجية، على حد قوله.
وأضاف “صالح”: “الشعب الجزائري سيفشل محاولات الشرذمة من العصابة التي بعد فشل جميع خططها، وهنا لابد من الإشادة بالمواقف الصادقة التي ما انفك يعبر عنها المواطنون بكل وفاء وعن قناعة عبر كل أرجاء الوطن حيال الجيش الوطني الشعبي وقيادته وإصرارهم على المشاركة بقوة في الانتخابات الرئاسية”، مشدداً على أن الجيش في الجزائر سيواصل دوره الحامي للبلاد.
إلا أن السؤال المطروح الآن، لا يتعلق بمن سيفوز في انتخابات 12 ديسمبر المقبل؛ بل يتعلق بكيف سيتعامل في اليوم التالي لانتخابه مع المتظاهرين، الذين سينزلون إلى الشارع، والذي من غير الممكن التنبؤ به الآن وفق الصحيفة.
مواقف دولية
أطبق الصمت على مواقف الدول الديمقراطية والدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، المستعمر السابق للجزائر، لأسباب يمكن تفهمها.
ففي 28 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أصدر البرلمان الأوروبي مقررا غير ملزم يدين الاعتقالات التعسفية التي تقوم بها السلطات الجزائرية، في حين تمثل رد السلطة الجزائرية في شجب التدخل في شؤون البلاد وهو الوتر الذي يعزف عليه جنرالات الجزائر تقليديا، وختمت لوموند، بأن الاتحاد الأوروبي عليه أن يعير المزيد من الانتباه لما يجري في الجزائر.
معركة الرئاسة
يتنافس خمس مرشحون للوصول إلى القصر الرئاسي الجزائري، وهم رئيسا الوزراء السابقان علي بن فليس -الأمين العام لحزب طلائع الحريات-، وعبد المجيد تبون –مرشح مستقل-، وكذلك عبد العزيز بلعيد رئيس “جبهة المستقبل”، وعز الدين ميهوبي الأمين العام للتجمّع الوطني الديمقراطي -حزب أحمد أويحيى، رئيس الوزراء السابق المسجون في قضايا فساد-، وعبد القادر بن قرينة رئيس “حركة البناء الوطني”.
وبالرغم من الأجواء غير الصحية للعملية الديمقراطية، فإن المرشحين الخمسة ما زالوا يواصلون حملاتهم الانتخابية، وسط رفض شعبي، في حين أن الأخير يواصل عزمه المضي في الحركة الاحتجاجية، الأمر الذي يشكل تحديا كبيراً للجيش الذي ضغط من أجل تنظيم الانتخابات في 12 من كانون الأول باعتبارها السبيل الوحيد لكسر الجمود بين السلطات وحركة المعارضة التي تفتقر إلى قيادة، كما يقول.
الأوفر حظاً
كشفت دراسات بحثية أمريكية، عن المرشحين الأوفر حظاً، بالفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة، ولفتت الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط “دالية غانم”، أن كلاً من رئيسي الحكومتين السابقتين “عبد المجيد تبون” و “علي بن فليس”، هما الأقرب لخلافة الرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة”، مؤكدةً أن قيادة الجيش الجزائري سيكون لها الكلمة الفصل في نتيجة الانتخابات القادمة.
كما أشارت “غانم”، إلى أن الواقع في الجزائر يكشف أن الجيش يمسك بكافة زمام الأمور في الدولة ويحكم قبضته على السلطة، موضحةً أن القيادات العسكرية تتحرك خلف واجهة الدستور والتعددية، مضيفةً: “الجيش الجزائري سيؤدّي دوراً سياسياً أكثر مباشرة، ويكتسب مزيداً من ميزات الحكم الذاتي”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.