ما يزال الجدل قائما بين الجزائريين، حول التصويت على الدستور الجديد، رغم أنه لم تعد تفصلهم إلا أيام قليلة عن التصويت على الدستور الجديد للبلاد، إلا أن الانقسامات ما تزال متواصلة بين مؤيدين يعتبرونه خطوة نحو استعادة الدولة المدنية، وبناء جزائر جديدة ورافضين يبررون رفضهم بأسباب عديدة بعضها متعلق بتركيبة لجنة صياغته وبعضها متعلق بطبيعة نظام الحكم وصلاحيات مكوناته وبعضها خاصة متعلق ببعض مواده التي تشدد على مدنية الدولة وحياد المدرسة والجامع.
الإسلاميون يرفضون
ولعل أبرز المعارضين للدستور الجديد في الجزائر، والذي سيطرح على الاستفتاء الشعبي مطلع شهر نوفمبر القادم هم من المنتمين للأحزاب السياسية التي تدفع بشدة نحو المقاطعة او التصويت بـ “لا” والتي تعتقد أن هناك خطراً على هوية البلاد وامتدادها العربي – الإسلامي من وراء اعتماد هذا الدستور.
وفي هذا السياق، اعتبرت رئيس «حركة مجتمع السلم»، كبرى الحركات الإسلامية في البلاد، أن الدستور الجديد من خلال تنصيص بعض مواده على حياد المسجد والمدرسة مقدّمة لعلمنة المجتمع.
بدورها عبرت جبهة العدالة والتنمية عن رفضها القاطع لمشروع تعديل الدستور، معتبرة أن «التيار التغريبي العلماني سيطر على لجنة الخبراء لإعداد المشروع». وتشترك حركة مسلم مع باقي الاحزاب الاسلامية الجزائرية في «رفض محتوى الوثيقة الدستورية والتيار العلماني الذي يضغط لتمريرها بقوة».
أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهي الهيئة المرجعية الرمزية في الجزائر لمكانتها التاريخية منذ عهد الإمام عبد الحميد بن باديس، فقد قالت إنها “فُوجئت بنسخة الدستور المعدل في صيغته النهائية، فلم تجد أثرا لأي مقترح من مقترحاتها كجمعية للعلماء”. وانتقد رئيسها عبد الرزاق قسوم الوثيقة في مقال له بعنوان “كشـــف الـمستـــور عن خفـــايا الدستـــور”، قبل دعوتها رسميّا إلى “تعديل المواد التي وصفها بالملغمة من قبل لجنة جديدة وتأجيل الاستفتاء”.
وينتقد اسلاميو الجزائر فصولا بعينها من الدستور المعدل ابرزها الفقرة الثالثة من المادة 51، التي تقول إن “الدولة تحمي المسجد من أي تأثير سياسي أو إيديولوجي”، والفقرة الرابعة من المادة 65، وفيها أن “الدولة تسهر على ضمان حياد المؤسسات التربوية والحفاظ على طابعها البيداغوجي قصد حمايتها من أي تأثير سياسي أو أيديولوجي”، والفقرة الأولى من المادة 71، التي تنص على أن “الأسرة تحظى بحماية الدولة”.
الاستثمار في الدين
وكان الرئيس عبدالمجيد تبون، قد رد على انتقادات التيارات الإسلامية لمشروع تعديل الدستور، مؤكداً أنه «يندرج ضمن متطلبات بناء الدولة العصرية، ويستجيب لمتطلبات الشعب في ممارسة الديمقراطية الحقيقية». وأن «الشعب فصل في مسألة الهوية، ووحدته قيمه الوطنية والدينية، التي جسدتها ثورة التحرير (ضد الاستعمار الفرنسي) 1954/ 1962». كما تعهد تبون بـ«عدم المساس بعناصر الهوية الوطنية» في الدستور المقبل، وبالتالي «لا يمكن عرضها من جديد على النقاش السياسي ولا تكون محل جدال».
وتكشف مواقف التيارات الاسلامية، التي تضع نصب اعينها الاستحقاق الانتخابي التشريعي القادم ،من وثيقة الدستور المعدل ان هذه الاحزاب ككل الاحزاب الحاملة لهذه المرجعية لا يناسبها العيش في دولة مدنية يتساوى امامها الجميع بعيدا عن انتماءاتهم الفكرية والايديولوجية وأن الاستثمار في الدين هو مشروعها الرابح الذي وفقه تغازل مشاعر المواطنين بادعاء أنها من يستميت في الدفاع عنه ،و ككل التيارات الاسلامية في العالم لا تستطيع هذه الاحزاب التحرك خارج هذه المنظومة الايديولوجية رغم انها باتت تجارة كاسدة بعدما ثبت أن صلاحيتها قد انتهت وهو ما كشفه الربيع العربي الذي هبت رياحه على اكثر من دولة فحولتها حطاما و استطاعت الجزائر ان تنحني له وتخرج منه باقل الاضرار الممكنة.
التصويت ضد الدستور
وحول هذا الموضوع، يقول المستشار السابق برئاسة الجمهورية، إسماعيل دبّش، وحاليا أستاذ للعلوم السياسية بجامعة الجزائر: “لا أتصور أن موقف الإسلاميين يتماشى مع حقيقة البعد الإسلامي وإرادة المجتمع الجزائري المكرسة في محتوى الدستور، سواء باعتباره دينا للدولة أو من خلال بيان نوفمبر والنسق العام للأمة”.
ويعتقد دبّش أنّ خيار الأحزاب الإسلامية بشأن الدستور هو عمل سياسي أكثر مما هو موقف قيمي مبدئي، فهي “تريد تحقيق مكاسب باسم المعارضة”. وأضاف أنّ هذه الأحزاب تعيش تدافع أجنحة بين خياري المقاطعة الكاملة للاستحقاق أو التصويت ضد الدستور، والفريق الثاني يرغب في إبراز قدرته على التأثير الشعبي وتجاوز الشعور بالضعف لتحقيق مكاسب سياسية، لكنها مغامرة كبيرة سيدفعون ثمنها انتخابيا، وفق قوله.
ويبدي دبّش ثقته الكاملة في تصويت الأغلبية الساحقة لصالح الدستور، لأنّ “الشعب الجزائري الآن يفكر في ضوء الواقع، مثلما عاشه في الحراك، حيث ذابت الفواصل الأيديولوجية، وثبت أنّ كل الجزائريين مسلمون بغض النظر عن ارتباطاتهم الحزبية من عدمها”.
ويضيف دبش أن الكثير من المناضلين الواعين بالتشكيلات الإسلامية سيصوتون لصالح الدستور، لأنها تعاني فجوة فكرية مع قواعدها، وهو ما عكسته الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث ظهر غياب الانسجام والعجز عن تطبيق الخيارات التي جنحوا إليها. ويذهب دبّش إلى أنّ الأحزاب الإسلامية في عمومها لم يعد لها توافق مع الطرح الوطني البنّاء، ونتيجة الضعف التنظيمي والقيادي والاجتماعي لم تعد تملك أوراقا أخرى للمناورة والتعبئة في الشارع غير مخالفة السلطة.