أحمد الرمح
في المؤتمر الصحفي للرئيس أحمد الشرع بتركيا مع الرئيس التركي أردوغان؛ قال: الجمهورية السورية دون أن يسبقها بوصف العربية؛ فاختلف السوريون كعادتهم حول هذا التصريح؛ ودلالاته.
واستعر الخلافُ على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ما بين موافق لتصريح خادمنا؛ ومعارض له!
ولا أعلم لمَ هذا الخلاف؛ مادام اسم سوريا أساساً ليس عربياً؛ فكيف نختلف على الصفة؛ وندع الأصل؛ هذا ما دفعني للحديث عن الاسم الأصلي سوريا؛ من أين جاء؟ وكيف؟ ولم؟
اسم سوريا اسم ليس عربياً؛ إنما العرب كانت تسميها بلاد الشام؛ وأيام الاحتلال العثماني كانت تسمى شام شريف؛ وبلاد الشام، مصطلح إسلامي؛ والشام اسم يستخدم باللهجات المحكية في سوريا للإشارة إلى مدينة دمشق. ولم يحسم صاحب القاموس المحيط الأمر؛ حتى قال: (الشَّأمُ) بِلادّ عن مَشْأمَةِ القِبْلَةِ؛ وسُمّيَتَ كذلك لأنَّ قَوماً من بني كَنْعانَ تَشاءَموا إليها؛ أي تَياسَروا؛ أو سُمِّيَ سامِ بنِ نُوحٍ وتُلفظ بالشينٍ بالسُّرْيانِيَّةِ؛ أو لأنَّ أرْضها شاماتٌ بيضٌ وحُمْرٌ وسودٌ وعلى هذا لا تهْمَزُ؛ وقد تُذَكَّرُ وهو (شامِيُّ وشآمِيُّ وشآم وأشْأَمَ).
بعض المؤرخين قال إنّ الشام في العربية تعني اليسار (الجهة)، فانطلاقًا من الموقع الجغرافي للحجاز سُمِّيت اليمن نسبةً إلى اليمين؛ والشام نسبةً إلى الشَّمال أي اليسار.
د. أحمد داود يقول في كتابه (تاريخ سوريا الحضاري القديم) ج/2: إن كلمة سوريا صيغة عربية لمسمى واحد وتعني: السيدة العَلِّية. فكلمة (سر) تعني السيد العليّ والملك والرب. ومؤنثه: (سري) و (سرت)، وسراة القوم: سادتهم؛ والسراة: الجبال المرتفعة, والسرو الشجر المرتفع. ومنها جاءت كلمة SIR بالإنكليزية أي (السيد) وإذا ما أضفنا نون الجمع تصبح (سرن) أي سوريين أو سريان وتعني: السادة. بعد إضافة الصوتيات (فالعربية القديمة لم تكن تكتب فيها الصوتيات ا؛ و؛ ي)
إملائياً من الخطأ أن تكتب سوريا بالتاء المربوطة؛ إنما بالألف وهو الأدق؛ فلا نقول حرستة أو دارية أو قدسية إلخ بل نقول حرستا، داريا، قدسيا، لماذا؟ لأن الألف الممدودة؛ هي أل التعريف بالآرامية؛ ولو كتبناها بتاء مربوطة لنكْرّْناها؛ وسورية لا تُنكر.
لكنّ د. أحمد داود يفرق بين سوريا بالألف والتاء المربوطة قائلاً (بتصرف مني): التاء المربوطة بات للدلالة على القطر الحالي؛ وأما سوريا بالألف فكانت تُطلق على المشرق العربي كله من حوض البحر الأسود وجبال القوقاز إلى شمال بحر العرب والمحيط الهندي جنوباً.
أما أول ذكر لاسم سوريا؛ ظهر عند هيرودوت في القرن الخامس ق.م. وشاع الاسم بعد سقوط الدولة الآشورية؛ وسقوط نينوى حوالي 612 ق.م. أما عند الرومان فكان اسم سيروس syrus يعني كل شخص يتكلم السريانية. والاسم موجود في الكتابات اللاتينية بدءً من القرن الأول قبل الميلاد.
وقيل إنّ اسم سوريا؛ أُطلِق أثناء حكم اليونان والرومان لبلاد الشام كلها نسبةً إلى آسور؛ أو آسيريا؛ عندما كانت تبعيتَها للآشوريين! فقالوا (آشورية/آسورية) فأصبحت سورية؛ وقيل أيضاً أن (سوريا) بلغة الفينيقيين تعني بلد الشمس.
وهكذا اشتد الخلاف بين المؤرخين حول أصول الاسم؛ حتى قالوا إنها مشتقة من الشخصية التوراتية سام بن نوح أي الساميين؛ وتلفظ بالسريانية شام. وفي اللغات السامية طبيعي أن تستبدل السين بالشين. حتى قال بعضهم إنّ سام بن نوح؛ هو باني مدينة دمشق؛ وأنها أقدمُ مدينة بالعالم.
إذن الاسم غير عربي؛ فلماذا نختلف على الصفة؟
الصفة لم تضر دولاً عريقة أوروبياً؛ ففرنسا كتسمية لم تظهر إلا حوالي القرن الثامن أو التاسع الميلادي وكذلك إيطاليا وغيرها من الدول المعاصرة والكبيرة.
وأظن أنّ الخلاف حول أصل اسم سوريا يعود لأسباب سياسية استشراقية؛ وأسباب جغرافية وكذلك أسباب لغوية قديمة، وبعضها كان رد فعل محلي على تغييب الهوية المجتمعية لصالح التسمية الجغرافية. وهذا يعني أنّ الخلاف حول الاسم لم يُحسم تاريخياً؛ والمحسوم فيه؛ أنه ليس من أصول عربية.
أنا أميل إلى أن الاسم يعود للسريانية؛ حيث كان السريان هم شعبها؛ وتلك لغتهم؛ ولقد ورد اسم سوريا في المصادر السريانية حوالي (٦٠٠) سنة قبل وروده في المصادر العربية؛
وهناك من يريد سلخ الاسم من سريانيته؛ وبالتالي من مدلولاته التاريخية والجغرافية والهوياتية أي الانتماء الى الشعب الآرامي والحضارة الآرامية؛ وأظن أن ذلك خطأ.
والمصادر السريانية تؤكد أن تسمية سوريا؛ كانت مرادفة لتسمية بلاد آرام؛ وأن السريان هم الآراميون أنفسهم. وهناك نص يعود لنهاية القرن السابع الميلادي للعالم المطران يعقوب الرهاوي يقول فيه: وهكذا عندنا نحن الآراميين أي السريان.
وبعض المدن السورية لها معانٍ سريانية؛ فمدينة حلب؛ اسمها الأصلي (حلبا) وتعني بالسريانية البيضاء؛ لأنها بُنِيت من الحجارة الكلسية البيضاء. وحماة بالسريانية (حامات) وتعني الحصن الحصين؛ وخففت التسمية مع مرور الزمن إلى (حماة). وحمص أصل الكلمة(هوميسوس) وهو اسم قديم للمدينة ومعناه أرض الحجارة السوداء.
والقامشلي بالسريانية (قام شلي) أي نهض وسكن. وما تزال أغلب الأسماء الجغرافية في سوريا باللغة الآرامية! كمعرة النعمان ” وهو اسم آرامي يعني “مغارة النعمان” ونعمان اسم لقائد جيش ملك دمشق الآرامي!
وللأمانة العلمية؛ هناك آراء أخرى مخالفة لما ذهبت.
ولكن اسم سورية لم يرد في النص العبري الأصلي للعهد القديم؛ ولكنه استعمل في الترجمة السبعينية للدلالة على آرام والآراميين.
يقول حازم نهار معلقاً على الخلاف حول الجهورية العربية، أم الجمهورية السورية:
المنطق هو “الجمهورية السورية” وليس “الجمهورية العربية السورية”؛ وهذا الخيار ليس مجاملة” أو لأجل “سواد عيون” الكرد أو غيرِهم، بل من أجل “سواد عيون” الحقيقة، فمفهوم الدولة الوطنية الحديثة؛ لا يقبل أن يُقرن بأي صفة عرقية. العروبة ثقافة، مثلها مثل الثقافات الأخرى في العالم كالثقافة الأوروبية، العروبة تتطور وتتجدد في أجواء الحرية، وتموت عندما يجري تسيّسها أو تحويلها إلى أيديولوجية. لا خوف على العروبة؛ إلا من اختزالها وحصرها في رمز أو اسم أو صورة أو أيديولوجية أو حزب أو دولة.
بالنهاية نقول: الأكيد أنّ الشعب السوري، من الشعوب المتنوعة عرقيًا ولغويًا ودينيًا، ويشكل العرب السنة الغالبية. وأنا لا يهمني كيف تُطلق التسمية؛ فهذا يحتاج إلى توافق شعبي عليه؛ فألمانيا فقط اسمها ألمانيا الاتحادية؛ وليس الجمهورية الجرمانية، وكذلك النمسا؛ حتى أمريكا ولايات متحدة؛ دون إشارة إلى العرقية أو الديانة.
العروبة فعل وليس صفة مجردة أن تتوفر الكهرباء للأسرة السورية؛ فسوريا تعيش بظلمات بلا كهرباء منذ سنوات؛ وأن تعوّض أرملة الشهيد؛ وتنال راتباً يحفظ كرامتها وشرفها؛ فلدينا عشرات الآلاف من زوجات الشهداء، ونحتاج للإجابة عن ملف المعتقلين؛ فنحو 100 ألف معتقل لا وجود لرفاتهم. لدينا نقص بالخبز والماء؛ لدينا المتقاعدين ورواتبهم؛ كرام القوم ذلوا وتعبوا؛ هذا الآن؛ وأنْ يتحققَ السلم الأهلي؛ أهم من اسم الجهورية بالعربية أم بدونها، ونؤجل ذلك فيما بعد.
أخيراً:
الأكثرية الأصيلة في سوريا هي الأكثرية السورية الوطنية، وكل ما سواها مهما كانت مسمياتها، فهي أقلية.
وفيما يلي اسم سوريا باللغات الأخرى:
بالإنجليزية: Assyria
بالكنعانية: אַשּׁוּר
بالعبرية: אשור
بالإنجليزية: Syria
بالفرنسية:syrie
بالعبرية: סוריה
باليونانية: Συρια
بالتركية: Suriye
بالفارسية: Suriye
بالعربية ” سورية ” – ” سوريا “
بالألمانية : syrien