منذ إبرام اتفاق المصالحة في محافظة درعا جنوبي سوريا، أواخر العام 2018، عمد النظام وحلفاؤه إلى رفع مستوى التدخّل الأمني لفرض الهيمنة على الجنوب، ولا سيما أنّ عدد من مناطق المحافظة بقيت عبارة عن مربّعات أمنية لفصائل التسوية، وسط غياب أي مؤشر لإعادة بناء الثقة بين الطرفين على أساس الولاء للسلطة من جديد، بسبب ممارسات أجهزة الأمن التابعة للنظام وعدم التزام روسيا بتعهّداتها.
كل هذا، وبحسب ما يرى مراقبون، منح الميليشيات الإيرانية فرصة تكثيف تواجدها في الجنوب، معتمدة على التجاهل الروسي والدعم اللامحدود من المؤسسات الحكومية التابعة للنظام، يضاف إليها دعم أبناء المنطقة وقيادات في ميليشيات محلية تتبع لطهران، عملت مؤخرا على تقديم عروض ومغريات “من وراء الكواليس” لأبناء المنطقة لجذبهم للميليشيات، اذ تتضمن التحاق من وُضِعَت إشارات حجز على أملاكهم بصفوف الميليشيات الموالية لـ”الحرس الثوري” الإيراني، مقابل تسوية أوضاعهم الأمنية، ورفع إشارات الحجز عن أملاكهم.
وتزامنت تلك العروض مع تحركات معاكسة تمثلت بتشكيل مجلس عسكري جديد تحت مسمى “المجلس العسكري لكتائب الجنوب السوري”، وهدفه بحسب ما جاء في بيانه المصور وقف وكبح تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، ما عزز التوقعات بعودة العمليات العسـكرية إلى شكلها التقليدي قبل توقيع اتفاق التـسوية.
تسجيل صوتي..
انتشر عبر تطبيق “واتساب” بين شبان وأهالي محافظة درعا السورية، خلال الأيام الماضية، تسجيل صوتي مدته دقيقة واحدة، قدم خلاله قيادي من أبناء درعا عرضا يتضمن التحاق من وُضِعَت إشارات حجز على أملاكهم بصفوف الميليشيات الموالية لـ”الحرس الثوري” الإيراني، مقابل تسوية أوضاعهم الأمنية، ورفع إشارات الحجز عن أملاكهم.
وجاء في التسجيل، أن “من يذهب مع المقاومة الإسلامية فأملاكه وأرزاقه وعائلته سيكونون بألف نعمة، اليوم الصلاحيات ستكون أكبر”.
ويتابع القيادي أن مراحل التنسيب تتم أولا بدراسة وضع الشخص المتطوع، ومن ثم إصدار قوائم كاملة وإرسالها إلى “الحاج”، وهو اللقب الذي يتردد بكثرة بين أوساط الميليشيات الإيرانية، وتلك المرتبطة بـ”حزب الله” اللبناني.
وقال القيادي إن القوانين التي شرعها النظام في الآونة الأخيرة أعطت الصلاحيات لقادة الميليشيات الإيرانية بالحجز على أملاك المعارضين ومصادرتها من دون الرجوع إلى المحاكم، وهي نقطة القوة التي تستخدمها الميليشيات الإيرانية لحشد الناس وتطويع الحاضنة الشعبية في المنطقة للقبول بالمشروع الإيراني.
كما أضاف أن كل عناصر وقادة الميليشيات الإيرانية لديهم القوة والحق في الحفاظ على ممتلكاتهم وعدم المساس بها من أي جهة كان، وتعطى هذه الميزات للمنتسبين الجدد لتلك الميليشيات من دون النظر إلى تاريخ المنتسب سواء كان من المعارضين للنظام أو من المدنيين الذين لم يسبق لهم الانضمام إلى الفصائل المسلحة.
مصدر مطلع رفض الكشف عن اسمه لدواع أمنية، أكد أن المشرف على عمليات الاستيلاء على العقارات، إضافة لعمليات الشراء لصالح إيران هو الحاج “إياد قاسم”، لبناني الجنسية، يشرف بشكل مباشر على عدة مجموعات تعمل لصالح إيران، كما أوكل له مهمة شراء الأراضي الزراعية والمحال التجارية والمنازل السكنية لبعض قادة تلك المجموعات.
وبحسب المصدر، فإن الحاج “إياد قاسم” يجتمع مع قادة المجموعات من أبناء المنطقة بشكل دوري في إحدى القطاعات العسكرية التي تسيطر عليها ميليشياته في مدينة إزرع، لوضع الخطط ومتابعة العمليات، والإشراف على انجاز المهام التي تم تكليفهم بها في وقت سابق.
وأكد تجمع أحرار حوران أن وزارة مالية النظام ومحكمة “الإرهاب” أصدرتا مئات الحجوزات الاحتياطية والتنفيذية على أملاك معارضين للنظام سواء من المتواجدين داخل او خارج سوريا، وتمنع هذه الحجوزات أصحاب العقارات من البيع والشراء والتصرف قبل رفع إشارة الحجز من صحيفة العقار في سجلات النظام العقارية.
ذراع إيراني القديم..
حسبما أكد “تجمع أحرار حوران”، فإن عرض الانتساب تم تقديمه بصوت القيادي المرتبط بـ”حزب الله” اللبناني و”الحرس الثوري” الإيراني “وسيم العمر المسالمة”، الذي كان قد اتخذ موقفا مؤيدا لنظام الأسد منذ انطلاقة الثورة السورية، وشكل عام 2017، “اللواء 313″، في إطار الانتشار الإيراني في جنوب سوريا ومحاولات طهران استقطاب شبان المنطقة، لاسيما أن هذا اللواء عرف بارتباطه الوثيق بـ”حزب الله” اللبناني و”الحرس الثوري” الإيراني.
الصحفي “ياسر الرفاعي”، يؤكد لمرصد “مينا” أن “اللواء 313” غاب خلال العامين الماضيين عن واجهة درعا الإعلامية دون وضوح الأسباب، وعاد من جديد باسم لواء “العرين” بعروض الانتساب، معتبرا أن عودة ظهور اللواء مرتبطة بمحاولة إيران استغلال الانشغال الروسي بمعارك البادية مع تنظيم “داعش”، ومشيرا إلى أن موسكو ضغطت خلال السنوات الأخيرة على الميليشيات الإيرانية، لتخفيف حدة نشاطاتها العسكرية في المنطقة الجنوبية.
وبحسب الرفاعي، فإن هذه الضغوط انتهت مع بداية الشهر نيسان الجاري، بعد وصول حدة التوتر وعمليات الاغتيال و الاستهدافات المتكررة إلى مستوى قياسي في المنطقة، حيث شهدت المنطقة الجنوبية تحركات إيرانية جديدة، من خلال إعادة تموضع القوات في بلدة صيدا وبلدات أخرى قريبة من الحدود مع الأردن.
ولا يستبعد الرفاعي عودة التنسيق الإيراني- الروسي في جنوب سوريا، نتيجة التطورات الأخيرة والضغوط العسكرية التي فرضها تنظيم “داعش” في البادية السورية، مؤكدا أن موسكو اضطرت مؤخرا لزج قوات “اللواء الثامن” الذي يقوده القيادي السابق في المعارضة، “أحمد العودة”، في معارك البادية السورية، حيث نقلت قرابة 400 مقاتل من الفيلق، إلى جبهات مدينتي السخنة وتدمر بريف حمص الشرقي.
يؤكد قيادي سابق في إحدى فصائل جيش الثورة رفض الكشف عن اسمه أن “اللواء 313” بقيادة “المسالمة”، تمكن خلال اشهر من تشكيله، من استقطاب أكثر من 430 شابا من أبناء الجنوب السوري، وكان لهم مشاركات في العمليات العسكرية التي أطلقتها “قوات الأسد” بدعم روسي وإيراني ضد فصائل الجيش الحر، على فترات متفرقة، حتى نهاية عام 2018.
وبحسب القيادي، فإن آلية الانتساب سابقا ضمن اللواء كانت في مقراته داخل مدينة إزرع، وأتاحت للمتطوع بطاقة أمنية تحمل شعار “الحرس الثوري”، وتضمن له صلاحيات المرور عبر الحواجز العسكرية، على أن يلتحق أخيرا في معسكر تدريبي ويتقاضى راتب شهري تجاوز الـ 200 دولار.
تشكيل ثوري..
أعلنت مجموعات مسلحة في محافظة درعا، منتصف الشهر الجاري، عن تأسيس كيان عسكري يحمل اسم “المجلس العسكري لكتائب الجنوب السوري” ما عزز التوقعات بأن المحافظة مقبلة على مجموعة خيارات، على رأسها عودة العمليات العسكرية إلى شكلها التقليدي قبل توقيع اتفاق التسوية في تموز 2018.
وفي بث مباشر، قال أحد قيادات المجلس العسكري، عبر وسائل التواصل الاجتماعي إن المجلس العسكري يهدف بالدرجة الأولى إلى “إفشال كافة المشاريع الخارجية على أرض حوران، ووقف وكبح تمدد النفوذ الإيراني في مناطق الجنوب السوري.
أحد قياديي المجلس العسكري في المنطقة الشرقية من درعا، طلب حجب هويته لدواعٍ أمنية، أكد لمرصد “مينا” أن أهداف المشروع العسكري هو إعادة روح الثورة للجنوب السوري وإيقاف تمدد النظام وحزب الله الإيراني، مشيرا إلى أن أهم أسباب إعلان التشكيل، هو تمدد إيران في المنطقة، ونشرها للتشيع وتجنيدها ميليشيات من أبناء الجنوب السوري، وكاشفا أن مجموعات مسلحة تابعة لهم، تقوم بأعمال أمنيه ضد من قتلوا أهلهم وهدموا بيوتهم.
وحول بنك الأهداف، قال القيادي لمرصد “مينا”، إن المرحلة الأولى ستركز على مواجهة إيران ووكلائها في المحافظة، مشيرا أن لديهم مكاتب أمنية، وعناصر قادرون على جمع المعلومات، و سيوجهون بنادقهم إلى صدر من يستحقها فقط.