الملخص التنفيذي:
ينظر بعضهم للجولاني على أنه شيخ سلفي؛ يريد تطبيق سلفيته الجهادية في مناطق نفوذه؛ ويَحْلُم بامتدادها على الجغرافية السورية؛ وهذا ليس دقيقاً، فالجولاني قائد متدين براغماتي إلى أبعد الحدود؛ يعرف ما يريد؛ ويعمل بهدوء من أجل إنجاح مشروعه.
عندما تسأل المثقفين الذين يعيشون تحت سلطة إمارته؛ ستجد الجواب المدهش بأنه تخلى عن كثيرٍ من سلفيته؛ ويتعامل مع المواطنين هناك ببراغماتية تجعلهم مطمئنين له؛ ناهيك عن حالة الأمن الاجتماعي التي تعيشها مناطق سيطرته؛ إذ تتفوق في هذا الجانب كثيراً على مناطق المعارضة العسكرية الأخرى؛ وحتى مناطق النظام.
الجولاني كيف أسس إمارته؛ وملامح من شخصيته ورؤيته الاقتصادية؛ وخطته في التعامل مع النظام؛ وعلاقته بتركيا؛ ومفاوضاته مع الروس؛ هذا ما نتحدث عنه من خلال المحاور التالية:
- الجولاني ودوره في تأسيس جبهة النصرة!
- من دير الزور إلى إدلب لتأسيس الإمارة!
- لماذا اختار الجولاني إدلب مركزاً لبدء مشروعه؟
- شخصية الجولاني ودبلوماسيته وطريقته بالتفاوض!
- رؤية الجولاني الاقتصادية!
- علاقة الجولاني بتنظيم القاعدة!
- رؤيته للحل مع النظام السوري! وكيفية يتعامل معه؟
- علاقة الجولاني بتركيا؟ والندية في تعامله مع الأتراك!
- ما الدور التركي في مفاوضات الجولاني مع الروس؟ وما هي الملفات السبعة التي تم التفاوض حولها؟
- الخلاصة
الجولاني ودوره في تأسيس جبهة النصرة! ([1])
عندما قامت الثورة السورية؛ وقرر تنظيم القاعدة مد نفوذه الى سوريا؛ تم اختيار الجولاني لكي يقود الفرع السوري تحت مسمى جبهة النصرة لأهل الشام. يُقال بأن الجولاني كان له دور في اختيار هذه التسمية؛ ووضعِ أسسِ عملها، وبدأ منها يخطط استراتيجياً لمشروعه؛ وقد تضمن نقطتين جوهرتين:
- الأولى: إنه يريد حصر عمله في مواجهة نظام بشار الأسد فقط؛ وعدم التعرض للمصالح الامريكية والغربية بشيء، بل إنه لم يسمح لغيره من التنظيمات بالتخطيط أو استهداف المصالح الامريكية، وهذا ما خفف عداء الغرب له فيما بعد؛ لا بل وأعطى مجالاً للتعاون بينهما في مكافحة الإرهاب؛ والتخلص من بعض قادة داعش الكبار الذين لجأوا إلى سوريا من خلال تقديمه بشكل ما معلومات استخباراتية؛ أدت للتخلص منهم. بعكس توجه تنظيم القاعدة الذي يؤمن بالمواجهة العالمية؛
- النقطة الجوهرية الثانية: سعى عملياً ومنذ البداية الى عزل نفسه تدريجياً عن قادته في العراق؛ وتأسيس تنظيم خاص به في سوريا؛ بمعزل عن تأثيرات تنظيم القاعدة وعن تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا مكّنه من بناء سلطة قوية متماسكة في إدلب قرارها المركزي عنده فقط.
من دير الزور إلى إدلب لتأسيس الإمارة!
استقر بأبي محمد الجولاني المقامُ بدايةً في سوريا في بلدة الشحيل شرق مدينة دير الزور، بعد فترة وجيزة من تشكيل جبهة النصرة أواخر عام ٢٠١١. ويُعتقد أنه قَدِمَ الى الشحيل بدعم من بعض أهلها بسبب صداقة قديمة له مع شاب من الشحيل اسمه “أسامة الحداوي” الذي كان آنذاك طالباً في السنة الثالثة بكلية الطب البشري بسوريا؛ عندما التحق بما يسمى قوافل المجاهدين في العراق. ([2]) ([3])
بلدة الشحيل في الريف الشرقي للدير؛ قبل أحداث الثورة السورية كان معظم أبنائها وعائلاتها ينتمون للإخوان المسلمين؛ ولكن بعد أحداث العراق ما بين عام 1990 حتى عام 2003 تحولوا رويداً رويداً إلى السلفية؛ وهذا ما يفسر لنا احتضانهم لتنظيم داعش والنصرة فيما بعد.
ولقد اعتمد الجولاني كثيراً على أبناء المنطقة الشرقية للأسباب المذكورة آنفاً؛ فهي منطقة سنية خالصة، يرى الجولاني بأنها تمثل العمود الفقري للسنة السوريين؛ بخلاف المناطق السورية الأخرى المتواجد فيها خليط من المكونات السورية الطائفية المختلفة.
كما استطاع تنظيم جبهة النصرة الذي تأسس في أواخر عام ٢٠١١ الحصول على المال بكميات كبيرة جراء ثقب أنابيب النفط التي تمر بالقرب من المنطقة؛ والغرف منها بغير حساب. ([4])
وكان لتكديس الأموال الناجمة عن تدفق النفط دور كبير في تقوية التنظيم وتوسعه؛ حيث تم تجنيد الأشخاص لحماية أنابيب النفط؛ ومن ثَمّ تجنيدهم بالجبهة؛ وبعد أن قويت شوكة التنظيم في المنطقة الشرقية، امتد باتجاه بقية المناطق من درعا جنوباً إلى إدلب شمال غرب؛ ثم الى محافظة الحسكة حيث دخل بمعارك طاحنة في مواجهة تنظيم (PYD) الكردي المسلح في مدن الشدادي ورأس العين وغيرها بريف الحسكة؛ ثم وجد التنظيم أن أفضل منطقة يمكن أن يستقر بها لبناء إمارته هي محافظة ادلب. ([5])
لماذا اختار الجولاني إدلب مركزاً لبدء مشروعه؟
هناك ثلاث تفسيرات لاختياره إدلب:
- الأول: أن التحالف الدولي في حربه على داعش لم يسمح له بتأسيس إمارته بالمنطقة الشرقية؛ بعد أن قام عام 2012 بعدة هجمات مع المجلس العسكري بقيادة العقيد المنشق “مهند الكاطع” على الشدادي وأطراف الحسكة لطرد الأكراد منها.
- الثاني: أن داعش كانت أقوى منه؛ وبالتالي أما أنها ستصهره في مشروعها؛ أو تُنهيه عسكرياً لأنها كانت أقوى منه.
- الثالث: رفض أن يكون ضمن القوى التي تحارب داعش أثناء حرب التحالف على داعش.
فتوجه أبو محمد الجولاني إلى إدلب؛ واستقر فيها؛ وبدأ بنسج تحالفات مهمة مع أهلها من خلال عدة زيجات؛ أهمها زواجه من فتاة من آل بدوي وهي أسرة معروفة؛ ولها شقيق يعمل طبيباً بشرياً؛ وآخر قائد عسكري خدم الجولاني كثيراً سواء في المعارك العسكرية مع خصومه؛ أو في تأليف قلوب الناس في إدلب وشمال حماة وخصوصاً في حلفايا وطيبة الإمام.
شخصية الجولاني ودبلوماسيته وطريقته بالتفاوض!
من المؤكد أن الجولاني ذو شخصية قوية جداً؛ ذات هيبة، وطول فارع، ووجه وسيم؛ ويرتدي ملابس فخمة ومن ماركات شهيرة. يسير في مشيته بتؤدة وثبات؛ وله كاريزما ملفتة للانتباه في جلوسه وحركته. ([6])
يستقبل ضيوفه بحفاوة كبيرة؛ ويرسل معهم مرافقة وحراسة مشددة، ويهدف من ذلك إرسال عدة رسائل؛ منها أنه ذو سلطان وذو شوكة ومنعة، كما يسعى لكسب ود الضيف؛ لكي يحمل وجهة نظره؛ وربما يتبنى بعضاً من أفكاره. ([7])
يعتمد الجولاني مبدأ المشورة في قضاياه؛ ودائماً حوله مستشارون على سوية عالية من المكانة والفكر، وإن كان في النهاية لا يفعل إلا ما يمليه عليه عقله. ومشهور عنه بأنه يبدأ مفاوضاته متشدداً؛ ثم يلين بعد أن يساوم على ما يريد من خلال تشدده الأول. وكل مساومته تنتهي بموقف مرن؛ وبلهجة أقل حدة توحي بأنه يريد حلاً؛ وهو في ذلك أشبه ما يكون بالتاجر الدمشقي الذي خَبِرَ السوق.
ولعل أكثر من خَبِرَ هذه الخصلة فيه هم الأتراك؛ فلم يعدموا الوسيلة للتفاهم معه للوصول الى النتائج المرجوة التي يريدونها؛ وتنسجم مع متطلباته، والتي تتلخص بأنه لا تنازل بدون تقديم ثمن؛ ولن أفعل لكم شيئاً مجاناً. لا بل إنه يعتبر أن تقديمه نقاط المراقبة في ادلب خطأً؛ لأنه لم يحصل مقابلها على الثمن الذي يستحقه.
ويعلن دائماً أن سياسته تتمثل بعدم الانضمام لمشروع لم يكن فيه مؤسساً منذ البداية؛ ولا يقبل إرسال المشاريع له للتوقيع عليها والتزامها، لذلك لا يقبل طريقة التعاطي التركية مع الفصائل والقائمة على إصدار الأوامر، كما يحرص حرصاً شديداً على عدم تسريب أية معلومة؛ مهما صغرت، فهو من أصحاب نظرية أن المعلومة قوة، فلماذا يقدمها مجاناً للآخرين؟
ويعتبر سلوك العديد من الفصائل العسكرية سلوكاً غير لائق ثورياً؛ لأنهم تقاضوا رشىً مالية بالدولار مقابل تهريبهم لعناصر وقيادات من داعش أثناء هزيمتها أمام التحالف الدولي؛ بينما هو لا يمكن أن يفعل هذا مطلقاً، كما صرح أكثر من مرة.
وبالوقت نفسه يعتقد بأن مشروعه المدافع الاساسي عن السنة العرب؛ وأنه هو رائدهم وحامي بيضتهم (وجودهم). ولذلك ينظر إلى حل المسألة السورية بأنه لن يحدث إلا إذا كان جالساً على طاولة الحل للتفاوض بصفته ممثلاً للسنة السوريين؛ وهو يعتقد بذلك اعتقاداً جازماً.
له موقف متشدد جداً من الدواعش؛ وهو مستمر في مطاردتهم وتخليص العالم من شرورهم؛ كما يروج لسياسة الاعتدال في التعاطي مع الناس في إدلب؛ وهو صادق فيها! حيث إنه لم يفرض النقاب على النساء، بل فرض الحجاب فقط، وإنه تغاضى عن الأركيلة والتدخين، وأن تعليماته واضحة بأن تكون جماعة الحسبة مؤدبة ولطيفة مع الناس. ويكثر من الحديث بصفة الأنا؛ ويكثر من القول بأنه فعل كذا وكذا؛ وهذه ظاهرة تستحق الدراسة ويمكن من خلالها سبر أغوار إضافية في شخصيته.
يكره الشيعة كثيراً؛ ويرى أن من واجباته لجم التمدد الشيعي، ولست أدري هل كراهيته لإيران مصدرها طروحات أبيه القومية؟ أم بعد تحوله للسلفية وما جرى للعراق من إيران؛ وكان شاهداً عليه؟
شديد الاعتداد بحكومة الإنقاذ؛ ويرى أنه لا تُقارن أبداً بالحكومة المؤقتة في عهد عبد الرحمن مصطفى، ويرى أنه إنْ قُدّر للشمال السوري تشكيل حكومة واحدة؛ فينبغي أن تنطلق ابتداء من حكومته حكومة الإنقاذ، ويعتقد بأن الفصائل الأخرى كفيلق الشام لها نقاط رباط؛ ولكن ليس لها مشروع حكومة. وكان شديد القلق من تشكيل الجبهة الوطنية في إدلب؛ ورفض الانضمام إليها؛ واعتبر بأنها “فيلم تركي” على حد قوله؛ هدفه تذويب هيئة تحرير الشام إلى فصائل تسمع وتطيع للتركي بغض النظر عن المصالح السورية.
رؤيته في الاقتصاد!
يعتقد الجولاني بأن له دوراً كبيراً في ضبط وتحديد سعر صرف الليرة السورية في دمشق؛ وأن إشاعة واحدة من هيئة تحرير الشام؛ تساهم في تدهور سعر صرف الليرة السورية في دمشق نفسها! ويعتبر سوق الذهب في إدلب هو أهم سوق للمجوهرات والعملات في سوريا كلها.
وأنه هو من يقوم بضبط التبادل التجاري مع مناطق النظام السوري؛ ومن يسمح بانتقال محدد للسيولة النقدية الأجنبية؛ وليس بشكل منفلت؛ ويخضع هذا الأمر لما تمليه مصلحة المواطن ومنع التضخم الذي يبتلع مدخراتهم. ولا نعلم هل هذه وجهة نظر أبيه؟ ومن تخطيطه كونه خبيراً اقتصادياً كما أسلفنا؟ أم وجهة نظر الابن ودراسة من مستشاريه؟ ونرجح الأول.
وكل خطوة يقوم بها مدروسة بما في ذلك الأفكار الشريرة! وبالتالي فظهوره الإعلامي؛ وتصريحاته؛ تبعث برسائل للآخرين؛ فمثلاً ظهوره الإعلامي نهاية نيسان/إبريل كان رسالة مهمة جداً بعد فشل الروس والأتراك من حصولهما على تنازل منه للتفاوض من نظام الأسد، وهذا واضح جداً لمن تابع ذلك الظهور الإعلامي؛ والتهديدات المبطنة التي ذكرها في ذلك اللقاء.
علاقته بتنظيم القاعدة!
على الرغم من اعترافه بأن لتنظيمه علاقة سابقة بالقاعدة؛ إلا أنه قطع معها نهائياً؛ ولم تعد لهم أية صلة بها، بل سعى بشتى الوسائل لتفكيك القاعدة في سوريا والقضاء عليها. ليس كرهاً بها؛ ولكن وجودها ووجود أي فصيل إسلامي ذي شوكة؛ يؤثر على وجود تنظيمه وشعبيته وقراره في تمثيل السنة السوريين.
كما يعتقد الجولاني بأن الأمريكان والأوربيين لا يعترضون على تطبيقنا الشريعة؛ والتي نطبقها باعتدال ــ على حد قوله ــ لأنهم وافقوا من قبل على تطبيق طالبان للشريعة، ولكن المشكلة هي تخوفهم من قيامهم بهجمات ضدهم في الخارج؛ ولقد أرسل عدة رسائل للغرب ليطمئنهم في ذلك.
رؤيته للحل مع النظام السوري! وكيفية يتعامل معه؟
يعتقد بأن وجود تنظيمه له أهمية كبرى؛ تمنع النظام السوري من استعادته لكامل الأراضي السورية؛ ولو أن النظام السوري استعاد السيطرة الكاملة على التراب السوري، فسوف يعيد بناء الجيش وتركيبه على أسس لا تسمح بحدوث هزة أخرى له لمدة خمسين عاماً.
لذلك يعتقد أنه مفتاح الحل في سوريا؛ ولا يستطيع النظام تعويم نفسه؛ وإعادة انتاجه؛ دون التخلص منه ومن تنظيمه، ولذلك لا يقبل بالتفاوض على ذلك مهما حدث؛ ولقد أشار إلى ذلك بطريقة يفهمها من له علم بجولات التفاوض الكثيرة بينه وبين الروس برعاية تركية؛ وبوجوده وتنظيمه لن يصدق أحد بأن الأسد قد انتصر على الثورة.
كما لديه اعتقاد راسخ بأن هيئة تحرير الشام هي المعقل الأخير للسنة العرب في سوريا؛ إن لم تكن هي المعقل الأخير للسنة في شرقنا البائس؛ وصمود السنة في إدلب يخدم السنة في كل العالم الاسلامي.
علاقة الجولاني مع تركيا؟ والندية في تعامله مع الأتراك!
للجولاني موقف استقلالي واضح؛ فهو لا يقبل بأن يملي عليه الأتراك ما يريدونه دون ثمن؛ ولعل مردَّ ذلك إلى تأثره بأبيه الذي كان ذا ميول قومية عربية، كما يرى الجولاني بأن الأتراك استفادوا كثيراً من قوة الهيئة؛ ولم يدفعوا ثمناً مقابل هذه الاستفادة. وبالتالي فهو ينطلق من مصالح السوريين في الشمال المحرر؛ وأن هذا له الأولوية الكبرى؛ وأنه ليس من مهمته تحقيق الأمن القومي للأتراك رغم مراعاته لذلك، المهم أن له ولجماعته الشخصية الاستقلالية التي لا تقبل أن تكون تبعاً، بل شريكاً. وهذا متعب للأتراك!
ويعتب دائماً على الأتراك في أنهم لا يقدمون معلومات كافية لفهم ما يجري من نقاشات دولية وتفاهمات واتفاقات، كما يرفض بشدة استمرار تردد أعضاء من تنظيمه إلى تركيا للسياحة؛ وما شابه ذلك؛ لذلك لا يسمح بالذهاب أكثر من اثنين فقط من جماعته الى تركيا لعقد اجتماعات وللحاجة الملحة.
ومن تفسيراته للأحداث أنه يرى تعاطي الباكستانيين مع ملف أفغانستان أفضل بكثير من تعاطي الأتراك في سوريا، ولذلك فهو غير راضي عن الأداء التركي؛ في التعامل مع القضية السورية.
ولعل استيلاء جبهة النصرة على معبر باب الهوى وطرد فصيل أحرار الشام منه في شهر تموز/يوليو ٢٠١٧ وقبول تركيا بهذا، كان نقطة فاصلة في مشوار تأسيس إمارته؛ وكثيرون يعدون هذا البداية الحقيقية التي رسخت سلطة الجولاني ومنحته كل أركان ودعائم الحكم في إدلب؛ وبداية اعتماد الأتراك عليه بشكل مطلق؛ كضابط أمني لتلك المنطقة.
بعد دخول جبهة النصرة في مفاوضات مع الأتراك لتنفيذ اتفاق خفض التصعيد الذي وقعته تركيا مع كل من روسيا وإيران في الرابع من مايو/أيار ٢٠١٧ وأعلن بموجبه عن تأسيس منطقة تخفيض التصعيد في إدلب في الجولة السادسة من استانا في الرابع عشر والخامس عشر من سبتمبر/أيلول ٢٠١٧، بعدها تم تثبيت نقاط المراقبة في منطقة تخفيض التصعيد الرابعة في إدلب ابتداء من الثالث عشر من شهر اكتوبر أكتوبر/تشرين الاول ٢٠١٧.
ويرى بعض الخبراء أن هذا الاتفاق والبدء بتثبيت نقاط المراقبة؛ لم يكن ليتم لولا أن جبهة النصرة قد قبضت ثمنه؛ وهو معبر باب الهوى بعد رفض أحرار الشام تنفيذ اتفاق تخفيض التصعيد، ومن هنا بدء الأتراك يرون أن الجولاني ورقة لها عدة استخدامات في الحالة السورية حرباً وسلماً وتفاوضاً.
يعتقد الجولاني بشكل كبير بأن سياسة أمر الواقع؛ والثمن الكبير الذي سيدفعه أي طرف سيشن عليه حرباً؛ سيدفعهم بالنهاية إلى تبنيه كزعيم وتنظيم شبيهاً بحماس في فلسطين؛ وحزب الله في لبنان.
ويتمتع بقدرة هائلة على تفتيت الخصوم والتفريق بينهم، فقد استطاع في معظم الحالات التي واجهها تبديد شمل المخالفين له من خلال سياسة العصا والجزرة. وكان هو الطرف الوحيد الذي قَبِلَ أن تكون شهادات الثانوية والتعليم العالي تحت إشراف الحكومة المؤقتة؛ ولو شكلياً؛ وينتقد بشدة عدم قبول نفس الشهادات من قبل المجالس المحلية المرتبطة بالأتراك بشدة.
ما الدور التركي في مفاوضات الجولاني مع الروس؟ وما هي الملفات السبعة التي تم التفاوض حولها؟
جرت منذ فترةعدة لقاءات تفاوضية بين الجولاني والروس؛ كجزء من التفاوض بين الأسد والأتراك من جهة، والتفاوض الرباعي حول سوريا (روسيا وإيران وتركيا والنظام) هذه المفاوضات تضمنت سبع ملفات؛ للجولاني دور مهم في بعضها؛ سنذكرها تباعاً:
- الملف الأول: التكاتف والتحالف مع نظام الأسد والأتراك بمساعدة الجولاني لهما ضد “قسد” و”مسد” (الإدارة الذاتية) في شمال شرق سورية/ الجزيرة السورية وشمال دير الزور والرقة.
- الملف الثاني: إدخال المساعدات عبر الحدود التركية حصرياً لسورية أي لمناطق إدلب والنظام؛ وهذا أيضاً تم التفاهم فيه مع الجولاني، وحتى الآن تم الاتفاق على معبرين اثنين هما الراعي وباب السلامة.
- الملف الثالث: ملف المعابر الداخلية؛ وهو ملف متعلق بإدلب والجولاني والأتراك؛ ويحتاج لموافقة الجولاني، ولا معلومات حول نتائجه حتى الآن.
- الملف الرابع: ملف روسي/ تركي ومع النظام حول تعامل الأتراك مع أنشطة المعارضة السورية على أراضيها؛ وكيفية التعامل مع التنظيمات العسكرية التابعة للمعارضة السورية.
- الملف الخامس: طلب فيه النظام السوري من الأتراك استعادة إدلب؛ وهذا الملف عقدة العقد، ويبدو أنه تم الحديث مع الجولاني حوله بشكل ما، لا نعرفه، بدليل خروجه بعد ذلك في لقاء إعلامي يهدد ويتوعد.
- الملف السادس: مشاريع أُطلق عليها اسم “التعافي المبكر” للنظام الأسدي؛ الذي يسبق إعادة الإعمار في سوريا.
- الملف السابع والأخير: خروج الأتراك من سوريا.
نلاحظ في التفاوض السوري/ التركي بوساطة روسية/إيرانية أن الجولاني له دور في ثلاث ملفات بشكل مباشر، إضافة إلى وجوده كعقدة في الملفات الأخرى.
الخلاصة
الجولاني له مشروعه الخاص والطموح؛ وهو ليس بالضرورة مشروعاً وطنياً وربما يكون، بل ربما يكون مشروع إمارة! لكنه غير مستعد للتنازل عنه! ولا الاندماج بغيره خشية الذوبان! والتقديرات تؤكد أنه لن يتعاون جدياً مع الحكومة المؤقتة، أو مع الأتراك مالم يضمن ازدياد نفوذه، وربما يحلم بالتمدد نحو غصن الزيتون ودرع الفرات والاعتراف به كقوة واقعة على الأرض، وهذا واضح من خلال استغلاله كل مشكلة تحصل للتدخل وتعزيز وجوده الأمني أولاً في غصن الزينون ودرع الفرات وقد نجح بهذا.
ويعتقد الجولاني بأنه أنشأ أنموذجاً مدنياً في إدلب أفضل بكثير من النموذج الذي صنعه الأتراك في درع الفرات وغصن الزيتون؛ وأن أنموذجه يُحتذى ويستحق العيش والبقاء والنمو، فهو نجح بالوقت الذي فشل فيه الإخوان المسلمون رغم خبرتهم وتاريخهم وإمكاناتهم وعلاقتهم، كما فشل الأتراك أيضاً؛ رغم كونهم دولة عريقة.
ففي الجانب التعليمي نلاحظ أن سير جامعة إدلب يثير الإعجاب، وقد استوعبت حتى الآن أكثر عشرين ألف طالب. والمشافي تجري فيها دراسات عليا، وتدريبات للأطباء مثلها كمثل جامعات النظام، على عكس المشافي في درع الفرات وغصن الزيتون.
والملاحظ أيضاً خلال تجوالك بإدلب؛ ستشاهد أن هناك انضباطاً ادارياً ملحوظاً، وأن القرارات التي تتخذها حكومة الإنقاذ تنفذ، وقرارات الوزارات مهما صغرت لا أحد يستطيع مخالفتها والقانون له هيبة.
ومما تقدم نتساءل: هل نحن أمام مشروع دولة؟ أم إمارة إسلامية؟
[1] ـ بطاقة تعريف بجبهة النصرة:
[2] ـ بلدة الشحيل قرية تتبع ناحية البصيرة في دير الزور سوريا؛ وتقع على ضفاف نهر الفرات شرقاً؛ ويصب حيث تكون ملتقى النهرين الخابور والفرات ويصب نهر الخابور في أول المدينة من جهة البصيرة. يغلب على مدينة الشحيل الزراعة فلذلك أكثرهم يعملون كمزارعين، يحد المدينة من جهة الغرب نهر الفرات حتى نهايتها ومن جهة الشرق منطقة الحوايج، ومن جهة الشمال البادية السورية إلى حدود العراق. تبعد بلدة الشحيل عن محافظة دير الزور 45 كم وعن مدينة الميادين 10 كم. وعن مدينة البوكمال 95 كم.
[3] ـ أسامة الحداوي كان يخرج على الفضائيات في ذلك الوقت؛ كمراسل ويتحدث عما يجري بالمنطقة؛ ولا نعلم من الذي أوصله إلى الفضائيات يقيناً؛ ولكننا نرجح أن يكون واحد من ثلاثة أوصلوه إلى الفضائيات (ت.ع) أو (س. ص) أو (م. ظ)؛ وهم من بقايا تنظيم الطليعة المقاتلة. اختفى الحداوي؛ ولا يعرف أين هو بالضبط؛ هل قُتل بغارة؛ أم هو في تركيا؟ ولقد كان اختفاؤه بعد وصول الجولاني إلى إدلب، ولم يظهر حتى يومنا هذا.
[4] ـ بدأ الدعم المالي لجبهة النصرة أولاً من خلال رأس مال محدود في البداية (٥٠) ألف دولار أعطاه إياه أبوبكر البغدادي للجولاني عند التأسيس قبل أن ينشق عن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
[5] ـ هذه مسألة مهمة جداً إذا عرفنا أسبابها؛ ومن الذي أوحى له باختيارها، حيث آنذاك كانت دير الزور وريفها؛ هي الخيار الأمثل؛ لقربها من الحدود العراقية، ووجود النفط فيها بكثرة، ولكثرة الشباب السلفية في ريفها، وهذا أمر محير بالنظر لذكاء الجولاني وتأثير والده عليه
[6] ـ تشعر أحياناً عندما تشاهد الجولاني أنه يحاول بطريقة غير مباشرة تقليد صدام حسين لتأثره به. وما يؤكد هذا التأثر صلابته وتشدده في المفاوضات الأخيرة مع الروس برعاية تركية.
[7] ـ راجع التعريف بسيرته الذاتية بدراستنا عنه والتي هي بعنوان (جبهة النصرة والجولاني؛ وإرهاصات الولادة):
الآراء الواردة في هذا المقال هي للمؤلف شخصياً ولا تعكس بالضرورة رأي مركز أبحاث مينا.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.