كشفت وزارة الدفاع الروسية، صباح اليوم – الجمعة، عن مساهمة الجيش الروسي في عمليات إنشاء مستشفى ميداني، في إقليم لومبارديا الإيطالي، الذي يعاني من تفشي فيروس كورونا المستجد-كوفيد 19، بشكلٍ كبير، وهو ما جاء بعد يومين فقط من انتقادات الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” لتصاعد الحديث عن الدورين الروسي و الصيني في مساعدة إيطاليا، مقابل غياب المساهمة الأوروبية، في إشارة إلى وجود بعض الأجندات السياسية وراء الدعم الإنساني والطبي المقدم من قبل الدولتين الشيوعيتين.
في غضون ذلك، أشارت الوزارة الروسية، إلى أن المستشفى من المفترض أن يتم افتتاحه قريباً، مضيفةً في بيانٍ صادر عنها: “من المقرر أن تبدأ الفرق الطبية الروسية والإيطالية يوم الاثنين بالعمل المشترك على استقبال وعلاج المرضى والمصابين بعدوى فيروس كورونا المستجد في مستشفى ميداني”، لافتةً إلى أن المستشفى مصمم لاستيعاب 142 مريضا ، وسيعمل فيه أكثر من 200 متخصص روسي وإيطالي.
ويأتي إعلان الوزارة بعد قرابة الأسبوع من إرسال القوات الجوية الروسية، 15 طائرة محملة بالمعدات الطبية وبعض المختصين عسكريين بعلم الأوبئة وخبراء من وزارة الدفاع، إلى الأراضي الإيطالية، الأمر الذي فجر قلق العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا من التمدد العسكري للجيش الروسي في القارة الأوروبية، تحت ذريعة العمل الإنساني، على حد وصفها.
تزامناً، واصل فيروس كورونا حصد أرواح المزيد من الإيطاليين، حيث أعلن المركز الكبير لإحراق جثث الموتى في مدينة ميلانو الإيطالية إغلاق أبوابه، اعتباراً من أمس – الخميس، لافتاً إلى أن ذلك القرار مرتبط بارتفاع أعداد الجثث المتكدسة داخله، والتي تفوق طاقته الاستيعابية.
من جانبه، أوضح مجلس مدينة ميلانو أن فترة الانتظار لحرق الجثث في مركز “كريماتوريو دي لامبراتي” قد تصل إلى 20 يوماً، معتبراً أن تلك الفترة الطويلة للقيام بأعمال حرق الجثث قد تولد مشاكل تتعلق بالنظافة والصحة العامة.
وتعتبر إيطاليا وإلى جانبها إسبانيا، بؤرة تفشي المرض في القارة الأوروبية نظراً لارتفاع معدلات الإصابة والوفيات الناجمة عنها مقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى، حيث سجلت إيطاليا وحدها خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، 760 وفاة جديدة بكورونا ليرتفع بذلك مجمل حصيلة ضحايا الوباء في البلاد إلى 13915 شخصاً، تم تسجيل أكثر من نصفهم بمنطقة ميلانو شمالي البلاد، والتي تعتبر المركز الاقتصادي لشبه الجزيرة الإيطالية.
وكانت إيطاليا قد ووجهت انتقادات حادة إلى فرنسا وألمانيا، على خلفية ما وصفته تجاهلهما في البداية توفير كمامات ومعدات أخرى لمساعدتها في مواجهة تفشي الفيروس، حيث صرح وزير الخارجية الإيطالي “لويجي دي مايو”، في وقتٍ سابق، بأن بلاده تواجه حالة طوارئ صحيّة – اقتصاديّة ناجمة عن فيروس كورونا، وأنها تنتظر ولاءً من شركائها الأوروبيين.
من جهته، رد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” على التصريحات الإيطالية بالتأكيد على أن بلاده تقف إلى جانب إيطاليا في مواجهتها فيروس كورونا المستجد، مضيفاً: “هناك حديث كثير عن مساعدات من الصين وروسيا ولكن لماذا لا نقول إن فرنسا وألمانيا وفّرتا مليوني كمامة وعشرات الآلاف من السترات لإيطاليا؟، أدرك أن ذلك ليس كافياً، لكنه مجرد بداية”، معرباً عن قلقه من أن تتجه إيطاليا أو إسبانيا أو دول أخرى إلى أن تقول لشركائها الأوروبيين: “أين كنتم عندما كنا على الجبهة؟، مشيراً إلى أنه لا أريد أوروبا أنانية ومنقسمة.
بالعودة إلى ما قبل تاريخ انتشار فيروس كورونا، فكان بعض ساسة العالم والخبراء على اعتقاد أن مرحلة الحرب الباردة والأجواء الجافة بين أوروبا وروسيا قد أفل نجمها ودفنت مع بقايا العالم القديم، ويرى أصحاب هذه النظرية، وجوب أن تتبنى أوروبا عناوين لعلاقات جديدة مع روسيا واستغلال الارتباط الجغرافي والمصالح الأمنية المشتركة وكذلك التجارية فيما بينها.
إلا وجهات نظر أخرى، تعتقد أن الخلافات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا كبيرة لدرجة عدم قدرة الطرفين على تجنبها، وعلى رأسها المنافسة على سيادة العالم، والتربع على عرش نظامه الجديد لا يسعهما معا، ناهيكم عن وجود القوة الأولى في العالم- الولايات المتحدة الأمريكية.
أما من منظور التحركات الأخيرة للجيش الروسي في مساندة دولة أوروبية- إيطاليا- فهو يحمل في جعبته الكثير من الاسئلة والمخاوف والتحدريات للأوروبيين وكذلك للروس أنفسهم، فالأخير يريد موطئ قدم تعزز وجوده مستغل في ذلك الأزمة التي عصفت بأوروبا ككل العالم- فيروس كورونا، وكذلك تراخي الدعم الأوروبي للإيطاليين، في حين أن الاتحاد الذي يمر بأسوء مراحله الاقتصادية والتعاونية تحوف المخاطر حاضره ومستقبله، ولعل الخطوة الأولى للجيش الروسي وطريقة معالجتها من قبل الأوروبيين، ستكون محور مؤسس لما هو قادم.