على الرغم من أن السلاح خارج إطار أجهزة الدولة اللبنانية، يقتصر على ميليشيات حزب الله، إلا أن سيناريو الحرب يبقى البديل الأكثر تداولاً في الساحة السياسية اللبنانية، مع تصاعد الأزمة السياسية والاقتصادية وتنامي الغضب الشعبي، لا سيما بعد قرار الحكومة رفع أسعار الوقود بنسبة 30 بالمئة وفقدان الأدوية وانقطاع الكهرباء، بحسب ما سجمع عليه عدد من المحللين.
يقول المحلل السياسي اللبناني، “ميشال بو صعب”: “البحث في تاريخ الزعماء السياسيين اللبنانيين، يظهر أنهم جميعاً كانوا نتاج حرب، وليس فكر سياسي، فمعظم السياسيين البارزين على الساحة وحتى حكام لبنان هم من أمراء الحرب السابقين، لذا فإن الحرب أو وقوعها أو التهديد بوقوعها جزء من وجودهم واستمرارية إمبراطورياتهم السياسية، التي بنيت بدماء اللبنانيين”، لافتاً إلى أن ذلك يصاعد من إمكانية انزلاق لبنان إلى إحدى أنواع الحروب في المستقبل القريب.
سيناريوهات الحرب المستبعدة
تهديدات الأمين العام لميليشيات حزب الله، “حسن نصر الله” الأخيرة بشن حرب ضد إسرائيل، لا تجعل ذلك السيناريو مطروحاً أو الأكثر قرباً للواقع، بحسب ما يراه “بوصعب”، لافتاً إلى أن حديث “نصر الله” عن الحرب مع إسرائيل لا يتعدى الدعاية الإعلامية.
ويشير “بوصعب” إلى أن وضع الحزب عسكرياً وسياسياً ومالياً لا يمكنه من اتخاذ تلك الخطوة على الإطلاق، لافتاُ إلى أنه حتى الحاضنة الشعبية للحزب غير مستعدة لمثل تلك الحرب وتبعاتها في ظل الأزمة التي لم تستثن حتى معاقل الحزب الرئيسية في الجنوب والضاحية الجنوبية.
يشار إلى أن “نصر الله”، قد شدد في كلمته الأخيرة على ضرورة تطوير المواجهة الإعلامية مثل تطوير أدوات المواجهة العسكرية والأمنية والسياسية، معتبراً ان تلك المحاور هي جزء أصيل في المعركة ضد إسرائيل.
في ذات السياق، يلفت “بو صعب” إلى أن “نصر الله” ومن خلفه إيران، لن يقدموا على أي خطوة من شأنها الإضرار بمفاوضات الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدم منح إسرائيل مبررات لتنفيذ هجمات مباشرة ضد منشآت إيرانية في حال اندلاع الحرب، معتبراً أن قرار الحرب بين الحزب وإسرائيل أمر بغاية التعقيد والتشعب ويخضع لحسابات إقليمية ودولية، تمنع الحزب من اتخاذ مثل ذلك القرار بشكل منفرد.
في ذات السياق، يشدد “بو صعب” على أن حزب الله تحديداً بحاجة إلى إعادة تلميع نفسه مجدداً أمام الساحة البنانية، خاصة وأن شريحة كبيرة جداً من اللبنانيين تحمله مسؤولية ما تشهده البلاد، لافتاً في الوقت ذاته إلى حاجته تلك لا تعني أن يخوض مغامرة أكبر من قدرته على تحملها.
وكان “نصر الله” قد لفت إلى ان هناك حرب إعلامية على المقاومة وتسخر مليارات الدولارات لتشويهها، مضيفاً: “يجب تطوير الخطاب الإعلامي للمقاومة بما يتناسب مع التحولات والتهديدات في المنطقة”.
أقرب الطرق وأقصرها لحماية الإمبراطوريات
أمام صعوبة خوض حرب مع إسرائيل كوسيلة للفرار من حالة الغضب الشعبي، يظهر وفقاً “لبو صعب” مفهوم الحرب الأهلية، كأقرب الطرق وأقصرها لحفاظ السياسيين على إمبراطورياتهم وزعاماتهم السياسي، مشيراً إلى أن حقيقة ما يحدث في لبنان، هو حرب مندلعة بين الشعب من جهة وبين طبقة السياسيين من جهة أخرى، وليس مجرد انتفاضة على أوضاع طارئة في بلد يعاني من أزمات.
تزامناً، يشير المحلل السياسي “فادي فرنجية” إلى أن الحزب ليس هو الجهة الوحيدة المهددة بفقدان زعامتها، وإنما كامل الطبقة السياسية، وبالتالي فإن بقية الأطراف السياسية تريد حلاً يساعدها مجتمعة على تجاوز حالة الاحتقان الشعبي وترسيخ زعامة قادتها.
في هذا السياق، يرى “فرنجية” أن سيناريو الحرب الطائفية هو الأقرب جداً، كونه سيساعد القادة السياسيين في إعادة العزف على سيمفونية حماية الطوائف وتمثيلها والدفاع عن حقوقها، مضيفا: “منذ بداية الأزمة في لبنان، كان التخويف من الآخر هو عنوان أحاديث وكلمات السياسيين، الذي أصلاً بنوا زعاماتهم على أنقاض الحرب الأهلية، لذا فإنهم لن يترددوا في تكرار تلك الحرب مجدداً في حال كانت ستساعدهم في الاستمرار بالسلطة، خاصةً وأن الجيش اللبناني لن يكون قادراً على التصدي لذلك السيناريو”.
كما يضيف “فرنجية”: “ما يجب فهمه في لبنان، ان البلاد بعد الحرب الأهلية تحولت إلى كانتونات طائفية تسيطرة عليها مجموعة من الأشخاص، الذين يورثون الزعامات الحزبية والمناصب السياسية لأبنائهم كما يورثوهم الثروات والأموال، لذا من الصعب عليهم تقبل فكرة تسليم البلاد للشعب وفقدان كل تلك الامتيازات والنفوذ”، مشيراً إلى أن لبنان آخر بلد في العالم يمكن أن يتحدث عن مناخ سياسي أو حياة سياسية في ظل النظام القائم.
صومال بنكهة سياسية
حالة الهدوء النسبي، التي عاشها لبنان، لم تكن سوى تسييس للصراع على السلطة وتقسيم البلاد بين زعماء الحرب الأهلية، كما يقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية “علي عزام”، واصفاً حال لبنان خلال تلك الفترة بأنه نسخة سياسية عن الأوضاع في الصومال.
ويوضح “عزام”: “بالنظر إلى الخارطة السياسية والتاريخية اللبنانية، فإن ذات الأشخاص وليس الأحزاب، تحكمه منذ أكثر من 40 عاماً، حيث الأسماء تتكرر والمناصب تتكرر وتورث، يمكن القول بأنه منذ 40 عاماً لم تشهد الساحة اللبنانية ولادة شخصية سياسية جديدة”، معتبراً ان كل ما حصل بعد الحرب هو ترسيم حدود كل زعيم سياسي، ووقف استخدام السلاح، والاعتماد على إثارة الأزمات السياسية بدلا من الصدامات المسلحة.
كما بعتبر “عزام” أن كيان الدولة اللبنانية منهار أساساً وأن لبنان كان حي بفعل المساعدات والقرارات العربية والدولية، وليس بفعل النظام السياسي القائم، الذي يصفه بأنه أخطر ما يهدد لبنان واللبنانيين حالياً، محذرً من إمكانية دفع بعض الأطراف السياسية في البلاد إلى إثارة النعرات الطائفية والفتنة للتغطية على الأوضاع المتردية ومطالبات الناس بالإصلاحات.