وحدة الترجمة والرصد في مرصد مينا الإعلامي
المدخل
تطورت المقاربة الروسية للحرب الدعائية تطوراً ملحوظاً منذ غزوها لجورجيا وربما قبل ذلك، فقد وظف هذا البلد قنوات ووسائط إعلامية جديدة ومتنوعة توظيفاً فاعلاً؛ دعما لعملية ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 وتورطها الراهن في أوكرانيا وسورية.
يعدّ نموذج الحرب الدعائية الروسية أشبه ببوق أكاذيب بقنوات متعددة، إذ يبث هذا النموذج الرسائل من دون أي حساب لقيم الحقيقة. وهو كذلك يتمتع بالسرعة والاستمرار وروح المنافسة، ولكنه يفتقر إلى الثبات والالتزام.
لقد أثبتت بحوث علم النفس نجاعة كثير من أوجه هذا النموذج. وعلاوة على ذلك فإن العوامل التي تجعل هذا السيل من الأكاذيب فاعلاً هي نفسها العوامل التي تجعل من الصعب مجابهة هذا النموذج. فكيف نجح هذا النموذج الروسي من الحرب الدعائية في تحقيق غايات شيطانية في المحيط الإقليمي والدولي.
الحرب الدعائية الروسية متعددة القنوات وذات قدرات عالية
إن المقاربة الروسية للحرب الدعائية تعتمد على المقاربات السوفياتية إبان حقبة الحرب الباردة. هذه المقاربة جديدة كلياً، وتحركها البيئة المعلوماتية المعاصرة. لقد أحسنت روسيا استخدام التكنولوجيا ووسائل الإعلام المتاحة بالطرائق كلها. يتسم (بوق الأكاذيب الروسي) بسمتين أساسيتين:
الأولى: العدد الكبير من القنوات والرسائل التي تحركها الرغبة الوقحة في بث أنصاف الحقائق أو روايات عارية عن الصحة. ويصف ذلك أحد المراقبين بالقول: (الحرب الدعائية الروسية تسلي وتشوش وتكتسح الجمهور).
الثانية: السرعة والمواصلة والتكرار مع التحلل من الالتزام بالثبات.
إن حجم الحرب الدعائية الروسية كبير درجة لا تصدق، ويجري بثها عبر عدد كبير من القنوات وهي تتضمن بيانات نصية ومقاطع فيديو ومقاطع صوتية وحتى صور مروجة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والمحطات الفضائية ومحطات الراديو والتلفزيون. إن هذه الإجراءات ووسائط إيصالها تتمتع بقوة المصائد التي تهاجم المعلومات ووجهات النظر المضادة للطروحات الروسية وتقوضها.
آر تي قناة روسية عرفت بقناة روسيا اليوم هي إحدى الوسائط الكثيرة لتقديم الأخبار، وموازنتها تزيد على 300 مليون $ سنوياً. فهي تنشر باللغات الروسية والإنكليزية والفرنسية والألمانية والعربية والإسبانية ولغات أخرى لدول أوروبا الشرقية. وهي قناة ناشطة (أون لاين) ويضاف إليها عشرات المواقع لوكالات إخبارية تمارس الحرب الدعائية بصورة موالية للروس.
إن تنوع المصادر يحدث الفرق وذلك بالاعتماد على:
- المصادر المتعددة أكثر إقناعا من المصدر الأحادي ولا سيما إذا كانت هذه المصادر ذات حجج مختلفة تؤدي جميعها إلى مآل واحد.
- تلقي الرسالة نفسها من مصادر عدة يجعلها أكثر إقناعا.
عدد المصادر وحجمها يوثران في المشهد
- المصادقة على فكرة من عدد كبير من المستخدمين تفعل تصديق المتلقي وركونه وثقته في المعلومة.
- عند انخفاض مستوى اهتمام المتلقي فإن قدرة الرسالة على الإقناع تتوقف على عدد الحجج الداعمة لها أكثر من نوعية تلك الحجج.
- إن الرسائل المتبادلة بين أعضاء مجموعة ينتمي إليها المتلقي تكون أكثر قابلية للتصديق وتكون أكثر قدرة على الإقناع.
- الصدقية يمكن أن تكون ظاهرة اجتماعية، فعندما يصدق الآخرون مصدراً ما بوصفه مصدراً موثوقاً يقبل الناس على تصديقه أكثر فأكثر. وهذا الأثر قد يكون أكثر فاعلية عند عدم توافر معلومات متاحة لتقويم مدى صدقية هذا المصدر.
تؤكد أدبيات علم النفس التجريبي أنه في حال تساوي العوامل الأخرى كلها، يكون حجم الرسائل الواردة وتعدد مصادرها أكثر إقناعاً. في حقيقة الأمر يعدّ الكم بحد ذاته ذا قيمة نوعية. إن حجم الدعاية يمكن أن يحقق فوائد أخرى متعلقة بسياق الحرب الدعائية الروسية سيما وأن:
- الكم الكبير من الدعاية يمكن له أن يستهلك انتباه المتلقي وطيفاً واسعاً إضافياً لجمهور محتمل، وهذا يؤدي إلى إغراق الرسائل المضادة.
- تعدد القنوات يزيد فرص استهداف الجمهور المعرض لتلقي الرسائل.
- تلقي الرسالة من مصادر عدة ومتنوعة الأمزجة يزيد فرصة تحقيق الصدقية، وبخاصة إذا كان مصدر البث مطابقاً لوجهة نظر أحد أفراد الجمهور المستهدف.
الحرب الدعائية الروسية سريعة ومتواصلة وتعتمد التكرار
تتمتع الحرب الدعائية الروسية بديمومتها واستجابتها للحوادث. وبالنظر إلى افتقارها إلى الالتزام بالحقائق الموضوعية فإنها لا تحتاج إلى الوقت لتدقيق الوقائع أو التثبت من الادعاءات. فهم سريعاً ما يطلقون تفسيرهم للحوادث الطارئة التي تبدو ملائمة لدعم توجهاتهم وموضوعاتهم المهمة. وهذا ما جعلهم متميزين في سرعة استجابتهم ونباهتهم. فهم دائماً الأسرع في تحقيق السبق ونشر الخبر عن الحدث ويواصلون تكرار الخبر وإعادة تداول التلفيقات.
إحدى التلفيقات قالت إن الرئيس البولندي اندرزيج دودا أصر على أن تستعيد أوكرانيا إقليماً كان يتبع لبولندا سابقا، وقصة أخرى تقول إن مقاتلين من تنظيم الدولة التحقوا بمقاتلين أوكرانيين مواليين للقوات الأوكرانية، وأيضاً قصة الانقلاب المدعوم غربياً الذي زعم أنه وقع في العاصمة الأوكرانية كييف.
أحيانا تعيد بعض الوكالات نشر أخبار الدعاية الروسية المغرضة فمثلاً مصادر إخبارية ألمانية أعادت نشر تلفيقات روسية عن أعمال عدائية في أوكرانيا عام 2014, وكذلك التلفيقات الروسية عن خطط الاتحاد الأوروبي لرفض تأشيرات الدخول للمواطنين الأوكرانيين، مما اضطر رئاسة الأركان الأوكرانية إلى نشر بيان يدحض هذه الادعاءات.
يشير علم النفس التجريبي إلى أن الانطباعات الأولية تكون راسخة، فالإنسان ميال إلى تصديق الرواية الأولى التي يتلقاها حول موضوع ما، ويصطف إلى جانب هذه الرواية عندما يجابه برسائل مضادة. وعلاوة على ذلك فإن التكرار يجعل الأمور مألوفة وهذا يقود إلى تقبل رواية ما. ومن هنا نلاحظ أن:
- كثرة التعاطي مع تصريح ما يزيد فرصة القبول به بوصفه حقيقة.
- الحقائق الخادعة أمر جرى توثيقه جيداً، فالناس يصنفون التصريحات بوصفها حقيقة قائمة، ويمكن تصديقها عندما يكونون قد سمعوها سابقاً أكثر مما هي الحال عندما تكون هذه التصريحات جديدة.
- حتى في حالة القصص المنافية للعقل وخرافات العامة فإن الذين سمعوها أكثر من مرة معرضين إلى تصديقها على أنها حقائق.
- وإذا كان الشخص أصلا متآلف مع طرح معين أو حجة (شاهدها من قبل مثلاً) فإنه يعالجها باهتمام أقل، ويكون عادة أضعف من أن يميز بين الحجج القوية وتلك الضعيفة.
إن الحرب الدعائية الروسية لديها الحيوية لتكون بالمرتبة الأولى، فالمزيج من الحجم الكبير وتعدد القنوات والرسائل المتواصلة يجعل الموضوعات الروسية أكثر قابلية لتكون مألوفة لجمهورها.
الحرب الدعائية الروسية غير ملتزمة بالحقائق الموضوعية
يدعم علم النفس القدرة الكامنة على الإقناع للضخ الإعلامي وتنوع القنوات والمصادر جنباً إلى جنب مع السرعة والتكرار. تلك السمات التي تتصف بها الحرب الدعائية الروسية التي تعير اهتماماً قليلاً بالحقيقة أو تجاهلاً كاملاً لها. وهنا لا نعني أنها زائفة بالمطلق. على العكس فإنها غالباً ما تحوي أجزاء من الحقيقة. وفي بعض الأحيان تكون الحوادث المنقولة في الدعاية الروسية مفبركة بالكامل، كما جرى في وسائط التواصل الاجتماعي عام 2014 إذ شنت حملة للتخويف من انفجار وسحابة كيمياوية في سانت ماري باريش في لويزيانا، وهو ما لم يحصل إطلاقاً. وقد اعتمدت الدعاية الروسية على أدلة مفبركة.
لقد ضُبِط عمداء الحرب الدعائية الروس بحالات استئجار ممثلين ليؤدوا دور الضحايا لأعمال عدائية ملفقة أو جرائم معدة بوصفها مادة إخباريه، كما جرى مع فيكتوريا سكميدت عندما ادعت أنها هوجمت من لاجئين سوريين في ألمانيا، وهذا ما نقلته شبكة نوفستا الروسية. وكذلك تلفيق مشاهد إخبارية (كما أوضح فيديو مسرب تظهر فيه المراسلة ماريا كاتا سونوفا, وقد وضعت في غرفة مظلمة ممزوجة مع أصوت انفجار يصدر في خلفية المشهد أكثر مما هو في ساحة معركة في دونيتسك وفجأة يجري إشعال النور أثناء التسجيل).
لقد لفقت القنوات الإخبارية الروسية ووسائل إعلام أخرى أيضاً اقتباساً نقلاً عن الصفحة الإلكترونية التي تعود إلى براون موسيز (وهو ناقد قوي لنظام بشار الأسد واسمه الحقيقي إيليوت هيغين) يقدم تحليلاً لمشهد يفترض أن الهجمات الكيمياوية في 21 آب 2013 على أنها دبرت من الثوار السوريين. وفي الحقيقة فإن تحليل هيغن يختم تقريره بالقول: إن الحكومة السورية هي المسؤولة عن الهجمات وبأن المشهد جرى تزويره لتحويل المسؤولية عن الهجمات. وبالطريقة نفسها فقد أورد عدد من الباحثين والصحافيين ومنهم ايدوارد لوكاس وكوك هاردينغ ودون جينسن أن كتباً لم يكتبوها أوردت نقلاً عنهم وجهات نظر تتناقض مع وجهات نظرهم المعروفة، وهذه الكتب نشرت باسمهم في روسيا بهدف تصوير روسيا بوصفها قلعة محاصرة بأطراف خارجية حاقدة. هذا ما قاله لوكاس في مجلد نسب إليه زورا بعنوان: (كيف خسر الغرب أمام بوتين).
لماذا كانت هذه الأباطيل فاعلة؟
أولا: وبالنظر إلى الكم الهائل من المعلومات (وبخاصة على شبكة الإنترنت) وكون الناس غالباً ما يعانون كسلاً معرفياً، يقوض فرصة التأكد في ما إذا كانت المعلومات الجديدة قابلة للتصديق.
ثانيا: غالباً ما يكون الناس قاصرين في تمييز المعلومات الحقيقية من تلك المزيفة.
في ما يأتي نعرض بعض العوامل المؤثرة في هذا السياق:
- في ظاهرة تعرف بـ(الأثر العرضي) وهو عادة ما يكون أكثر قوة في الإقناع مع مرور الوقت. ففي حين يجري الناس تقويمات أولية لصدقية المصدر، وذلك باستخدام معلومات غالباً ما تكون منفصلة عن مصادرها، ومن ثم فإن المعلومات المستقاة من مصدر تثير التساؤلات ويمكن تذكرها بوصفها معلومات صحيحة على الرغم من نسيان المصدر.
- إن المعلومات التي يفترض أنها صحيحة مبدئياً، ولكن يثبت في ما بعد أنها غير صحيحة تضمحل بمرور الوقت، ولكنها تستمر في تشكيل ذاكرة الناس وتؤثر في تفكيرهم.
- يظهر الناس عوزاً في قدرتهم على التمييز بين المعلومات الزائفة وتلك الصحيحة.
- بعضهم يكون أكثر استعداداً لقبول المعلومات عندما تكون منسجمة مع رسائل أخرى يظن الشخص أنها صحيحة.
- يعاني الناس عموما من نزعة التأكد، فهم يطالعون الأخبار والآراء التي تؤكد معتقداتهم السائدة بوصفها أخباراً وآراء أكثر صدقاً بغض النظر عن نوع الحجج المقدمة.
- إن الناس الذين ينتمون إلى مجموعة متأثرة بحدث ما، هم أكثر ميلاً إلى تصديق نظريات المؤامرة المتعلقة بذلك الحدث.
- القصص والحسابات التي تثير عواطف المتلقين هي الأكثر تصفحاً بغض النظر عن كونها صادقة أم لا.
- الرسائل الغاضبة أكثر تأثيراً في جمهور من الغاضبين.
- التصريحات الكاذبة أكثر عرضة للتصديق إذا ما دعمت بدليل، حتى ولو كان هذا الدليل غير صحيح.
لقد استفاد البوق الدعائي الروسي من العوامل المذكورة آنفاً. فهناك نسبة محددة من أباطيل الحرب النفسية يمكن للجمهور تصديقها لأنهم لا يميزون بطلانها، أو لأن بعض الإشارات تدفعهم إلى إطفاء صدقية أكثر مما ينبغي.
الدعاية الروسية لا تلتزم الثبات
إن السمة المميزة الأخيرة للحرب الدعائية الروسية هي أنها في حل من الالتزام بالثبات. ويبدو ذلك من خلال النقاط الآتية:
- وسائل الدعاية المختلفة لا تبث بالضرورة القضايا أو الرسائل نفسها.
- القنوات المختلفة لا تبث بالضرورة السرد نفسه للحوادث موضع الاهتمام.
- لا تبدي القنوات المتنوعة أو ممثليها أي تخوف من تغيير روايتهم في حال جرت تعرية إحدى التلفيقات أو التفسيرات أو لم يجرِ تقبلها، مثال على ذلك سلسلة التفسيرات التي قدمت عن تحطم الطائرة الماليزية رحلة 17, فالمصادر الروسية قدمت عدداً كبيراً من النظريات حول كيفية إسقاط تلك الطائرة ومن يقف وراء ذلك. عدد قليل من تلك التفسيرات كان مقنعاً وقابلاً للتصديق.
لقد رصدت 27 حالة مواربة وتحلل من الثبات في التصريحات الروسية، وكان ذلك واضحا في تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فمثلاً في بداية الأمر أنكر الرئيس الروسي أن يكون (الشباب الخضر) في شبه جزيرة القرم هم جنود روس ليعترف بذلك في ما بعد. وبالطريقة نفسها فقد نفى الرئيس بوتين في بداية الأزمة أن يكون لديه أي رغبة في رؤية شبه جزيرة القرم تنضم إلى روسيا، ولكن سرعان ما اعترف بأن تلك كانت خطته من بداية الأزمة.
تؤكد البحوث أن عدم الثبات يمكن أن يكون له نتائج مضرة بعملية الإقناع. يحصل ذلك عندما يبذل المتلقون جهداً لإمعان النظر في الرسائل المتقلبة الواردة من المصادر نفسها، ولكن علم النفس التجريبي يوضح كيف أن الجمهور يمكنه تجاهل بعض التناقضات في أوضاع معينة. فحتى عندما تقدم قناة إعلامية أو أحد مروجي الحرب الدعائية على تغيير وصفها لحوادث معينة بين عشية وضحاها، فإن المشاهدين سينظرون في صدقية آخر رواية من دون إعطاء أي وزن للروايات السابقة المغلوطة.
ويفترض علم النفس أن مغامرات الدعاية الروسية تعاني قليلاً عندما لا تتناغم القنوات المختلفة مع بعضها. ففي حين كانت الروايات المتقلبة لصناع الدعاية على قناة روسيا اليوم مثلاً معذورة بناء على أن التقلبات مردها إلى وجهات نظر مختلفة لصحافيين مختلفين، أو قد تكون بناء على التبدلات الناجمة عن تحديث المعلومات، إلا أن تلفيقات الرئيس بوتين كانت دائماً منسوبة بوضوح إليه شخصيا.
ما يمكن فعله لمجابهة بوق الأكاذيب
إن البحوث التجريبية لعلم النفس تفترض أن مزايا النموذج الروسي للحرب الدعائية يتمتع بقدرة كامنة على التأثير القوي. فحتى تلك المزايا المناهضة للحكمة التقليدية في التأثير الفاعل (مثال ذلك أهمية الصدقية والثبات) تجد لها مستنداً في أدبيات علم النفس. إذا كانت المقاربة الروسية للحرب الدعائية مقاربة فاعلة، عندها ما الذي يمكن فعله تجاهها؟
يمكننا أن نختم بعدد من الأفكار حول كيفية قيام خصوم روسيا بالتصدي لأتون الحرب الدعائية الروسية وهي:
أولا:
تعدّ العوامل الأساسية التي تجعل بوق الأكاذيب فاعلاً هي العوامل نفسها التي تجعل من الصعب مجابهته. فمثلاً إن الحجم الكبير وكثرة القنوات المجيرة للحرب الدعائية الروسية تضمن ناتجاً متوازنا في حال انقطاع بث إحدى القنوات أو أن صوتاً مضللاً واحداً جرت تعريته.
إن المكاسب التي تجنيها أبواق الحرب الدعائية الروسية من تقديم النسخة الأولى من وصف الحوادث يمكن إزاحتها لو أن المصادر الحقيقية قدمت روايتها أولاً، ولكن في الوقت الذي يكون فيه الصحافيون المحترفون والموثوقون ما يزالون يدققون الحقائق، يكون بوق الدعاية الروسي في حالة سيلان. إن الوقت اللازم لتصنيع الحقائق أقل من الوقت اللازم لتدقيق هذه الحقائق وتأكيدها. ليس من السهل أن نكون متفائلين حول فاعلية الجهد المناهض للحرب الدعائية.
يرى بعض المحليين أن التصدي لهذه الحرب الدعائية يكون بمراعاة الملاحظات الآتية:
- (لا تتوقع أنك بإمكانك أن تجابه قاذفاً للأكاذيب بوساطة بندقية ماء ترش الحقائق). بقدر ما هو ضروري الجهد اللازم لمجابهة الحرب الدعائية الروسية ودحضها، هناك ممارسات جيدة ومتاحة يمكنها بل ينبغي لها أن توظف لهذا الغرض. هناك ثلاثة عوامل ثبت أنها تزيد فاعلية إجراءات الدحض والتفنيد التي غالباً ما تكون محدودة:
- تحذيرات مبكرة في وقت التعرض للأكاذيب.
- تكرار عملية الدحض والتفنيد.
- تصحيح الرواية وتوفير البديل وملء الفجوة الحاصلة في الفهم عندما تجري عملية إزالة الحقائق الزائفة.
التحذير المسبق ربما يكون أكثر فاعلية من تفنيد ودحض مفهومات رسختها الحرب الدعائية. يقدم البحث مسارين اثنين ممكنين:
- يحقق دهاقنة الحرب الدعائية المكاسب عن طريق تقديم الانطباع الأولي الذي يصعب التغلب عليه.
- عندما يقاوم الناس الإقناع والتأثير، فهذا يعزز معتقداتهم المسبقة. إن تسليط الضوء على أساليب الدعائيين الروس في محاولاتهم للتعاطي مع الجمهور يمكن أن يكون مثمراً أكثر من مقارعة أساليبهم وطرائقهم المحددة.
عملياً؛ إن الوقوف في وجه التضليل وتنمية الوعي بالأباطيل، وربما يتطلب جهداً متماسكا وقوياً وجهداً أكبر في العلن للتغلب على مصادر الحرب الدعائية الروسية وطبيعة جهدهم. وعوضاً عن ذلك ربما يأخذ ذلك شكل عقوبات اقتصادية وغرامات ومعوقات أخرى ضد ممارسات الحرب الدعائية للروس.
- هناك إمكان للتركيز على مجابهة الحرب الدعائية الروسية أكثر من اتباع الحرب الدعائية بحد ذاتها. دهاقنة الحرب الدعائية يعملون لتحقيق إنجاز معين. ربما يكون هدفهم تغيير المواقف وأنماط السلوك أو كليهما. من الواضح أن الهدف من مجموعة إجراءات الدعاية الروسية ومنتجاتها، هو تقويض توجهات المواطنين في بلدان الناتو الرامية إلى التصدي للعدوان الروسي.
- (لا توجه تيار معلوماتك مباشرة في مواجهة التيار المضاد) بل وجه تيارك إلى النقطة نفسها التي يستهدفها بوق الأكاذيب، وحاول أن تدفع المتلقين في اتجاهات مثمرة أكثر.
- في ما يخص الاستجابة للحرب الدعائية الروسية فإن المنافسة تعطي نتائج أفضل من المجابهة.
إذا كانت الحرب الدعائية الروسية تهدف إلى تحقيق نتائج معينة، فبالإمكان مجابهتها بمنع ذلك الجهد أو إعاقته كفرض القيود على المصادر ووضع الحواجز التشريعية والأخلاقية. مع أنه يمكن أن يكون صعباً أو مستحيلاً دحض الحرب الدعائية الروسية مباشرة، إلا أن لدى خصومها سلسلة من القدرات لتثقيف شرائح محددة من الجمهور المستهدف وإقناعها والتأثير فيها وذلك بمساعدتها على تفادي التأثير السلبي لتلك الحرب الدعائية.
- للتعامل مع تحدي الحرب الدعائية الروسية لا بد من استخدام أدوات تقنية لإيقاف تدفق الأكاذيب أو الحد منها. يجب أن يتصاعد الجهد المضاد للحرب الدعائية ليشمل استخداماً أوسع لسلسلة من قدرات الحرب المعلوماتية، ومن ثم خنق قدرات دهاقنة الحرب الدعائية للروس على نشر رسائلهم وبثها، وهذا ما يضعف أثر جهدهم.
دراسة صادرة عن مؤسسة راند أو مؤسسة الأبحاث والتطوير للمزيد يمكن زيارة:
https://www.rand.org/pubs/perspectives/PE198.html
هذه الدراسة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.