على الرغم من أن تركيا قد سجلت في تاريخها البالغ 100 عام: 50 زلزالاَ بارزاً بقوة 6 درجات أو أعلى أودت بحياة أكثر من 80.000 شخص، نرى أنه لم يتم إعداد البلاد لذلك أبداً. حيث من الواضح أن أولئك الذين كانوا على رأس جهاز الدولة لم يكونوا قادرين على إدارة أزمة بهذا الحجم. و إن رد الفعل الوحيد الذي يمكن أن يظهره نظام أردوغان هو إدارة الإدراك.
سأحاول في هذا المقال أن أوضح كيف تلاعب أردوغان بالحقائق باستخدام مواضيع ملفقة ومحاولة تحويل الانتباه عن فشلهم في مكان آخر بدلاً من تركيز جهودهم المحدودة على إدارة الأزمة بمثالين.
ظهر الرئيس التركي في تاريخ 6 فبراير 2023 الساعة 11:04 صباحاً (بعد سبع ساعات من الزلزال) في مقر رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ (Afet ve Acil Durum Yönetimi Başkanlığı – AFAD).
وكانت الرسائل التي أعطاها:
- حشد المنظمات المستجيبة الأولى مثل وكالة إدارة الكوارث والطوارئAFAD )) و الهلال الأحمر Kızılay)) والرد عليها على الفور
- تم تكليف القوات المسلحة والبلديات.
- قال إنه تم تأكيد وفاة 912 مواطناً.
- كما أشار إلى أن المجتمع الدولي تواصل مع تركيا وعرضت 45 دولة إلى جانب الناتو والاتحاد الأوروبي المساعدة.
الحقائق: أشارت الأرقام التي كشفت عنها وكالة إدارة الكوارث والطوارئ (وهي نفس المؤسسة التي كان يتحدث فيها ) قبل 64 دقيقة فقط إلى أنه تم تأكيد وفاة 284 مواطناً، أي أقل بثلاث مرات مما ذكره أردوغان.
كشفت العديد من المشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي أنه لم يلاحظ سوى القليل جداً (هذا و إن وجد) من الجهد الحكومي في الميدان خلال ال 24 ساعة الأولى) منذ: 2023-02-06حتى: 2023-02-07). وأشار الخبراء العسكريون الذين شاركوا في جهود الإغاثة من زلزال مرمرة إلى أن جهود القوات المسلحة متأخرة جدا وقليلة جدا مقارنة بعام 1999. على عكس عام1999 لا يمكن ملاحظة وجود حقيقي للجيش إلا بعد 36 ساعة وهي أثمن فترة لإنقاذ الأرواح. وعلاوة على ذلك، لم تتمكن القوات المسلحة ولا أي وكالة تنفيذ قانونية أخرى في المنطقة من استعادة القانون والنظام بشكل فعال حتى الآن. ونتيجة لذلك أوقفت ألمانيا والنمسا عملياتهما في 11 فبراير 2023 بسبب تدهور الوضع الأمني. حيث أن تركيا هي من طلبت المساعدة وليس المجتمع الدولي.
نشر المركز الأوروبي الأطلسي لتنسيق الاستجابة للكوارث (EADRCC) التابع لحلف الناتو طلبات المساعدة وذكر صراحة أن منشئ الطلب هو تركيا (ثلاثة طلبات حتى 12 فبراير 2023، تم نشر أولها بعد ساعتين من خطاب أردوغان). مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأنواع من الطلبات تتطلب وقتاً للمعالجة مما يعني على الأرجح أن EADRCC تلقت طلبات من السلطات التركية قبل خطاب أردوغان بوقت طويل).
كان الدافع الرئيسي لأردوغان هو إظهار أنه يسيطر على الموقف، لكن جميع البيانات المتاحة تظهر عكس ذلك. وأدت اختياراته للمناصب الحاسمة إلى تفاقم الوضع.
فهنالك رئيس إدارة الاستجابة للكوارث في إدارة الكوارث والطوارئ “إسماعيل بالاكو أوغلو” الذي يتولى المسؤولية الشاملة عن جهود البحث والإنقاذ، هو من الموالين لحزب العدالة والتنمية دون تعليم وكفاءة مناسبين، وقد تم نقله من رئاسة الشؤون الدينية ديانت (Diyanet İşleri Başkanlığı) قبل شهر واحد فقط. و يخدم ثلاثة من أقارب بن علي يلدريم في الهلال الأحمر(Kızılay) وهي مؤسسة أخرى ينهبها حزب العدالة والتنمية.: إلهامي يلدريم رئيس مجلس الإدارة وشقيق بن علي يلدريم، وبشرى بهار كويلوباي نائب الرئيس وابنة بن علي يلدريم، وسيدا يلدريم عضو مجلس الإدارة و ابنة بن علي يلدريم) كان هؤلاء من بين شخصيات أخرى عيّنها أردوغان دون أي جدارة، ومن الطبيعي ان يضلله مثل هذا الفريق من البيروقراطيين غير الأكفاء.
ربما تردد في تفعيل دور القوات المسلحة لسببين. أولاً: بعد محاولة الانقلاب المزعومة في 15 يوليو، قام بتشويه صورة القوات المسلحة ولم يرغب في أن تكتسب شعبية. ثانياً: أثار الزلزال الذعر لديه من انتفاضة تشبه غيزي، و ربما اعتقد في مثل هذه الحالة الطارئة أنه سيحتاج إلى شخصيات / وحدات موالية له لقمع الانتفاضة المحتملة.
وعندما يتعلق الأمر بالخطاب الذي اختاره في وصف الدعم الدولي، فإن رؤيته الإسلامية السياسية تضع “القوى الأجنبية” كمنافسين له وطلب المساعدة منهم يتناقض مع الأسطورة التي خلقها.
في 7 فبراير 2023 الساعة 12:40 ظهراً (بعد 32 ساعة من الزلزال) ألقى أردوغان خطابا آخر من مركز تنسيق المعلومات الحكومي (Devlet Bilgi Koordinasyon Merkezi) لم يقتصر الأمر على كلماته فحسب، بل تعرضت نبرة صوته ومظهره والخلفية التي اختارها لانتقادات واسعة النطاق. لقد كان غاضبا بلا داع، ووبخ المواطنين بزعم نشر معلومات مضللة وهددهم بالمقاضاة. وجعلته زاوية الكاميرا المختارة يبدو أكثر فظاعة. وخلقت خلفية إطلاق النار تأثير “الأخ الأكبر يراقبك” وحاول بالتأكيد تخويف الناس.
الرسائل التي قدمها هي كما يلي؛
- نحن نواجه واحدة من أشد الأزمات في تاريخ البشرية.
- جميع الأجهزة الحكومية تستجيب للأزمة.
- في الوقت الحالي، نراقب الأخبار المزيفة وفي الوقت المناسب سنحاسب أولئك الذين يختلقون وينشرون المعلومات المضللة.
- يجب على أولئك الذين يرغبون في المساعدة تقديم تبرعات ل AFAD.
- قررنا إعلان حالة الطوارئ في عشر مدن لمدة ثلاثة أشهر.
حقائق: كان الزلزال في الواقع استثنائياً لكنه لم يكن مفاجئاً، ففي ضوء البيانات المتاحة، حذر الجيولوجي البروفيسور ناجي غورور من زلزال محتمل بالقرب من كهرمان مرعش في 3 فبراير 2023 (قبل ثلاثة أيام من الزلزال). والأكثر إثارة للاهتمام أن AFAD وتماشياً مع خطة الاستجابة للكوارث التركية (Türkiye Afet Müdahale Planı – TAMP) كانت قد نظمت تمريناً وطنياً للزلزال في الوقت الفعلي بين 9-11 أكتوبر 2019 في بازارجيك / كهرمان مرعش على بعد 40 كم شمال شرق الزلزال الأول. تتضمن الخطة التي نُشرت في عام 2020 للتخفيف من مخاطر الكوارث تقييماً شاملا ًحول زلزال محتمل في كهرمان مرعش والذي حدث بالضبط تقريباً، لذلك لا يوجد عذر لعدم الاستعداد. و أصدر أردوغان بدلاً من ذلك عفواً عن تقسيم المناطق لكهرمان مرعش في عام 2019 قبل الانتخابات المحلية، والذي يمنح الإذن ل 144.556 مبنى تم الإبلاغ على أنها غير صالحة للسكن.
المشكلة في وسائل التواصل الاجتماعي هي أنها تكسر السحر الذي تخلقه آلة أردوغان الدعائية، حيث يتضح من المشاركات الالكترونية ان الواقع على الأرض كان مختلفاً عن النسخة التي تبثها الالة الدعائية. لذلك استهدف وسائل التواصل الاجتماعي بحالة الطوارئ وحجب تويتر، وهي أحد الوسائل الرئيسية للأشخاص تحت الأنقاض للتواصل مع السطح في 8 فبراير 2023. حاولت حكومة أردوغان في اليوم التالي لهذا الخطاب وفي الوقت نفسه إسكات المعارضين على وسائل التواصل الاجتماعي بالاعتقالات، ولكن عندما أدركوا أن الحظر لا يعمل وأن أردوغان يفقد شعبيته، غير فريقه الدعائي استراتيجيته على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعاد الاتصالات وبدأ في تغذية وسائل الإعلام بالمقاولين المعتقلين للمباني المنهارة ومشاهد التعذيب التي ارتكبها أشخاص يرتدون زي الشرطة وهم يضربون المدنيين الذين يزعم أنهم ينهبون الأسواق ويمنعون قوافل الإغاثة ويسرقون الأنقاض. وبهذا كانوا يهدفون إلى تحويل الكراهية والإحباط ضد الأداء الحكومي الضعيف نحو مكان آخر. كما أغرقو وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام ب “عمليات إلانقاذ الإعجازية” لخلق مشاعر إيجابية بين المجتمع.
نظام أردوغان غير قادر على التنظيم وفاسد حتى النخاع، ومشلول على أيدي أنصار غير أكفاء أفسدوا بشدة جهود إدارة الأزمات. كشف هذا الزلزال أن أردوغان لا يهتم بأي شيء سوى نفسه ويكذب بلا رحمة عندما تكون مصالحه على المحك، كما كشف كيف تعمل آلته الدعائية لتشكيل التصورات. إذا كان لهذا الزلزال جانب إيجابي واحد فقد يكون هذا هو احتمال دعوة لتركيا للاستيقاظ ومعرفة مدى خطورة العيش تحت حكم أردوغان.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.