تتجاوز إيران مرحلة الترجيحات والتوقعات إلى مرحلة اليقين، بعد الإعلان رسمياً عن فوز المرشح المتشدد، “إبراهيم رئيسي” بالانتخابات الرئاسية الإيرانية بنسبة 62 من إجمالي المشاركين بالانتخابات، بعد ساعات قليلة من إغلاق الصناديق، في واحدة من أكثر الانتخابات الإيرانية إثارة للجدل طيلة 40 عاماً من حكم ولاية الفقيه.
يشار إلى أن الرئيس الإيراني الأسبق، “محمود أحمدي نجاد” قد استبق إعلان النتائج باتهام السلطات الإيرانية بتحديد اسم الفائز سلفاً وقبل إجراء الانتخابات، في إشارةٍ إلى “رئيسي”، مشدداً على أنه رفض المشاركة في التصويت بتلك الانتخابات ودعا أنصاره إلى عدم المشاركة.
حرب داخلية وتوترات قد لا تنته
مع إعلان اسم “رئيسي” كفائزٍ بالانتخابات الرئاسية وتتالي بعض ردود الأفعال السلبية من قبل قيادات متشددة، يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط، “محمد بدر الدين” أن إيران تقترب خطوة إضافية نحو الحرب الداخلية، معتبراً أن فوز “رئيسي” في الانتخابات سيواجه من قبل تيار يتزعمه “نجاد”، الذي يتجه بشكل واضح لمعاداة النظام القائم.
ويضيف “بدر الدين”: “نجاد يشعر بالخذلان للمرة الثانية على التوالي بسبب موقف حليفه السابق، المرشد “خامنئي” من قضية عودته للرئاسة وحرمانه من الترشح، وهذا أسهم بشكل كبير في حالة الانقسام الحاصلة، لا سيما وأن الكثير من المتشددين يتخوفون من قوة وطموحات رئيسي وحظوظه في خلافة المرشد، وهذا سيزيد من حدة الحرب الداخلية بين التيارين، تحديداً وان نجاد أظهر جدية منقطعة النظير في تهديداته بفضح النظام الإيراني”، لافتاً إلى أن اختيار “نجاد” للملف النووي الإيراني والتوغل الكبير للموساد داخل المؤسسات الأمنية الإيرانية، وهي الموضوعات، التي تعتبر على جانب كبير من الحساسية في إيران، يؤكد أن الرجل لا يزال لديه الكثير ليتحدث عنه، وأنه ومن خلفه وصلوا عملياً إلى مرحلة اللا عودة مع النظام.
يشار إلى أن “نجاد” كشف قبل أسابيع قليلة أن خسائر إيران نتيجة الهجوم الأخير على مجمع نطنز النووي بلغت 10 مليارت دولار، بالإضافة إلى سرقة مئات الوثائق الهامة عن الأنشطة النووي والفضائية الإيرانية، كما فجر فضيحة من العيار الثقيل، عندما كشف أن مسؤول مكافحة التجسس في وزارة الامن الإيرانية كان جاسوساً للموساد.
ويلفت “بدر الدين” إلى أن إيران من الداخل باتت مفتوحة على كافة الاحتمالات في ظل الوضع الراهن، خاصةً وان “رئيسي” يعتبر من عرابي أحكام الإعدام وأعمال القتل في السجون للمعارضين والناشطين، مرجحاً أن يميل الرئيس الجديد إلى البطش في مواجهة معارضيه، خاصة داخل التيار المتشدد، تحديداً وأنه سيكون رئيس بنفوذ واسع داخل إيران ويملك حظوظاً كبيرة ليكون المرشد الأعلى القادم.
يشار إلى أن منظمة العفو الدولية علقت على خبر فوز رئيسي بالدعوة للتحقيق معه بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية في إيران خلال ترؤوسه للسلطة القضائية.
الموسسة العسكرية وبنادق متجهة إلى الداخل
يكشف المحلل السياسي الإيراني، “ميلاد هدايتي” أن حالة الانقسام داخل النظام الإيراني لا تقتصر على الطبقة السياسية وحسب وإنما تمتد إلى المؤسسة العسكرية، مشيراً إلى وجود حالة صراع ثلاثي على النفوذ بين الحرس الثوري والقوات النظامية والمخابرت، وهو الصراع الذي قد يشتعل أكثر في ظل التطورات السياسية القائمة.
ويضيف “هدايتي”: “هنا تتفاقم خطورة الموقف في إيران، في حال لجأ السياسيين إلى استغلال تلك الانقسامات في المؤسسة العسكرية، واستخدامها في الصراع السياسي على السلطة”، لافتاً إلى أن صراعات النفوذ داخل المؤسسة العسكرية أكبر بكثير من حالة الخلافات بين السياسيين.
كما يحذر “هدايتي” من أن إيران في وضعها الحالي أقرب إلى الحرب الأهلية أكثر من أي وقت مضى، خاصةً وان الكثير من السياسيين والضباط العسكريين يرون أن المرشد وصل إلى نهايته وأنه بات عجوز وأن الوقت حان للتفكير بجدية في مسألة خلافته في أرفع منصب داخل النظام، مشيراً إلى أن “رئيسي” سيعمل على إقصاء معارضيه في التيار المتشدد سوء اعتقالاً أو قتلاً.
مصير رفسنجاني يحوم في سماء سياسيي إيران
يقول المحلل السياسي “حسام يوسف” تعليقاً على الوضع القائم في إيران: “كما اختفى رفسنجاني من الوجود في ظروف غامضة، فإن العديد من السياسيين الإيرانيين سيختفون بذات الطريقة، فالنظام الإيراني لا يفرق عن غيره من الدكتاتوريات في ملف تصفية المعارضين أو المهددين للسلطة، ولكن السؤال هنا كيف ستكون ردة فعل أولائك السياسيين في حال بدء عمليات التصفية بحقهم”، معتبراً أن التيار المتشدد المعارض لرئيسي وخامنئي أكثر تماسكاً من أي وقت مضى.
يذكر أن أوساط إيرانية فد اتهمت النظام الإيراني بإغتيال الرئيس الإيراني الأسبق، “هاشمي رفسنجاني” عام 2017، لاسيما وأن وفاته جاءت في ظروف غامضة ومفاجئة.
ويضيف “يوسف”: “إيران تمر بمرحلة حرجة وشعور خامنئي بسوء الأضاع وبداية ظهور تيارات معارضة في أوساط المتشددين، قد يكون السبب الأول والمباشر في دعم رئيسي كونه يعتبر الأقدر على قمع المعارضين وإعادة الامور إلى نصابها، خاصةً وأن المرشد لم يعد قوياً كما السابق، وحالته باتت تهدد كيان النظام”، مرجحاً أن يبدأ “رئيسي” مهامه بالعمل على تطهير النظام، تحديداً وأن ترك “نجاد” يواصل تهديداته قد يشجع على توسيع الحركة المعارضة داخل النظام.