هيئة التحرير
تسارعت الأحداث في دولة مالي، مع قيام عسكريين متمردين في باماكو باعتقال الرئيس، إبراهيم بو بكر كيتا ورئيس الوزراء بوبو سيسيه.. ليستقيل الرئيس وحكومته ويعلن حلّ البرلمان ويسلم السلطة في خطوة رفضتها المنظومتين الإقليمية والدولية. وتفاعلًا مع تسارع الأحداث في هذا البلد الإفريقي، أوضحت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي في الرباط، أن المملكة المغربية تتابع بانشغال الأحداث الجارية منذ بضع ساعات في مالي.
لتشير الوزارة في بيان رسمي لها إلى أن “المملكة المغربية المتمسكة باستقرار هذا البلد، تدعو مختلف الأطراف إلى حوار مسؤول، في ظل احترام النظام الدستوري والحفاظ على المكتسبات الديمقراطية، من أجل تجنب أي تراجع من شأنه أن يضر بالشعب المالي”.
رفض دولي مغربي
تابعت الفواعل الإفريقية والدولية تطورات الانقلاب بشكل كبير؛ فالرفض العالمي والإقليمي للانقلاب العسكري عبر إدانات عالمية طالبت بعودة الجنود إلى ثكناتهم، رفضًا لكل تغيير الخارج عن الإطار الشرعي؛ موقف أعلنته الرباط من خلال تمسّك المملكة بما أسمته بـ”الحوار المسؤول”، وضرورة احترام النظام الدستوري، وفق ما كشفت عنه وزارة الشؤون الخارجية.
اهتمام وقلق
جاء البيان الأخير للخارجية المغربية، ليؤكد على الجهود المكثفة التي قادتها الرباط، خلال السنوات الماضية، من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مالي، عبر الزيارات الملكية المتكررة من جهة، والمساعدات الإنسانية الموجهة إلى الشعب المالي، تبعًا للكوارث والأزمات التي يشهدها البلد بين فترة وأخرى.
يبدو أن السلطات المغربية ترى في مالي أحد مفاصل العمق الإفريقي للمملكة ذات القناعة الراسخة بأن إفريقيا هي “العمق الاستراتيجي” لها، دون إهمال المشترك الحضاري والتاريخي، الذي وحدت نسجه الدعوة الإسلامية مع الجذور الإفريقية، ودعمتها حركات التجارة والأموال، ثم ذادت دائرة امتدادها البشري موجات الهجرة المتواصلة.
الابتعاد الخلافات الدولية
الباحث في العلاقات الدولية، محمد بنحمو، يقول في تصريحات لجريدة “هسبريس” المغربية، إن “المغرب كان دائما – وما يزال – يتفاعل إيجابيًا مع كل ما من شأنه ضمان وحدة التراب المالي، بالنظر إلى حالة اللا استقرار التي يعيشها منذ عقود، ما جعله يعيش في محطات عديدة وضعاً كهذا الذي يعيشه اليوم”.
ليؤكد بنحمو، في تصريحاته، أن “ما يجري في مالي خارج الإطار الدستوري، ولا يمكن القبول به، خاصة أن انتزاع السلطة بالقوة واللجوء إلى الأساليب غير المشروعة لا تقر به الدول أو المنظمات الدولية، لا سيما داخل القارة الإفريقية”.
أما رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، فاعتبر أنه ” لا بد من العودة إلى الحالة الطبيعية في هذا البلد، والحرص على ضمان أمنه، والحفاظ على الشرعية الدستورية، من خلال اختيار الشعب المالي لطريقة التغيير التي يراها مناسبة له “.
ليشرح موضحًا: “لم يكن المغرب أبدا طرفًا في الخلافات الدولية، كما هو الشأن لبعض دور الجوار؛ ومن ثمة، كان حضوره إيجابيا على الدوام، عبر سعيه الدؤوب إلى استعادة مالي عافيته، وإيجاد طريقة بناء الاستقرار السياسي والديمقراطي، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
ثم أكد “الحضور المغربي القوي في مالي، سواء عبر الزيارات الملكية، أو الاستثمارات المالية، أو المساعدات المختلفة التي تهمّ اتفاقيات التعاون، فضلا عن العلاقات الثقافية والروحية الكبيرة”، مشيرا إلى أن “جزءاً كبيراً من الأوضاع الحالية مرتبطة بالحكامة وتداخل الأجندات في هذا البلد”.
تدخل ناعم
حاولت الرباط التّدخل في مالي بآلياتها الدّبلوماسية “اللّينة” لإعادة ترتيب الوضع الدّاخلي في دولة إفريقية تجمعها روابط مهمة وحسّاسة بالمصالح المغربية، حيث تعملُ الأخيرة على تعزيز الاستقرار والحوار وعدم التّوجه إلى خيارات سياسة فرض الأمر الواقع مما سيحول مالي إلى “مستنقع” ممتد في منطقة الساحل والصحراء.
بعد استراتيجي
اعتبر خبير الشؤون الأمنية والإستراتيجية، الشرقاوي الروداني، في حوار لـ”هسبريس” المغربية، أنّ “العلاقات المغربية – المالية، علاقات تكتسي الطابع الاستراتيجي وتشمل أبعادا مؤسساتية “، مؤكدًا بدوره أنّ “المملكة المغربية كانت دائما ومازالت حريصة على أمن واستقرار ووحدة دولة مالي”.
واعتبر “الروداني” أنّ “المغرب بعد استقالة الرئيس المالي، ستواصل دعمها والتزامها مع دولة مالي”، مبرزاً أنّ “هذا الالتزام لا تحكمه ظروف زماني مكانية أو مصالح عابرة بل تاريخية تضرب جذورها في عمق التاريخ”.
ليشير الروداني إلى أنّ المجال الجيو – سياسي المشترك أعطى لهذه العلاقات الثنائية بعدًا استراتيجيًا تتمثل تجلياته في الدعم الكبير التي تقدمه المملكة لدول الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء، سواء على المستوى الاقتصادي والسياسي أو على المستوى الأمني كذلك.
دور تاريخي
ذكّر الخبير الأمني بـ”الدور المحوري للمغرب في استقرار مالي إبان حكم موديبو كييتا، أو حتى إبراهيم أبوبكر كييتا “، موضحًا في هذا الصّدد أنّ ” المغرب وانطلاقا من مسؤولياته التاريخية مع دول الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء، سيواصل عمله مع مؤسسات الدولة من أجل البناء المتكامل والمندمج مع من سيختارهم الشعب المالي “.
وعليه، شدّد الخبير في الشّأن الإفريقي وقضايا السّاحل على أنّ “المملكة المغربية قامت بدعم هذا البلد منذ ظهور فيروس كورونا، وذلك من خلال وضع مصحة محمد السادس للرعاية قبل وبعد الولادة في باماكو رهن إشارة السلطات المختصة. ليتابع الرّوداني معلقًا أن “المغرب، وفي إطار دعمه لأمن واستقرار المنطقة برمتها، دعمَ بشكل كبير قوات مجموعة الخمس للساحل، وكان دائما مدعما لأمن واستقرار ووحدة دولة مالي، وهذا الالتزام المؤسساتي المغربي أظهرته زيارة الملك محمد السادس وحضوره حفل تنصيب الرئيس المالي سنة 2013”.
تداخل في الدوافع والأهداف
يذكر هنا أن لقاء الملك بالرئيس المالي عام 2013 شهد توقيع اتفاقية تعاون تولت بموجبه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب تدريب 500 إمام من مالي، على ما تم تسميته مناهج مواجهة “التشدد والفكر المتطرف”. وجاءت تبك الاتفاقية في إطار جهود محلية ودولية لمحاربة ما يسمى بالفكر الديني المتطرف الذي برز في مالي، من خلال حركة أنصار الدين التي أسسها إياد أغ غالي أحد أبناء اسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل الايفوغاس الطوارقية بعد تحوله في السنوات الأخيرة من التوجه القومي اليساري إلى الفكر “السلفي الجهادي”، واتخاذه لجبال أغارغا مقرا لتجميع المقاتلين وتدريبهم.
إن تداخل الدوافع والأهداف يحكم الموقف المغربي الذي يخشى على استقرار منطقة جنوب الصحراء الهش أصلا وما قد يعنيه انفجار الأوضاع هناك من ضغوط أمنية يمثلها تصاعد الإرهاب «الذي أكدت تجارب سابقة استفادته من هكذا ظروف» وما يعنيه ذلك من أزمات عابرة للحدود ليس أقلها قوافل مهاجرين جديدة قد تتجه للمغرب استقرارا أو عبورًا نحو أوروبا.. دون إهمال الصراع الإقليمي الذي سيقود له الانقلاب وتغيير الأوضاع في مالي وانعكاسات ذلك على الدول المحيطة بدولة شهدت توترات كثيرة في السنوات الماضية.