في انتظار اجراء المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية في مصر في السابع والثامن من شهر نوفمبر 2020 في 13 محافظة بينها العاصمة القاهرة، خلفت انتخابات المرحلة الأولى التي تم اجراؤها في 14 محافظة، جدلا واسعا وحديث لا ينتهي عن فضائح يندى لها الجبين. بيع وشراء للأصوات ورشاوي توزع علنا هنا وهناك من اجل الظفر بأكثر عدد من الأصوات..
ورغم التجاهل الواسع للعملية الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي، تداول مغردون مقاطع فيديو تظهر شراء الأصوات أمام اللجان الانتخابية. وأدان ناشطون وسياسيون تفشي المال السياسي في الانتخابات، بهدف التحكم في العملية الانتخابية، ودفع المواطنين للمشاركة والتصويت لأشخاص بعينهم.
وأظهرت المقاطع محاولات بعض المرشحين منع بيع الأصوات ووقف توزيع المال وقسائم الشراء.
توزيع رشاوي
وقد احبطت السلطات المصرية أنصار مرشحة في انتخابات مجلس النواب، وهم يوزعون رشاوى على الناخبين، فيما أظهر فيديو المرشحة وهي توزع رشاوى على شكل مواد غذائية، الأمر الذي نفته المرشحة بشكل قطعي.
وكان سكان دائرة المنتزه الانتخابية في مدينة الإسكندرية الساحلية، توجهوا إلى مراكز الاقتراع، السبت الماضي، من أجل اختيار مرشحيهم.
ولدى هذه الدائرة التي يسكنها مليون و100 ألف شخص يحق لهم الاقتراع، 4 مقاعد في البرلمان المصري، وتعتبر من أكبر الدوائر الانتخابية في مصر، وتشهد تنافسا بين 67 مرشحا.
وذكرت وسائل إعلام مصرية أن السلطات ضبطت 6 من أفراد الحملة الانتخابية للنائبة السابقة، مي محمود، وبحوزتهم مبالغ مالية كبيرة وتوكيلات منها، لتوزيع هذه الأموال على الناخبين، مقابل ضمان تصويتهم لصالح مرشحتهم.
وأقر أحد هؤلاء، بأنه كان بحوزته 70 ألف جنيه مصري (نحو 4500 دولار)، مضيفا أنه وعناصر أخرى في الحملة قاموا بتوزيع الأموال على كل شخص لقاء التصويت لمرشحتهم. وقد اظهر مقطع فيديو تم تداوله للنائبة السابقة “مي محمود ” وهي توزع كراتين على الناخبين.
ورغم ذلك لم تفلح مي، النائبة السابقة في البرلمان المنتهية ولايته، في الفوز في الانتخابات، إذ حلت في المرتبة الخامسة في الدائرة حاصدة 23 ألف صوت، بفارق 12 ألفا عن صاحب المقعد الرابع والأخير في الدائرة، لكن هناك فرصة أمامها للفوز في انتخابات الإعادة في نوفمبر المقبل، التي تشمل أعلى 8 مرشحين حصلوا على الأصوات في الجولة الأولى، بسبب عدم حصلوهم على نسبة الحسم.
في المقابل، نفت النائبة السابقة ما تم تداوله وتحدثت عن المكر والاتهامات التي تلاحقها مؤكدة انها لم ترشي أي ناخب. وأعربت عن شكرها لمن صوّت لها في الانتخابات. وقالت مي إن الغاية من نشر الفيديو كانت تشويه صورة الانتخابات في مصر.
استغاثة “نداء مصر”
ودفع انتشار شراء الأصوات والاستخدام الواسع للمال السيسي قائمة “نداء مصر” إلى الاستغاثة برئيس الجمهورية، وتقديم بلاغ للهيئة الوطنية للانتخابات.
وقال بيان للقائمة -التي تنافس قائمة “مستقبل وطن”- “يؤسفنا ويؤلمنا أن نرفع لسيادتكم أمرا خطيرا، هناك توجه فج وتلاعب غير مسبوق فى لجان كثيرة، وتزوير لصالح القائمة الوطنية، وتسويد البطاقات الانتخابية على القوائم، وتواطؤ ملحوظ داخل اللجان، وتوجيهات صريحة للتصويت لصالح القائمة الوطنية”.
وعدّد البيان المخالفات، مثل سحب هواتف المرشحين بهدف حذف تسجيلات توثق المخالفات، واحتجاز بعضهم داخل اللجان، فضلا عن طرد بعض مندوبي القائمة، ومنعهم من مزاولة حقهم الذي كفله الدستور والقانون.
وأضاف “ما دفعنا لهذه الاستغاثة ليس حرصا على الكراسي، أو بحثا عن مناصب، ولكنه خوف من القضاء على أمل المصريين في التغيير السياسي من خلال انتخابات حرة نزيهة، الأمر الذي يدفع الجميع إلى نفق مظلم ويواري الأمل الذي قد أحياه من جديد نداء مصر”.
ورجحت وكالة أسوشيتد برس الأميركية أن تُفضي الانتخابات الحالية إلى مجلس نواب من دون معارضة، حيث يهيمن عليه أنصار السيسي، وهو ما يمنح المزيد من الشرعية لسياسات الرئيس المصري، كما تمنح الجنرال العسكري السابق سلطات تكاد لا تخضع للرقابة، حسب وصف الوكالة.
وزارة الداخلية تقر بتورط مترشحين
وقالت وزارة الداخلية المصرية، انها ضبطت وقائع توزيع رشاوي انتخابية خلال الجولة الأولى من انتخابات البرلمان، وأعلنت القبض على خمسة أفراد تورطوا في توزيع المال السياسي على الناخبين، في وقت رصد فيه المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) توزيع أموال على الناخبين في محافظات متعددة.
ويرى مراقبون أن اعتراف وزارة الداخلية ومنظمات حقوقية رسمية بوجود تجاوزات والإعلان عنها يرجع إلى رغبة الحكومة في تحاشي الانتقادات، والخروج بانتخابات تحظى بقدر من الرضاء في ظل حالة التململ السياسي الراهنة.
وقد أرادت الحكومة من وراء اعترافها الإيحاء بأن حالات الرشاوى فردية وليست جماعية، ونفي وجود مصلحة سياسية في وصول هذا المرشح أو ذاك، لأن هناك إطارا عاما ومحكما تجري فيه الانتخابات.
كما أدركت دوائر رسمية أن مسألة التغطية على التجاوزات التي شهدتها المرحلة الأولى والتي انتهت، الأحد الماضي، لن تكون ممكنة بعد أن اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي بصور تداولها نشطاء لمرشحين يوزعون الأموال والسلع الغذائية بشكل علني، وظهرت بكثافة بالقرب من اللجان الانتخابية.
ويرى معارضون أن استخدام المال لم يكن فقط أمام اللجان، وهناك ممارسات سلبية قام بها حزب “مستقبل وطن”، القريب من الحكومة، أسهمت في زيادة الرشاوى بعد أن أفسح المجال أمام عدد من رجال الأعمال للترشح على قوائمه، ما أعطى انطباعاً بأن المال هو الطريق الأسهل للحصول على مقعد في البرلمان.
وقال السياسي المصري ونائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، عبدالغفار شكر، إن الظروف التي تصاحب الانتخابات في مصر لم تتغير، غير أن البلاد تمر بتحديات حساسة في هذا التوقيت، فرضت على أجهزتها التدخل لضبط المشهد العام والحد من التجاوزات التي تمثل تهديدا للأمن القومي.
ومن المنتظر ان تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات النتيجة الرسمية للجولة الأولى، يوم الأحد1 نوفمبر 2020 وتشمل 14 محافظة، على أن تجري المرحلة الثانية يومي 7 و8 نوفمبر، في 13 محافظة.