فجّرت التصريحات التي أدلى بها أحمد الريسوني، رئيس ما يسمى «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، حول ما سماه «الوجود الغلط لموريتانيا»، ومشكلة الصحراء المغربية، موجة غضب واسع في نواكشوط والجزائر، كما تسببت بصِدام بين أذرع الإخوان في دول المغرب العربي التي تسعى لإثبات “وطنيتها” أمام الحكومات والشعوب عبر قضية محورية في المنطقة.
ورغم أنّ “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الذي يتخذ من قطر مقراً له، سارع إلى التنصّل من تصريحات الريسوني، إلا أن محاولة التنصل لم تجد نفعاً، بل اتسعت رقعة التنديد لتصل إلى حد المطالبة بإقالة الريسوني الذي انتُخب في 2018 رئيسا للاتحاد خلفا للداعية المثير للجدل يوسف القرضاوي.
تفاصيل القضية..
بدأ الجدل بتداول واسع النطاق لمقاطع من حوار أجراه موقع إخباري محلي مغربي مع الريسوني في 29 من يوليو تموز الماضي. وذلك بعد أن اعتبر الداعية المغربي خلال إجابته عن سؤال بخصوص قضية الصحراء المغربية أن وجود موريتانيا يشكل «غلطاً»، وأن المغرب «يجب أن يعود كما كان قبل الغزو الأوروبي له»، قبل أن يضيف مستدركا: «لكن موريتانيا اعترف بها المغرب، وترك الموضوع للتاريخ ليقول كلمته في المستقبل». وأشار الريسوني إلى أن موريتانيا «هي جزء من المغرب»، مضيفا أن المغاربة “يثبتون مغربية الصحراء ببيعة أهلها للعرش المغربي، لكن بيعات علماء موريتانيا، التي كانت تسمى بلاد شنقيط، هي أيضا ثابتة للعرش المغربي”. وأضاف الريسوني: “العلماء والدعاة والشعب المغربي على استعداد للجهاد بالمال والنفس والمشاركة في مسيرة شبيهة بالمسيرة الخضراء والزحف بالملايين إلى الصحراء ومنطقة تندوف الجزائرية، إذا طلب العاهل المغربي ذلك”، مستغرباً أن «تتورط دول شقيقة وعربية إسلامية في دعم وتبني هذه الصناعة الاستعمارية». في إشارة إلى الجزائر التي أججت نزاع الصحراء.
وبعد الجدل الكبير الذي أثاره خلال الأيام الماضية، اضطّر الريسوني لتوضيح تصريحاته عبر الزعم أن كلامه أخرج من سياقه، قائلا إن “خطابه جاء في سياق تاريخي ولا علاقة له بالوضع الحالي”. وأردف في تصريح لموقع “اليوم24” المغربي: “كنت أعبر عن آرائي بمنطق التاريخ والشرع والحضارة، بينما كانوا يردون علي بمنطق سياسي ومن مواقع سياسية”.
وشدد الداعية على أن تصريحاته “لم تحمل أية أبعاد أو حسابات سياسية”، مضيفا أنه “حاليا متحرر من أي منصب سياسي، وليست لديه أية علاقة مع أصحاب المناصب”.
كما نشر الريسوني في موقعه الإلكتروني يوم 17 آب أغسطس، “توضيحات حول تصريحاته الأخيرة عن الصحراء والعلاقات المغاربية”، جاء فيها أنه “دعا إلى السماح للعلماء والدعاة المغاربة، ولعموم المغاربة، بالعبور إلى مدينة تندوف ومخيماتها، للتواصل والتحاور والتفاهم مع إخوانهم المغاربة الصحراويين المحجوزين هناك، حول الوحدة والأخوة التي تجمعنا، وحول عبثية المشروع الانفصالي، الذي تقاتل لأجله جبهة البوليساريو، مسنودة وموجهة من الجيش الجزائري”. زاعماً أنه في الحوار المذكور “كان شفويا وعفويا، وكان أحيانا مقتضبا غير مكتمل البيان، وهو ما فتح الباب لظنون وشروح وتأويلات لم تخطر لي على بال..، سواء كانت بقصد أو بدون قصد”.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يتنصّل..
ويبدو أنّ تصريحات الريسوني الأخيرة واتخاذه موقفاً سياسياً من قضية جدلية أدخلت الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مأزق، حيث بادر الاتحاد إلى التملص من تصريحات رئيسه، وقال أمينه العام علي القره داغي، إنها لا تمثل رأي علماء المسلمين، وأضاف: “دستور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينص على أن الرأي الذي يسند إلى الاتحاد هو الرأي الذي يتم التوافق، والتوقيع عليه من الرئيس والأمين العام بعد المشورة، ثم يصدر باسم الاتحاد”.
وأكد أن “المقابلات أو المقالات للرئيس، أو الأمين العام تعبر عن رأي قائلها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد”.
ولكن تبرؤ الاتحاد العالمي من تصريحات رئيسه لم تكن كافية، فقد ارتفعت مطالب في موريتانيا بضرورة إقالته من منصبه وتقديم اعتذار رسمي بعد الإساءة التي وجهها لموريتانيا.
وتشهد العلاقات الجزائرية المغربية توترا منذ عقود بسبب قضية الصحراء الغربية على وجه الخصوص، كما أن الحدود بين الجارتين مغلقة منذ عام 1994.
موريتانيا تستنكر..
وبعد أيام من الغضب الحزبي والشعبي، خرجت الحكومة الموريتانية عن صمتها لترد بقوة على الريسوني واتحاده المحسوب على التنظيم الدولي للإخوان.
وخلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الخاص باجتماع مجلس الوزراء، قال الناطق باسم الحكومة محمد ماء العينين ولد أييه، يوم 17 آب أغسطس، إن تصريحات الريسوني المتعلقة بموريتانيا “مستنكرة ومدانة”. واعتبر ولد أييه أن التصريحات “لا تستند إلى أي مصدر قد يمنحها مصداقية”، مشددا على أنها “ضد شواهد التاريخ، والقوانين الدولية”.
كما أكد أنها “بعيدة عن كل ما من شأنه أن يبث الطمأنينة ويحقق احترام الآخر”، لافتا إلى أن صاحب هذا الكلام لم يقله إلا حين “تبرأ من أي جلباب يشي بالحكمة والمصداقية”.
وقبل الموقف الرسمي، نددت هيئة العلماء الموريتانيين بالتصريحات غير المسؤولة للريسوني، واصفة إياها بـ”المريبة وغير الودية والمستفزة”.
وأضافت الهيئة أن “هذا النوع من الدعوات تطاول على سيادة بلادنا ولا يرضي الأشقاء في المغرب ونعتب على صاحبه في موريتانيا”.
على الصعيد الشعبي، طغت ردود الفعل الغاضبة على نقاشات الموريتانيين في مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب الوزير السابق والسياسي سيدي محمد ولد محم: “ما ورد على لسان الريسوني أمر لا يستحق الرد في مضامينه، لكون الرجل لا يمثل وزنا رسميا أو اعتباريا مهما في المغرب”.
وأضاف ولد محم أن “وجود موريتانيا يشكل حقيقة تاريخية”، مشيرًا إلى أنه أيضًا “حقيقة قائمة اليوم على الأرض بحكم الشرعية الدولية وجهود أبنائها وتضحياتهم، ولا نستجدي في ذلك اعترافا من أي كان”، على حد تعبيره.
وخلص ولد محم إلى التأكيد على أن “الخطأ التاريخي الحقيقي هو وجود رجل بعقل صغير كهذا على رأس هيئة (علمائية) لا علم له بأبسط أبجديات التاريخ ولا أقرب حقائق الجغرافيا وأكثرها عنادا”.
وشدد على أنه “مهما كان فإن علاقات الأخوة مع المغرب الرسمي والشعبي ستظل أقوى، ولن تنال منها هذه “الريسونيات” كما لم تنل منها من قبل أوهام علال الفاسي أو تخاريف شباط”، على حد تعبيره.
أذرع الإخوان تدخل على الخط..
وعقب تحوّل تصريحات الريسوني إلى “ترند” في دول المغرب العربي، حاولت أذرع جماعة الإخوان المحلية تصدُّر المشهد عبر مواقف تعكس وطنيتها المزعومة، فكانت مواقفها متماهية مع الخطاب الرسمي لحكوماتها، رغم أنّ هذه الجماعات لاتؤمن أصلاً بالحدود الوطنية كما تعبّر عن ذلك في أدبياتها.
حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، الذراع السياسية للإخوان في موريتانيا، دعا في تعليق على التصريحات إلى سحبها الفوري والاعتذار عنها بشكل صريح وعلني، وقال الحزب إن تصريح الريسوني “حمل عبارات غير لائقة، وأحكاما إطلاقية بعيدة من الدقة، ومعلومات غير مؤسسة، وإساءة غير مناسبة ولا مقبولة إلى الجمهورية الإسلامية الموريتانية وأهلها”.
أما في الجزائر، فوصفت حركة مجتمع السلم (حمس)، الذراع الأبرز للإخوان، التصريحات، بأنها “سقطة خطيرة ومدوية”، واتهمت الريسوني بأنه “يستغل منصبه في الهيئة العلمائية العالمية التي يترأسها، والتي يبدو أنه سيحوِّلها إلى ساحة للفتنة والاحتراب بين المسلمين”.
في المقابل، قال عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المغربي (إخوان مسلمين)، إن الحملة التي تعرض لها الريسوني «تثبت هشاشة الطرح الانفصالي وهشاشة المرتكزات التي يستند إليها بخصوص قضية الصحراء». معتبرا أن ما جاء في تصريحات الريسوني، الذي “لا يتحمل أي مسؤولية رسمية أو غير رسمية في المغرب، رأي ليس بجديد ولا مستغرب، بل الجديد هو هذه الحملة الشعواء، التي غاب فيها العقل والحكمة من طرف من يفترض فيهم ذلك”.
وأشار حامي الدين إلى أن القول بأن علماء وأعيان موريتانيا أعطوا البيعة لملوك المغرب في مراحل تاريخية معينة، وأن المغرب كان يبسط سيادته على موريتانيا «لا يعني المطالبة اليوم باسترجاع دولة ذات سيادة، سبق للمغرب أن اعترف بها أواخر عقد الستينيات من القرن الماضي، وهذا ما أكده الريسوني نفسه في الحوار”.
وخلص حامي الدين الى القول «رأيي هو أنه لم تكن هناك حاجة لإقحام موريتانيا في الموضوع”.
مصادر:
https://www.youtube.com/watch?v=bXa91gY2IIg&feature=emb_title
https://www.bbc.com/arabic/trending-62569576
https://raissouni.net/8580?fbclid=IwAR34dyoEryUrRZnBRvxCOBKptp9Fzvr9ZGjfm7xba3D9DOnYS5GTVEnT8U4
https://iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=25983#
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.