وحدة استطلاع الرأي في المرصد
يناقش هذا التقرير وضع المرأة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا بعد إصدار الإدارة الذاتية قراراً بمنع تعدد الزوجات ومعاقبة من يفعل ذلك، من خلال المحاور الآتية:
- قوانين المرأة التي أقرتها الإدارة الذاتية الديمقراطية أدت إلى هدم كيان الأسرة أكثر من دعمها له بتطبيقها العاجل من دون التمهيد له.
- المرأة والأحكــام العامة التي أقرتها الإدارة الذاتية.
- المادة 13 من قانون شؤون المرأة “منع تعدد الزوجات”.
- عقوبة تعدد الزوجات تطال الرجل والمرأة معاً.
- هجرة الشبان وانخراطهم في جبهات القتال سبب في تفشي ظاهرة العنوسة.
- كيفية تطبيق الشريعة الإسلامية في وسط هذه القوانين.
المدخل
تناولت قضية المرأة والقوانين التي أقرتها الإدارة الذاتية الديمقراطية في المناطق الواقعة في الشمال السوري كثيراً من الجدل، هذه القوانين التي طُبقت بطريقة يمكننا وصفها بالقسرية والمستعجلة، اكتنفتها المزاجية في التطبيق. خلفت هذه القوانين إلى حدٍ ما خللاً في الموازين، مع بداية إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال سوريا، ونخص بالذكر قوانين المرأة، هذه القوانين التي تطبق على المواطنين من دون أن تهيئ لها بيئة أو حاضنة مسبقاً لتقبلها مجتمعياً ودينياً، لتصب دفعة واحدة على المجتمع وتتركه متخبطاً في تطبيق القوانين مصطدماً بالعادات والتقاليد الموروثة لسنوات طويلة.
قوانين المرأة التي أقرتها الإدارة الذاتية الديمقراطية هدمت كيان الأسرة أكثر من دعمها له بتطبيقها العاجل من دون التمهيد له
أقرت هيئة شؤون المرأة التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية في الشمال السوري عدداً من القوانين الخاصة بالمرأة وأثارت بين طياتها كثيراً من الجدل في الأوساط الاجتماعية والسياسية وحتى النسوية، ما بين مؤيد ومعارض لتلك القوانين، وكانت نقطة الخلاف تتمحور في عدد من البنود، مثلاً التوقيت الذي طُرحت فيه تلك القوانين نظراً إلى ما تعيشه البلاد من حالة فوضى وهجرة وحرب منذ سبع سنوات وأكثر، هذه القوانين التي اعتبرها كثيرون عصرية ومواكبة للتطور العقلي والزمني الذي نعيش فيه من قضايا المساواة والعدالة وحقوق المرأة وحلحلة عقدة المجتمع الذكوري التي تنادي بها المنظمات النسوية معظمها، وبخاصة على صعيد العلاقة التي تربط الرجل والمرأة بذلك الرباط المقدس المسمى بالحياة المشتركة التي تعتبر فيها مؤسسة الزواج من المؤسسات المهمة في المجتمع، فبناءً على هذه المؤسسة وآثارها الإيجابية أو السلبية تنبني كثير من النتائج الفعلية لتشكِّل مضمون المجتمع القائم وشكله عرفاً، ونخص بالذكر مسألة منع تعدّد الزوجات في مناطق الإدارة الذاتية التي باتت من الموضوعات الشائكة وشكّلت اختلافاتٍ كثيرة في الأوساط الاجتماعية ما بين مؤيِّد ومعارض وكان هناك من يقفون موقفاً رمادياً حيالها.
المادة 13 من قانون شؤون المرأة “منع تعدد الزوجات”
تعتمد الأحكام الصادرة بحق متعددي الزوجات على المادة 13 من قانون تنظيم شؤون المرأة التي أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط الاجتماعية المختلفة، لما تنطوي عليه بعض بنود هذا القانون من مشكلات اجتماعية كبيرة لم يتوقعها المشرعون ولم يعالجوها في إطار هذا القانون أو بإصدار قوانين أخرى، وكانت قوانين المرأة قد اعتمدت في الدولة السورية على قانون الأحوال الشخصية في الزواج والطلاق والنسب والميراث وغيرها التي استندت إلى الشريعة الإسلامية والمذهب الحنفي تحديداً في الأمور الخلافية، وكما هو معلوم فالشريعة الإسلامية تمنح حق الزواج للرجال مثنى وثلاث ورباع، ما أدى إلى وجود حالات عدة في المجتمع من تعدد الزوجات؛ جاء قانون المنع من دون معالجة للحالات الموجودة أصلاً، بل متجاهلاً لها ومؤدياً إلى خلخلة واضحة في الأسر التي تتضمن أكثر من زوجة.
وأكد بعضهم بأنه على الرغم من رفضهم لظاهرة تعدد الزوجات، ولكنهم يظنون أن تطبيق قانون منع تعدد الزوجات حالياً في مناطق الإدارة الذاتية صعبٌ جداً، فالقوانين يجب أن تمهُد لها الأرضية الفكرية والثقافية حتى تلاقيّ القبول من المجتمع، فيما أشار بعضهم إلى أن المجتمع حالياً قد لا يحتمل تبعات إصدار قوانين كهذه، وبخاصة مع وجود عائلات تحتوي أصلاً على أكثر من زوجة..
عقوبة تعدد الزوجات تطال الرجل والمرأة
كانت الإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة قد أصدرت في 1/11/2014 المرسوم التشريعي رقم (22) بغرض تنظيم شؤون المرأة في مناطق المقاطعة، وفقاً لما جاء في ديباجة المرسوم، إذ يمنع المرسوم تعدد الزوجات، ويلغي المهر، ويمنع الطلاق بالإرادة المنفردة، ويسمح بتنظيم صكوك الزواج مدنياً.
وتنص المادة 13 من المرسوم على منع تعدد الزوجات، وعقوبة تعدد الزوجات هي اعتبار الزواج بثانية باطلاً لا يُنتج أثراً ويعاقب من يخالف بالسجن سنة كاملة وبغرامة مالية قدرها (500000( خمسمئة ألف ليرة سورية، وإذا كان المخالف موظفاً في الإدارة الذاتية الديمقراطية يفصل من عمله، وتعقيباً على هذه المادة أكد بعض الحقوقيين بأنهم ليسوا مع تعدّد الزوجات مطلقاً، لكنهم ضد إيقاع العقوبة بمن يتزوج للمرة الثانية لأوضاع استثنائية، ويجب على المشرِّع أن يلغي المادة التي تعاقب الزواج بثانية في مثل هذه الأوضاع، محافظة على البعد الاجتماعي والقانوني لمؤسسة الزواج التي لا بد أن تستمر.
إضافة إلى مزاجية تطبيق القانون والتغاضي من المشرعين في بعض القرى التابعة لبعض المدن في مناطق الإدارة الذاتية إذ يحدث أن يتزوج الرجل من امرأة ثانية وثالثة كما في القرى التي يقطنها المكون العربي، ولا يجري اتخاذ الإجراء اللازم بحق فاعليه كالتي تطبق على غيرهم في مناطق أخرى.
قانون لم تبين فيه حقوق الزوجة الثانية المطلقة، وما هي الصفة القانونية المنسوبة إليها؟ مطلقة أم “أم عزباء”؟
قانون منع تعدّد الزوجات لا يمنح الحقوق الكافية للمرأة المتزوجة أصلاً بوصفها زوجة ثانية، إذ يعدّ زواجها باطلاً، وربما يكون قد مرّ على هذا الزواج مدة ليست بالقصيرة، لتترتب عليه آثار سلبية، وللمرأة منها النصيب الأكبر، ومن المعلوم أنّ الزواج تلحق به أمور عدة، منها الإنجاب والنسب والميراث، لذا فإطلاق المشرِّع ببطلان الزواج، أي إنه بحكم المعدوم، لا يجعل أيّ أثر من آثار الزواج يترتب عليه، عدا عن أنّ القانون لم يبيّن حقوق الزوجة الثانية المطلَّقة قسراً، وعن المشكلات التي يمكن أن تحدث نتيجة الحكم ببطلان الزواج بموجب قانون منع تعدد الزوجات، مثلاً إن كانت الزوجة الثانية حاملاً، إلى من سينسب الطفل بعد الإنجاب في ظل عدم وجود قانون ينسب الطفل إلى الأم؟ وعلى من تترتب حقوق تربيته ونفقته؟
بل أكثر من هذا: ما الصفة التي ستطلق على المرأة قانونياً؟ مطلقة أم ‹أمٌّ عازبة› أم ماذا؟ وكيف سينظر المجتمع إلى هذه المرأة التي تزوّجت زواجاً بحكم المعدوم؟ وما الآثار النفسية السلبية التي ستعيشها بعد بطلان زواجها؟
إلغاء ملامح العقلية الذكورية وإظهار الوجه الجميل لقوانين المرأة
كان من أبرز النقاط التي ارتكز عليها القانون في تعميمه وجعلها شعاراً تنادي به هذه القوانين محاربـة الذهنيـة الذكورية السلطويـة الرجعيـة السائدة في المجتمع وتأكيد أنه واجب على كـل فـرد في منـاطق الإدارة الذاتيـة الديمقراطية الحد منها، ومن البنود التي لاقت تقبلاً كبيراً وبنسبة عالية إحلال المساواة بين الرجل والمرأة في مجالات الحياة كافة العامة والخاصة، كأن يكون للمـرأة الحـق في التـرشح والترشيح وتـولي المنـاصب كلها، والالـتـزام بمبــدأ الإدارة التشـاركيـة في المؤسســـات كافة، بما معناه الرئاسة المشتركة ليكون منبع القرار منصفاً في إطلاق الأحكام والقرارات، ومن حق المرأة تشكيل تنظيمات سياسية واجتماعيـة واقتصاديـة وثقافيـة وتنظيمـات الدفـاع المشروع وغيرها من التنظيمات الخاصة بها بما لا يخالف العقد الاجتماعي، وعند إصدار القوانين الخاصة بالمرأة في المجلس التشريعي يجب أخذ إرادة المرأة بعين الاعتبار، وكان قانون المساواة بين الـرجل والمرأة في حق العمل والأجـر ينظم ذلك وفق قانون العاملين في الإدارة الذاتية الديمقراطية وقد جاء هذا القانون منصفاً لكثيرين.
قوانين ترتطم بحائط العادات والتقاليد المتعارف عليها في مجتمعاتنا
كان من بين القوانين التي لم تتناولها كثير من الدساتير في مجتمعاتنا وثقافاتنا شرق الأوسطية المساواة بين شهادة المرأة وشهادة الرجل من حيث القيمة القانونية.
وجاء قانون إلغـاء المهـر خارقاً للعادات والأعراف أيضاً، باعتبار المهر قيمـة ماديـة هدفـه استملاك المـرأة ويحـل محلـه مشاركـة الطـرفين في تـأمين الحيـاة التشـاركيـة، هذا القانون الذي بقي على حاله لم تطبق أحكامه حتى الساعة، فما يزال الشاب يتقدم بالمهر للفتاة التي سيتزوج بها، وباتت تنظم صكـوك الـزواج مدنيـاً.
منـع تعــدد الـزوجـات، وعقوبة تعدد الزوجات هو اعتبار الزواج بثانية باطلاً لا ينتج أثراً ويعاقب من يخالف بالسجن سنة كاملة وبغرامة مالية قدرها (500000) خمسمئة ألف ليرة سورية وإذا كان المخالف موظفاً في الإدارة الذاتية الديمقراطية يفصل من عمله، ويحق للطـرفين كليهما طلب التفريـق ولا يجـوز الطـلاق بـالإرادة المنفـردة.
وكان قانون المساواة بين الرجل والمرأة في المسائل الإرثية كافة ينظم وفق قانون خاص بالمسائل الإرثية.
وقانون تجريـم القتــل بـذريعـة الشرف واعتبـاره جـريمـة مكتملـة الأركـان المـاديـة والمعنـويـة والـقـانـونيـة ويعـاقـب مرتكبهـا بـالعقوبـات المنصوص عليهـا فـي قـانــون العقوبــات كجريمـة قتـل قصـداً أو عمداً وإلغاء أي أعذار قانونية لارتكاب هذه الجريمة، وفـرض عقوبـة متشددة ومتساويـة على مـرتكب الخيانـة الـزوجيـة مـن الطرفيـن.
المرأة والأحكــام العامة
من بين الأحكام العامة في قوانين المرأة منـح المـرأة والـرجل حقـوقـاً متساويـة في مـا يخص قـانـون الجنسيـة، وتكفل الإدارة الذاتية الديمقراطية للفرد وللأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الصحي والاجتماعي والمقومـات الأساسية للعيش في حياة حـرة كريمة وتـوفير الحمـايـة اللازمة للنساء الأرامل والمسنات، ويمنع تـزويج الفتـاة قبـل إتمـامهـا الثـامنـة عشر مـن عمـرهـا، وعقوبة المخالفة السجن مدة سبع سنوات على ولي الفتاة والجهة التي عقدت القران واعتبار الولي والجهة نفسها شريكين في التزوير.
وللمـرأة الحق فـي حضانـة أطفالهـا حتى إتمامهم سن الخامسة عشر سواء تـزوجت أم لم تتزوج ويكون بعدهـا حق الاختيـار للأولاد ومن واجب الطرفين تأمين السكن والنفقة للأطفـال طوال مدة الحضانــة، وعلى الإدارة الذاتية الـديمقراطية إنشـاء مـراكز خـاصة للمحكومـات الحوامل والمرضعات لقضاء مـدة عقـوبتهن تـراعي فيها وضعهن ووضع الجنين والمـولـود.
قوانين المرأة زادت من نسبة الطلاق درجة لا يمكن إحصاؤها
من جهة ليس مهماً أن تتوافق القوانين مع الشريعة الإسلامية كلها، إنما عليها أن تكون مواكبة للعصر وملائمة للمجتمع، فتركيا مثلاً دولة اسلامية ومع ذلك لا تقبل بتعدد الزوجات، ومن يدعي العلمانية يفترض ألا يوافق على منع تعدد الزوجات بشكله الحالي الذي لا يحمي أيّ حق من حقوق المرأة المتزوجة أصلا كونها زوجة ثانية، بل يزيد الخناق عليها ويسوغ للرجل خيانته بذريعة منعه الزواج بأخرى وهذا مما يجب معالجته أيضا في ظل تطبيق القوانين الجديدة.
هذه الدراسة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.