تشهد المدن العراقية خاصة الجنوبية منها، ارتفاعا حادا بنسب الإصابات بأمراض السرطان، نتيجة كثرة الحروب التي شهدتها البلاد، خصوصاً حربي الخليج والغزو الأميركي، واستخدام أسلحة خطرة، فضلا عن تصاعد نسبة التلوث البيئي، ورمي المخلفات وتفريغ مياه الصرف الصحي في الأنهار الداخلية.
مدينتا الفلوجة والبصرة، غرب العراق وجنوبه، تتصدران عدد المصابين بأمراض السرطان، إذ تفيد تقارير رسمية عدة وأخرى تابعة لجهات إعلامية ومدنية محلية ودولية بأن مخلفات الحروب تعدّ السبب الأساسي لانتشار المرض في مدن لم تعد آمنة للعيش.
وكانت مفوضية حقوق الانسان في البصرة، أعلنت مطلع الشهر الجاري، عن تصدر المحافظة مدن البلاد بأعداد الاصابة بمرض السرطان، مشيرة الى أن العلاج غير متوفر أغلب الأحيان بمركز المعالجة.
وقال مدير مكتب المفوضية “مهدي التميمي” إن المحافظة تتصدر مدن العراق بتسجيل حالات اصابة بمرض السرطان، حيث بلغ معدل الإصابات الشهرية عام 2020 ما يقارب (600 الى 700) إصابة.
الأطفال الحلقة الأضعف
تكشف الطبيبة ” خلود العلوان ” إحدى الطبيبات العاملات في مستشفى الطفل المركزي عن أعدادا ضخمة للمصابين بالسرطان من الأطفال في شمال البصرة، وتؤكد لمينا أن أكثر من 97 طفلا توفوا خلال عام 2020 نتيجة إصابتهم بالمرض وعدم تمكنهم من تلقي العلاج، فيما شهدت المشفى دخول أكثر من 190 مصابا جديدا بالسرطان خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي بينهم 56 طفلا.
“العلوان” أشارت الى أنه في مستشفى الأمل لعلاج الأورام السرطانية هناك مرضى من كل الأعمار وهم يعانون من نفس المشكلة، حيث لا يصلهم الدور احيانا في تلقي العلاج، مؤكدة اعتذار المستشفى احيانا عن استقبال المرضى نتيجة نقص الجرعات الخاصة بمرضى السرطان وجود أعطال في الأجهزة علما أنها قليلة ولا تسد حاجة كل المرضى.
وأضافت لمرصد “مينا” أن ذوي المرضى يضطرون غالبا الى شراء الجرعة اذا لم يستطيعون الحصول عليها في المستشفى، موضحة أن سعر الجرعة الواحد يتراوح ما بين 500- 900 ألف دينار عراقي، حيث يتحتم على المريض الحصول عليها كل 21 يوما، ومشيرة الى خلو المستشفى من حقنة التقيؤ وحقنة المناعة التي تكلف المريض 500 ألف دينار إضافي إذا ما اضطر إلى شرائها.
مدير مستشفى الأمل لعلاج الأورام السرطانية، الدكتور “تحسين الربيعي”، كان قد أوضح في وقت سابق، أن الازمة المالية تقف وراء شح الأدوية والأجهزة الطبية الخاصة بمرضى السرطان، مشيرا الى أن المستشفى يجري مخاطبات مع وزارة الصحة باستمرار لحث رئيس الوزراء على توقيع العقود الخاصة بالأمراض السرطانية بالسرعة الممكنة ليستفيد منها أكبر شريحة من المرضى .
الجدير بالذكر أنّ العلاج الكيميائي الخاص بمرض السرطان مكلف جداً، ويكرّر مسؤولون في وزارة الصحة أنّ إمكانياتها المادية لا تسمح لها بتوفير العلاج الكامل للمصابين بالسرطان مجاناً، ما يفرض على كثيرين التكفّل بعلاجهم على نفقتهم الخاصة.
في تقرير أصدره ديوان الرقابة المالية الاتحادي في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2018، لتقويم أداء سياسة وزارتَي الصحة والبيئة في توفير المستلزمات الضرورية للكشف المبكر عن الأمراض السرطانية، وردت إشارة إلى ارتفاع في معدّلات الإصابة بالسرطان نظراً إلى عدم توفر المتطلبات الكافية للكشف المبكر عنه والحدّ منه.
ويوضح التقرير أنّ من بين أبرز المشاكل التي تتسبب في زيادة عدد المصابين بالمرض قلّة عدد الكوادر الطبية والأجهزة المتخصصة، بالإضافة إلى عدم امتلاك الوزارة رؤية واضحة لتحديد المتطلبات التي تستوجبها الخدمة العامة في هذا المجال.
كما كشف التقرير حينها أنّ نسبة الوفيات جرّاء مرض السرطان في العراق بلغت 10 في المائة من مجموع الوفيات التي تتسبب فيها الأمراض غير السارية.
تصاعد نسبة التلوث البيئي
يرجع مدير دائرة البيئة والصحة في المنطقة الجنوبية العراقية، “وليد الموسوي”، أسباب الزيادة الحاصلة في انتشار السرطان إلى تصاعد نسبة التلوث البيئي في المنطقة، والذي تسبب به رمي المخلفات وتفريغ مياه الصرف الصحي لقرابة 15 مستشفى من مستشفيات البصرة في الأنهار الداخلية، نتيجة عدم وجود محطات بيولوجية خاصة بتلك المستشفيات.
وفي السياق، يكشف “الموسوي” أن مياه تلك المنطقة ملوثة بمادة “الكادميوم”، منوها إلى “اعتماد القضاء على الآبار في سقي جميع المحاصيل الزراعية”.
ويرى باحثون في مجال البيئة، أن البصرة لم تعد آمنة للعيش، بسبب عدم معالجة مصادر التلوث المتنوعة مثل الأنهار، التي لم تعد صالحة للاستخدام البشري والاستخدامات الأخرى.
بالإضافة الى ذلك، يلفت الباحثون الى أن مخلفات الأسلحة والحروب، قاتلة وأكثر فتكاً من الحرب ذاتها، إذ تشكل مصدراً خطيراً من مصادر تلوث البيئة في جنوبي العراق.
الباحثون يؤكدون أن البصرة كانت المحافظة الاولى في المواجهة اثناء الحروب، ابتداءً بالحرب مع ايران ومن ثم حرب الخليج واخرها حرب احتلال العراق، وكان لهذه الحروب اثار مباشرة مدمرة على بيئة المحافظة.
يذكر أن سنوات الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988) التي تم استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة والذخائر الملوثة باليورانيوم فيها، تركت أيضا أثرا كبيرا على صحة المواطنين في هذه المحافظة الجنوبية.