قبرص واجهة الولايات المتحدة الأمريكية في مياه المتوسط، والتي باتت على مرأى من العيون الروسية في السواحل السورية المقابلة لها، كما أنها صلة الوصل المائية بين ضفاف المتوسط الأوروبية والآسيوية، ومركز التنازع –العثماني الأوروبي- القديم الحديث.
بهذا تكون نصف الجزيرة مهمة أمام القوات الأمريكية التي لم تغادرها، لكنها أوقفت المساعدات العسكرية عنها منذ نهاية القرن الماضي، وبالتحديد في عام 1987 بهدف منع حصول سباق تسلح فيها وتشجيع الغالبية اليونانية والأقلية التركية على التوصل إلى تسوية سلمية.
لكن تسلح تركيا بمنظومة إس 400 الروسية، واكتشاف رواسب الغاز الطبيعي في المنطقة البحرية المشتركة بين قبرص اليونانية وقبرص التركية التي لا تعترف بها سوى تركيا، عاظم المخاوف الأمريكية باندلاع حرب بين الطرفين، وإن كانت إرهاصاتها لغاية الوقت غير كافية.
وأخيراً أقرّ الكونغرس الأمريكي مساء أمس الثلاثاء، رفع الحظر المفروض منذ عقود على تزويد قبرص بالأسلحة، في خطوة يراها مراقبون أنها تحدّ لتركيا عبر السعي لتعزيز العلاقات الأمريكية مع الجزيرة المتوسطية.
ووافق مجلس الشيوخ على القرار كبند من ميزانية الدفاع الهائلة التي أقرت بـ86 صوتا مقابل 8 أصوات، بعد أن كانت قد حظيت بموافقة مجلس النواب أيضاً.
وقاد جهود رفع الحظر السيناتوران الديموقراطي “روبرت ميندينيز” والجمهوري “ماركو روبيو”، اللذان قالا إنهما يريدان أيضاً تشجيع التعاون المتنامي بين قبرص واليونان وإسرائيل.
وقال “ميندينيز” بعد الموافقة المبدئية على رفع الحظر: “مع سعي قبرص لتعميق الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، من مصلحتنا الأمنية والاقتصادية رفع قيود قديمة تعود لعقود ولم تعد صالحة ولا تساعد الأهداف الأمنية الأمريكية”.
وبموجب القانون الجديد، ستستمر الولايات المتحدة بوضع قيود على بعض التقنيات الحسّاسة في قبرص إلى أن تمنع الجزيرة السفن الحربية الروسية من الوصول إلى موانئها للتزود بالوقود والخدمات.
ومارس ممثلو تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية ضغوطا عبر جماعات الضغط لعرقلة رفع الحظر بحجة أن الكونغرس يعطي بذلك الضوء الأخضر لسباق تسلح في الجزيرة المنقسمة إلى شطرين.
ويرى خبراء أن التكتلات السياسية الإقليمية الجديدة، هي من دفعت واشنطن إلى هذا القرار، حيث بات هناك عداء واضح بين تركيا وإسرائيل نشأت بذروه منذ حادثة أسطول الحرية عام 2010، وحتى الآن بسبب دعم أنقرة لحركة حماس المقاومة لإسرائيل، بينما توطدت العلاقة العسكرية بين مصر وجيرانها في المتوسط، في ظل التواجد الروسي الآخذ بالقوة في سوريا، وبشكل أقل حدة في ليبيا.
ويرى معهد واشنطن للدراسات؛ أنه لا يمكن فعلياً وصف علاقات أنقرة بالجهات الفاعلة الرئيسية في منطقة شرق البحر المتوسط، أي إسرائيل واليونان ومصر على أنها علاقات ودية، وقد استأنفت تركيا وإسرائيل علاقتهما الرسمية في عام 2016 في أعقاب حادثة “أسطول الحرية” عام 2010، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في وقت لاحق، لكن دعم أنقرة لـ “حماس” لا يزال يقوّض العلاقات الثنائية.
وبالمثل، في حين أن تركيا واليونان، حليفتان في “منظمة حلف شمال الأطلسي –الناتو- وقطعتا شوطاً كبيراً منذ الفترة التي كانتا فيها على شفا الحرب، إلا أن العلاقة بينهما لا ترقى إلى مصافي الصداقة الحميمة.
وفي غضون ذلك، انخفضت العلاقات التركية المصرية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود في عام 2013، عندما دعمت أنقرة حكومة “الإخوان المسلمين” في القاهرة، ومنذ أن تمت الإطاحة بتلك الحكومة من قبل المتظاهرين والمسؤولين العسكريين، رفض أردوغان الاعتراف بالرئيس عبد الفتاح السيسي كزعيم شرعي للبلاد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.