دراسة بالغة الالأهمية نشرها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فقد أنبأنا مايكل سينغل، وهو من كبار الباحثين في المعهد بأنه “من المقرر أن تنتهي صلاحية القيود التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران لبيع الأسلحة وشرائها في تشرين الأول/أكتوبر 2020، مما يجعل بند الانقضاء الأول المنصوص عليه في الاتفاق النووي وشيكاً”. في تعليقه على معلومة على هذا القدر من الأهمية يقول سينغ بأنه “كانت هذه شكوى رئيسية من قبل منتقدي الاتفاق عندما نوقش في عام 2015. وحالما تنتهي مدة الحظر، سوف تصبح إيران حرةً لشراء الأسلحة المدرجة على قائمة الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، وتصديرها أيضاً، دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من مجلس الأمن الدولي كما تفعل اليوم”.
يذهب سينغ إلى موقف للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليقول بأن إدارة الرئيس الأمريكي “قد أعربت عن تصميمها على عدم السماح بانتهاء فترة الحظر ونيتها تقديم قرار لمجلس الأمن يمدد هذه الفترة إلى أجل غير مسمى. وحذرت الإدارة الأمريكية من أنه إذا لم يتم تبني هذا القرار، فإنها مستعدة لتطبيق بند “إعادة فرض العقوبات” الوارد في الاتفاق النووي، مما يعني محو أثر الاتفاق من السجلات وإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة التي كان الاتفاق قد خففها، من بينها حظر الأسلحة”.
ما الخيارات؟
هذا الأمر وفق سينغ “يفرض خياراً صعباً على منتقدي الاتفاق ومؤيديه على حدٍّ سواء. وعلى الرغم من أن الكثير من النقاد سيكونون راضين لرؤية الولايات المتحدة تعيد فرض العقوبات، إلّا أن ذلك قد يحفز إيران على الأرجح على تكثيف العمل على برنامجها النووي إلى مستويات ما قبل التوصل إلى اتفاق، وربما يؤدي إلى قيام أزمة أوسع نطاقاً في مجلس الأمن الدولي. ومن جانبهم، يجب على مؤيدي الاتفاق النووي عدم النظر في ما إذا كان رفع الحظر يستحق تلك المواجهة فحسب، بل أيضاً في ما إذا كان من المناسب تعزيز قدرة إيران على الوصول – وبالتالي زيادة قدرة وكلائها على الوصول – إلى الأسلحة المتطورة في ظل البيئة الراهنة التي تسود الشرق الأوسط”.
في الوضع الشاذ
إن واقع ارتباط حظر الأسلحة بالاتفاق النووي في المقام الأول هو نوع من الحالات الشاذة. وفق سينغ فقد “سعت الولايات المتحدة إلى فرض قيود على البيع الدولي للأسلحة لإيران منذ عام 1979، من خلال الإجراءات التنفيذية وتشريع الكونغرس الأمريكي على حد سواء، مثل “قانون منع انتشار الأسلحة بين إيران والعراق” لعام 1992. واتخذ هذا المسعى طابعاً دولياً في عام 2007 من خلال قرار مجلس الأمن رقم 1747 الذي تم تبنيه رداً على رفض إيران تلبية مطالب المجلس بتعليق أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة الإيرانية. وفي حين كان القرار وسيلة لاعتماد حظر الأسلحة، وكان التعنت النووي الإيراني هو القضية التي دفعت القوى المتمردة مثل روسيا والصين إلى دعمه، إلا أن الحظر لم يكن – في أذهان صانعي السياسة الأمريكية – رداً مباشراً على أنشطة إيران النووية. فقد كان بالأحرى جزءاً من حملة أوسع نطاقاً – كانت تجري على قدم وساق في منتصف العقد الأول من القرن الحالي تحت إدارة وزارة الخزانة ومجلس الأمن القومي الأمريكيين – لعزل إيران دبلوماسياً ومالياً وعسكرياً بسبب أنشطتها النووية والصاروخية والإقليمية ودعمها للإرهاب”.
التداعيات
في السنوات التي تلت فرض الحظر في عام 2007، من بينها السنوات الخمس منذ الانتهاء من إعداد الاتفاق النووي عام 2015، لم تنحسر هذه المخاوف، لماذا؟
وفق سينغ “لأن سياسة الأمن القومي الإيراني لم تتغير بشكل جوهري. وفي عام 2019، على سبيل المثال، أقدمت إيران على أكثر استفزازاتها جرأة منذ سنوات، باستخدامها طائرات مسلحة بدون طيار وصواريخ جوّالة لمهاجمة مجمّع نفطي في السعودية. وإذا تم رفع حظر الأسلحة، فقد تكون إيران أقل احتمالاً لشراء القدرات العسكرية التقليدية التي تفتقر إليها – على سبيل المثال، الطائرات المقاتلة والدبابات – من عملها على تحسين ترسانة أسلحتها ومشاركة هذه الأسلحة التي تنشرها بالفعل [لأطراف أخرى]، مثل المركبات الجوية المسلحة بدون طيار والصواريخ الجوّالة والصواريخ البالستية. ومن المرجح أن يجري ذلك على ثلاثة أشكال – أولاً، الاستحواذ على منظومات جديدة وأكثر تطوراً؛ ثانياً، السعي إلى نقل الدراية التكنولوجية لإنتاج هذه المنظومات محلياً خاصة في حالة إعادة فرض العقوبات؛ وثالثاً، نقل هذه التقنيات إلى وكلاء وشركاء في المنطقة، مثل «حزب الله» في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، لزيادة قوة نيران هذه الجماعات وتوفير عمق استراتيجي لإيران. كما قد تستلزم الفئة الثالثة تحويل [هذه المنظومات] إلى عملاء آخرين يدفعون [الأموال مقابلها] في أماكن أخرى من العالم. ويشكل انتشار الأسلحة المتطورة إلى جهات غير مسؤولة من غير الدول واحداً من أكثر سياسات إيران المزعزعة للاستقرار، ويعني ذلك أن تخفيف القيود المفروضة على إيران يعادل رفع الحظر على تلك الجماعات أيضاً”.
التداعيات السياسية
في حين أن معارضة إدارة ترامب لرفع حظر الأسلحة سيُنظر إليها على الأرجح في العديد من الأوساط على أنها محاولة أمريكية أخرى لتقويض الاتفاق النووي – أو حتى مجرد ذريعة لإعادة فرض العقوبات وفسخ الاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام – فقد تكون هذه المعلومات مضللة.
كيف يتسنى لسينغ وصفها بـ “المضللة”؟
وفق سينغ فإن”إدراج حظر الأسلحة ضمن قرار مجلس الأمن المنفِّذ للاتفاق النووي هو في حد ذاته خطأ مفاهيمي. ولم يتطلب الاتفاق امتناع طهران عن القيام بأعمال [تتعلق بالأسلحة] في المنطقة، مما يعني أن انقضاء فترة الحظر يحدد خياراً، إلّا إذا حدث تغيير في موقف إيران أو [تم التوصل إلى] اتفاق في وقت لاحق بشأن القضايا الإقليمية، بين احترام شروط القرار وتوجيه ضربة لأمن المنطقة، واستمرار الحصار وتعريض الاتفاق النووي للخطر. وتواجه إدارة ترامب حالياً هذا الخيار، لكن كان من الممكن أن يكون الأمر محيّراً بالمثل للولايات المتحدة حتى لو كانت هيلاري كلينتون هي التي فازت في الانتخابات الأمريكية عام 2016، أو في الواقع بالنسبة لأي إدارة أمريكية قلقة من الأنشطة الإيرانية في المنطقة أو من أمن الحلفاء في الشرق الأوسط”.
لقد أوضحت الدول الأوروبية في «مجموعة الدول الخمس زائد واحد» (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) – التي ستبقى في أي حال ملزمة بحظر الأسلحة المفروض من قبل “الاتحاد الأوروبي” على إيران حتى عام 2023 على الأقل – أنها تشاطر الولايات المتحدة مخاوفها بشأن انتهاء فترة الحظر. وقد أعلنت روسيا والصين، العضوان غير الأوروبيين في «مجموعة الدول الخمس زائد واحد»، بشكل لا لبس فيه أنهما تعارضان تمديد الحظر. لكن بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين على حد سواء أكدت جميعها أنها تعارض إعادة فرض العقوبات، ومن المحتمل أن تدّعي أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الأهلية لممارستها، بعد أن انسحبت من الاتفاقية وبالتالي تخلّت عن حق الرجوع إليها. وفي حين أن الدول الثلاث من “الاتحاد الأوروبي” لا ترغب في حدوث مواجهة داخل المجلس بشأن إعادة فرض العقوبات، فمع ذلك – وربما خوفاً من كيفية رد واشنطن إذا رُفِضت من قبل الأمم المتحدة – فقد ترحّب روسيا والصين بهذه المعركة كفرصة لتأليب الولايات المتحدة ضد حلفائها وتقويض مكانة واشنطن في المؤسسة الدولية الأولى في العالم. لكن إدارة ترامب ستجد نفسها أمام معضلة: فإعادة فرض العقوبات هي أفضل وسيلة ضغط لها لضمان تمديد الحظر، ولكن هذا التأثير هو الأقل فعالية مع الأطراف التي تحتاج الولايات المتحدة إلى إقناعها أكثر من سواها.
الخيارات في مجال السياسات العامة
وفق سينغ فإنه في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، سعت الولايات المتحدة إلى ثني روسيا عن بيع منظومة الدفاع الجوي “إس -300” لإيران. وكان من الممكن بيع المنظومة بموجب العقوبات التي كانت سائدة آنذاك، والتي لم تشمل الأسلحة الدفاعية، لكنها كانت ستعيق توجيه أي ضربة عسكرية على إيران. وكان القرار غير رسمي بل فعال – حيث توصل الرئيس جورج دبليو بوش إلى اتفاق شرف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقضي بعدم نقل المنظومة إلى إيران بينما كانت الدبلوماسية النووية مستمرة. ومع ذلك، سيكون من الصعب تكرار هذا الإنجاز الدبلوماسي حالياً. فالعلاقات مع موسكو وبكين أكثر تشاحناً مما كانت عليه في العقود السابقة، ومن المرجح أن تؤدي المنافسة المتجددة بين “القوى العظمى” في الشرق الأوسط إلى دفع الدولتين نحو بناء علاقات عسكرية أوثق مع طهران. بالإضافة إلى ذلك، فمثل هذا الفهم لن يوفر الأساس القانوني لدول الأطراف الثالثة للاعتراض على شحنات الأسلحة إلى إيران، أو لمحاكمة أولئك المتورطين في إعادة شحنها.
وبالتالي، سيتطلب تمديد الحظر قراراً من مجلس الأمن الدولي يدعو إلى التغلب على كل من المعارضة الروسية والصينية واقتصار الخطوة على تعديل عشوائي للاتفاق النووي. وقد يحفز التمديد أيضاً رد فعل قوي من إيران التي تَعتبر انتهاء حظر الأسلحة بمثابة إنجاز سياسي مقدَّر لدبلوماسيتها النووية. وفي حين أن هذه المهمة أمر جسيم، إلاّ أنه يجب النظر في مقاربات أخرى.
ماهي المقاربة التي يطرحها سينغ؟
فصل حظر الأسلحة عن الاتفاق النووي: بدلاً من مجرد تمديد الحظر، يجب على مجلس الأمن أن يفصله عن الاتفاق النووي بالكامل، وأن يعيد الأمر إلى سياقه الإقليمي. ومهما كان احترام الاتفاقيات ضرورياً من قِبل الدول الموقّعة عليها، إلّا أنه لا يمكن التوقع من هذه الدول أن تعمل ضد مصالحها الخاصة أو دون مراعاة الحقائق على الأرض. والواقع الراهن قاسٍ – فقد واصلت إيران الانخراط في انتشار الأسلحة لجماعات مثل «حزب الله» والحوثيين والميليشيات العراقية في تحدٍ للعديد من قرارات مجلس الأمن الدولي، علماً بأن هذه القرارات مماثلة في أهميتها للاتفاق النووي والقرار 2231، الذي أيّد الاتفاق النووي ورفع العقوبات المفروضة بموجب القرارات السابقة للأمم المتحدة. وتم تمرير جميع تلك القرارات بدعم من موسكو وبكين. ولكن رفع حظر الأسلحة عن إيران لا ينمّ عن ازدراء بتلك القرارات فحسب، بل قد يعقّد أيضاً آلية تنفيذها الضئيلة أصلاً – ومن الأسهل بكثير منع بيع الأسلحة لإيران من ردع طهران عن نشرها في المرحلة المقبلة. وبعبارات دقيقة، لا تواجه إيران حالياً أي حظر على الأسلحة. وبدلاً من ذلك، ينص القرار 2231 على أنه يجوز لإيران شراء وبيع الأسلحة، رهناً بموافقة مجلس الأمن على كل حالة على حدة. ويمكن لقرار جديد، بدلاً من حفاظه على هذا النظام أو بغير ذلك منع إيران من تصدير واستيراد الأسلحة، أن ينص على الشروط التي يمكنها بموجبها القيام بذلك – أي من خلال الامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي الأخرى ذات الصلة، مثل 1701 (2006) و 2216 (2015). وبما أن رفع حظر الأسلحة ليس جزءاً من الاتفاق النووي بحد ذاته بل جزءاً من القرار 2231، فلن يشكل تغييراً من جانب واحد لأي اتفاق يتم التفاوض عليه مع إيران. وفي المقابل، سيكون تغييراً لاتفاق بين أعضاء مجلس الأمن نفسه الذين يتمتعون بحرية تعديل القرارات وفقاً للبيئة الجيوسياسية السائدة، وغالباً ما يفعلون ذلك.
حشد الدعم الإقليمي: بينما قد ترحب روسيا والصين بالمواجهة مع الولايات المتحدة – خاصة إذا أدركتا أن واشنطن لن تعطي الأولوية لقضية إيران في علاقاتها الأوسع مع موسكو وبكين – إلّا أنهما أقل احتمالاً لأن تحبّذا تعاظم التوتر مع خصوم إيران في الشرق الأوسط. يجب على واشنطن أن تستعين بكبار الشركاء الاقتصاديين لروسيا والصين في المنطقة – إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر على وجه الخصوص – لتوضيح أن موسكو وبكين ستدفعان ثمناً إذا اعترضتا طريق تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران.
تغيير تهديد “معاودة فرض العقوبات”: في حين أن المقاربة المذكورة أعلاه قد تعطي لروسيا والصين وسيلةً لدعم تمديد الحظر مع حفظ ماء الوجه، إلا أنهما قد تمتنعان عن ذلك، فتراهنان على أن المحاولة الأمريكية لمعاودة فرض العقوبات لن تبوء بالفشل فحسب، بل قد تُحدث أيضاً شرخاً بين الولايات المتحدة والدول الثلاث في “الاتحاد الأوروبي” (“الثلاثي الأوروبي”) وتثير أزمة أعمق في مجلس الأمن تلقي بظلالها على المسألة الإيرانية. وبينما ستُعَد إثارة تلك الأزمة تصرفاً طائشاً من قبل موسكو وبكين، إلّا أن قيامهما بذلك سيكون متسقاً مع رغبتهما في إضعاف دور الولايات المتحدة في النظام الدولي.
روسيا والصين في الميدان:
ليس هناك مصلحة للولايات المتحدة أو لـ “الثلاثي الأوروبي” في التشجيع على نشوب أزمة بشأن إيران وفق سينغ، وهو يبرر ذلك بالقول “خاصة إذا كان المستفيدان هما روسيا والصين. ومع ذلك، سيدفع هذا المنطق بالحلفاء إلى استنتاجات مختلفة – اقتراح واشنطن بأنه يتعيّن على الدول الثلاث في “الاتحاد الأوروبي” التخلي ببساطة عن اعتراضاتها على قيام الولايات المتحدة بإعادة فرض العقوبات أو حتى إطلاق هذه الدول شرارة هذه الإعادة بنفسها؛ وتفضيل “الثلاثي الأوروبي” تجنّب واشنطن ببساطة ردّ مفاجئ، باعتبار أن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران سيضيف القليل من الضغط إلى ذلك الذي سبق تحقيقه من خلال إعادة فرض العقوبات الأمريكية، ومع ذلك قد يدفع إيران لتصعيد أنشطتها النووية بشكل أكبر. وقد يكون الحل الوسط بين هذه المواقف هو قيام الولايات المتحدة و الدول الثلاث في “الاتحاد الأوروبي” معاً بتقديم قرار يُعلّق الاتفاق النووي لفترة تفاوض قابلة للتجديد، ربما ستة أشهر، مع استمرار واشنطن في تهديدها بإعادة فرض العقوبات كأداة احتياطية تلجأ إليها في حالة اعتراض موسكو أو بكين وموافقة “الثلاثي الأوروبي” على عدم التشكيك في موقف الولايات المتحدة ودافعها لاتخاذ هذه الخطوة”